موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(268) المكتوب الثامن والستون والمائتان إلى خان خانان في بيان العلم الموروث من الأنبياء وبيان المراد بالعلماء في حديث «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» وأن العلم الموروث من الأنبياء ليس هو الأسرار التي تكلم بها الأولياء من التوحيد الوجودي والإ

 

 


(٢٦٨) المكتوب الثّامن والسّتّون والمائتان إلى خان خانان في بيان العلم الموروث من الأنبياء وبيان المراد بالعلماء في حديث «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل» وأنّ العلم الموروث من الأنبياء ليس هو الأسرار الّتي تكلّم بها الأولياء من التّوحيد الوجوديّ والإحاطة والسّريان وما يشاكلها بل غيرها

الحمد لله وسلام على عباده الّذين اصطفى وبعد. فاعلم أنّ أحوال فقراء هذه الحدود وأوضاعهم مستوجبة للحمد والمسئول من الله سبحانه سلامتكم وعافيتكم وثباتكم واستقامتكم. ولمّا كان مبحث علم الوراثة في البين أردت أن أكتب كلمات من تلك المقولة على حسب مقتضى الوقت وقد ورد في الأخبار " العلماء ورثة الأنبياء».

والعلم الّذي بقي من الأنبياء عليهم السّلام نوعان علم الأحكام وعلم الأسرار فالعالم الوارث من يكون له سهم من نوعي العلم لا من يكون له نصيب من نوع واحد فقط فإنّ ذلك مناف للوراثة فإنّ الوارث من يكون له نصيب من جميع أنواع تركة المورّث لا من بعض دون بعض والّذي له نصيب من البعض المعيّن فهو داخل في الغرماء حيث يتعلّق نصيبه بجنس حقّه وكذلك قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل». والمراد بالعلماء هنا علماء الوراثة لا الغرماء الّذين يأخذون نصيبهم من بعض التّركة فإنّ الوارث يمكن أن يقال له: إنّه كالمورّث بواسطة القرب والجنسيّة بخلاف الغريم فإنّه خال عن هذه العلاقة فمن لم يكن وارثا لا يكون عالما الّا أن نقيّد علمه بنوع واحد ونقول إنّه عالم بعلم الأحكام مثلا والعالم المطلق هو الّذي يكون وارثا ويكون له حظّ وافر ونصيب تامّ من كلا نوعي العلم.

وقد زعم الأكثرون أنّ علم الأسرار عبارة عن علوم التّوحيد الوجوديّ وشهود الوحدة في الكثرة ومشاهدة الكثرة في الوحدة وأنّه كناية عن معارف الإحاطة وسريان وجوده تعالى وقربه ومعيّته سبحانه على النّهج الّذي صارت منكشفة ومشهودة لارباب الأحوال حاشا وكلّا ثمّ حاشا وكلّا من أن تكون هذه العلوم والمعارف من علم الأسرار ولائقة بمرتبة النّبوّة فإنّ مبنى تلك المعارف السّكر وغلبة الحال الّتي هي منافية للصّحو وعلم الأنبياء كلّه سواء كان علم الأحكام أو علم الأسرار ناش من غاية الصّحو الّذي ما امتزجت فيه ذرّة من السّكر بل هذه المعارف مناسبة لمقام الولاية الّتي لها قدم راسخ في السّكر فتكون هذه العلوم من أسرار الولاية لا من أسرار النّبوّة. والولاية وإن كانت هي أيضا ثابتة ولكنّ أحكامها مغلوبة وفي جنب أحكام النّبوّة متلاشية ومضمحلّة، شعر:

ومتى بدت أنوار بدر في الدّجا ... ما للسّهى من حيلة سوى الإختفا

وقد كتبت في كتبي ورسائلي وحقّقت أنّ كمالات النّبوّة لها حكم البحر المحيط وكمالات الولاية في جنبها قطرة محقّرة ولكن ماذا نفعل وقد قال جماعة من عدم إدراكهم لكمالات النّبوّة: إنّ

الولاية أفضل من النّبوّة وقال طائفة أخرى في توجيه هذا الكلام إنّ المراد به أنّ ولاية نبيّ أفضل من نبوّته وكلّ من هذين الفريقين قد حكموا على الغائب من غير علم بحقيقة النّبوّة وقريب من هذا الحكم الحكم بترجيح السّكر على الصّحو فإن عرفوا حقيقة الصّحو لعرفوا أنّ السّكر لا نسبة له إلى الصّحو أصلا، (ع):

ما نسبة الفرشيّ بالعرشيّ *

وكأنّهم شبّهوا صحو الخواصّ بصحو العوامّ وزعموا وجود المماثلة بينهما فرجّحوا السّكر عليه وليتهم إذ زعموا وجود المماثلة بين صحو الخواصّ وصحو العوامّ لم يجترئوا على هذا الحكم فإنّ من المقرّر عند العقلاء أنّ الصّحو أفضل من السّكر مطلقا وهذا الحكم دائميّ عندهم سواء كان السّكر والصّحو مجازيّين أو حقيقيّين وتفضيل الولاية على النّبوّة وترجيح السّكر على الصّحو شبيه بترجيح الكفر على الإسلام وتفضيل الجهل على العلم فإنّ كلّا من الكفر والجهل مناسب لمقام الولاية وكلّا من الإسلام والعلم مناسب لمرتبة النّبوّة قال الحسين بن منصور الحلّاج، شعر:

كفرت بدين الله والكفر واجب ... لديّ وعند المسلمين قبيح

ومحمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استعاذ من الكفر قل كلّ يعمل على شاكلته فكما أنّ الإسلام في عالم المجاز أفضل من الكفر كذلك ينبغي أن يعتقد أنّه في الحقيقة أفضل من الكفر فإنّ المجاز قنطرة الحقيقة. فإن قيل: كما أنّ الكفر والسّكر والجهل ثابت في مرتبة الجمع من مقامات الولاية كذلك الإسلام والصّحو والمعرفة متحقّق في مرتبة الفرق بعد الجمع منها فكيف يصحّ القول بمناسبة الكفر والسّكر والجهل فقط لمقام الولاية. (أقول) إنّ إثبات الصّحو وأمثاله في مرتبة الفرق إنّما هو بالنّسبة إلى مرتبة الجمع الّتي ليس فيها غير السّكر والمحو والّا فصحو مرتبة الفرق أيضا ممتزج بالسّكر وإسلامها مختلط بالكفر ومعرفتها مشوبة بالجهل فلو وجدت مجالا للكتابة لذكرت أحوال مقام الفرق ومعارفه بالتّفصيل وبيّنت امتزاج السّكر وأمثاله فيها بالصّحو وأمثاله ولعلّ أرباب الفطانة يجدون هذا المعنى بالتّفرّس أيضا والعجب كلّ العجب ألم يفهموا أنّ الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام إنّما نالوا ما نالوا من هذه العظمة والجلالة كلّها من طريق النّبوّة لا من طريق الولاية، (وغاية) شأن الولاية إنّما هي الخادميّة للنّبوّة فلو كانت للولاية مزيّة على النّبوّة لكان الملائكة الّذين ولايتهم أكمل من سائر الولايات أفضل من الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام ولمّا قالت طائفة من هؤلاء القوم بأفضليّة الولاية من النّبوّة ورأوا ولاية الملائكة الملأ الأعلى أفضل من ولاية الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام قالوا بالضّرورة انّ الملائكة أفضل من الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام وفارقوا في ذلك جمهور أهل السّنّة والجماعة وكلّ ذلك لعدم الإطّلاع على حقيقة النّبوّة ولمّا كانت كمالات النّبوّة حقيرة في نظر النّاس في جنب كمالات الولاية بواسطة بعد عهد النّبوّة بسطنا الكلام في هذا الباب بالضّرورة وكشفنا شمة من حقيقة المعاملة ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!