موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب المبادئ والغايات فيما تحوي عليه حروف المعجم من المعاني والآيات

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو للشيخ فخر الدين عبد اللّه أبى الحسن على بن أحمد ابن الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن محمد التجيبى الحرّالى

[معنى حرف «ج»]

 

 


ولما كان مبدأُ الأسبابِ كما ذُكر الباءَ، وكانت حجابًا لقيامِ الألفِ كان منِ تمامِ الحكمةِ، ومنِ واجبِ [إظهارِ آيةِ الوحدانيةِ أن يكونَ لمراتبِ الحكمةِ خواتمُ يجتمعُ إليها بركاتُها وتلتئمُ فيها تفصيلُها وتنزمُّ إليها معانيها، وكان أوّلُ ما يُعبّرُ عن أوّلِ آيةٍ ظهر فيها الوِترُ، وكمُلت بها الباءُ، هو حرفُ الجيمِ، وهِو اسمٌ للجمعِ العليِّ الذي به يظهرُ رجوعُ الأشياءِ كلِّها إلى علوِّ وحدةِ اسمِ الله تعالى وأحديّتهِ الذي منه اسمُه الجامعُ، ثُمّ لكلِّ ما جُمع وأُجمل مفصلًا وتعدّدً، كالكَلمِ التي تستندُ إليها الأسبابُ، والجوامعُ التي ترجعُ إليها التفصّلاتُ، فكانت [خليقةً بالخاتمِ] إن يؤتاها، فلذلك قال -عليه الصلاةُ والسلامُ-: «أوتيت جوامعَ الكَلمِ»، [المحتويةِ على الغرائبِ] واختصر في الحديثِ اختصارً، وكانت معرفتُه بالخاءِ مصيرًا ما بين غايتهِا بالراءِ، وما يعبَّرُ عنه بالخروجِ الذي هو ظهورُ الأعيانِ منِ غيبِ الخفاءِ الذي إليه الإشارةُ في قولهِ تعالى: ﴿ يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [النمل: 25]، فلهذاِ انعجم معنى الجيمِ والخاء، وظهر بالّ ِ لطف والروحِ معنى الحاء بالرحمة والحنانِ، وما في معنى ذلك منِ الرياحِ الذي عنها حياةُ النباتِ، فيما يشيرُ إليه قولُه تعالى: ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ﴾ [الحجر: ٢٢]، والروحُ التي بها حياةُ الإنسانِ فيما يشيرُ إليه قولُه تعالى: ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾ [الحجر: 29]، إلى علوِّ الروحِ الذي منه تنزّلُ الوحي العليِّ، فيما يشيرُ إليه قولُه تعالى: ﴿ وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ﴾ [الشورى: 52]، فما بين هذه الغاياتِ منِ الكمالاتِ المحفوفةِ بالرحمةِ والّلطفِ معناه، وإكمالُ الفضلِ به كان حرفًا محيطًا فَعبَّر منوطًا بالميمِ، وتصييرُ الراءِ عن الرحمةِ التي وسعت كلَّ شيءٍ، وكانت مع الميمِ كمالًا، ثُمّ في معنى لطيف عبرت عنه الحواميمُ، حتى جعله -عليه الصلاةُ والسلامُ- شعارًا في يومِ أُحد، بمعنى إحاطةِ معنى الرحمةِ والقوّةِ والنصرِ بـ«ميم»، وتمامِ الأمرِ لهم، حيثُ أمَرَهم أن يقولوا: «حم ل ينصرون»، وكانا مع لامِ الّلطفِ عبارةً عن إقامةِ الرحمةِ، في محلِّ استحقاقِ الانتقامِ والعقوبة في معنى اسمِ الحلمِ، الذي منه اسمُه تعالى الحليمُ، الذي ببركةِ جدواه مما أوتي منه إبراهيمُ -عليه السلامُ- فيما يشهدُ له قوله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ﴾ [هود: 75]، [لما أوتي متخذ الخلة]، فظهرِ بالّ ِ لطف [منه حبُّ العلمِ والحلمِ] الذي قامت الحكمةُ على ما دون رتبته في معنى المجازاتِ، التي هي مقابلةُ معناه، فلمّا وسع برِّ إبراهيم منِ الحلمِ عن مستحقِّ العقوبةِ، فيما يشيرُ إليه قولُه تعاِلى: ﴿ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [هود: 74]، خالَلَ معنى مالكي الله [بسعِة رحمتهٍ] مما وراءه الحلم، وكان بذلك مُتخذًا خليلًا، ولما ثَبُت لسيّدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم منِ الرحمةِ، واختفائها بالرأفةِ، فيما يشهدُ له قولُه تعالى: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، كان له العينُ الخاصُّ ِبالإحاطة، [ما كان له خليلا] لا متخذًا في قوله -عليه السلامُ-: «ولكن صاحبكم خليل الله»، ولما كان في أبي بكر -رضي اللهُ عنه- منِ الّلطفِ والمعرفةِ بحقِّ أُولِ الحقِّ، وظهر ذلك عنه في آثارٍ وأفعالٍ كقيامهِ لعِليٍّ وهو في سِنِّ الشبابِ، وأبو بكر في سِنِّ الكهولةِ، وذلك بحضرةِ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أولو الفضل»، وفيما يؤثرُ أنّه قال لعليٍّ في أوّلِ خلافتهِ وتأخّر عليٌّ عن الأخذِ في أمورِ الناسِ لعكوفهِ على ما عكف عليه، كما قال: إنّما عكفتُ على عهدِ الله أجمعُ ما تفرّج منه، وكان أبو بكر ألطفَ مقالًا لعليٍّ، وأعرفَ لحقِّه، فقال يا أبا الحسن: إنّا لنرجو اللهَ إذا رضيتَ، ونخافه إذا سخطتَ، ولمّا ظهر في حكمِه منِ سعةِ العطاءِ حتى سوّى بين الناسِ فيه، وكان فيه منِ معنى الحلمِ والرحمةِ ما إن يقول فيه -عليه الصلاةُ والسلامُ-: «لو كنتُ متّخذًا خليلًا لاتخذتُ أبا بكرٍ خليلا»، فالحاءُ اسمٌ مباركٌ متكاملٌ متنزّلٌ، فلذلك كان منوطًا بالياءِ معبّرًا عن أنهى الكمالِ في اسمِه الحيِّ كما ذكر، ومنوطًا بكافِ الكونِ، وميمِ التمامِ، ومعبّرًا عن كمالِ الأسبابِ في اسمِه الحكيمُ، فله الكمالُ المحيطُ.

* * *


hXPh3Gy1sKg

 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!