تنبيه:

فدله هذا الشيخ في وصيته إياه بهذا على مقام جليل، ومنزلة رفيعة، وإن كان فيه شهود الغير، لأنه لابد أن يشهد الغير، ولو لم يكن إلا بقصده الطريق، الذي يرد به السلوك عليه إلى دار الشيخ، فإذ ولابد من شهود الأغيار، فليجعل في نفسه أنها أوعية ما يلقي الحق فيها، فيستفيد في طريقه، إذا كان بهذه المثابة علومًا كثيرة، قبل وصوله إلى الشيخ، فإن المريد ما يقصد الشيخ إلا ليستفيد منه، ويعلم أنه دون الشيخ، وكذلك يقصده، فإذا صحبته هذه الصفة في طريقه، وفي أحواله مع كل من يلقاه في حقه شيخًا، ألا ترى أبا يوسف الهمداني كيف قال لذلك المريد الذي طالبه بخاطره ليشرح له واقعته، فقال له: يا ولدي إذا خطر لك ما يشكل عليك فلا تتعبني، واسأل عن بيتي حتى أشرح لك واقعتك، فقال له المريد: يا أبا يوسف إذا وقعت لي واقعة رفعت كل حجر، فوجدت عنده أبا يوسف - مثلك يشير إلى ما قاله هذا الشيخ في وصيته - قال أبو يوسف: فعلمت أن المريد الصادق يحرك الشيخ بهمته، فتبت إلى الله، وانصرفت.

وكل مستفيد وطالب فائدة، فإنه بالضرورة في نفسه دون من يرجو حصول تلك الفائدة، والمريد طالب حكمة أبدًا من كل شيء، وفي كل شيء، فلابد أن يكون في نفسه بهذه المثابة، حتى أنه يكون مع نفسه بهذه الصورة، فيستفيد من نفسه لمراقبته ما يُجري الله عليه في حركاته، وسكناته، وأعضائه من الحكم، فيفيد بعضه بعضه، [كما قال بن زهير في نظمه

وبكى بعضي وعلى بعضي معي        فجعل بعضه يساعد بعضه]

تنبيه: على ما أشرنا إليه من أن الإنسان يفيد نفسه إذا كان طالب حكمة، فهو في جميع أحواله لا يبرح يستفيد، فإنه لا يبرح في مراقبته، وهذه حالة السماع من الله [سبحانه وتعالى في كل شيء ومن كل شيء إلا إن هذا المريد يزيد على صاحب السماع من الله تعالى] أنه سمع من نفسه ما يفيده، من حيث أنه مجلى إلهي، مُنطَق أو مُحَرك من الله، فهو أتم بهذه الحالة من السامع من الله سبحانه وتعالى. ثم قال: (فإذ قرب من منزل شيخه، فإن كان هناك مسجد دخل فيه، وصلى، وسأل الله تعالى أن يُعطف [قلب شيخه عليه]) أما إن كان قصده ومشيه إلى بيت الشيخ، عن توجيه الشيخ إليه بالمجيء، فلا خلاف بين القوم أنه لا يصلي، ولا يفعل شيء سوى المجيء إلى الشيخ، وأصلهم في ذلك القصة التي نزلت فيها ﴿يَا أَيُّهَ الَّذِينَ آمَنُو اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾[الأنفال: 24]، ومعلوم عندنا أن الشيخ لا يطلب المريد بالوصول إليه لنفسه، بل لمنفعة المريد، ولو كانت الحاجة للشيخ، فإنه ما اختص هذ المريد بالمشي فيها، وقضائها على يديه، إل لمنفعة إلهية تعود عليه في ذلك يُحي بها قلبه، ويكون فيها قربه إلى الله تعالى، فإن الرجل الذي نزلت فيه هذه الآية، كان يصلي، فدعاه رسول الله ﷺ فمنعته صلاته من إجابته، فنزلت هذه الآية.