موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(217) المكتوب السابع عشر والمائتان إلى الملا طاهر البدخشي في بيان أن نسبة الباطن كلما تنجر إلى الجهالة والحيرة تكون أحسن وبيان سبب وقوع الغلط في بعض الكشوف والفرق بين القضاء المعلق والمبرم وأن المعول عليه هو الكتاب والسنة وأن إجازة تعليم

 

 


صورهم المثاليّة في أمكنة متعدّدة، وتظهر من تلك الصّور أمور عجيبة وحالات غريبة في مسافات بعيدة ولا اطّلاع لصاحب تلك الصّور على ذلك أصلا. (ع) وما الفعل الّا منه *

والغير مظهر قال حضرة مخدومي وقبلتي قدّس سرّه يعني شيخه قال واحد من الأعزّة: «يا للعجب يجيء النّاس من الأطراف والجوانب. فيقول بعضهم: رأيناك في مكّة المعظّمة وكنت حاضرا في موسم الحجّ وحججنا معا. ويقول بعضهم: رأيتك في بغداد ويظهرون المحبّة والمودّة. وأنا لم أخرج من بيتي أصلا، ولم أر أمثال هؤلاء النّاس فأىّ تهمة يتّهمونني بها». والله سبحانه أعلم بحقائق الامور كلّها والزّيادة على ذلك إطناب. فإن كان تعطّشكم معلوما أكتب سريعا أزيد من ذلك إن شاء الله تعالى.

(٢١٧) المكتوب السّابع عشر والمائتان إلى الملّا طاهر البدخشيّ في بيان أنّ نسبة الباطن كلّما تنجرّ إلى الجهالة والحيرة تكون أحسن وبيان سبب وقوع الغلط في بعض الكشوف والفرق بين القضاء المعلّق والمبرم وأنّ المعوّل عليه هو الكتاب والسّنّة وأنّ إجازة تعليم الطّريقة لا يدلّ على الكمال والتّكميل مطلقا

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين وعلى آله الطّاهرين أجمعين لم تطلعوني على أحوالكم وأوضاعكم من مدّة مديدة، والإستقامة مطلوبة على كلّ حال فعليكم بالسّعي والإجتهاد لئلّا يقع خلاف الشّريعة مقدار شعرة اعتقادا وعملا. والمحافظة على النّسبة الباطنيّة من أهمّ المهمّات، وكلّما تنجرّ النّسبة إلى جانب الجهالة تكون أحسن وكلّما تذهب إلى طرف الحيرة تكون أفضل. والكشوفات الإلهيّة والظّهورات الأسمائيّة إنّما هي في أثناء الطّريق، وأمّا بعد الوصول فكلّ ذلك يقصر هنالك لا يبقى فيه غير الجهالة وعدم وجدان المطلوب. وماذا أكتب من الكشوف الكونيّة فإنّ مجال الخطأ فيها كثير، ومظنّة الغلط غالبة، فينبغي اعتقاد أنّ وجودها وعدمها سيّان.

فإن قيل: ما السّبب في وقوع الغلط في بعض الكشوف الكونيّة الّتي يصدر عن أولياء الله تعالى وظهور خلافها؟ أخبر مثلا أنّ فلانا يموت بعد شهر أو يرجع من سفره إلى وطنه ولمّا مضى ذلك الشّهر لم يقع شيء ممّا أخبر به (أجيب) أنّ حصول هذا الأمر المكشوف المخبر عن وقوعه كان مشروطا بشرائط وصاحب الكشف لم يطّلع على تفاصيلها وقت الإخبار به فحكم بحصوله مطلقا، أو نقول إنّ حكما من الأحكام المسطورة في اللّوح المحفوظ ظهر لعارف وكان ذلك الحكم قابلا في نفسه المحو والرّفع وكان من قبيل القضاء المعلّق، ولكن لم يكن للعارف خبر من كونه معلّقا وقابليّته للمحو والرّفع.

فإذا أخبر في هذه الصّورة بمقتضى علمه وحكم بوقوعه يكون فيه احتمال التّخلّف البتّة (نقل) " أنّ (١) جبريل عليه السّلام أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأخبره بموت شابّ على الصّباح فترحّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لحاله فسأله عمّا يتمنّاه من الدّنيا فقال: نكاح بكر، وأكل حلوى فأمر بإحضارهما حالا فبينما الشّابّ قاعد في اللّيل مع أهله في خلوته وطبق الحلوى بين أيديهما إذ جاء سائل اتّفاقا عند الباب وسأل شيئا لله فناوله الشّابّ الحلوى كما هو بطبقه فلمّا أصبح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قعد منتظرا لمجيء خبر فوت الغلام فلمّا تأخّر الخبر قال: أخبروني عن حال ذاك الغلام. فأخبروه بأنّه في سرور وفرح فبقي متحيّرا فجاءه جبريل عليه السّلام فقال: إنّه تصدّق بالحلوى فدفع ذلك عنه البلوى. فوجدت تحت وسادته حيّة عظيمة ميّتة وبطنها محشوّ بالحلوى وممتلئ به بحيث ماتت من كثرته»، وأنا لا أقبل هذا النّقل، ولا أجوّز الخطأ على جبريل فإنّه حامل الوحى القطعيّ وأرى احتمال الخطأ من حامل الوحي مستقبحا اللهمّ الّا أن نقول إنّ عصمته وعدم احتمال الخطأ منه مخصوصة بالوحي الّذي هو تبليغ من قبل الحقّ سبحانه وهذا الخبر ليس من قسم الوحي بل هو إخبار من علم مستفاد من اللّوح المحفوظ الّذي هو محلّ المحو والإثبات فيكون للخطأ مجال في هذا الخبر بخلاف الوحي الّذي هو مجرّد تبليغ فافترقا كالفرق بين الشّهادة والإخبار فإنّ الاولى معتبرة في الشّرع لا الثّاني (اعلم) أيّدك الله تعالى أنّ القضاء على قسمين قضاء معلّق وقضاء مبرم واحتمال التّبديل والتّغيير إنّما هو في القضاء المعلّق وأمّا القضاء المبرم فلا مجال فيه للتّبديل والتّغيير قال الله سبحانه وتعالى (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) هذا في القضاء المبرم وقال في القضاء المعلّق (يَمْحُوا الله ما يَشاءُ ويُثْبِتُ وعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) قال حضرة قبلتي قدّس سرّه يعني شيخه كتب حضرة السّيّد محيي الدّين عبد القادر الجيلانيّ قدّس سرّه في بعض رسائله لا مجال لأحد في تبديل القضاء المبرم الّا لي فإنّى أتصرّف فيه أيضا إن أردت ذلك وكثيرا ما كان يتعجّب من هذا الكلام ويستبعده وكان هذا النّقل مدّة مديدة في خزانة ذهن هذا الفقير إلى أن شرّفني الله سبحانه بهذه الدّولة العظمى حيث كنت يوما في صدد دفع بليّة متوجّهة إلى بعض الأحبّة وكان لي في ذلك الوقت التجاء وتضرّع وابتهال وخشوع تامّ إلى الله تعالى فظهر أنّ قضاء هذا الأمر ليس بمعلّق بأمر آخر في اللّوح المحفوظ ولا بمشروط بشرط فحصل بعد هذا نوع يأس وحرمان فخطر في ذلك الوقت قول السّيّد عبد القادر الجيلانيّ قدّس سرّه فالتجأت إليه تعالى وتضرّعت مرّة ثانية وتوجّهت إليه سالكا طريق إظهار العجز والإنكسار فأظهر الله سبحانه بأنّ القضاء المعلّق على نوعين قضاء ظهر تعليقه في اللّوح المحفوظ وأطلع عليه الملائكة وقضاء تعليقه عند الحقّ سبحانه فقط وهو على صورة القضاء المبرم في اللّوح المحفوظ وفي القسم الأخير من القضاء المعلّق احتمال التّبديل مثل الأوّل فصار معلوما من هناك أنّ كلام السّيّد

__________

(١) قال مخرج الاحاديث هذا باطل لا اصلا له بل هو من مخترعات الجهلة ولهذا رده الامام الرباني قدس سره منه (القزاني رحمة الله عليه)

الجيلانيّ مصروف إلى القسم الأخير الّذي له صورة القضاء المبرم لا إلى قضاء هو مبرم حقيقة فإنّ التّصرّف والتّبديل فيه محالان شرعا وعقلا كما لا يخفى.

(والحقّ) أنّ لأفراد قليلة اطّلاعا على حقيقة ذلك القضاء فكيف التّصرّف هناك ووجدت البليّة المتوجّهة إلى الأخ المذكور من القسم الأخير وصار معلوما أنّ الله سبحانه دفعها عنه والحمد لله سبحانه على ذلك حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحبّ ربّنا ويرضى والصّلاة والسّلام والتّحيّة على سيّد الأوّلين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين الّذي أرسله رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه وعلى جميع إخوانه من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين والملائكة المقرّبين أجمعين اللهمّ جعلنا من محبّيهم ومتابعي آثارهم ببركة هؤلاء الأكابر ويرحم الله عبدا قال آمينا (ولنرجع) إلى أصل الكلام ونقول: إنّ سبب وقوع الخطأ في بعض العلوم الإلهاميّة في بعض الأوقات هو أنّ بعض المقدّمات المسلّمة الثّابتة عند صاحب الإلهام الكاذبة في نفس الأمر تلتبس وتختلط مع العلوم الإلهاميّة بحيث لا يقدر صاحب الإلهام على التّمييز بل يظنّ جميع تلك العلوم إلهاميّة فلا جرم يقع الخطأ في المجموع بسبب الخطأ في بعض أجزائها وأيضا قد يرى في بعض الأحيان أمور غيبيّة في الكشوف والواقعات ويخيّل الرّائي أنّها محمولة على ظاهرها ومقصورة على صورتها فيحكم على مقدار خياله فيقع الخطأ ولا يدرى أنّ تلك الامور مصروفة عن ظاهرها ومحمولة على التّأويل والتّعبير وهذا المقام أيضا من جملة مقامات الأغلاط الكشفيّة.

(وبالجملة) انّ ما هو القطعيّ الحقيق بالإعتماد هو الكتاب والسّنّة فإنّهما ثبتا بالوحي القطعيّ وتقرّرا بنزول الملك وإجماع العلماء واجتهاد المجتهدين يعني القياس راجعان إلى هذين الأصلين وما وراء هذه الأصول الأربعة كائنا ما كان إن كان موافقا لواحد من هذه الاصول فهو مقبول والّا فلا وإن كان من علوم الصّوفيّة ومعارفهم البهيّة ومن الإلهام والكشوفات السّنيّة فإنّ الوجد والحال لا يشترى هناك بنصف شعيرة ما لم يوزن بميزان الشّريعة والإلهام والكشوف لا يقبل على نصف دانق ما لم يجرّب بمحكّ الكتاب والسّنّة والمقصود من سلوك طريق الصّوفيّة حصول ازدياد اليقين بحقّيّة المعتقدات الشّرعيّة الّذي هو حقيقة الإيمان وحصول اليسر في أداء الأحكام الشّرعيّة لا أمر آخر وراء ذلك فإنّ الرّؤية موعودة في الآخرة ليست بواقعة في الدّنيا والمشاهدات والتّجلّيات الّتي الصّوفيّة مسرورون بها اطمئنان بالظّلال أو تسلّ بالشّبه والمثال وهو تعالى وراء الوراء فإن كشفت عن حقيقة هذه المشاهدات والتّجلّيات كما هي أخاف من وقوع الفتور في طلب مبتدئي هذا الطّريق وتطرّق القصور إلى شوقهم وإن سكتّ عن ذلك مع وجود العلم به أخاف من أن أكون مجوّزا لالتباس الحقّ بالباطل فبالضّرورة أردت أنّ أظهر هذا القدر وهو أنّ تجلّيات هذا الطّريق ومشاهداته ينبغي أن تعرض على محكّ تجلّي كليم الله موسى على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام وشهوده فإن لم تصحّ يعني لم تطابقه بل خالفته ينبغي أن يحكم عليها بكونها من جملة



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!