يَا أَيُّهَ المُزَّمِّلُ

ولما علل هذا الشيخ في رد الملبوس من أجل السفر؛ علمنا أنه يريد لباسً معينًا، إذ لابد له من لباس التقوى كما ذكرناه، واقتصر عليه فإنه ضد الفرض، ولم كان الثوب الدين، وهو على قسمين: فرض، ونفل، أراد هذا الشيخ في وصيته، أن يكون في جميع حركاته الدينية صاحب فرض لا صاحب نفل، ولا شك أن أداء الواجب أعلى وأحب إلى الله تعالى من كل ما يُتقرب به إليه، فكأنه يقول لك: إن عرض عليك نافلة فلا تقبلها، وعمر وقتك بالفرض فهو خير لك، وإن كانت نافلة فتكون بمعنى زيادة فرض لا غير ذلك، كما كان قيام الليل فرضًا على رسول الله ﷺ بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَ المُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [المزمل: 1،2]، وجعل ذلك نافلة له، أي: زيادة في الذي افترض عليه، فقال: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾ [الإسراء: 79]، فلذلك أي زيادة فرض أمرك بها، وكذلك هي في حق المؤمن لو عقل عن الله تعالى، وأن الله تعالى يقول في العبد الذي انتقص من فرائضه: «أكملوا الفريضة من تطوعه»، @الذي أوجبه بالقفل على نفسه، فما كمل واجب إلا من واجب، كالنذر الذي أوجبه الله عليه بإيجابه إياه على نفسه.

وكذا جاء في الخبر في قول السائل رسول الله ﷺ لما قدر الفرائض، فقال: في كل فريضة هل عليّ غيرها؟ قال: «لا» أي ما أوجب الله عليك ابتداءً من ذاته إل هذا الذي جئتكم به، ثم قال: «إلا أن تطوع»، يقول: فإن تطوعت أنت بما توجبه على نفسك فإن الله تعالى يوجبه عليك، كما فعل بالنذر، فإن مقتضى الكلام يعطي ذلك في قوله: هل عليّ غيرها؟ قال: «لا إلا أن تطوع بشيء» فيكون عليك الوفاء به، فإنك جئت بعمل لم يفترض عليك، تطوعت به من نفسك، فأمرك الحق ألا تبطل عملك الذي تطوعت به، فأوجبه عليك بقوله تعالى: ﴿وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 33]، والشروع ملزم، ولذلك ورد فيمن أبطله أن يقضيه، فتحقق ما ذكره هذ الشيخ، فما أوصى إلى@ بأن تكون صاحب فرض في ذلك كله، فإن ترك الزيادة تخفيف.