ثم إذا دخلت الدرب، فاسلك فيها بأدب، ولا تلتفت إلى ما يعرض لك إلى يمين الطريق وشماله، بل امش فيه على الاستقامة من غير التفات أصلاً

ثم قال: (ثم إذا دخلت الدرب، فاسلك فيها بأدب، ولا تلتفت إلى ما يعرض لك إلى يمين الطريق وشماله، بل امش فيه على الاستقامة من غير التفات أصلاً، وكن في هذه الأحوال كلها ملازمًا للذكر، متحققًا به، ملتجئًا إلى الله، قاصدًا وجهه الكريم، راجيًا منه ما يشرفك به كما شرف عباده الصالحين، ولا تنسى ما كنت عليه، وم صدر منك من المعاصي، بل تكن ذاكرًا لذلك في كل موطن تصل إليه، حتى تصغر عندك نفسك، وتعرف قدرها وقدر ما أنعم الله به عليك، وكن في هذا كله ذاكرًا لمعصيتك، مستغفرً لذنبك، معترفًا بما أنت فيه من التقصير، وكن ذاكرًا في كل وقت ما وصيتك به، وطالع هذه الأوراق، فإنك ترى فيها غياثًا إن شاء الله تعالى) هذا الرجل ما يتكلم إل بحاله وذوقه، ويتخيل أن المطلوب منه من الله ما ذكره، وما يعرف أن الأمر قد يكون حال غيره مثل حاله وقد لا يكون، فله الأجر على القصد خاصة لا على الإصابة، فإن جميع ما ذكره لا يتصور كونه، فإن النفس لا تقبل في الزمان الذي لا ينقسم سوى خاطر واحد، فلا يتمكن لها أن تجمع بين شهود معصيتها، وشهود نعمة الله عليها، فإنها مهما كانت في شيء مع الله لا تكون في شيء آخر، هذا باب معروف وعلم محقق، وأما ذكرهما في هذ الموطن، وهو موطن التوبة والإقبال على الله تعالى ما كان عليه من المعاصي، فذلك جفاء مع الله وعدم حياء.