موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(251) المكتوب الحادي والخمسون والمائتان إلى مولانا الأشرف في بيان فضائل الخلفاء الراشدين خصوصا الشيخين وتعظيم سائر الأصحاب الكرام عليهم الرضوان والكف عن ذكر مساويهم

 

 


الطّريق فالفرضيّة ثابتة والّا فلا ولكنّ هذا الشّرط شرط وجوب الأداء لا شرط نفس الوجوب كما هو الصّحيح فتكون الوصيّة بالإحجاج في هذه الصّورة واجبة ولمّا لم يساعد الوقت جواب استفساراتكم الاخرى أخّرناه إلى وقت آخر والسّلام.

(٢٥١) المكتوب الحادي والخمسون والمائتان إلى مولانا الأشرف في بيان فضائل الخلفاء الرّاشدين خصوصا الشّيخين وتعظيم سائر الأصحاب الكرام عليهم الرّضوان والكفّ عن ذكر مساويهم

بعد الحمد والصّلاة وتبليغ الدّعوات ليعلم الأخ الأرشد الخواجه أشرف أنّي أريد أن أكتب العلوم الغريبة والأسرار العجيبة والمواهب اللّطيفة والمعارف الشّريفة على قدر الفهم القاصر وأكثرها يتعلّق بفضائل الشّيخين وذي النّورين وأبي الحسنين وكمالاتهم رضي الله عنهم أجمعين ينبغي الإستماع والإصغاء إليها بسمع العقل.

اعلم أنّ حضرة الصّدّيق وحضرة الفاروق رضي الله عنهما مع وجود حصول الكمالات المحمّديّة فيهما وبلوغهما أقصى درجات الولاية المصطفويّة فيهما مناسبة في طرف الولاية من بين الأنبياء المتقدّمين لسيّدنا إبراهيم على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام. وفي طرف الدّعوة الّتي هي مناسبة لمقام النّبوّة بهما مناسبة لسيّدنا موسى على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام وبذي النّورين مناسبة في كلا الطّرفين لسيّدنا نوح صلوات الله وتسليماته على نبيّنا وعليه وبسيّدنا عليّ كرّم الله وجهه مناسبة في كلا الطّرفين لسيّدنا عيسى على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام وحيث كان عيسى روح الله وكلمته كان طرف ولايته غالبا على جانب نبوّته وطرف الولاية غالب أيضا في عليّ كرّم الله وجهه بهذه المناسبة. ومبادي تعيّنات الخلفاء الأربعة صفة العلم على اختلاف الجهات إجمالا وتفصيلا. وهذه الصّفة باعتبار الإجمال ربّ محمّد وباعتبار التّفصيل ربّ الخليل وباعتبار البرزخيّة بين الإجمال والتّفصيل ربّ نوح عليهم الصّلاة والسّلام كما أنّ ربّ موسى صفة الكلام وربّ عيسى صفة القدرة وربّ آدم صفة التّكوين عليهم السّلام (ولنرجع) إلى أصل الكلام ونقول: إنّ الصّدّيق والفاروق هما حاملا ثقل النّبوّة المحمّديّة على اختلاف المزاتب وعليّا كرّم الله وجهه بواسطة مناسبته لعيسى وغلبة جانب ولايته حامل ثقل الولاية المحمّديّة وذا النّورين باعتبار برزخيّته قيل انّه حامل كلا الطّرفين ويمكن ان يكون اطلاق ذى النّورين عليه بهذا الاعتبار أيضا وحيث قالوا انّ الشّيخين حاملا ثقل النّبوّة تكون مناسبتهما بموسى عليه السّلام أزيد لأنّ مقام الدّعوة الّتي هي ناشئة من مرتبة النّبوّة أتمّ وأكمل فيه من بين الأنبياء بعد نبيّنا عليه وعليهم الصّلاة والسّلام وكتابه أفضل الكتب المنزّلة بعد القرآن المجيد ولهذا تكون أمّته أكثر من يدخلون الجنّة من بين الامم المتقدّمين وإن كانت شريعة إبراهيم وملّته أفضل من جميع الشّرائع والملل ولهذا أمر أفضل الرّسل بمتابعة ملّته (ثمّ

أوحينا إليك أن اتّبع ملّة إبراهيم حنيفا) شاهد لهذا المعنى والمهديّ الموعود أيضا ربّه صفة العلم وبه مناسبة لعيسى مثل عليّ وكان إحدى قدمي عيسى على رأس عليّ والاخرى على رأس المهديّ.

اعلم أنّ ولاية موسى وقعت على يمين الولاية المحمّديّة والولاية العيسويّة على يسارها ولمّا كان عليّ المرتضى حامل ثقل الولاية كان أكثر سلاسل الأولياء منتسبا إليه وظهرت كمالاته لاكثر الأولياء العظام المختصّين بكمالات الولاية أزيد وأكثر من كمالات الشّيخين فلولا إجماع أهل السّنّة على أفضليّة الشّيخين لحكم كشف أكثر الأولياء العظام بأفضليّة عليّ المرتضى لأنّ كمالات الشّيخين تشبه كمالات الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام.

وإدراك أرباب الولاية قاصر عن الوصول إلى ذيل هذه الكمالات وكشف أرباب الكشوف بواسطة علوّ درجاتهم باق في الطّريق غير واصل إليهم. وكمالات الولاية كالمطروح في الطّرق في جنب هذه الكمالات إنّما هي مدارج ومعارج للعروج إلى كمالات النّبوّة فكيف يكون للمقدّمات خبر عن المقاصد وماذا يكون شعور المبادي بالمطالب وهذا الكلام وإن كان ثقيلا على الأكثرين بواسطة بعد عهد النّبوّة وبعيدا عن القبول ولكن ماذا نصنع (شعر)

قد أمسكوني ورى المرئىّ كدرّتهم ... أقول ما قال لي أستاذي الأزليّ

ولكن لله سبحانه الحمد والمنّة إنّي متّفق في هذا القيل والقال مع علماء أهل السّنّة والجماعة شكر الله تعالى سعيهم وقولي موافق بإجماعهم وجعل استدلاليّهم كشفيّا لي وإجماليّهم تفصيليّا وهذا الفقير ما لم يصل إلى كمالات مقام النّبوّة بمتابعة نبيّه ولم يحصل له نصيب تامّ من تلك الكمالات لم يطّلع على فضائل الشّيخين بطريق الكشف ولم يهتد إلى سبيل غير التّقليد الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ (قال) شخص يوما: قد كتب في الكتب أنّ اسم عليّ المرتضى مكتوب على باب الجنّة فوقع في الخاطر أنّه ماذا يكون لحضرة الشّيخين من خصائص ذلك الموطن فظهر بعد التّوجّه التّامّ أنّ دخول هذه الامّة إلى الجنّة إنّما يكون بإذن هذين الشّيخين الجليلين وتجويزهما وكان الصّدّيق قائما على باب الجنّة ويأذن للنّاس بالدّخول إلى الجنّة والفاروق يدخلهم الجنّة آخذا بأيديهم وكان مشهودا أنّ الجنّة بتمامها مملوءة بنور الصّدّيق وفي نظر هذا الحقير انّ للشّيخين شأنا على حدة فيما بين الأصحاب ودرجة ممتازة منفردة كأنّها لم يشاركهما فيها أحد وكان الصّدّيق في بيت واحد مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإن كان التّفاوت فإنّما هو بالعلوّ والسّفل والفاروق أيضا مشرّف بهذه الدّولة بتطفّل الصّدّيق ونسبة سائر الصّحابة إليه صلّى الله عليه وسلّم نسبة المساكنة في خان واحد أو في بلدة واحدة فما يكون حظّ سائر أولياء الامّة (ع) حسبي إذا جاء من بعد صدا جرسه

فماذا يجد هؤلاء من كمالات الشّيخين وكلا هذين الشّيخين معدودان في عداد الأنبياء في العظمة وجلالة القدر ومحفوفان بفضائل الأنبياء عليهم السّلام قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لو كان (١) بعدي نبيّ لكان عمر». وذكر الإمام الغزاليّ أنّ عبد الله بن عمر قال في أيّام مصيبة الفاروق في محضر من الصّحابة رضوان الله عليهم مات تسعة أعشار العلم ولمّا أحسّ من بعض النّاس توقّفا في فهم معنى هذا الكلام قال: المراد بالعلم العلم بالله لا علم الحيض والنّفاس وماذا يقال في الصّدّيق الّذي جميع حسنات عمر حسنته الواحدة كما أخبر به المخبر الصّادق ويحسّ أنّ انحطاط عمر الفاروق من الصّدّيق أكثر وأزيد من انحطاط الصّدّيق من النّبيّ عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام فقس على هذا انحطاط الباقين من الصّدّيق.

والشّيخان لم يفارقا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد الموت أيضا وسيكون حشرهما أيضا معه عليه الصّلاة والسّلام كما ورد ذلك فتكون الأفضليّة بواسطة الأقربيّة لهما وماذا يقول هذا الحقير قليل البضاعة من كمالاتهم وماذا يبيّن من فضائلهم وأين للذّرّة قدرة التّكلّم من الشّمس وأين للقطرة مجال التّحدّث من بحر عمّان والأولياء المرجوعون لدعوة الخلق المحتظّون من كلا طرفي الولاية والدّعوة بحظّ تامّ والعلماء المجتهدون من التّابعين وتبع التّابعين لمّا أدركوا كمالات الشّيخين بنور الكشف الصّحيح والفراسة الصّادقة والأخبار المتتابعة في الجملة ووجدوا نبذة من فضائلهما حكموا بأفضليّتهما بالضّرورة وأجمعوا على ذلك وما ظهر على خلاف هذا الإجماع من الكشف حملوه على عدم الصّحّة ولم يعتبروه كيف وقد صحّح في الصّدر الأوّل أفضليّتهما كما روى البخاريّ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنّا في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ نترك أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا نفاضل بينهم وفي رواية لابي داود: كنّا نقول ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيّ: أفضل أمّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعده أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان رضي الله عنهم ومن قال إنّ الولاية أفضل من النّبوّة فهو من أرباب السّكر ومن الأولياء غير المرجوعين الّذين ليس لهم نصيب وافر من كمالات مقام النّبوّة ولعلّ نظركم وقع على ما حقّقه هذا الفقير في بعض رسائله من انّ النّبوّة افضل من الولاية وان كانت ولاية النّبىّ والحقّ هو هذا فمن قال بخلاف ذلك فهو من جهالة كمالات مقام النّبوّة كما مرّ آنفا ومن المعلوم أنّ سلسلة النّقشبنديّة منتسبة من بين سلاسل سائر الأولياء إلى الصّدّيق رضي الله عنه فتكون نسبة الصّحو غالبة فيهم وتكون دعوتهم أتمّ وتظهر كمالات الصّدّيق لهم أكثر وأزيد وتكون نسبتهم فوق نسب سائر السّلاسل بالضّرورة فماذا يدرك غيرهم من كمالاتهم وماذا يحسّون من حقيقة معاملتهم ولا أقول إنّ جميع مشائخ النّقشبنديّة سواسية في هذه المعاملة كيف بل لو وجد من ألوف على هذه الصّفة

__________

(١) قوله لو كان بعدى نبى الخ. رواه أحمد والترمذي وقال حسن غريب وابو يعلى والطبرانى والبيهقي والحاكم وابو نعيم في فضائل الصحابة عن عقبة بن عامر رضى الله عنه والطبرانى أيضا عن عصمة بن مالك رضى الله عنه (القزاني رحمة الله عليه)

يكون غنيمة وأظنّ المهديّ الموعود الّذي بأكمليّة الولاية معهود يكون على هذه النّسبة ويتمّ هذه السّلسلة العليّة ويكملها فإنّ نسبة جميع الولايات دون هذه النّسبة العليّة لأنّ سائر الولايات قليلة النّصيب من كمالات مرتبة النّبوّة وهذه الولاية لها حظّ وافر منها بواسطة الإنتساب إلى الصّدّيق كما مرّ آنفا،

(ع): وشتّان ما بين الطّريقين يا خلي *

أيّها الأخ إنّ الإمام عليّا كرّم الله وجهه لمّا كان حاملا لثقل الولاية المحمّديّة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة كان تربية مقام الأقطاب والأوتاد والأبدال الّذين هم من أولياء العزلة وغلب فيهم جانب كمالات الولاية مفوّضة إلى إمداده وإعانته ورأس قطب الأقطاب الّذي هو قطب المدار تحت قدمه ويجري أمره ويحصل مهمّه بحمايته ورعايته ويخرج به عن عهدة مداريّته والسّيّدة فاطمة وابناها الإمامان رضي الله عنهم هم أيضا شركاؤه في هذا المقام (واعلم) أنّ أصحاب النّبيّ عليه وعليهم الصّلاة والسّلام كلّهم كبراء عظماء ينبغي أن يذكر كلّهم بالتّعظيم. روى الخطيب عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله اختارني واختار لي أصحابا واختار لي منهم أصهارا وأنصارا فمن حفظني فيهم حفظه الله ومن آذاني فيهم آذاه الله.

وروى الطّبرانيّ عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: من سبّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين. وروى ابن عديّ عن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ شرار أمّتي أجرؤهم على أصحابي وما وقع بينهم من المنازعات والمحاربات ينبغي صرفها وحملها على محامل حسنة وإبعادهم عن الهوى والتّعصّب فإنّ تلك المخالفات كانت مبنيّة على الإجتهاد والتّأويل لا على الهوى والهوس كما أنّ جمهور أهل السّنّة على ذلك. ولكن ينبغي أن يعلم أنّ مخالفي الإمام عليّ رضي الله عنه كانوا على الخطأ وكان الحقّ في جانبه ولكن لمّا كان هذا الخطأ خطا اجتهاديّا كان صاحبه بعيدا عن الملامة ومرفوعا عنه المؤاخذة كما نقل شارح المواقف عن الآمديّ أنّ وقعة الجمل والصّفّين كانت على وجه الإجتهاد. وصرّح الشّيخ أبو شكور السّالميّ في التّمهيد أنّ أهل السّنّة والجماعة ذاهبون إلى أنّ معاوية مع طائفة من الصّحابة الّذين كانوا معه كانوا على الخطأ وكان خطؤهم اجتهاديّا وقال الشّيخ ابن حجر في الصّواعق: إنّ منازعة معاوية لعليّ رضي الله عنهما كانت على وجه الإجتهاد. وجعل هذا القول من معتقدات اهل السّنّة وما قال شارح المواقف من أنّ كثيرا من أصحابنا ذهبوا إلى أنّ تلك المنازعة لم تكن على وجه الإجتهاد فمراده من الأصحاب أيّ طائفة هو فإنّ أهل السّنّة حاكمون بخلاف ذلك كما مرّ، وكتب القوم مشحونة بالقول بالخطأ الاجتهاديّ كما صرّح به الغزاليّ والقاضي أبو بكر وغيرهما فلا يجوز تفسيق مخالفي الإمام عليّ وتضليلهم.

قال القاضي في الشّفاء قال مالك رضي الله عنه " من شتم أحدا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر وعمر وعثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص رضي الله عنهم فإن قال: كانوا على ضلال وكفر قتل وإن سبّهم بغير هذا من مشاتمة النّاس نكّل نكالا شديدا فلا يكون محاربو عليّ كفرة كما زعمت الغلاة من الرّفضة ولا فسقة كما زعم البعض ونسبه شارح المواقف إلى كثير من أصحابه كيف وقد كانت الصّدّيقة وطلحة والزّبير من الصّحابة منهم وقد قتل طلحة والزّبير في قتال الجمل مع ثلاثة عشر ألفا من القتلى قبل خروج معاوية فتضليلهم وتفسيقهم ممّا لا يجترئ عليه مسلم الّا أن يكون في قلبه مرض وفي باطنه خبث وما وقع في عبارة بعض (١) الفقهاء من إطلاق لفظ الجور في حقّ معاوية حيث قال:

كان معاوية إماما جائرا فمراده بالجور عدم حقّيّة خلافته في زمن خلافة عليّ لا الجور الّذي مآله فسق وضلالة ليكون موافقا لاقوال أهل السّنّة والجماعة ومع ذلك يجتنب أرباب الإستقامة إتيان الألفاظ الموهمة خلاف المقصود ولا يجوز الزّيادة على القول بالخطأ كيف يكون جائرا وقد صحّ أنّه كان إماما عادلا في حقوق الله سبحانه وحقوق المسلمين كما في الصّواعق وقد زاد مولانا عبد الرّحمن الجاميّ قدّس سرّه في قوله خطا منكرا يعني زاد على ما عليه الجمهور وكلّما زاد على لفظ الخطأ فهو خطأ وما قال بعده فإن كان هو مستحقّا للّعن إلخ فهو أيضا غير مناسب له أين محلّ التّرديد وأين محلّ الإشتباه فإن قال هذا الكلام في حقّ يزيد فله وجه ومساغ وأمّا قوله ذلك في حقّ معاوية فشنيع وقد ورد في الأحاديث النّبويّة بأسانيد الثّقات أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعا لمعاوية اللهمّ (٢) علّمه الكتاب والحساب وقه العذاب.

وقال في محلّ آخر من دعائه: اللهمّ (٣) اجعله هاديا مهديّا. ودعاؤه عليه الصّلاة والسّلام مقبول والظّاهر أنّ هذا الكلام إنّما صدر عن مولانا بطريق السّهو والنّسيان وأيضا أنّه لم يصرّح باسم أحد في تلك الأبيات بل قال وصحابيّ آخر وهذه العبارة أيضا تنبئ عن الشّناعة ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. وما نقل عن الإمام الشّعبيّ من ذمّ معاوية وأنّه بالغ في مذمّته وأوصلها إلى ما فوق الفسق لم يبلغ مرتبة الثبوت والإمام الأعظم من تلامذته فعلى تقدير صدق هذا القول لكان هو أحقّ بنقله. وحكم الإمام مالك الّذي هو من تبع التّابعين ومعاصره بقتل شاتم معاوية وعمرو بن العاص كما مرّ آنفا فإن كان هو

__________

(١) هو صاحب الهداية وعبارته فان الصحابة تقلدوا القضاء من معاوية مع ان الحق كان بيد على في نوبته اهـ. وقوله في نوبته قيد لتقلدوا ولكن الحق في يد على فيدل على انه على الحق بعد نوبة على وإنما كان جوره في نوبة على فان الحق لما كان في يد على كان بيد مخالفه الجور الذى هو ضد الحق فلا غبار في هذه العبارة وليس فيه وصف معاوية بالجور بل إنما اخذوا ذلك من تعليل قوله ويجوز تقلدو القضاء من امام عادل وجائر بقوله فان الصحابة الخ. (القزاني رحمة الله عليه)

(٢) رواه حم ع طب عن عرباض بن سارية رضى الله عنه والحسن بن سفيان والحسن بن عرفة والبغوى وابن قانع حل كر عن الحرث عد كر عن ابن عباس طس طب بلفظ اللهم علم معاوية الحديث. (القزاني رحمة الله عليه)

(٣) رواه الترمذي عن عبد الرحمن بن ابى عمرة رضى الله عنه (القزاني رحمة الله عليه)

مستحقّا للشّتم فلم حكم بقتل شاتمه فعلم أنّه اعتقد شتمه من الكبائر فحكم بقتل شاتمه وأيضا أنّه جعل شتمه كشتم أبي بكر وعمر وعثمان كما مرّ سابقا فلا يكون معاوية مستحقّا للشّتم والذّمّ. (أيّها الأخ) إنّ معاوية ليس وحده في هذه المعاملة بل كان نصف الأصحاب الكرام تخمينا شريكا له فيها فإن كان محاربو عليّ كفرة أو فسقة زال الإعتماد عن شطر الدّين الّذي بلغنا من طريق تبليغهم ولا يجوّز ذلك الّا زنديق مقصوده إبطال الدّين. (أيّها الأخ) إنّ منشأ إثارة هذه الفتنة هو قتل عثمان رضي الله عنه وطلب القصاص من قتلته فإنّ طلحة وزبيرا إنّما خرجا أوّلا من المدينة بسبب تأخير القصاص ووافقتهم الصّدّيقة في هذا الأمر فوقع حرب الجمل الّتي قتل فيها ثلاثة عشر ألفا من الصّحابة وقتل فيها طلحة والزّبير اللّذان هما من العشرة المبشّرة ثمّ خرج معاوية من الشّام وصار شريكا لهم فوقع حرب الصّفّين.

صرّح الإمام الغزاليّ أنّ تلك المنازعة لم تكن لامر الخلافة بل كانت لاستيفاء القصاص في بدء خلافة عليّ وعدّ ابن حجر هذا القول من معتقدات أهل السّنّة وقال الشّيخ أبو شكور السّالميّ الّذي هو من أكابر علماء الحنفيّة أنّ منازعة معاوية لعليّ كانت في أمر الخلافة فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لمعاوية: إذا (١) ملكت النّاس فارفق بهم. فحصل لمعاوية الطّمع في الخلافة من هذا الكلام ولكن كان هو مخطئا في هذا الإجتهاد وعليّ محقّ فيه فإنّ الوقت كان وقت خلافة عليّ والتّوفيق بين هذين القولين هو أنّ منشأ المنازعة يمكن أن يكون أوّلا تأخير القصاص ثمّ بعد ذلك يقع في طمع الخلافة وعلى كلّ الإجتهاد واقع في محلّه فإن مخطئا فدرجة واحدة من الثّواب وللمحقّ درجتان بل عشر درجات. (أيّها الأخ) إنّ الطّريق الأسلم في هذا الموطن السّكوت عن ذكر مشاجرات أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام والإعراض عن ذكر منازعتهم قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إيّاكم (٢) وما شجر بين أصحابي.

وقال أيضا: إذا (٣) ذكر أصحابي فأمسكوا. وقال أيضا عليه الصّلاة والسّلام: الله الله (٤) في أصحابي لا تتّخذوهم غرضا. يعني احذرو الله واتّقوه في حقّ أصحابي ولا تجعلوهم هدفا لسهم ملامتكم وطعنكم.

قال الإمام الشّافعيّ وهو منقول عن عمر بن عبد العزيز أيضا: تلك دماء طهّر الله عنها أيدينا فلنطهّر عنها ألسنتنا. ويفهم من هذه العبارة أنّه لا ينبغي إجراء خطئهم على اللّسان أيضا وأن يذكرهم بغير الخير هذا ويزيد البعيد عن السّعادة من زمرة الفسقة والتّوقّف في لعنه إنّما هو على الأصل المقرّر عند أهل السّنّة من

__________

(١) رواه مسلم وابن ابى شيبة في المصنف ولا طبرانى في الكبير بهذا اللفظ وأحمد عن ابى هريرة بلفظ ان وليت امرا فاتق الله واعدل (القزاني رحمة الله عليه)

(٢) اورده ابن الاثيرى النهاية (القزاني رحمة الله عليه)

(٣) رواه الطبرانى عن ابن مسعود وثوبان وابن عدى عن عمر رضى الله عنه (القزاني رحمة الله عليه)

(٤) رواه الترمذي عن عبد الله بن مغفل رضى الله عنه (القزاني رحمة الله عليه)



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!