كتاب الأجوبة العربية في شرح النصائح اليوسفية

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

ويعرف هذا الكتاب أيضاً باسم: شرح روحية الشيخ على الكردى

ويزن بذلك أفعال نفسه في كل أحواله)

وأما قوله بعد ذلك: (ويزن بذلك أفعال نفسه في كل أحواله) فالإشارة في قوله بذلك إلى الحفظ لا إلى الإلهام، فينبغي له أن يحفظ أفعال نفسه، أي: جميع م تحرك فيه حتى يذكر ذلك لشيخه، فلا يريد ميزان الإلهام، فإن الإلهام إنما يقع له في أمر خاص، والحفظ يعم.

ثم قال: (ويعلم أن الشيخ يريد أن يحييه ويوجده بإذن الله تعالى)، يقول: إذا علم أن ذلك من جهة الشيخ لا من اتحاده بالشيخ، يعلم عند ذلك أن الشيخ قد أحبه لما ألهمه به، فإنه يريد أن يوجده نتيجة ذلك الإلهام، إلهيًا، أو إخبارًا بأمر، فلابد أن يكون كذلك نتيجة إرادة الشيخ أن يوجده إياها.

وقوله: (بإذن الله تعالى) يريد قول الله تعالى في عيسى صلى الله عليه وسلم فيما ظهر عليه من إحياء الموتى، وخلق الطير، ونفخه فيه الروح، فأخبر أن ذلك كله بإذن الله، وإذا كان بإذن الله فإن الله ما يأذن إلا بهذا الطريق الخاص، لا بالطريق العام الذي يعلم أنه ل يتصرف للعالم إلا الله، لا يريد ذلك، وإنما يريد الإذن الخاص، أي: على الطريقة التي يعلمها رسل الله، وأولياء الله تعالى، فإن الله تعالى يقول في الإكمال: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا﴾ بالفطرة ﴿فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾[الشمس: 7،8] أي: بفطرتها تتقي، وبفطرتها تأتي كل شيء في قوتها، هذا الإلهام العام، والإلهام الخاص في هذا الكمال، ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا﴾ أنه فجور ﴿وَتَقْوَاهَا﴾ أنه تقوى، فتأتي من ذلك م شُرِع لها أن تأتيه، وتجتنب من ذلك م شرع لها أن تجتنبه، سواء كانت هذه النفس عين الرسول أو المرسل إليه.

وأما قوله: (ويعلم أن هذا الإلهام أبلغ من الحفظ باللسان) فعبارة غير مستقيمة، فإنه يريد أن يقول: وأن هذا الإلهام الذي وجده هذا المريد من جهة الشيخ، أبلغ من مشافهته به إياه، فيكون حفظه لما ألهمه به أشد من حفظه لما شافهه به، لأن الإلهام ما يعطي إلا المعنى المجرد، فهو كالنص ما فيه تأويل لأنه لما عين له، والمشافهة في الخطاب تنزل عن هذه الرتبة، فإنها مقيدة بالألفاظ، فلا يسمع بالمشافهة إلا ألفاظًا، واللفظ يدخله التأويل، فقد [يوافق] ما يريد الشيخ بذلك اللفظ في المشافهة، وقد لا يوافق، بخلاف الإلهام، ففي الإلهام تعيين الشيء، فتحفظ ذلك المعين، وفي المشافهة لا يقدر على حفظ التأويل، فإنه لا يعرف هل هو فيه مُصيب أو مخطأ، فالذي يحفظ في المشافهة عين اللفظ خاصة، حتى يذكره للشيخ ليبين له أحد محتملاته، هذا إذا لم يكن نصًا في الباب.