---

لا تنس شيخك وإخوانك

وقوله: (لا تنس شيخك وإخوانك) يريد في مواقف الحق إذا أوقفه يذكر عند ذلك شيخه لربه وإخوانه بخير، فيعطيهم  الله تعالى من الخير على قدر ما قصدوه، إن كان قصدهم أعلى من موقف هذا المريد، فإن كان موقف المريد أعلى من قصدهم أعطاهم الله تعالى على قدر موقف المريد، وإن قصر قصدهم عن ذلك، وذلك لكرم الله الشامل، فإن المريد في ميزان شيخه فيما كان منه وسببه.

ولقد كنا نحضر بمجلس الشيخ عبد العزيز بن الكره، وهو يتكلم في المعرفة والناس بين يديه، وكان يحضر مجلسه شيخه جراح - رحمه الله - فيفرح به الشيخ جراح، وبما فتح الله تعالى عليه به، ثم يرد برأسه إليّ وإلى الجماعة، ويقول: هذا عبد العزيز رويحانة – ويصغرها - في ميزاني، وكان عبد العزيز - رحمه الله - إذا سمعه يذكر ذلك يتهلل وجهه ويتبسم، وكان هذا الشيخ جراح رضي الله عنه عالي المقام، مجهول بين أصحابه لم يظهر قط للشيخ عبد العزيز تلميذه من حاله بارقة، وكذ قال لي وسألته عن ذلك؟ فقال: لا يطيق، وكان هذا الشيخ جراح باب في مجلس الشيخ أبي مدين - رضي الله عنهما - إذ كان بـ (تونس)، وجاء منه ما جاء، وكان الشيخ أبو مدين يقول بـ (بجاية) إذا ذكر عنده جراح: لو كان لي جناح لطرت به إلى جراح، ثناءً عليه لكونه يقصده مع كونه من مريديه، وكان يحفظ المدونة لسحنون في مذهب مالك رضي الله عنه عن ظهر قلبه، وكان قد اشتغل بالفقه قبل توبته، وكان من العمال الأمناء، مات ودفن بـ (مرسى عبدون) بمحرسة على البحر على إثنى عشر من تونس، ولم مات الشيخ عبد العزيز تلميذه أمر أصحابه أن يدفن إلى جانبه، فقيل لي: إنه دفن إلى جانبه بالمرسى المذكور، وم رأيت فيمن رأيت أحفظ منه على السنة؛ إلا ما سمعته عن الشيخ الحداد باليمن، شيخ ربيع بن محمود المارديني الحطاب، فإنه بلغني: أنه ما بلغه قط خبر من رسول الله ﷺ يقتضي العمل؛ إلا وعمل به.

 ثم قال في وصيته: (إذا حضرت في جمع فلا تجلس؛ إلا في أخفض موضع، يكون ذلك بذل وانكسار، وليكن عندك من الهيبة لهم، والاحترام لصغيرهم وكبيرهم، حظ وافر، ولتكن مطرقًا بينهم حياءً منهم) يقول: انظر نفسك أقل الجماعة، فإنك أعرف بنفسك منك بهم.