موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(172) المكتوب الثاني والسبعون والمائة إلى الشيخ بديع الدين في بيان بعض الأسرار الخاصة به وما يناسب ذلك

 

 


دنيا الّا من عصمه الله " واتّهام النّيّات والأفعال وإن كانت صحيحة مثل فلق الصّبح وعدم الإعتناء بالأحوال والمواجيد وإن كانت مطابقة للواقع وعدم الإعتماد عليها ولا ينبغي أيضا استحسان مجرّد تأييد الدّين وتقوية الملّة وترويج الشّريعة ودعوة الخلق إلى الحقّ جلّ وعلا فإنّ هذا القسم من التّأييد قد يكون أحيانا من الكفّار والفجّار

وقال عليه الصّلاة والسّلام إنّ الله ليؤيّد هذا الدّين بالرّجل الفاجر وكلّما يجيء مريد لطلب الطّريقة وإرادة الإنابة ينبغي أن يرى في النّظر مثل النّمر والأسد وأن يخاف من أن يراد به مكيدة واستدراج فإن وجد الفرح والسّرور في النّفس عند قدوم المريد ينبغي أن يعتقده شركا وكفرا وان يتداركه بالنّدامة والإستغفار إلى أن لا يبقى أثر من هذا السّرور بل إلى أن يجيء محلّ السّرور والفرح الخوف والحزن وينبغي أن يجتنب غاية الإجتناب عن ظهور الطّمع والتّوقّع في مال المريد ومنافعه الدّنياويّة فإنّه مانع لرشد المريد وباعث على كون الشّيخ خرابا فإنّ المطلوب هناك كلّه الدّين الخالص ألا لله الدّين الخالص لا مجال للشّركة في جناب الحضرة الإلهيّة بوجه من الوجوه واعلم أنّ كلّ ظلمة وكدورة تطرأ على القلب فإزالتها تتيسّر بالتّوبة والإستغفار والنّدامة والإلتجاء إلى الحقّ سبحانه وتعالى بأسهل الوجوه الّا ظلمة طرأت على انقلب من طريق محبّة الدّنيا الدّنيّة فإنّها تجعل القلب خرابا وإزالتها في غاية التّعسّر بل في نهاية التّعذّر صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث قال (١) “ حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة ”

نجّانا الله سبحانه وإيّاكم من محبّة الدّنيا ومحبّة ابنائها وأربابها والإختلاط بهم والمصاحبة معها فإنّها سمّ قاتل ومرض مهلك وبلاء عظيم وداء عميم وأخونا الأرشد الشّيخ حميد متردّد في تلك الحدود بأحسن الوجوه فينبغي اغتنام استماع الكلمات الجديدة الطّريّة منه والباقي عند التّلاقي.

(١٧٢) المكتوب الثّاني والسّبعون والمائة إلى الشّيخ بديع الدّين في بيان بعض الأسرار الخاصّة به وما يناسب ذلك

بعد الحمد والصّلاة ليكن معلوما للأخ الأعزّ أنّ للشّريعة صورة وحقيقة فصورتها ما تكفّل ببيانها علماء الظّاهر وحقيقتها ما امتاز بها الصّوفيّة العليّة ونهاية عروج صورة الشّريعة إلى نهاية سلسلة

__________

(١) رواه البيهقي عن الحسن مرسلا وهكذا رواه الديلمى في الفردوس من حديث على ويعضده سنده ولم يخرجه ولده في المسند ورواه ابن ابى الدنيا عن الحسن مرسلا وقد قال ابو زرعة كل شيئ يقول الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدت له اصلا ثابتا ما خلا اربعة احاديث وهذا القول عند البقاعى وابى نعيم من قول عيسى ابن مريم عليهما السلام وعند ابن ابى الدنيا في مكائد الشيطان من قول مالك ابن دينار وعند ابن يونس من قول سعد وجزم ابن تيمية انه من قول جندب الجبلى اهـ من شرح الاحياء ملخصا (القزاني رحمة الله عليه)

الممكنات فإن وقع السّير بعد ذلك في مراتب الوجوب تكون الصّورة ممتزجة بالحقيقة ومعاملة هذا الإمتزاج إلى العروج على شأن العلم الّذي هو مبدأ تعيّن سيّد البشر عليه الصّلاة والسّلام فإن وقع التّرقّي بعد ذلك يودع فيه الصّورة والحقيقة كلتاهما وتقع معاملة العارف في شأن الحياة ولا مناسبة بين هذا الشّأن العظيم الشّأن وبين العالم أصلا بل هو من الشّئونات الحقيقيّة الّتي لم تمسّه يد الإضافة أصلا حتّى يحصل له تعلّق بالعالم وهذا الشّأن هو دهليز المقصود ومقدّمة المطلوب ويجد العارف نفسه في ذلك الموطن خارجا من دائرة الشّريعة ولكن لمّا كان محفوظا بعناية الله لا يفوّت دقيقة من دقائق الشّريعة والّذين تشرّفوا بهذه الدّولة العظمى أقلّ قليل فإن بيّن عددهم فلعلّه لا يقبله الّا أقلّ قليل (ولمّا وصل) جمع كثير من الصّوفيّة إلى ظلّ هذا المقام فإنّ لكلّ مقام عال ظلّا تحته زعموا أنّهم خرجوا من دائرة الشّريعة وترقّوا من القشر ووصلوا إلى اللّبّ وهذا المقام بين الصّوفيّة من مزالّ الأقدام حتّى انّ طائفة من ناقصي سالكي هذا الطّريق صاروا زنادقة وملاحدة وأخرجوا رءوسهم من ربقة الشّريعة الغرّاء ضلّوا فأضلّوا وجماعة من الكملة الّذين تشرّفوا بدرجة من الولاية وحصّلوا هذه المعرفة في ظلّ من ظلال هذا المقام العالي وإن لم يصلوا إلى أصل هذا المقام ولكنّهم محفوظون لا يجوّزون ترك أدب من آداب الشّريعة وإن لم يعرفوا سرّ هذه المعرفة ولم يفهموا حقيقة المعاملة ولمّا انكشف سرّ هذا المعمّى لهذا الفقير بعناية الله سبحانه وتعالى وبركة حبيبه عليه الصّلاة والسّلام واتّضحت حقيقة الحال كما ينبغي أردت أن أورد نبذة منها في معرض البيان لعلّها ترشد النّاقصين إلى سواء الطّريق وتكشف للكاملين عن وجه حقيقة المعاملة (وينبغي) أن يعلم أنّ التّكليفات الشّرعيّة مخصوصة بالقالب والقلب فإنّ تزكية النّفس متفرّعة عليها والّذي يضع القدم من اللّطائف في خارج دائرة الشّريعة هو ما سوى هذه اللّطائف المذكورة يعني القالب والقلب فالّذي هو مكلّف بالشّريعة مكلّف بها دائما وما هو غير مكلّف بها مكلّف بها أصلا غاية ما في الباب أنّ اللّطائف كانت قبل السّلوك بعضها ممتزجا ببعض ولم تكن ممتازة عن القلب ولمّا ميّز السّرّ والسّلوك بعضها عن بعض وأوصل كلّا منها إلى مقرّه الأصليّ تبيّن أنّ أيّا منها كان مكلّفا وأيّا منها لم يكن مكلّفا.

(فإن قيل) إنّ العارف قد يجد في ذلك المقام قالبه وقلبه أيضا في خارج دائرة الشّريعة فما وجه ذلك؟ (أجيب) أنّ هذا الوجدان ليس بتحقيقيّ بل تخيّليّ ومنشأ التّخيّل هو انصباغ القلب والقالب بلون ألطف اللّطائف الّتي وضعت الأقدام في خارج دائرة الشّريعة.

فإن قيل: إنّ صورة التّكليفات الشّرعيّة وإن كانت مخصوصة بالقلب والقالب ولكن لحقيقة الشّريعة مجال فيما وراء القلب أيضا فما معنى وضع القدم في خارج مطلق الشّريعة؟

(أجيب) أنّ حقيقة الشّريعة وإن كان لها مجال فيما وراء القلب ولكنّها لا تتجاوز ولا تتعدّى الرّوح والسّرّ ولا تصل إلى الخفىّ والأخفى والّذي يضع الأقدام في الخارج هو الخفىّ والأخفى في



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!