موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(216) المكتوب السادس عشر والمائتان إلى المرزا حسام الدين في بيان سر كثرة ظهور الخوارق للعادات من بعض الأولياء وقلة ظهورها من بعض آخر وبيان اتمية مقام التكميل والإرشاد وما يناسب ذلك

 

 


بالطّبع بل هو منكر لأخبار الرّسل عليهم السّلام في الحقيقة، وحكمه حكم المنافق الّذي فيه صورة الإيمان، وهي لا تنفع في الآخرة ولا نتيجة لها غير عصمة الدّماء والأموال الدّنياويّة. فينبغي رفع قطن الغفلة اليوم من الاذن، والّا لا يحصل شيء غدا سوى الحسرة والنّدامة والشّرط الإخبار،

(شعر):

إنّما هذه الدّنيا متاع ... الغرور الغرور من يصطفيها

ما مضى فات والمؤمّل غيب ... ولك السّاعة الّتي أنت فيها

(٢١٦) المكتوب السّادس عشر والمائتان إلى المرزا حسام الدّين في بيان سرّ كثرة ظهور الخوارق للعادات من بعض الأولياء وقلّة ظهورها من بعض آخر وبيان اتمّيّة مقام التّكميل والإرشاد وما يناسب ذلك

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين وآله الطّاهرين أجمعين قد يقع في الخاطر الفاتر أنّه لمّا حال البعد الصّوريّ بيني وبين الأحبّة وصارت الملاقاة الظّاهريّة كعنقاء المغرب، كان المناسب أن أكتب إليهم بعض العلوم والمعارف أحيانا فبناء على ذلك أكتب من هذا القسم شيئا في بعض الأوقات، والمرجوّ أن لا يكون ذلك منجرّا إلى الملال. (أيّها المخدوم) لمّا كان مبحث الولاية فيما بيننا ونظر عوامّ الخلائق، إلى ظهور الخوارق، أذكر من هذه المقولة كلمات ينبغي استماعها. اعلم أنّ الولاية عبارة عن الفناء والبقاء والخوارق والكشوف من لوازمها قلّت أو كثرت، ولكن ليس كلّ من تكون خوارقه أكثر تكون ولايته أتمّ وحظّه أوفر، بل كثيرا ما يكون ظهور الخوارق قليلا وتكون الولاية أكمل. مدار كثرة ظهور الخوارق على أمرين: كون العروج إلى الفوق أكثر في وقت العروج وكون النّزول إلى السّفل أقلّ في وقت النّزول، بل الأصل العظيم في كثرة ظهور الخوارق هو قلّة النّزول على أيّ كيفيّة كان جانب العروج، فإنّ صاحب النّزول ينرل إلى عالم الأسباب ويجد وجود الأشياء مربوطا بالأسباب ويرى فعل مسبّب الأسباب من وراء أستار الأسباب والّذي لم ينزل أو نزل، ولكن لم يصل بعد إلى الأسباب فنظره مقصور على فعل مسبّب الأسباب فقط، لأنّ الأسباب قد ارتفعت عن نظره بالتّمام وقصر نظره على فعل مسبّب الأسباب فلا جرم يعامل الحقّ سبحانه كلّا منهما معاملة على حدة بمقتضى ظنّ كلّ منهما فيكل أمر من يرى الأسباب إلى الأسباب، والّذي لا يرى الأسباب يهيّئ أمره بدون توسّط الأسباب، وحديث «أنا (١) عند ظنّ عبدي بي " شاهد لهذا المعنى، وقد اختلج في الخاطر مدّة كثيرة أنّه ما الوجه في عدم ظهور الخوارق من أحد من كمّل أولياء هذه الامّة مع كثرتهم فيما مضى مثل ما ظهر من

__________

(١) رواه الشيخان عن ابى هريرة رضى الله عنه (القزاني رحمة الله عليه)

حضرة السّيّد محي الدّين عبد القادر الجيلانيّ قدّس سرّه فأظهر الحقّ سبحانه آخر الأمر سرّ هذا المعمّي.

واعلم أنّ عروج السّيّد محيي الدّين الجيلانيّ قدّس سرّه كان أعلى من عروج أكثر الأولياء، ونزل في جانب النّزول إلى مقام الرّوح فقط الّذي هو فوق عالم الأسباب، وحكاية الحسن البصريّ وحبيب العجميّ مناسبة لهذا، يعني مؤيّدة ومقوّية لما سبق نقل عن الحسن البصريّ " أنّه كان يوما واقفا بساحل النّهر منتظر السّفينة ليعبر النّهر فجاء حبيب العجميّ في أثناء ذلك فسأله عن سبب وقوفه، فقال: أنتظر السّفينة. فقال الحبيب: ما الحاجة إلى سفينة أليس فيك يقين؟ فقال الحسن: أليس لك علم؟ فعبر الحبيب النّهر يعني ماشيا على الماء بلا استعانة سفينة وبقي الحسن واقفا منتظرا للسّفينة». وكان الحسن البصريّ قد نزل إلى عالم الأسباب. فعومل بتوسّط الأسباب وكان الحبيب العجميّ قد طرح الأسباب وأزاحها عن نظره بالتّمام، فعومل من غير توسّط الأسباب. ولكنّ الفضل للحسن لأنّه صاحب العلم وجمع بين عين اليقين وعلم اليقين وعلم الأشياء كما هي فإنّ القدرة جعلت في نفس الأمر مستورة فيما وراء الحكمة وحبيب العجميّ صاحب سكر، له يقين بالفاعل الحقيقيّ من غير مدخليّة الأسباب وهذه الرّؤية ليست بمطابقة لنفس الأمر لأنّ توسّط الأسباب كائن بحسب الواقع.

وأمّا معاملة التّكميل والإرشاد فهي على عكس معاملة ظهور الخوارق، فإنّ في مقام الإرشاد كلّما كان النّزول أكثر يكون الإرشاد أكمل وأوفر، فإنّ حصول المناسبة بين المرشد والمسترشد لازم في الإرشاد وهو منوط بالنّزول.

(واعلم) أنّ التّفوّق كلّما كان أكثر يكون النّزول أكثر في الأغلب، ولهذا كان عروج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوق الكلّ ونزل وقت النّزول أسفل من الكلّ، ولذا كانت دعوته أتمّ وكان مرسلا إلى كافّة الأنام لأنّه قد حصلت له صلّى الله عليه وسلّم مناسبة بالكلّ بواسطة نهاية النّزول وكان طريق إفادته أتمّ، وكثيرا ما تقع إفادة الطّالبين من متوسّطي هذا الطّريق ما لا يتيسّر من المنتهين غير المرجوعين، فإنّ في المتوسّطين زيادة مناسبة للمبتدئين بالنّسبة إلى المنتهين غير المرجوعين. ومن ههنا قال شيخ الإسلام الهرويّ قدّس سرّه: «لو كان الخرقانيّ ومحمّد القصّاب في محلّ واحد لارسلتكم إلى محمّد القصّاب لا إلى الخرقانيّ فإنّه أنفع لكم من الخرقانيّ». يعني كان الخرقانيّ منتهيا، فيكون احتظاظ المريد منه قليلا.

يعني منتهيا غير. مرجوع لا منتهيا مطلقا، فإنّ عدم الإفادة التّامّة غير واقع في حقّه فإنّ محمّدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ازيد انتهاء من الكلّ والحال أنّ إفادته كانت أزيد من الكلّ فكان مدار زيادة الإفادة ونقصانها على الرّجوع والهبوط لا على الإنتهاء وعدمه. (وههنا) دقيقة ينبغي أن يعلم كما أنّ في حصول نفس الولاية لا يشترط لصاحبها العلم بولاية نفسه كما هو مشهور، كذلك لا يشترط العلم بوجود خوارقه العادات. بل كثيرا ما ينقل النّاس عنه خوارق ولا يكون له على تلك الخوارق اطّلاع أصلا والأولياء الّذين هم أصحاب العلم والكشف يجوز أن لا يكون لهم اطّلاع على خوارقهم. بل تظهر



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!