موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب المبادئ والغايات فيما تحوي عليه حروف المعجم من المعاني والآيات

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو للشيخ فخر الدين عبد اللّه أبى الحسن على بن أحمد ابن الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن محمد التجيبى الحرّالى

المبادئ والغايات فيما تحوي عليه حروف المعجم من العجائب والآيات

 

 


الحمدُ لله فاتحِ المُبهَمَات، ومفصِّلِ المُحكمات، ومُنزِّلِ الآياتِ البيِّنات، والصلاةُ والسلامُ على سيّدِنا محمدٍ عبدِهِ ورسولهِ، مبيِّن الآياتِ المتشابهات، وعلى آلهِ ومَن اشتاقَ إليه من إخوانهِ ممِّن هو من بعدِه آت.

أمّا بعد، فإنّ مبادئَ الأمورِ فواتحُ بركاتهِا الحروفُ، وأواخرها منالُ ثمراتهِا، ومرقى غاياتهِا، وتحقُّق الآخرِ بالأوّلِ، والأوّلِ بالآخرِ مجموعُ ختامهِا، ومطلعُ أحديَّتهِا، ووضوحُ آياتهِا، وإنّه لمّا كان أولُّ مُتَعَلَّمٍ ليتَرَقَّى به في رتبِ العِلمِ بالرسومِ والآياتِ، والحِكَمِ المنتظماتِ، تَحَفُّظ الحروفِ؛ ليُتَوَصَّل بحفظهِا لتَعلُّم الكَلمِ التي تألّفت منها، ثم تَحَفُّظ الكَلمِ؛ ليتوصّلَ بحفظهِا إلى تعلّمِ الكلامِ الذي ينتظمُ من الكَلمِ، فإذا انتهت الرتبُ الثلاثُ في التحِفُّظِ، ومجموعُها هو عِلمُ الروايةِ؛ فعند ذلك يجبُ العَودُ بالتّفهُمِ تدليًّا إلى مبدأ ما وقعَ منه التدرُّجُ [بالتحفُّظِ والتعلُّمِ] ترقيًّا، فيهتدي لذلك مَن اصطُفِيَ منِ عُلماءِ التعلُّمِ والروايةِ، فيحاولُ له جمعَ الهِمَّةِ، وإبرامَ العزيمةِ في تفهيمِ الكلامِ المنتظمِ كما قال عليٌّ -عليه السلامُ- «ليس عندنا إلا كتاب الله، وما في هذه الصحيفة» ؛ يعني منِ أحكامِ العقولِ والدِّيَّات، إلّا فهمًا يؤتيه اللهُ في كتِابهِ، وقال تعالى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38]، فما منِ علمٍ إلّا وهو مخبوءٌ في كتابِ الله تعالى، لا يُحاط به إلا بما يشاءُ اللهُ مما يؤتيه منِ فهِمِه وعِلمِه، وروي عن النبّيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لكل آية [من القرآن] ظهر وبطن إلى سبعة أبطن»، فإذا حَصَّلَ منِ فَهمِ الكلامِ المنتظمِ على تفصيلهِ ما شاء اللهُ؛ ترقى الفاهمُ منه إلى تفهُّمِ الكَلمِ المفرداتِ على مقصدِ ما يجمعُه عِلمُ اللغةِ منِ ذلك التفصيل، ويُفردُه منِ جوامعِه، وهو «عِلمُ الأسماءِ» أي«عِلم الاشتقاق»، ثم يتدلّى منِ قابِ قوسِه إلى فَهمِ الحروفِ بما هي عليه منِ جمعِها لمعاني الكَلمِ، وإحاطتهِا بحدودِها، فعند ذلك ينتهي فَهمه باطناً إلى مبدأ حفظهِ ظاهرًا، ويبدو له مطلعُ الخَتمِ، وتُفصِحُ له العُجمةُ، ويُفتحُ له بابُ الفتحِ المبينِ الذي خُصَّ به آلُ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، والعِلمُ الذي محمدٌ صلّى الله عليه وسلّم مدينتُه، وعليٌّ بابُها، وتتبُّع الأخبارِ والاقتداءِ بالرسومِ والآثارِ على حكمِ الإيمانِ والتّصديقِ، ونص تلك المدينة، والظاهرِ من آياتهِا، والعلم بمعاني الحروفِ ومواقعِها منِ الوجودِ منِ النوافلِ التي غايتُها المحبّةُ منِ الله تعالى إلى ما وراء ذلك ممِّا لا يعلمُه إلّا اللهُ تعالى.

واعلم أنّ لظاهر تفصيلِ الكلامِ المسموعِ من جميعِ الكائنِ؛ آيَ القرآن الذي هو مسموعٌ يطابقُ كلَّ ما في الوجودِ المشهودِ تطابقًا صادقًا، وآيةً ظاهرة، وكذلك لظاهرِ مفرداتِ الكَلمِ منِ الكائنِ المشهودة آيةٌ جامعةٌ، ومتطابقاتٌ حاصرةٌ، وكذلك في الرتبةِ الثالثةِ لظاهرِ الحروفِ المسموعةِ أيضا إحاطاتٌ منِ ملحظِ البصيرةِ، ورؤى القلب في الكائنِ المشهودِ، وكما لكلِّ آيةٍ منِ الكتابِ ظهرٌ وبطنٌ إلى سبعةِ أبطن، فلذلك الكائنُ المشهودُ عالمٌ ظاهرٌ، وعالمٌ باطنٌ إلى ما يطابقُ عددَ المسموعِ، وكذلك أيضًا للحواسِّ منِ السّمعِ والبصرِ رتبُ إدراكٍ موزّعةٌ على تلك المفهوماتِ والعوالمِ، فم كان ممِّا وراء رتبِ المحسوساتِ من معنى المسموعِ وغيرِهِ عِزَّةٌ كان رتبةَ فهمٍ، وما كان ممِّا وراء ظاهرِ المحسوسِ كان رتبةَ كشفٍ في مرآة، أو سماعِ خطابٍ منه، وكذلك ما وراء ظاهرِ سائرِها، وأعلاها أبطنها إلى غايةِ الكشفِ السابعِ الجامعِ المحيطِ الخاصِّ مطلعه بمحمدٍ وآلهِ، فما كان منِ الفهمِ أو الكشفِ جامعًا محيطًا، كان فهمًا أو كشفًا محمّديًا، وما كان منِ الكشفِ مقتطعً مختصًا بموطنٍ وطريقٍ ومسلكٍ ومرقى ومنزلٍ منِ كليّةِ عالمٍ، فهو كشفٌ جزئيٌّ [مستثير عن عملٍ جزئي، متلقى عن علمٍ جزئي] منسوبٍ لمُرَبٍّ من ذي عِلمٍ أو سلوكٍ على يدِ شيخٍ صاحبِ قَدَمٍ، وعالمٍ ذي علمٍ بمسلكهِ وطريقِه، ومنازلَ أتباعِه، ومنه ما ورد عنه -عليه السلام-«علماءُ أمَّتي كأنبياءِ بني إسرائيل».

واعلم أنّه لا يُفتحُ عن عينِ كشفٍ لسالكٍ إلّا بمقدارِ مطابقتهِا بعِلمِ أستاذِه وشيخِه وقدوتهِ، وكذلك أيضًا الأستاذ والشّيخ إن كان له حظٌ منِ كشفٍ، فلا يزيدُ على مقدارِ حظِّهِ من العِلمِ الناشئ ذلك الكشفُ عن مُنبَعَثهِ، حتى أنّ الأستاذَ والشيخَ الذي لا باطنَ عِلمٍ له و لا يرشدُ؛ عِلمُه على تحفّظِ رسومٍ عَمِلَ بها، وداومَ عليهَا، فلا شيخَ له منِ عالَمِ الكشفِ، ولا لمَن اقتدى به بابٌ، ولا يلوحُ له منه بارقٌ، ومتى ذُكرِ له شيءٌ منِ الكشفِ، أو خُوطبَ بروحٍ منِ الفَهمِ أو أُظْهِرَ على شيءٍ منِ الخوارقِ عَدَّ ذلك الكشفَ جنونًا، والخوارقَ سحرًا، وما يقرعُ سمعَه منِ خطابِ الفَهمِ الذي لم يدركه كفرًا وابتداعًا، لأنّه لا يعلمُ مواقعَ ذلك ومُطَّلَعَاتهِ منِ الكتابِ العزيزِ، والخُلُقِ المحمّديِّ، والعِلمِ الإحاطيِّ العُلويِّ.

فتحقّق بهذا أنّ مجاليَ الحروفِ وفَهمَ مواقعِها لمّا كان منِ خواصِّ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فَكَشْفُ عوالمِها ممِّا يُخْتَصُّ به أمّةُ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم لأنّ ثمراتِ الأعمالِ لكلِّ أمّةٍ لا يزيدُ على مضمونِ عِلمِ نبيِّها، وما منِ نبيٍّ له رتبةٌ من العِلمِ تتبعه أمّتُه على حظٍّ منِ القدوةِ والأسوةِ ممِّا قصَّه اللهُ على نبيِّهِ صلّى الله عليه وسلّم وممِّن لم يقصُصه، إلّا وله في أمّةِ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم مثْلٌ، ينزلُ في عِلمِه وأتباعِه منِ أمّةِ محمدٍ منزلةَ ذلك النبّيِّ وأمّتهِ منِ الأوّلين، يُعْلَمُ ذلك بنورِ العِلمِ المقتضي لمقصدِ جمعِ تحصيلِ السّتِ في واحدِ السّبعِ، الذي منِ بعضِ مطالعِه عِلمُ الوقائعِ والملاحمِ، ومعرفة تواريخِ الكائناتِ المُتَرَقَّبَاتِ التي يشاهدُها المُطَّلعُ على حُكمِ الإحاطةِ جمعًا في الآنِ الواحدِ، ولا يشاهدُها مَن دون هذه الرتبةِ) إلا شيئًا فشيئًا بطولِ الأزمنةِ إلى ما يترتبُ في يومِ البرزخِ، فالجزاءِ، فالخلودِ، فالأبدِ، ومنِ إشاراتهِ: «لو كُشِفَ الغطاءُ ما ازددتُ يقينًا».

واعلم أنّ كما للحروفِ معان في الفَهمِ وَمُثُلًا في الكشفِ، فلها رتبٌ في التعالي والتنزُّل منها نشأت الأعداد، وعن استبطانِ بعضِها في بعضٍ ظهرَ التضعيفُ في الأزواجِ منها والأفرادِ حتى كَمُلَ بكمالهِا رتبُ العددِ الثلاث، وحدودُها الأربعةُ، فلذلك تَرتَّبَ القولُ في الحروفِ في هذه اللمحةِ على ثلاثةِ مطالع، فقيل فيها بعونِ الله والتأييدِ بروحٍ منه: هذه لمحةٌ في تنزيلِ معنى الحروفِ مُوَضِّحةٌ بنورِ الله وتعليمِه لما استعجم منِ معانيها، ورُتَبِ أعدادِها، ومراتبِ أحوالِ أهلِ المكاشفاتِ فيها، والإشارةِ إلى شأنِ الرواةِ عنهم منِ الانتفاعِ بطرقٍ منِ تسبيبهِ على بعضِ حكمِ عوالمِها.


hXPh3Gy1sKg

 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!