---

قلنا:

وأما هذه الطريقة التي دل عليها هذا الشيخ في وصيته، هي طريق المحاسبي وأمثاله، وهي طريق فيها يُعد الموت قريبًا، ولابد له أن ينتقل من هذه الصفة، إلى ما قلناه [فليأخذ ما قلناه] ابتداءً على علم، والكل حسن، ولكن هذا أحسن وأقرب للفتح.

قلنا: فليأخذ ما كان الشيخ أبو مدين رضي الله عنه يقول: لا يجيء صادق جيد، إل من مُرائي جيد، وذلك أن النبي ﷺ يقول: «الخير عادة»، فإذا تعودت النفوس فعل الخير الظاهر، ولو كان يُرائي بذلك، فإنه إذا تاب هذ المرائي، كانت توبته مثل الإكسير، تقلب عين أعماله المتقدمة، فيتوب على ما أسلف من الخير الذي ظهر، فيقبل جميعه، ويعطى نتيجته، فكأنه ما زال على خير هذا فائدته، ويهون عليه فعل الخير مع التوبة، لأنه قد اعتاده في الحال بهذا الرياء، فما خاف هذ الشيخ إلا من الرياء والعُجب، الذي يدخل النفس إذا أثني عليها من الصفات المحمودة، فيزيد في العمل على أصل جيد، ولا شك أن أصله جيد، ولكن جهله وشقاؤه في العلم، فإذ استعمل العلم كان بحكم ما ذكرناه في هذه المسألة بما ظهر.

ومما يؤيد ما ذكرناه ما حُكي عن الجنيد: أن رجلاً عطس بمجلس الجنيد، فقال: الحمد لله، فقال له الجنيد: أتمها، وقل: الحمد لله رب العالمين، فقال: يا سيدي، ومن العالَم حتى يذكر مع الله، فقال الجنيد: الآن قلها يا أخي، إن المحدث إذا قرن بالقديم لم يبق له أثر. فهذا قد أفنى العالم في جنب الله، وقد أقره الجنيد على ذلك، حين علم أنه الحق، وعلل هذا الذي يرائي [بعلمه] من يرائي، وما ثَم إلا الله، وبأي عمل له يرائي به، والعامل هو الله، كما قال على لسان عبده (سمع الله لمن حمده) كذلك على جميع أعماله بآلة عبده.