موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(305) المكتوب الخامس والثلاثمائة إلى المير محب الله المانكپوري في بيان أسرار الصلاة والفرق بين صلاة المبتدئ والعامي وبين صلاة المنتهي

 

 


وآخرهما وذلك لئلّا يتوهّم أحد أنّ السّجود لمّا كان نهاية الإنحطاط وغاية الإنخفاض وكمال التّذلّل والإنكسار قد أدّي فيه حقّ العبادة ولاجل دفع هذا التّوهّم أيضا اختير في تسبيح السّجود لفظ: «أعلى " وسنّ تكرار التّكبير، ولمّا كانت الصّلاة معراج المؤمن شرع في آخرها قراءة كلمات شرّف بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة المعراج فينبغي للمصلّى أن يجعل صلاته معراجه، وأن يطلب فيها غاية القرب قال عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام: «أقرب ما يكون العبد من الرّبّ في الصّلاة». ولمّا كان المصلّي مناجي ربّه ومشاهد عظمته وجلاله حقّ أن يظهر فيه رعب وهيبة وقت أداء الصّلاة فلأجل تسليته شرع ختم الصّلاة بالتّسليمتين وما ورد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من التّسبيح والتّحميد والتّكبير والتّهليل مائة مرّة بعد أداء الصّلاة الفرض سرّه في علم الفقير أن يتلافى بالتّسبيح والتّكبير ما وقع في أداء الصّلاة من القصور والتّقصير، والإعتراف بعدم لياقة تلك العبادة وعدم تماميّتها، وحيث كان أداء العبادة ميسّرا بتوفيق الله تعالى لزم أداء شكر تلك النّعمة بالتّحميد وأن لا يرى مستحقّ العبادة غيره سبحانه وتعالى، فإذا كان أداء الصّلاة مقرونا بالشّرائط والآداب وحصل بعد ذلك تلافي التّقصيرات وشكر نعمة التّوفيق ونفي استحقاق العبادة عن غيره تعالى من صميم القلب بهذه الكلمات الطّيّبة فالمرجوّ أن تكون هذه الصّلاة لائقة بقبوله تبارك وتعالى وأن يكون صاحبها مصلّيا مفلحا، اللهمّ اجعلني من المصلّين المفلحين بحرمة سيّد المرسلين عليه وعليهم وعلى آله الصّلوات والتّسليمات.

(٣٠٥) المكتوب الخامس والثّلاثمائة إلى المير محبّ الله المانكپوريّ في بيان أسرار الصّلاة والفرق بين صلاة المبتدئ والعامّيّ وبين صلاة المنتهي

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله وسلام على عباده الّذين اصطفى اعلم أرشدك الله تعالى: أن تماميّة الصّلاة وكمالها عند الفقير عبارة عن إتيان فرائضها وواجباتها وسنتها ومستحبّاتها الّتي كلّها مبيّنة في الكتب الفقهيّة بالتّفصيل، وليس وراء هذه الامور الأربعة أمر آخر له مدخل في تماميّة الصّلاة فإنّ الخشوع في الصّلاة مندرج أيضا في هذه الأربعة، وخضوع القلب أيضا منوط بها. واكتفى جماعة بعلم هذه الامور واختاروا المساهلة والمداهنة في العمل بها فلا جرم قلّ نصيبهم من كمالات الصّلاة واهتمّ جماعة بحضور القلب مع الحقّ سبحانه وقلّ التفاتهم إلى آداب أعمال الجوارح، واقتصروا على الفرائض والسّنن، وهذه الجماعة أيضا لم يتنبّهوا على حقيقة الصّلاة ولم يعرفوها، وطلبوا كمال الصّلاة من غيرها

ولم يعدّوا (١) حضور القلب من جملة أحكام الصّلاة، وما ورد في الخبر من أنّه “ لا صلاة الّا بحضور القلب ” يمكن أن يكون المراد بالحضور حضور القلب مع هذه الامور الأربعة لئلّا يقع فتور في إتيان أمر من هذه الامور، ولا يقع في ذهن الفقير حضور وراء هذا الحضور.

فإن قيل: إذا كان تماميّة الصّلاة وكمالها مربوطا بهذه الامور الأربعة ولم يكن أمر آخر وراءه ملحوظا في كمالها: ماذا يكون الفرق بين صلاة المبتدئ وبين صلاة المنتهي؟! بل بين صلاة العامّيّ الّتي تكون مقرونة بإتيان هذه الامور؟! قلت: إن الفرق من جهة العامل لا من جهة العمل فإنّ أجر عمل واحد يتفاوت بواسطة تفاوت عاملين بحيث يكون أجره إذا وقع من عامل مقبول محبوب أضعاف مضاعف ذلك الأجر إذا وقع من غيره لأنّ العامل كلّما يكون عظيم القدر يكون عمله جزيل الأجر ومن ههنا قالوا: «إنّ العمل المقرون بالرّياء من العارف أفضل من عمل المريد بالإخلاص “ فكيف إذا كان عمل العارف مقرونا بالإخلاص ولهذا كان الصّدّيق الأكبر رضي الله عنه يطلب سهو النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معتقدا أنّ سهوه أفضل من صوابه، وعمده حيث قال: «يا ليتني كنت سهو محمّد ” متمنّيا أن يكون بكلّيّته سهوه عليه الصّلاة والسّلام، ومعتقدا أنّ أعماله التّامّة وأحواله الكاملة أنقص من سهوه صلّى الله عليه وسلّم في العمل فسأل بتمام التّمنّي أن تكون درجة تماميّة حسناته كدرجة سهوه عليه الصّلاة والسّلام وسهوه صلّى الله عليه وسلّم مثل سلامه على رأس ركعتين من رباعيّ الفرض بطريق السّهو كما روي، فصلاة المنتهي مع وجود النّتائج والثّمرات الدّنيويّة فيها يترتّب عليها أجر جزيل في الآخرة بخلاف صلاة المبتدئ والعامّيّ، (ع) ما نسبة الفرشيّ بالعرشيّ *

ولنذكر نبذة من خصائص صلاة المنتهي ليقاس عليها غيرها: انّ المنتهي يجد لسانه أحيانا عند قراءة القرآن وإتيان التّسليمات والتّكبيرات كشجرة موسويّة ولا يرى قواه وجوارحه غير الآلات والوسائط، ويجد أحيانا أنّ تعلّق باطنه وحقيقته قد انقطع عن ظاهره وصورته بالتّمام، وصار ملحقا بعالم الغيب، وحصّل نسبة بالغيب مجهولة الكيفيّة، وإذا فرغ من الصّلاة يرجع ثانيا.

أو نقول: في جواب أصل السّؤال: إنّ إتيان الامور الأربعة المذكورة على وجه الكمال إنّما هو نصيب المنتهي، والمبتدئ والعامّيّ بعيدان عن أن يكونا موفّقين لإتيانها على وجه الكمال، وإن كان ممكنا فإنّها لكبيرة الّا على الخاشعين، والسَّلامُ عَلى مَنِ اِتَّبَعَ الْهُدى

__________

(١) قوله ولم يعدوا الخ. هكذا في نسخ متعددة ولهذا ابقيناه على حاله والا ينبغى ان يكون وعدوا حضور القلب الخ. لانه لو لم يكن حضور القلب عندهم من جملة الصلاة لما صح تعليله ورده عليهم ولما صدق قوله ولا يقع في ذهن الفقير الخ لانه صريح في انه لا يقول بوجود حضور في الصلاة غير ما ذكر كما قال به هؤلاء منه. (القزاني رحمة الله عليه)



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!