موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(208) المكتوب الثامن والمائتان إلى الشيخ محمد صادق وولده الأرشد في جواب سؤاله عن رؤية السالك نفسه أحيانا في مقامات الأنبياء عليهم السلام وأحيانا فوق ذلك

 

 


واللّآلى خصوصا على نعمة الإسلام ومتابعة سيّد الأنام عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام فإنّه ملاك الأمر ومدار النّجاة ومناط الفوز بالسّعادات الدّنيويّة والاخرويّة ثبّتنا الله سبحانه وإيّاكم على ذلك بحرمة سيّد المرسلين عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام (ع) هذا هو الأمر والباقي من العبث * وماذا يفتح من ترّهات الصّوفيّة وماذا يزيد من أحوالهم لا يشترى الوجد والحال هناك بنصف شعرة ما لم يوزن بميزان الشّرع ولا تساوي الإلهامات نصف شعرة ما لم تعرض لمحكّ الكتاب والسّنّة والمقصود من سلوك طريق الصّوفيّة ازدياد اليقين بالمعتقدات الشّرعيّة الّتي هو حقيقة الإيمان وحصول اليسر أيضا في أداء الأحكام الفقهيّة لا إنّه أمر آخر وراء ذلك فإنّ الرّؤية الاخرويّة إنّما هي في الآخرة وليست بواقعة في الدّنيا البتّة والمشاهدات والتّجلّيات الّتي الصّوفيّة مسرورون بها سكون إلى الظّلال واطمئنان بها وتسلّ بالشّبه والمثال وهو تعالى وراء الوراء ويا عجبا من هذه المعاملة لو قيل لهم حقيقة المشاهدات والتّجلّيات كما هي ليخاف من وقوع الفتور في طلب مبتدئ هذا الطّريق وحصول القصور في شوقهم وإن سكتّ عنها مع وجود العلم بها يخاف أيضا من التباس الحقّ بالباطل يا دليل المتحيّرين دلّني بحرمة من جعلته رحمة للعالمين عليه وعلى آله الصّلوات والتّسليمات. فإن أخبرتم بكيفيّات الأحوال أحيانا لكان موجبا لازدياد المحبّة والسَّلامُ عَلى مَنِ اِتَّبَعَ الْهُدى (١) والتزم متابعة المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصّلوات وأكمل التّسليمات وأجزل التّحيّات.

(٢٠٨) المكتوب الثّامن والمائتان إلى الشّيخ محمّد صادق وولده الأرشد في جواب سؤاله عن رؤية السّالك نفسه أحيانا في مقامات الأنبياء عليهم السّلام وأحيانا فوق ذلك

قد سأل ولدي أنّ بعض سالكي هذا الطّريق يجد نفسه أحيانا في مقامات العروج في مقامات الأنبياء عليهم الصّلوات والتّسليمات بل يحسّ في بعض الأوقات أنّه عرج إلى ما فوق هذا المقام فما سرّ هذا المعنى والحال أنّ من المقرّر والمجمع عليه أنّ الفضل للأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام والأولياء إنّما يجدون ما يجدون وإلى كمالات الولاية يصلون بسبب متابعتهم (والجواب) أنّ تلك المقامات الّتي هي للأنبياء عليهم السّلام ليست هي نهاية مقامات عروجاتهم بل كان عروج هؤلاء العظام إلى ما فوق تلك المقامات بمراتب فإنّ تلك المقامات عبارات عن الأسماء الإلهيّة جلّ سلطانه الّتي هي مبادئ تعيّناتهم ووسائل فيضان الفيوض من حضرات الذّات تعالت وتقدّست فإنّه لا مناسبة بين حضرة الذّات والعالم بدون توسّط الأسماء أصلا ولا نسبة بينهما سوى الإستغناء والإحتياج قطعا إنّ الله لغنيّ عن العالمين والله الغنيّ وأنتم الفقراء شاهد لهذا المعنى فإذا نزل هؤلاء الأكابر من مراتب العروج مقتبسين الأنوار الفوقانيّة

__________

(١) الآية: ٤٧ من سورة طه.

إلى هذه الأسماء الّتي لها شبه باحيازهم الطّبيعة في مراتب العروج على تفاوت درجاتهم ويتوطّنون فيها ولهذا لو طلبهم شخص بعد استقرارهم يجدهم في تلك الأسماء فعلى الإستعداد المتوجّه نحو حضرة الذّات تعالت وتقدّست لا بدّ له من أن يصل إلى تلك الأسماء وقت العروج وأن يجاوزها إلى ما فوقها ثمّ وثمّ إلى ما شاء الله تعالى ولكن إذا نزل هذا السّالك من فوق ووصل إلى الإسم الّذي هو مبدأ تعيّن وجوده يكون ذلك الإسم أسفل من الأسامي الّتي هي مقامات الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام ألبتّة وههنا يظهر تفاوت المقامات الّتي هي مناط الأفضليّة فكلّ من كان مقامه أعلى فهو أفضل وما لم يرجع السّالك إلى اسمه ولم يجد اسمه أسفل من أساميهم لا يعرف أفضليّتهم بطريق الذّوق والحال بل يقول بأفضليّتهم بالتّقليد ويحكم بأولويّتهم باليقين السّابق ولكنّ وجدانه مكذّب لحكمه وفي هذا الوقت يلزم الإلتجاء والتّضرّع إلى الحقّ سبحانه وإظهار العجز والإنكسار له تعالى ليظهر له ما هو حقيقة الحال وهذا المقام من مزالّ أقدام السّالكين.

(ولنوضّح) هذا الجواب بمثال قال أرباب المعقول إنّ الدّخان مركّب من الأجزاء الأرضيّة والأجزاء النّاريّة فإذا صعد الدّخان تصعد الأجزاء الأرضيّة بمصاحبة الأجزاء النّاريّة إلى الجهة الفوقانيّة وتعرج من محلّها بحصول قسر قاسر قالوا: إذا كان الدّخان قويّا يكون عروجه إلى كرة النّار وتصل الأجزاء الأرضيّة في هذا الصّعود إلى مقامات الأجزاء المائيّة والهوائيّة الّتي لها التّفوّق عليها بالطّبع ثمّ تعرج منها صاعدة إلى ما فوقها ففى هذه الصّورة لا يمكن أن نقول إنّ رتبة الأجزاء الأرضيّة أعلى من رتبة الأجزاء الهوائيّة فإنّ ذلك التّفوّق والإستعلاء إنّما كان باعتبار قسر القاسر لا باعتبار الذّات فإذا هبطت تلك الأجزاء الأرضيّة بعد وصولها إلى كرة النّار واستقرّت في مركزها الطّبيعيّ يكون مقامها أسفل من مقام الماء والهواء ألبتّة ففيما نحن فيه انّ عروج هذا السّالك من تلك المقامات كان باعتبار قسر القاسر وذلك القاسر هو إفراط حرارة المحبّة وقوّة جذب العشق وأمّا باعتبار الذّات فمقامه تحت تلك المقامات وهذا الجواب الّذي ذكرناه مناسب لحال المنتهى وأمّا إذا وقع هذا التّوهّم في الإبتداء ووجد السّالك نفسه في مقامات الأكابر فوجهه أنّ لكلّ مقام ظلّا ومثالا في الإبتداء والتّوسّط فإذا وصل المبتدى أو المتوسّط إلى ظلالها يتخيّل أنّه قد وصل إلى حقيقة تلك المقامات ولا يقدر أن يفرّق بين الظّلال والحقائق وكذا الشّبه والمثال فإذا وجد الأكابر في ظلال مقاماتهم يتخيّل له أنّه قد حصل الشّركة مع الأكابر في المقامات وليس كذلك بل فيه اشتباه ظلّ شيء بنفس الشّيء اللهمّ أرنا الحقائق كما هي وجنّبنا عن الإشتغال بالملاهي بحرمة سيّد الأوّلين والآخرين عليه وعلى آله أتمّ الصّلوات وأكمل التّسليمات.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!