وإن دفع إليك ملبوسًا، فلا تتناوله أصلاً، ثم علل، ولو سكت لكان خيرًا له

ثم قال: (وإن دفع إليك ملبوسًا، فلا تتناوله أصلاً، ثم علل، ولو سكت لكان خيرًا له)  فقال: فإن السفر طويل فيقتضي التخفيف، فلنقل في شرح ذلك م ينبغي، أعني: في شرح الملبوس، وندرج فيه قصد هذا الشيخ فتحصل الفائدة للسامعين.

فاعلم أن الملبوس ملبوسان: لباس تقوى، ولباس زينة، فلباس التقوى: هو الغرض وهو ما تتقي به ضرر جسمك وروحك، هذا معنى لباس التقوى، وتتقي ظهور عورتك وهو خير لباس؛ لأنه لباس فرض، وأما لباس الزينة: وهو الريش وهو لباس التجمل، وله من الله محبة خاصة، ولباس الزينة على أقسام، فمن ذلك ما هو فرض بالنص، وله موطن خاص مع كونه زينة، وموطنه حال مناجاة الحق والوقوف بين يديه، وتلك زينة الله، والأمر بها قوله: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾ [الأعراف: 31]، فأمر وأمره واجب عند كل مسجد، فذكر الحال والموطن الذي يقتضي التجمل فيه لله تعالى بزينته، فإن النبي ﷺ قال لنا في الحق: أنه أحق من تجمل له، وقال في الخبر الصحيح نقلاً وكشفًا، للرجل الذي قال له: يا رسول الله إني أحب أن يكون نعلي حسنًا وثوبي حسنًا، فخاف أن يكون ذلك من البطر، فقال له رسول الله ﷺ: «إن الله جميل يحب الجمال»، فحصل للجمال حبًا إلهيً لا يحصله إلا من أخذ زينة الله عند كل مسجد، فمن كان على صلاته دائمً في عموم أحواله، فتكون الرتبة عليه لا تبرح، وهو من الذين هم على صلاتهم دائمون في عموم أحوالهم، بخلاف من ليس له هذه الحالة، ويجعل ذلك في حال الصلاة المشروعة خاصة، فهم في وقت دون وقت، وهؤلاء في عموم الأوقات يناجون الله فهم في صلاة دائمة؛ وإن اختلفت مشاربهم فيها، فإن إختلاف المشارب أيضًا موجود في الصلاة المعهودة المعلومة، فذوق الوقوف فيها غير ذوق الركوع، وغير ذوق الرفع من الركوع، غير ذوق القيام من الركوع، والسجود غير ذوق السجود الأول، غير ذوق الرفع من السجود، غير ذوق الجلوس بين السجدتين، غير ذوق السجود الثاني، غير ذوق جلوس الاستراحة، غير ذوق جلوس التشهد، فهذه مشارب مختلفة في الصلاة المعهودة، والمصلي يناجي ربه من حضرة الشركة والقسمة، فيكون كل صاحب قسم على قسمه معين، وكذلك الكامل في جميع أحواله على قسمه، ويعطي الله قسمه من حاله، فإن لله في كل حال قسمًا معينًا، وحقًا واجبًا، ولذلك قال له في كل حال وحركة وسكون، حكم شرعي بفعل أو ترك، على وجوب، أو ندب، أو خطر، أو كراهة، أو إباحة، فاعلم ذلك.