موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(159) المكتوب التاسع والخمسون والمائة إلى شرف الدين حسين البدخشي في التعزية ** | ** (160) المكتوب الستون والمائة إلى أقل عبيده أعني يار محمد الجديد البدخشي الطالقاني في بيان أن مشائخ الطريقة قدس الله أسرارهم ثلاثة طوائف مع شرح أحوال كل منها كمالا ونقصانا

 

 


(١٥٩) المكتوب التّاسع والخمسون والمائة إلى شرف الدّين حسين البدخشيّ في التّعزية

اعلم أنّ الآلام والمصائب وإن كانت مرّا في الظّاهر ومؤلمة للجسم ولكنّها حلو في الباطن ومورّثة للذّة الرّوح وذلك لأنّ الرّوح والجسم كأنّهما وقعا على طرفي النّقيض فألم أحدهما يستلزم لذّة الآخر فالّذي لا يقدر أن يميّز بين هذين النّقيضين ولوازمهما خارج عن البحث ولا قابليّة فيه أولئك كالأنعام بل هم أضلّ، (شعر):

من لم يكن ذا خبرة عن نفسه ... هل يقدر الاخبار عن هذا وذا

ومن تنزّلت روحه واستقرّت في مرتبة الجسم وكانت لطائفه الأمريّة تابعة للطائفه الخلقيّة من أن يعرف سرّ هذا المعمّى وما لم ترجع الرّوح إلى مقرّها الأصليّة قهقرى ولم يميّز الأمر من الخلق لا ينجلي الحجاب عن جمال هذه المعرفة وحصول هذه الدّولة مربوط بالموت قبل حلول الأجل المسمّى ووقوعه الّذي عبّر عنه مشائخ الطّريقة قدّس الله أسرارهم بالفناء، (شعر):

وكن أرضا لينبت فيك ورد ... فإنّ الورد منبته التّراب

ومن لم يمت قبل موته ينبغي تعزيته لمصيبته وقد صار خبر وفات والدك المرحوم الّذي كان مشتهرا بالخير والصّلاح ومراعيا لشيمة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر جدّا موجبا لحزن المسلمين ومستلزما لغمّهم إنّا لله وإنّا إليه راجعون فينبغي للولد الأرشد أن يلزم شيمة الصّبر وأن يمدّ الأموات ويعاونهم بالصّدقة والإستغفار والدّعوات فإنّ الموتى أشدّ احتياجا إلى امداد الأحياء وقد ورد في الحديث النّبويّ عليه الصّلاة والسّلام ما الميّت الّا كالغريق المتغوّث ينتظر دعوة تلحقه من أب أو أمّ أو أخ أو صديق فإذا لحقته كان أحبّ إليه من الدّنيا وما فيها وإنّ الله ليدخل على أهل القبور من دعاء أهل الأرض أمثال الجبال من الرّحمة وإنّ هديّة الأحياء إلى الأموات الاستغفار وبقيّة النّصح ملازمة الذّكر والمداومة على الفكر فإنّ الفرصة قليلة جدّا ينبغي أن تصرفها إلى أهمّ المهامّ والسّلام.

(١٦٠) المكتوب السّتّون والمائة إلى أقلّ عبيده أعني يار محمّد الجديد البدخشيّ الطّالقانيّ في بيان أن مشائخ الطّريقة قدّس الله أسرارهم ثلاثة طوائف مع شرح أحوال كلّ منها كمالا ونقصانا

(اعلم) انّ مشائخ الطّريقة قدّس الله أسرارهم ثلاثة طوائف فالطّائفة الاولى قائلون بأنّ العالم موجود في الخارج بإيجاد الحقّ سبحانه وكلّما فيه من أوصاف الكمال والنّقصان فهو بإيجاد الحقّ سبحانه وتعالى ولا يعتقدون أنفسهم شيئا سوى شبح بل يعتقدون أنّ الشّبحيّة أيضا منه سبحانه قد غرقوا في بحار العدم

بحيث لا خبر لهم عن العالم ولا عن أنفسهم مثلهم مثل شخص لا ثوب له فلبس ثوب شخص على طريق العارية عالما بأنّه عارية وغلب عليه علم كونه عارية على وجه يرى ذلك الثّوب في يد صاحبه ويجد نفسه عاريا عنه فإذا خرج مثل هذا الشّخص من عدم الشّعور والسّكر إلى الصّحو والشّعور وتشرّف بالبقاء بعد الفناء فإنّه وإن وجد الثّوب حينئذ في نفسه ولكنّه يعرف بيقين أنّه من الغير فإنّ ذلك الفناء مندرج الآن في العلم وما بقي شيء من التّعلّق الّذي كان بالثّوب أصلا وكذلك حال من يرى أوصافه وكمالاته كالثّوب المستعار ولكنّه يرى أنّ هذا الثّوب إنّما هو في الوهم فقط لا ثوب في الخارج أصلا بل هو عار فيه ويغلب عليه هذه الرّؤية على وجه لا يرى الثّوب أصلا بل يجد نفسه عريانا وبعد الإفاقة والصّحّة يجد ذاك الثّوب معه أيضا ولكنّ فناء الشّخص الأوّل أتمّ والبقاء المترتّب عليه أكمل كما سيجيء عن قريب إن شاء الله وهؤلاء الأكابر متّفقون مع علماء أهل السّنّة والجماعة في جميع المعتقدات الكلاميّة الثّابتة على وفق الكتاب والسّنّة وإجماع علماء الامّة ولا فرق بينهم وبين المتكلّمين إلّا أنّ المتكلّمين يدركون هذا المعنى علما واستدلالا وهؤلاء الأكابر كشفا وذوقا وحالا (وأيضا) انّ هؤلاء الأكابر لا يثبتون شيئا من نسب العالم إلى الحقّ سبحانه من غاية التّنزيه بل يسلبون منه سبحانه جميع النّسب فكيف العينيّة والجزئيّة تعالى شأنه عن ذلك الّا نسبة الرّبوبيّة والعبوديّة والصّانعيّة والمصنوعيّة بل يضيّعون هذه النّسبة أيضا وقت غلبة الحال فحينئذ يتشرّفون بالفناء الحقيقيّ وتحصل لهم القابليّة للتّجلّيات الذّاتيّة والمظهريّة لتجلّيات غير متناهية (والطّائفة الثّانية) يقولون بأنّ العالم ظلّ الحقّ سبحانه ولكنّهم قائلون بوجوده في الخارج بطريق الظّلّيّة لا بطريق الأصالة وأنّ وجود العالم قائم بوجود الحقّ سبحانه قيام الظّلّ بالأصل مثلا إذا امتدّ الظّلّ من شخص وجعل ذلك الشّخص من كمال قدرته صفات نفسه منعكسة فيه كالعلم والقدرة والإرادة وغيرها حتّى اللّذّة والألم فإن وقع ذلك الظّلّ في النّار مثلا وتألّم بها لا يقال عرفا وعقلا إنّ ذلك الشّخص الّذي هو صاحب الظّلّ متألّم كما قالت به الطّائفة الثّالثة وعلى هذا القياس جميع ذمائم الأفعال الّتي تصدر من المخلوقات لا يقال انّها فعل الحقّ سبحانه كما أنّ الظّلّ إذا تحرّك بإرادته لا يقال إنّ الشّخص متحرّك نعم يقال انّ ذلك أثر قدرته وإرادته يعني مخلوقه ومن المقرّر أنّ خلق القبيح ليس بقبيح بل القبيح فعل القبيح وكسبه (والطّائفة الثّالثة) قائلون بوحدة الوجود يعني أنّ في الخارج موجودا واحدا فقط وهو ذات الحقّ سبحانه ولا تحقّق للعالم في الخارج أصلا وإنّما له الثّبوت العلميّ ويقولون إنّ الأعيان ما شمّت رائحة الوجود وهذه الطّائفة وإن قالوا إنّ العالم ظلّ الحقّ سبحانه ولكنّهم يقولون إنّ وجوده الظّلّيّ إنّما هو في مرتبة الحسّ فقط وأمّا في نفس الأمر والخارج فمعدوم محض ويقولون إنّ الحقّ سبحانه متّصف بصفات وجوبيّة وإمكانيّة ويثبتون مراتب التّنزّلات، ويقولون باتّصاف الذّات الواحدة في كلّ مرتبة بأحكام لائقة بتلك المرتبة ويثبتون للذّات التّلذّذ والتّألّم ولكن لا بالذّات بل في حجب هذه الظّلال المحسوسة الموهومة ويلزم على هذا محظورات كثيرة شرعا وعقلا وهم قد ارتكبوا في جوابها تمحّلات كثيرة وتكلّفات بعيدة (وهؤلاء الطّائفة) وإن كانوا واصلين كاملين على تفاوت درجات الوصول والكمال ولكنّ

كلامهم دلّ الخلق على طريق الضّلالة والإلحاد وأفضاهم إلى الزّندقة بالقول بالإتّحاد (والطّائفة الأولى) أكمل وأتمّ وأقوالهم أوفق بالكتاب والسّنّة وأسلم أمّا الأسلميّة والأوفقيّة فظاهر وأمّا الأتميّة والأكمليّة فمبنيّة على أنّ بعض مراتب الوجود الإنسانيّ له مشابهة بالمبدأ ومناسبة تامّة له في غاية اللّطافة والتّجرّد كالخفىّ والأخفى فالّذين لا يقدرون على تمييز هذه المراتب من المبدأ مع وجود الفناء السّرّيّ فينفوها بكلمة “ لا ” بل يبقى المبدأ عندهم ممتزجا ومتشابها ويجدون أنفسهم حقّا يعني عينه قالوا ليس في الخارج الّا الحقّ سبحانه فقط وليس لنا وجود أصلا ولكن لمّا كان تعدّد الآثار الخارجيّة متحقّقا قالوا بالثّبوت العلميّ بالضّرورة ومن ههنا قالوا إنّ الأعيان برازخ بين الوجود والعدم فإنّهم لمّا لم يميّزوا بعض مراتب وجودات المخلوقات من المبدأ ولم يقولوا بوجوب وجوده صرّحوا ببرزخيّته وأثبتوا للممكن ما للواجب ولم يدروا أنّ الّذي أثبتوه هو من لوازم الممكن في نفس الأمر لكنّه مشابه بالواجب ولو في الصّورة والإسم فإن فرّقوا ذلك وميّزوا الممكن من الواجب بالتّمام لما يقولون باتّحاد العالم بالحقّ سبحانه وعينيّتهما بل يرون العالم متميّزا من الحقّ ولما يقولون بوحدة الوجود وما دام لم يزل من شخص أثر لا يرى نفسه حقّا وان زعم أنّه لم يبق منه أثر (١) وهذا أيضا من قصور نظره والطّائفة الثّانية وإن فرّقوا هذه المراتب من المبدأ وأدخلوها تحت كلمة لا ونفوها بها ولكن بقي جزء من بقايا وجودها ثانيا بواسطة الظّلّيّة والأصالة فإنّ تعلّق رتبة الظّلّ وارتباطها بالأصل قويّ جدّا وهذه النّسبة لم تكن ممحوّة من نظرهم وأمّا الطّائفة الاولى فقد فرّقوا جميع مراتب الممكن من الواجب كمال المناسبة والمتابعة لحضرة خاتم الرّسالة عليه من الصّلوات أتمّها ومن التّحيّات أكملها ونفوا الكلّ من أوّل الأمر بكلمة لا ولم يروا في الممكن مناسبة للواجب أصلا ولم يثبتوا للواجب نسبة ما قطعا ولم يعتقدوا أنفسهم غير المخلوق العاجز شيئا واعتقدوا الحقّ سبحانه خالقهم ومولاهم واعتقاد شخص نفسه عين مولاه أو ظلّه ثقيل على هؤلاء الأكابر جدّا ما للتّراب وربّ الأرباب وهؤلاء الأكابر يحبّون الأشياء لكونها مخلوقة الحقّ سبحانه وتكون الأشياء محبوبة في نظرهم بهذا السّبب وبهذه الحيثيّة أعني من حيثيّة كون العالم وأفعالهم مصنوع الحقّ سبحانه وأثر أفعاله وإرادته وقدرته ينقادون ويستسلمون للأشياء بالتّمام ولا يقدرون على إنكار أفعالهم الّا بموجب الشّريعة فكما أنّ هذا النّوع من الانقياد والإستسلام والمحبّة يحصل لارباب التّوحيد بسبب اعتقادهم الأشياء مظهر الصّفات الحقّ بل عينه تعالى كذلك يحصل هذا النّوع لهؤلاء الأكابر بمجرّد ملاحظة كون الأشياء مخلوقة الحقّ ومصنوعته تعالى (ع) وشتّان ما بين الطّريقين فانظروا * فإنّ نفس المحبوب وعينه يمكن أن يحبّ بأذنى شيء من موجبات المحبّة.

__________

(١) هذا من قبيل اثبات فضيلة شيئ باثبات نقص ضده كما قيل ان الاشياء بضدها فان هنا بين نقص الطائفة الثالثة الذين لا يقدرون تمييز بعض مراتب وجودات المخلوقات من الواجب بانهم لما لم يميزوا بينهما اثبتوا للمكن ما للواجب ووجدوا انفسهم عين الحق بخلاف الطائفة الاولى فانهم ميزا بينهما ولم يثبتوا ما لاحدهما للآخر فتأمل تعرفه والا فتتحير ولا تستعجل حتى تستوفى الكلام وتحيطه من اوله إلى آخره منه (القزاني رحمة الله عليه)



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!