موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(295) المكتوب الخامس والتسعون والمائتان إلى الحاج يوسف الكشميرى في بيان النظر على القدم وهوش دردم والسفر في الوطن والخلوة في الجلوة التي هي أصول الطريقة النقشبندية العلية قدس الله أسرار أهاليها

 

 


الإضمحلال فافهم والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال. والسَّلامُ عَلى مَنِ اِتَّبَعَ الْهُدى (١) والتزم متابعة المصطفى عليه وعلى آله من الصّلوات أتمّها ومن التّسليمات أكملها.

(٢٩٥) المكتوب الخامس والتّسعون والمائتان إلى الحاجّ يوسف الكشميرىّ في بيان النّظر على القدم وهوش دردم والسّفر في الوطن والخلوة في الجلوة الّتي هي أصول الطّريقة النّقشبنديّة العليّة قدّس الله أسرار أهاليها

ينبغي أن يعلم: أن واحدا من الاصول المقرّرة في الطّريقة النّقشبنديّة قدّس الله أسرار مشائخها النّظر على القدم، وليس المراد بالنّظر على القدم أنّه لا ينبغي أن يتجاوز النّظر القدم وأن يميل إلى الفوق قبل القدم؛ فإنّه خلاف الواقع فإنّ النّظر يتفوّق القدم ويتقدّم عليه دائما ويجعل القدم رديفه، فإنّ العروج على مدارج العلى يكون أوّلا بالنّظر، ثمّ يصعد بعد ذلك بالقدم، فإذا وصلت القدم إلى مرتبة النّظر يتفوّق النّظر منها إلى درجة فوقانيّة وتصعد القدم أيضا بتبعيّته، ثمّ يترقّى النّظر بعد ذلك من ذلك المقام، ثمّ تتبعه القدم وعلى هذا القياس فإن كان المراد به أنّه لا ينبغي أن يترقّى النّظر إلى مقام لا يكون للقدم فيه مجال فهو أيضا غير واقع؛ فإنّه لو لم ينفرد النّظر بعد تمام السّير القدميّ يفوت كثير من مراتب الكمال بيانه:

أنّ نهاية القدم إلى نهاية استعداد السّالك بل إلى نهاية استعداد نبيّ السّالك على قدمه، لكنّ القدم الأوّل بالأصالة والقدم الثّاني بالتّبعيّة، ولا قدم له فوق مراتب ذلك الإستعداد ولكن له فيه نظر فإن حصلت الحدّة لذلك النّظر فمنتهاه نهاية مراتب نظر ذلك النّبيّ الّذي السّالك على قدمه؛ فإنّ لكمّل أتباع نبيّ نصيبا من جميع كمالاته، ولكنّ القدم والنّظر يتوافقان إلى نهاية مراتب استعداد السّالك بالأصالة وبالتّبعيّة، وبعد ذلك يعجز القدم ويصعد النّظر وحده ويترقّى إلى نهاية مراتب نظر ذلك النّبيّ. فعلم: أنّ نظر الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام أيضا يصعد فوق أقدامهم وأنّ لكمّل أتباعهم أيضا نصيبا من مقامات أنظارهم، كما أنّ لهم نصيبا من مقامات أقدامهم وفوق قدم خاتم الرّسل عليه وعليهم الصّلاة والسّلام مقام الرّؤية الّتي هي موعودة لغيره في الآخرة فما هو نسبة لغيره نقد له، ولكمّل أتباعه من هذا المقام نصيب وأن لم يكن رؤية، شعر:

خليلي ما هذا بهزل وإنّما ... عجيب الأحاديث بديع الغرائب

ولنرجع إلى أصل الكلام ونقول: فإن كان المراد به أنّه ينبغي أن يتخلّف القدم عن النّظر على وجه لاتّصل إلى مقام النّظر في وقت من الأوقات فحسن؛ فإنّ هذا المعنى ليس بمانع للتّرقّي، وكذلك إذا كانّ

__________

(١) الآية: ٤٧ من سورة طه.

المراد بالنّظر والقدم النّظر والقدم الظّاهريّين فله مجال؛ فإنّ النّظر تحصل له التّفرقة وقت المشي ويتشتّت بالوقوع على محسوسات متلوّنة فإنّ نصب النّظر إلى القدم يكون أقرب إلى الجمعيّة وهذا المراد مناسب لمعنى كلمة هي قرينه وهي هذه: «هوش دردم " يعني: العقل في النّفس.

غاية ما في الباب: أنّ الكلمة الاولى: لدفع تفرقة منبعثة عن الآفاق.

والكلمة الثّانية: لدفع التّفرقة الأنفسيّة.

والكلمة الثّالثة: الّتي هي قرين هاتين الكلمتين كلمة: «السّفر في الوطن».

وهي عبارة عن السّير في الأنفس الّذي هو منشأ حصول اندراج النّهاية في البداية الّذي هو مخصوص بهذه الطّريقة العليّة، والسّير في الأنفس وإن كان في جميع الطّرق ولكنّه في سائر الطّرق بعد حصول السّير الآفاقي بخلاف هذا الطّريق فإنّ فيه الشّروع من هذا السّير والسّير الآفاقيّ مندرج في ضمنه، فلو قلنا: إنّ في هذا الطّريق اندراج البداية في النّهاية بهذا الإعتبار أيضا لساغ.

والكلمة الرّابعة الّتي هي قرين هذه الكلمات الثّلاث كلمة: «الخلوة في الجلوة».

ومتى تيسّر السّفر في الوطن يسافر في خلوة الوطن أيضا في نفس الجلوة، ولا تتطرّق تفرقة الآفاق إلى حجرة الأنفس، وهذا أيضا على تقدير غلق أبواب الحجرة وسدّ جميع روزنتها وكوّتها فينبغي أن لا يكون في جلوة التّفرقة متكلّما ولا مخاطبا ولا ملتفتا إلى أحد، وكلّ هذه التّمحّلات والتّكلّفات في البداية والوسط وأمّا في النّهاية فلا شيء يلزم منها أصلا؛ فإنّ المنتهى متّصف بالجمعيّة في نفس التّفرقة وبالحضور في عين الغفلة. ولا يظنّ من هنا: أنّ التّفرقة وعدم التّفرقة متساويان في حقّ جمعيّة المنتهي مطلقا فإنّه ليس كذلك، بل المراد أنّهما متساويان في جمعيّة الباطن، ومع ذلك لو جمع ظاهره مع باطنه ودفع التّفرقة عن ظاهره أيضا يكون أولى وأنسب قال الله سبحانه وتعالى لنبيّه عليه الصّلاة والسّلام:

وَاُذْكُرِ اِسْمَ رَبِّكَ وتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا.

ينبغي أن يعلم: أنّه لا بدّ في بعض الأوقات من تفرقة الظّاهر لأداء حقوق الحقّ فتكون تفرقة الظّاهر في بعض الأوقات مستحسنة أيضا. وأمّا تفرقة الباطن: فليست بمستحسنة في وقت من الأوقات فإنّه خالص حقّ الله سبحانه فيكون ثلاث حصص من العبد المسلم لأجل الحقّ سبحانه تمام الباطن ونصف الظّاهر وبقي النّصف الآخر من الظّاهر لأداء حقوق الخلق ولمّا كان في أداء تلك الحقوق امتثال أوامر الحقّ سبحانه صار ذلك النّصف أيضا راجعا إلى الحقّ سبحانه وتعالى: إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فاعبده



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!