موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(294) المكتوب الرابع والتسعون والمائتان إلى المخدوم جامع العلوم الظاهرية والأسرار الباطنية مجد الدين الخواجه محمد معصوم سلمه الله تعالى في بيان ما يتعلق بصفات الحق سبحانه الثمان وفي تحقيق مبادي تعينات الأنبياء عليهم السلام ومبادي تعينات

 

 


الصّور والإخبار عمّا غاب من أحوال المخلوقات فعظّموهم واعتقدوا أنّهم أهل الله وخاصّته وأعرضوا عن كشف أهل الحقيقة واتّهموهم فيما يخبرون عن الله سبحانه وقالوا: لو كان هؤلاء أهل الحقّ كما يزعمون لأخبرونا عن أحوالنا وأحوال المخلوقات وإذا كانوا لا يقدرون على كشف أحوال المخلوقات فكيف يقدرون على كشف أمور أعلى من هذه وكذّبوهم بهذا القياس الفاسد وعميت عليهم الأنباء الصّحيحة ولم يعلموا أنّ الله تعالى قد حمى هؤلاء عن ملاحظة الخلق وخصّهم وشغلهم عمّا سواه حماية لهم وغيرة عليهم ولو كانوا ممّن يتعرّض لأحوال الخلق ما صلحوا للحقّ سبحانه وقد رأينا أهل الحقّ إذا التفتوا أدنى التفات إلى كشف الصّور أدركوا منها ما لا يقدر غيرهم على إدراكه بالفراسة الّتي يثبتها أهل المعرفة وهي الفراسة فيما يتعلّق بالحقّ سبحانه وما يقرب منه وأمّا فراسة أهل الصّفاء الخارجين المتعلّقين بالخلق فلا يتعلّق بجناب الحقّ سبحانه ولا ما يقرب منه ويشترك المسلمون والنّصارى واليهود وسائر الطّوائف فيها لأنّها ليست شريفة عند الله سبحانه فيختصّ بها أهله.

(٢٩٤) المكتوب الرّابع والتّسعون والمائتان إلى المخدوم جامع العلوم الظّاهريّة والأسرار الباطنيّة مجد الدّين الخواجه محمّد معصوم سلّمه الله تعالى في بيان ما يتعلّق بصفات الحقّ سبحانه الثّمان وفي تحقيق مبادي تعيّنات الأنبياء عليهم السّلام ومبادي تعيّنات سائر الخلائق وما يتعلّق بذلك وفي الفرق بين تجلّيات الأنبياء والأولياء وشهودهم وتحقيق الوصل العريان لكمّل الأتباع مع وجود وساطة الأنبياء عليهم السّلام وفي تحقيق ألفاظ المحو والإضمحلال الواقعة في عبارة المشائخ قدّس الله أسرارهم وما يناسب ذلك

اعلم أنّ صفات واجب الوجود تعالى وتقدّس الثّمان الحقيقيّة الّتي أوّلها الحياة وآخرها التّكوين على ثلاثة أقسام قسم تعلّقه بالعالم أغلب وإضافته إلى الخلق أكثر كالتّكوين ومن ههنا أنكر جماعة من أهل السّنّة والجماعة وجودها وقالوا: إنّها من الصّفات الإضافيّة والحقّ أنّها من الصّفات الحقيقيّة الغالبة عليها الإضافة، وقسم آخر ما فيه الإضافة ولكنّها أقلّ بالنّسبة إلى القسم السّابق كالعلم والقدرة والإرادة والسّمع والبصر والكلام. والقسم الثّالث هو أعلى الأقسام الثّلاثة لا تعلّق له بالعالم بوجوه من الوجوه وليس فيه رائحة من الإضافة كالحياة وهذه الصّفة أجمع الصّفات وأصل الكلّ وأسبقها وأقرب إليها صفة العلم الّتي هي مبدأ تعيّن خاتم الرّسل عليه وعليهم الصّلاة والسّلام وبقيّة الصّفات مبادي تعيّنات خلائق أخر ولمّا كان لكلّ صفة باعتبار تعلّقات متعدّدة جزئيّات فإنّ التّكوين مثلا له باعتبار تعلّقات شتّى جزئيّات وهي التّخليق والتّرزيق والإحياء والإماتة كانت تلك الجزئيّات مثل كلّيّاتها مبادئّ تعيّنات الخلائق وكلّ من كان مبدأ تعيّنه كلّيّا تكون أرباب تعيّنات مباديها جزئيّات ذلك الكلّي اتّباعا لذلك الشّخص

ومعاشرين تحت قدمه ومن ههنا تسمعهم يقولون: إنّ فلانا تحت قدم محمّد وفلانا تحت قدم موسى وفلانا تحت قدم عيسى عليهم الصّلاة والسّلام فإذا حصل لتلك الجزئيّات ترقّ بطريق السّلوك تكون ملحقة بكلّيّاتها ويكون شهود الجزئيّات شهود الكلّيّات ويكون الفرق بالأصالة والتّبعيّة والإمتياز بوجود التّوسّط وعدمه فإنّ ما يجده التّابع ويراه لا يمكن أن يكون بدون توسّط الأصل وربّما لا يعلم التّابع من قصوره الأصل متوسّطا ولكنّ الأصل حائل في الحقيقة بين التّابع ومشهوده لا أنّه حائل مانع عن الشّهود بل هو باعث على الشّهود كالمنظر الصّافي ولا يجوز أن يترقّى جزئيّات كلّيّ إلى غيره بأن تخرج منه وتدخل تحت كلّيّ آخر ويكون مشهودها مشهود ذلك الكلّيّ الآخر مثل أن ينتقل الّذين كانوا تحت قدم موسى مثلا إلى تحت قدم عيسى ولكن يمكن أن يدخلوا تحت قدم محمّد بل هم تحت قدمه صلّى الله عليه وسلّم دائما. فإنّ ربّ محمّد ربّ الأرباب وأصل جميع تلك الكلّيّات فيكون بالنّسبة على تلك الجزئيّات أصل الأصل وكأنّ هذا التّرقّي إلى أصل الأصل لا إلى أصل مباين لأصلها. والفرق حينئذ بين الجزئيّات وبين كلّيّاتها هو أنّ للجزئيّ حائلين أحدهما أصله الّذي هو كلّيّ له وثانيهما أصل الأصل والكلّيّ الّذي هو أصل ذلك الجزئيّ حجابه أصل الأصل فقط

فعلم من هذا أنّ شهود محمّد رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بلا حجاب التّعيّنات وشهود غيره في حجب التّعيّنات ولا أقلّ من أن يكون في حجاب التّعيّن المحمّديّ ومن ههنا قالوا: إنّ تجلّي الذّات من خاصّة محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتجلّي غيره في حجب الصّفات ولا أقلّ من أن يكون في حجاب ربّ الأرباب فإنّ ربّ محمّد فوق جميع الأسماء والصّفات سوى صفة الحياة.

فإن قيل: يلزم على هذا البيان أنّ شهود سائر الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام في حجاب مبدأ التّعيّن المحمّديّ الّذي هو ربّه وشهود أولياء أمّته الّذين هم تحت قدمه صلّى الله عليه وسلّم بالأصالة أيضا في حجاب ربّ الأرباب كشهود سائر الأنبياء فما الفرق بين شهود سائر الأنبياء وبين شهود أولياء أمّته عليه الصّلاة والسّلام؟

قلت: إنّ للأنبياء عليهم السّلام شهودا آخر غير هذا الشّهود الّذي هو في حجاب الحقيقة المحمّديّة حصل لهم ذلك الشّهود من طريق مبادي تعيّناتهم يشاهدون منه غيب الغيب بالأصالة واضعين مناظرهم المخصوصة بهم على أبصار بصائرهم. ينبغي أن يعلم أنّ حصول هذين الشّهودين ليس هو بمعنى أنّهما يتحقّقان معا بل بمعنى أنّ التّرقّي إذا بلغ أصل الأصل فشهوده في حجاب الحقيقة المحمّديّة كعيسى على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام حيث أنّه يشرّف بهذه الدّولة بعد نزوله وهذا التّرقّي متعسّر جدّا بل قريب من الإستحالة لا بدّ من الفضل العظيم من طرف الله تعالى وفي عالم الأسباب لا بدّ من شفقة الشّيخ المحمّديّ المشرب فإن لم يترقّ من أصله ولم ينفكّ من حقيقته ولم يصل إلى حقيقة الحقائق فشهوده إنّما هو في حقيقته المخصوصة به.

اعلم وتنبّه كما أنّ إلى حضرة ذات الحقّ تعالى وتقدّس طريقا من حقيقة الحقائق يوصل منه إليه تعالى بعد منازل كثيرة كذلك من سائر الحقائق الكلّيّات أيضا طريق إليها يحصل الوصول منه إليه تعالى وتقدّس بعد طيّ مراحل متكثّرة. (غاية ما في الباب) أنّ في طريق حقيقة الحقائق الوصل العريان وفي سائر الطّرق وإن تيسّر وصل الذّات ولكنّ الحجاب الرّقيق كالغلالة من منتهى أصول حقيقة الحقائق العالية الّتي هي الحقيقة المحمّديّة حائل في البين وهو وإن لم يكن حاجزا حصينا ومانعا متينا ولكن صارت حاجزيّته مانعة عن إطلاق التّجلّي الذّاتيّ والّا فلسائر الأنبياء عليهم السّلام أيضا نصيب من الذّات تعالت وتقدّست بالأصالة ولكمّل أممهم أيضا بتبعيّتهم.

فإن قيل: إذا كانت صفة الحياة فوق صفة العلم كان تعيّن صفة الحياة في طريق حقيقة الحقائق أيضا حائلا فكيف يكون فيه الوصل العريان وكيف يكون فيه التّجلّي الذّاتيّ؟

أجيب: أنّ ذلك التّعيّن كلا تعيّن؛ لأنّه يصير ممحوّا ومتلاشيا في المرتبة الفوقانيّة ولا يبقى له اعتبار في مرتبة الذّات أصلا وسائر الصّفات وإن لم يكن لها أيضا اعتبار في مرتبة الذّات ولكنّها قبل وصولها إلى مرتبة الذّات تتلاشى بنوع ما بخلاف صفة الحياة فإنّها تصل إلى مرتبة الذّات ثمّ تتلاشى فيها ولهذا كان تعيّن الحقيقة المحمّديّة وسائر تعيّنات الخلائق دائما وصار زوالها في مرتبة من المراتب محالا (نعم) إنّ الوصول إلى شيء غير الإضمحلال فيه وما وقع في عبارة بعض المشائخ قدّس الله أسرارهم من لفظ المحو والإضمحلال فالمراد به المحو النّظريّ لا المحو العينيّ، يعني يرتفع تعيّن السّالك عن نظره لا أنّه يصير ممحوّا في نفس الأمر فإنّه إلحاد وزندقة، وحمل بعض ناقصي أرباب هذا الطّريق هذه الألفاظ الموهمة على المحو والإضمحلال العينيّ ووصلوا به إلى الزّندقة وأنكروا الثّواب والعذاب الاخرويّين وتخيّلوا أنّهم يعودون من الكثرة إلى الوحدة مرّة أخرى كما وردوا من الوحدة إلى الكثرة أوّل مرّة وزعموا أنّ تلك الكثرة تصير مضمحلّة في الوحدة وخال بعض هؤلاء الزّنادقة ذلك الإنمحاء والإضمحلال قيامة كبرى وأنكر الحشر والنّشر والحساب والصّراط والميزان ضلّوا فأضلّوا كثيرا من النّاس ورأيت شخصا من هؤلاء الجماعة يستشهد لمطلبه بشعر مولانا عبد الرّحمن الجاميّ قدّس سرّه هذا،

(شعر) جامى معاد ومبدأ ما وحد تست وبس ... ما در ميانه كثيرة موهوم والسلام

(ترجمة) ما مبدأ ولا معاد ... صاح الّا وحدة

ما نحن في ذا البين الّا ... كثرة موهومة *

ولم يعلموا أنّ مراد مولانا الجاميّ بهذا البيت العود والرّجوع إلى الوحدة باعتبار النّظر والشّهود يعني لا يبقى المشهود غير الذّات الأحد وتختفي الكثرة عن النّظر بالتّمام لا الرّجوع العينيّ والعود الوجوديّ ولعلّ بهم عمى أما يرون أنّه لم يزل العجز والنّقص والإحتياج عن كامل أصلا فما يكون معنى

الرّجوع الوجوديّ إلى الوحدة فإن تخيّلوا أنّ هذا الرّجوع إنّما يكون بعد الموت فهم كفّار وزنادقة حيث ينكرون العذاب الاخرويّ ويبطلون دعوة الأنبياء عليهم السّلام.

(فإن قيل) أنت قد كتبت في بعض رسائلك أنّ فناء الأخفى مخصوص بالولاية المحمّديّة فما معنى هذا الكلام؟

(أجيب) قد علم من التّحقيق السّابق أنّ الوصل العريان مخصوص بالولاية المحمّديّة وأنّ ما سواها وإن ارتفعت فيها الحجب ولكن لا بدّ من حيلولة حجاب رقيق كالغلالة حاصل من توسّط الحقيقة المحمّديّة كما مرّ فالأخفى الّذي هو نهاية المراتب الإنسانيّة في العلوّ تبقى منه بقيّة على قدر تلك الحيلولة فلا يجوز إطلاق الفناء المطلق فيه بملاحظة تلك البقيّة ومن الّذي يجد بقاء تلك البقيّة غير المحمّديّ المشرب بل إن حصلت حدّة النّظر هذه لواحد من ألوف من المحمّديّ المشرب فهو أيضا مغتنم فإنّ مشائخ الطبقات تكلّم أكثرهم إلى الرّوح والسّرّ لا يدرى هل تكلّم أحد عن الخفيّ أو لا فكيف عن الأخفى والّذي خاض في بحر الأخفى وأدرك كلّ ذرّة من ذرّاته واطّلع عليها فهو كبريت أحمر ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١).

فإن قيل: إنّ اعتقادك هو أنّ كلّما يحصل للنّبيّ عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام من الكمالات يكون منها نصيب لكمّل أتباعه أيضا بطريق التّبعيّة فيلزم منه أن يكون من الوصل العريان نصيب لهم أيضا والحال أنّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام حائل في البين.

أجيب: انّ حيلولة النّبيّ لا تضرّ في الوصل العريان فإنّ ذلك الوصل بالتّبعيّة لا بالأصالة فالحيلولة تكون مؤكّدة للتّبعيّة لا منافية لها فإنّ معنى التّبعيّة تحقّق المتوسّط لا ارتفاعه فإنّه مناسب للأصالة فتثبت الحيلولة ويحصل الوصل العريان أيضا بالتّبعيّة فافهم.

فإن قيل: ما وجه إطلاق الوصل العريان والتّجلّي الذّاتيّ في مادّة كمّل أتباعه صلّى الله عليه وسلّم.

وعدم تجويز هذا الإطلاق في حقّ سائر الأنبياء عليهم السّلام وما الفرق بينهما مع أنّ حيلولة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم حاصلة في كلا المادّتين. أجيب: انّ تجويز هذا الإطلاق في موادّ كمّل الأتباع باعتبار التّبعيّة فإنّ توسّط نبيّ ليس بمناف لهذا الإطلاق كما مرّ بخلاف سائر الأنبياء عليهم السّلام فإنّه لو جوّز هذا الإطلاق في حقّهم يكون باعتبار الأصالة فإنّ هؤلاء الأكابر قطعوا المنازل بالأصالة ووصلوا إلى حضرة الذّات تعالت وتقدّست ولا شكّ أنّ حصول المتوسّط وتحقّقه في صورة الأصالة يكون منافيا لذلك الإطلاق فصار الفرق واضحا. ينبغي أن يعلم أنّ فرق الأصالة والتّبعيّة فيما بين الأنبياء المتقدّمين وكمّل

__________

(١) الآية: ٢١ من سورة الحديد، والآية: ٤ من سورة الجمعة.

أولياء هذه الامّة موجب لأفضليّة الأنبياء عليهم السّلام فإنّ الأصل مقصوديّ والتّابع طفيليّ وإن صحّ إطلاق الوصل العريان والتّجلّي الذّاتيّ في مادّة الإتّباع ولم يصحّ ذلك الإطلاق في المتبوعين يعني الأنبياء عليهم السّلام ولكن ما قدر طفيليّ في جنب المقصوديّ حتّى يدّعى التّساوي له وكيف يتصوّر المساواة فإنّ تلك الدّولة في الأصل على الوجه الأتمّ والأكمل وفي التّابع على وجه الإسم والرّسم ولكنّ هذه المناسبة تصحّح النّسبة وتجعل التّابع كالمتبوع ولهذا قال خاتم الرّسل عليه وعليهم الصّلاة والسّلام “ علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل ” فلاح من هذا البيان واتّضح أنّ حصول التّجلّي الذّاتيّ لأولياء هذه الامّة لا يكون موهما لفضلهم على الأنبياء الّذين ليس فيهم التّجلّي الذّاتيّ فافهم فإنّه من مزلّة الأقدام وأنصف فإنّ هذه العلوم ممّا استأثر الله سبحانه هذا العبد بها بحرمة حبيبه محمّد عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام.

فإن قيل: المقرّر أنّ المقصود من خلق العالم هو خاتم الرّسل عليه وعليهم الصّلاة والسّلام وغيره طفيليّ في نفس الوجود وفي حصول الكمالات ويصلون إلى الدّرجات العلى بتبعيّته ولهذا يكون آدم ومن دونه تحت لوائه وأنت تقول إنّ دولة الوصول لسائر الأنبياء عليهم السّلام بطريق الأصالة لا بطريق التّبعيّة فما وجه ذلك؟

قلت: كما أنّ لمحمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طريقا من حقيقته إلى حضرة الذّات تعالت وتقدّست كذلك لسائر الأنبياء عليهم السّلام أيضا من حقائقهم طرق إلى حضرة الذّات تعالى شأنها لا تبعيّة فيهم في هذا الوصول بخلاف الأمم فإنّهم يصلون إلى المطلب بتبعيّة الأنبياء من طريق حقائقهم المناسب لإستعداد كلّ منهم والأصالة مفقودة في حقّهم.

غاية ما في الباب: أنّ وصول سائر الأنبياء عليهم السّلام وإن كان بالأصالة ولكنّه ليس بوصل عريان فإنّ حقيقة خاتم الرّسل عليه الصّلاة والسّلام صارت حجابا رقيقا عن المطلوب فكلّ فيض وارد يتّصل بهذه الحقيقة أوّلا بالضّرورة ثمّ يصل بتوسّطها إلى الآخرين ومعنى التّبعيّة حصول هذا التّوسّط فتلك الأصالة لا تنافي لهذه التّبعيّة ينبغي حسن التّأمّل: انّ التّبعيّة الّتي ثبتت في حقّهم وراء تلك التّبعيّة فإنّها منافية للأصالة كما مرّ غير مرّة فافترقا.

فإن قيل: هل في مراتب العروج نصيب للكمّل من مرتبة صفة الحياة أو لا؟ قلت: نعم.

فإن قيل: قد مرّ أنّ نهاية هذه الصّفة اضمحلال وتلاش في حضرة الذّات تعالت وتقدّست فما يكون نصيب الكمّل من مقام المحو والتّلاشي وقد قلت فيما سبق: إنّ تعيّنات الحقائق ليس لها اضمحلال عينيّ فإن كان فنظريّ فإنّ القول بالإضمحلال العينيّ مفض إلى الزّندقة. قلت: من أين يلزم في حصول النّصيب منها الإضمحلال العينيّ بل الإضمحلال النّظريّ كاف فيه وإن كانت المراتب متفاوتة في ذلك



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!