ثم يعرض عليك سؤاله قبل استقامتك على الدرب، فلا تلتفت إلى شيء من ذلك أصلاً

ثم قال: (ثم يعرض عليك سؤاله قبل استقامتك على الدرب، فلا تلتفت إلى شيء من ذلك أصلاً) هذا الرجل يصف ما جرى له، فيقول لك: إن حصل لك الأمر كما حصل لي فاعمل فيه كما عملت، وهذا من قصوره، فإنه لا يلزم ذلك أن يكون في معاملته لما يظهر الحق له، مختبرًا أو مُكرمًا على حاله ما كان هذا عليه، بل يكون في ذلك مع الله بحسب مقامه من العلم بالله، فقد يكون مثله وقد لا يكون، فلا يقيده بحاله ول بمعاملته، ولا سيما وما عين إلا سؤاله هذا الموصي، وقد رأينا من أُكرِم من عباد الله قبل استقامته على الدرب، كإبراهيم بن أدهم، وكصاحب السكرجتين، وكصاحب الجراد، لم يكن واحد من هؤلاء مستقيًما على الدرب، كذلك هذه السُؤلة التي تأتيه قبل الاستقامة، لا ينبغي أن يهملها، فإن العلم في الطريق أبلغ من العمل، فإن العمل ينقطع وله حد فينتهي إليه، والعلم لا ينقطع أبدًا ولا يعقل له غاية يوقف عندها، فوصيته ألا تلتفت إلى شيء من تلك الأسئلة قبل الاستقامة منه على الدرب، وأراد بالدرب الطريق إلى الله تعالى التي يسلك عليها القاصدون إلى الله، وهو طريق بطلب العلم والعمل في موطن خاص وهو الدنيا، وحال خاص وهو التكليف، فقد يكون تلك الأسؤلة مما يعطيه الالتفات إليها الاستقامة على الدرب، فلو عين الأسؤلة في وصيته لكنا فيه بحسب ما تقتضية تلك الأسؤلة، وبينا ما يلتفت إليه منها وما لا يلتفت على أنه ليس في الطريق شيء لا يلتفت إليه منها، هذا لا يكون.