موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(3) المكتوب الثالث إلى المخدوم زاده معدن الحقائق ومنبع المعارف اللامتناهية ومظهر الفيوضات الإلهية الخواجه محمد سعيد سلمه الله تعالى في بيان أن معاملة الآفاق والأنفس داخلة في دائرة الظلال وبيان الولاية الصغرى والكبرى وكمالات النبوة وتحقيق

 

 


والقول بتعدّد الواجب مناف للتّوحيد. (وأيضا) على تقدير الإمكان يلزم جواز انفكاك الصّفات عن الذّات تعالت وتقدّست وهذا موجب لجواز الجهل والعجز للواجب سبحانه (وحلّ هذا الاشكال على ما ظهر لهذا الفقير) أنّ حضرة الحقّ سبحانه موجود بذاته لا بوجود يكون عينا لها أو زائدا عليها وصفاته تعالى موجودة بذاته تعالى لا بوجود فإنّه لا مجال للوجود في ذلك الموطن. وقد اشار الشّيخ ركن الدين أبو المكارم علاء الدولة السّمنانيّ (١) قدّس سرّه - إلى هذا المقام حيث قال: «فوق عالم الوجود عالم الملك الودود». فلا تكون نسبة الإمكان والوجوب أيضا متصوّرة في ذلك الموطن فإنّ كلّا من الإمكان والوجوب نسبة بين الماهيّة والوجود فحيث لا وجود لا إمكان ولا وجوب. وهذه المعرفة وراء طور النّظر والفكر وأيّ شيء يجد المقيّدون بعقال العقل من هذه المعرفة وما يكون نصيبهم منها غير الإنكار إلّا من عصمه الله سبحانه وتعالى؟! (وباقي المرام) أنّ السّيّد محبّ الله أقام هنا مدّة والآن صار متوجّها إلى تلك الجهات والحدود فليغتنم صحبته والسّلام عليكم وعلى من لديكم.

(٣) المكتوب الثالث إلى المخدوم زاده معدن الحقائق ومنبع المعارف اللّامتناهية ومظهر الفيوضات الإلهيّة الخواجه محمّد سعيد سلّمه الله تعالى في بيان أنّ معاملة الآفاق والأنفس داخلة في دائرة الظّلال وبيان الولاية الصّغرى والكبرى (٢) وكمالات النّبوّة وتحقيق حقيقة تجلّي الافعال الذي ظهر لبعض الصّوفيّة وأنّه ظلّ فعل الحقّ لا عين فعله تعالى

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى (اعلم) أنّ كلّ ما يظهر في مرايا الآفاق والانفس تخلّصت عن قيد الظّلّيّة وتيسّر الشّروع في تجلّي الفعل والصّفة وعلم أنّ كلّ تجلّ ظهر قبل ذلك في

__________

(١) الشيخ علاء الدولة السمناني: هو الشيخ ركن الدين علاء الدولة محمد بن أحمد السمناني المالكي المتوفى سنة: ٧٣٦ هـ - ١٣٣٦ م عالم مشارك في عدة علوم سكن تبريز وبغداد محدّث؛ سمع صحيح مسلم وأجاز له جماعة اختصر شرح السنة للبغوي له مصنفات كثيرة في التفسير والتصوف وغيرها حتى قيل: إنها تزيد على الثلاثمائة من مؤلفاته: آداب الخلوة فوائد العقائد المدارك والمعارج المكاشفات نجم القراءة في تأويلات القرآن. انظر في ترجمته: الحافظ ابن حجر: الدرر الكامنة: ١/ ٢٥٠ - ٢٥١ ابن العماد: شذرت الذهب: ٦/ ١٢٥ حاجي خليفة: كشف الظنون: ٤٢ ١٢٩٩ ١٦٤٠ ١٨١١ ١٩٣٠ البغدادي: إيضاح المكنون: ١/ ٢٠٥.

(٢) يأتي بيان حقيقتها في كلام المصنف بعد فهو يعني بالولاية الكبرى ولاية الأنبياء ن وبالولاية الصغرى ولاية الأولياء.

السّير الآفاقيّ والأنفسيّ - وإن اعتقدوه تجلّيا ذاتيّا - كان متعلّقا بظلال الفعل والصّفة لا بنفس الفعل والصّفة فضلا عن كونه متعلّقا بالذّات فإنّ دائرة الظّلّيّة تنتهي بنهاية الانفس فكلّ ما يظهر في الآفاق والانفس يكون داخلا في تلك الدائرة والفعل والصّفة وإن كانا في الحقيقة من ظلال حضرة الذّات تعالت وتقدّست ولكنّهما داخلان في دائرة الاصل وولاية تلك المرتبة ولاية أصليّة بخلاف ولاية المرتبة السّابقة الّتي تتعلّق بالآفاق والأنفس فإنّها ولاية ظلّيّة والتّجلّي البرقيّ الذي ناش من مرتبة الاصل ميسّر لمنتهي دائرة الظّلّ فإنّهم يتخلّصون ساعة واحدة من قيد الآفاق والأنفس والذين جاوزوا دائرة الآفاق والانفس وترقّوا عنها وخلفوا الظّلّ وراءهم ولحقوا بالاصل فالتّجلّي البرقيّ دائميّ في حقّهم فإنّ مسكن هؤلاء الاكابر ومأواهم دائرة الاصل الّتي منها ينشأ التّجلّي البرقيّ بل معاملة هؤلاء الاكابر فوق التّجلّيات والظّهورات فإنّ كلّ تجلّ وظهور بأيّ مرتبة يتعلّق لا يخلو عن شائبة الظّلّيّة وقد جعلهم التّعلّق بأصل الاصل فارغين عن الظّلّ وخلّصهم عن زيغ البصر ونهاية الكمال في الولاية الظّلّيّة الّتي هي الولاية الصّغرى إنّما تحصل بالتّجلّي البرقيّ وهذا التّجلّي البرقيّ قدم أوّل في الولاية الكبرى الّتي هي ولاية الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام. (والولاية الصّغرى) هي ولاية الأولياء - قدّس الله تعالى أسرارهم - ومن ههنا يعرف التّفاوت بين ولاية الأولياء وولاية الانبياء - صلوات الله وتسليماته عليهم - فإنّ بداية تلك الولاية نهاية هذه الولاية وماذا نقول من كمالات نبوّة الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام فانّ بداية النّبوّة نهاية هذه الولاية ولعلّ حضرة الخواجه بهاء الدين النّقشبند (١) قدّس الله سرّه - نال نصيبا وافرا من ولاية الانبياء - عليهم الصّلوات والتّحيّات - بالتّبعيّة والوراثة فإنّه قال " نحن ندرج النّهاية في البداية». (ومبلغ علم هذا الفقير) أنّ النّسبة النّقشبنديّة وحضورها إذا بلغا حدّ الكمال يتّصلان بالولاية الكبرى ويحصل لهم حظّ وافر من كمالات تلك الولاية بخلاف طرق غيرهم فإنّ نهاية كمالهم حصول التّجلّي البرقيّ. (ينبغي أن يعلم) أنّ السّير الذي يتيسّر بعد سير الآفاق والانفس هو سير في أقربيّة الحقّ سبحانه وتعالى فإنّ فعله تعالى أيضا أقرب إلينا منّا وكذلك صفته تعالى أقرب إلينا منّا ومن فعله تعالى أيضا وذاته تعالى أقرب إلينا منّا ومن فعله وصفته تعالى والسّير في هذه المراتب هو السّير في الاقربيّة. (وحقيقة تجلّي الفعل وتجلّي الصّفة وتجلّي الذّات) (٢) تتحقّق في هذا الموطن ويحصل النّجاة هنا من سلطنة الوهم ودائرة الخيال فإنّه لا سلطنة

__________

(١) بهاء الدين النقشبندي: محمد بن خواجه أحمد الظهوري الفاروقي العارف بالله الشيخ بهاء الدين النقشبندي الصوفي ولد سنة ٧٢٨ هـ وتوفي سنة ٧٩ اهـ من تصانيفه: الأوراد البهائية سلك الأنوار في التصوف هدية السالكين وتحفة الطالبين في التصوف. انظر ترجمته في: إسماعيل باشا البغدادي: هدية العارفين: ٦/ ١٧٣ كحالة: معجم المؤلفين: ٣/ ٧١.

(٢) التجلي الذاتي: هو تجلي الذات وحدها لذاتها وهي الحضرة الأحدية التي لا نعت فيها ولا رسم إذ الذات التي هي وجود الحق المحض وحدته عينه؛ لأن ما سوى الوجود من حيث هو وجود ليس إلا العدم المطلق وهو اللا شيء المحض فلا يحتاج في أحديته إلى وحدة وتعين يمتاز به عن شئ، إذ لا عين غيره فوحدته عين ذاته. الكاشاني: معجم إصطلاحات الصوفية: ١٧٣.

لسلطان الوهم والخيال في خارج دائرة الآفاق والانفس ونهاية تصرّف الوهم نهاية دائرة الظّلّ فحيث لا ظلّ لا وهم فالتّخلّص عن قيد الوهم في الولاية الظّلّيّة إنّما يحصل بعد الموت فإنّ الوهم ينعدم بالموت.

وفي الولاية الاصليّة الّتي هي الولاية الكبرى الخلاص عن قيد الوهم والخيال ميسّر في هذه النّشأة ومع وجود الوهم فيها خلاص عن قيد الوهم وما أجّل للطّائفة الاولى في الآخرة يتيسّر للطّائفة الاخرى في هذه النّشأة وفي الولاية الظّلّيّة لا يحصل شيء من المطلوب في هذه النّشأة غير منحوت الوهم والخيال.

وفي الولاية الاصليّة: المطلوب منزّه ومبرّأ عن علّة نحت الوهم وكأنّ مولانا الرّوميّ تضايق من حيطة الوهم وقيد الخيال فتمنّى الموت لينال المطلوب عاريا عن لباس الوهم والخيال ومنع من أن يقول عافاك الله في مبادي الموت. وقال: (شعر)

من شوم عريان ز تن او ز خيال ... تأخرامم در نهاية الوصال

ترجمة:

اعروا من الاشباح وهو من الخيال ... كيما تبختر في نهايات الوصال

(وما قلت) من أنّ في الآفاق والانفس تجلّيات ظلال الاسماء والصّفات لا تجلّيات نفس الاسماء والصّفات (بيانه هو) أنّ التّكوين من الصّفات الحقيقيّة كما هو مذهب العلماء الماتريديّة - شكر الله سعيهم - لا من الصّفات الإضافيّة - كما زعمت الاشعريّة - وحيث كانت الإضافة غالبة في هذه الصّفة ظنّوها من الصّفات الإضافيّة نظرا إلى صفات أخرى وليس كذلك بل هي من الصّفات الحقيقيّة امتزج بها وصف الإضافة وهذه الصّفة تحت جميع الصّفات وفيها لون جميع الصّفات الّتي فوقها مثلا لها نصيب من العلم والحياة وحظّ من القدرة والارادة أيضا ولها جزئيّات هي في الحقيقة ظلالها مثل التّرزيق والتّخليق والاحياء والاماتة والإنعام والايلام وهذه الجزئيّات داخلة في الافعال الّتي هي في الحقيقة ظلال تلك الصّفة خارجة عن دائرة الصّفات الحقيقيّة (ولهذا الفعل وجهان) وجه نحو الفاعل ووجه إلى المفعول وهذان الوجهان متمايزان في النّظر الكشفيّ يرى الوجه الاوّل عاليا والثاني سافلا وأيضا يرى الوجه الاوّل في النّظر كالاصل والوجه الثاني مثل ظلّ ذلك الاصل وأيضا الوجه الاوّل فيه لون من الوجوب والوجه الثاني له لون من الإمكان وهذا الوجه الثاني مبادي تعيّنات غير الانبياء - عليهم الصّلوات والتّسليمات - من الأولياء الكرام وسائر الأنام. وحيث كان لهذا الفعل باعتبار الجهتين لون من الوجوب ولون من الإمكان يكون ممكنا بالضّرورة فإنّ المركب من الواجب والممكن ممكن. وأيضا إنّ هذا الفعل حيث كان له وجه إلى القدم باعتبار الجهة الفوقانيّة وقدم في الحدوث باعتبار الجهة التّحتانيّة يكون حادثا بالضّرورة فإنّ المركب من القديم والحادث حادث. فالّذين قالوا بقدم فعل الحقّ سبحانه إنّما نظروا إلى الجهة الأولى والذين ذهبوا إلى حدوثه فمنظورهم هو الجهة

الأخرى ونظر الطائفة الأولى عال ونظر الثانية سافل وإن وقع كلا الفريقين في طرفى الحقّ المتوسّط وهو الذي امتاز به هذا الفقير ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١). ووقع مثل هذا التّحقيق في بعض المكاتيب في شأن الصّفات الحقيقيّة أيضا فليطلب. (ينبغي) أن يعلم أن الوجه الثاني في الفعل عبارة عن الخلق الخاصّ الذي متعلّق بزيد مثلا فخلق زيد كأنّه جزئيّ من جزئيّات مطلق الخلق مثلا وهذا الخلق الخاصّ الذي تعلّق بزيد له جزئيّات أيضا كخلق ذات زيد وخلق صفاته وأفعاله وهذه الجزئيّات كالظّلال لخلق زيد وهو كالكلّيّ لها ولخلق فعل زيد أيضا ظلّ ومظهر وهو كسب زيد الذي تعلّق بالفعل فإنّ هذا الكسب ما جاء به زيد من بيت أبيه بل هو ظلّ من خلق الحقّ جلّ وعلا. (فعلم من هذه المعارف) أنّ الفعل ظلّ التّكوين وأنّ الوجه الثاني من الفعل ظلّ الوجه الاوّل منه كما حقّق وأنّ للوجه الثاني أيضا ظلّا هو خلق زيد مثلا ولخلق زيد أيضا ظلّا هو خلق فعل زيد ولهذا الظّلّ أيضا ظلّ هو كسب زيد. (فإذا عرفت هذه العلوم فاعلم) أنّ نسبة كسب زيد إلى زيد مثلا إذا انتفت في نظر السّالك (٢) وقت السّلوك عن زيد وارتفعت إضافته إلى زيد يرى فاعل ذلك الفعل هو الحقّ سبحانه بل يجد الافعال المتكثّرة المتباينة للخلائق فعل فاعل واحد فيظنّون ظهور هذا المعنى تجلّيا فعليّا (ينبغي) أن ينصف هل هذا التّجلّي هو تجلّي فعل الحقّ أو تجلّي ظلّ من ظلال ذلك الفعل الذي تنزّل بمراتب كثيرة وعرض له اسم الظّلّيّة؟ (وينبغي) أن يقيس التّجليّات الأخرى على التّجلّي الفعليّ فإنّهم اكتفوا فيها أيضا بظلّ من الظّلال وظنّوه أصل الاصل واطمئنّوا بالجوز والموز. (ينبغي أن يعلم) أن وجوب الوجود حيث كان من النّسب والإضافات يوجد في مرتبة الفعل بالضّرورة ولمّا لم يكن لهذه النّسبة مناسبة بالعلم بل هي مخصوصة بصانع العالم تعالى وتقدّس كانت مناسبة بالوجه الاوّل من الفعل الذي مرّ ذكره (فإن قيل) يلزم من هذا البيان أن لا يكون الوجوب ثابتا في مرتبة الذّات والصّفات ولا يقال لذاته وصفاته - تعالى وتقدّس - واجبة فيكون الوجوب مسلوبا عن حضرة الذّات والصّفات كما أنّ الإمكان والامتناع مسلوبان عنه تعالى فظهر قسم رابع من المفهوم سوى الوجوب (٣) والامكان (٤) والامتناع (٥) والحال أنّ

__________

(١) الحديد: ٢١.

(٢) السالك: هو الذي مشى على المقامات بحاله لا بعلمه وتصوره فكان العلم الحاصل له من طريق الخبر والإستدلال في مسافة ترقيه عينا يأبى عن ورود الشبه المضلة عليه. الكاشاني: رشح الزلال: ٤٣.

(٣) الواجب: يدل على الضرورة أى على ما يجب أن يحدث ويدل كذلك على الأفضل وعندئذ يكون في مقابل ما هو كائن أو ما يجب ألا يكون مثل الخير أفضل من الشر. المعجم الفلسفي: ١٨٢.

(٤) الممكن من جهة المنطق: مالا ينطوي على تناقض ومن جهة الأخلاق: مالا يتعارض مع المعايير الأخلاقية وعند فلاسفة اليونان: يعني الوجود بالقوة في مقابل الوجود بالفعل. المعجم الفلسفي: ١٦٧.

(٥) الممتنع: بينه وبين الواجب غاية الخلاف لكنهما يتفقان في معنى الضرورة فالواجب ضروري الوجود والممتنع: ضروري العدم. المعجم الفلسفي: ١٦٧.

انحصار المفهوم في هذه الثلاثة كان ثابتا بالحصر العقليّ (قلنا) إنّ هذا الإنحصار إنّما هو للماهيّة بالنّسبة إلى الوجود فحيث لا نسبة للماهيّة إلى الوجود لا انحصار كما في ذات الواجب تعالى وصفاته سبحانه فإنّ ذاته تعالى موجود بذاته لا بالوجود عينا كان أو زائدا وصفاته تعالى موجودة بذاته تعالى من غير أن يتخلّل فيها وجود فذاته تعالى وصفاته سبحانه فوق هذه الثلاثة المنحصرة غاية ما في الباب إذا تصوّر ذاته تعالى وتعلّقت صفاته سبحانه بالوجوه والاعتبارات إذ لا سبيل إلى الكنه يعرض لذاته سبحانه في الوجود التّصوّريّ الظّلّيّ الوجوب كما هو المناسب واللّائق بذاته تعالى ويعرض لصفاته سبحانه في الوجود الذّهنيّ الإمكان لما هو المناسب لها لاحتياجها إلى الذّات فذاته تعالى وصفاته سبحانه في حدّ أنفسها فوق مرتبة الوجوب والامكان بل فوق مرتبة الوجود أيضا وباعتبار الوجود التّصوّر الظّلّيّ الوجوب يناسب الذّات والإمكان يناسب الصّفات فالصّفات من حيث الوجود الخارجيّ لا واجبة ولا ممكنة بل هي فوق الوجوب والامكان وباعتبار الوجود الذّهنيّ ممكنة ولا يلزم من هذا الإمكان الحدوث لما أنّه ليس لذواتها كما للممكنات بل لوجوداتها الظّلّيّة. (ويناسب هذه) المعرفة ما قاله أرباب المعقول من أنّ الكلّيّة والجزئيّة تعرضان للماهيّة باعتبار خصوصيّة الوجود الذّهنيّ فلا توصف بهما الماهيّة حال الوجود الخارجيّ فزيد الموجود في الخارج مثلا قبل التّعقّل ليس بجزئيّ كما أنّه ليس بكلّيّ بل يعرض له الجزئيّة بعد الوجود الذّهنيّ الظّلّيّ. (بل نقول) جميع النّسب والاضافات والاحكام والاعتبارات الّتي تحمل عليه تعالى كالالوهيّة والازليّة - ممّا هي غير الصّفات الثمانية الموجودة - إنّما تصدق عليه سبحانه باعتبار التّصوّر والتّعقّل وإلّا فالذّات - من حيث هي غير متّصفة بصفة ولا مسمّاة باسم ولا محكوم عليها بحكم فصاحب الشّرع تعالى إنّما أطلق على ذاته أسماء وأحكاما باعتبار التّناسب والتّشابه لتكون قريبة من أفهام المخلوقات ويكون التّكلّم معهم على قدر عقولهم كما يقال لزيد الموجود في الخارج - بدون ملاحظة وجوده الذّهنيّ -: «إنّه جزئيّ " على سبيل التّشبيه والتّنظير ويكون حكمهم بجزئيّته أنسب وأشبه من حكمهم بأنّه كلّيّ فكذلك الحكم بالوجوب والوجود على الذّات الغنيّ العليّ أولى وأنسب من الحكم بالامكان والامتناع وإلا فلا يصل إلى جناب قدسه تعالى وجوب ولا وجود كما لا يليق بجناب تنزيهه تعالى إمكان وامتناع فافهم هذه المعرفة الشّريفة القدسيّة فإنّها أساس الدين. وخلاصة علم الصّفات والذّات تعالت وتقدّست وما تكلّم بها أحد من العظماء ولا واحد من الكبراء استأثر الله سبحانه هذا العبد بهذه المعرفة والسّلام على من اتّبع الهدى. (١)

__________

(١) طه: ٤٧



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!