موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(12) المكتوب الثاني عشر إلى أخيه الحقيقي الميان غلام محمد في بيان أن الملك وإن كان مشاهدا للأصل وشهود الإنسان في مرآة الانفس ولكن جعلت تلك الدولة فيه كالجزء منه وترتب البقاء عليه وما يناسبه

 

 


(١٢) المكتوب الثاني عشر إلى أخيه الحقيقيّ الميان غلام محمّد في بيان أنّ الملك وإن كان مشاهدا للأصل وشهود الإنسان في مرآة الانفس ولكن جعلت تلك الدولة فيه كالجزء منه وترتّب البقاء عليه وما يناسبه

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى (اعلم) أنّ الملائكة الكرام على نبيّنا وعليهم الصّلاة والسّلام مشاهدون للأصل ومتوجّهون إليه ومتعلّقون به وشائبة الظّلّيّة مفقودة في حقّهم والإنسان المسكين العاجز قلّما يضع قدمه في خارج الظّلّيّة في هذه النّشأة ويحصّل شهودا دائميّا بدون وساطة مرايا الآفاق والانفس وبعد الوصول إلى الاصل يتجلّي في مرآة قلبه لمعة من تشعشع أنوار الاصل ويرجع إلى العالم ويحال فيه عليه تربية النّاقصين وفي هذا الرّجوع تربية نفسه وتربية غيره؛ فإنّ تلك اللّمعة الّتي جعلت كالجزء منه تجعل أجزاءه الاخر منصبغة بصبغها في مدّة رجوعه متلوّنة بلونها كما أنّه يخرج غيره من مضيق النّقص إلى فضاء الكمال ويدلّهم من الغيب (١) إلى الشّهود فإذا تمّت مدّة الدعوة والرّجوع وبلغ الكتاب أجله يظهر فيه شوق الاصل ويقوم من باطنه نداء الرّفيق الاعلى ويتخلّص من تعلّقات شتّى وينقل حموله من الغيب إلى الشّهادة وتخرج معاملته من المراسلة إلى المعانقة ويصدق هنا " الموت جسر يوصل الحبيب إلى الحبيب» (ينبغي) أن يعلم أنّ الملك وإن كان مشاهد الاصل وشهود الإنسان في مرآة الانفس ولكن جعلت تلك الدولة في الإنسان كالجزء منه وأعطي البقاء (٢) بها وجعل متحقّقا بها بخلاف

__________

(١) الغيب: لغة من غاب الشي في الشيء غيابة وغيوبا وغيابا وغيبة. راجع: ابن منظور: لسان العرب / غيب. أما عند الصوفية فهي: غيبة القلب عن علم ما يجرى من أحوال الخلق لشغل الحس بما ورد عليه. انظر: ابن العربي: اصطلاحات الصوفية: ٢٨٨. وقيل هي: غيبة السالك عن رسوم العلم لقوة نور الكشف. وصورتها ف لا البدايات: الغيبة عن تمتعات الدنيا ولذاتها والميل إلى زخارفها ومشتهياتها. وفي المعاملات: الغيبة عن الخلق وأفعالهم والنظر إلى أمورهم وأقوالهم. وفي الأخلاق: الغيبة عن النفس وأهوائها وعن صفاتها ودواعيها وآرائها. وفي الأصول: الغيبة عن القصد عما سوى المقصود. وفي الأودية: الغيبة عن ظلمات عالم النفس بالإستغراق في نور القدس. وفي الأحوال: الغيبة عما يحول بينه وبين المحبوب في تباريق تجلي المطلوب وفي الحقائق: الغيبة عن الأكوان والإمكان لشهود نور الازل بالعيان. انظر: الكاشاني: المعجم: ٣٤٢.

(٢) البقاء: هو بقاء ما لم يزل حقا بشهود فناء ما لم يكن شيئا حتى يقبل محقا. وصورته في البدايات: بقاء الخلق المعدوم بذاته بوجود الحق حتى يقوم بالعبودية. وفي الأبواب: توهم الوجود الخيالي الإضافي القائم بالأفعال. وفي المعاملات: بقاء الذوات والصفات عند المريد بعد فناء الأفعال والتأثيرات. وفي الأخلاق: بقاء الذوات بعد فناء الهيئات والصفات. وفي الأصول: بقاء وجود السالك في السير والإنتقال بعد فناء الموانع النفسانية عند الإقبال. وفي الأودية: بقاء أنوار القدسية والحقائق بعد فناء الظلمات الحسية والعوائق. وفي الأحوال: بقاء لوامع القدم وأنوار الوجه الباقي بعد فناء آثار الحدث، وزوال الظل الفاني.

الملك فإنّ تلك الدولة ما جعلت فيه كالجزء منه بل لهم النّظّارة من الخارج وليس لهم بقاء وتحقّق بها وليس فيهم ذلك الإنصباغ والتّلوّن بلون الاصل الذي يتيسّر للإنسان والاختصاص الذي حصل للفرشيّين ليس هو للقدسيّين فإنّ تفاوت ما بين الباطن والخارج كثير وإن كانت الدولة الباطنيّة كالجزء والدولة الخارجيّة كالكلّ ولكنّ الباطن باطن والخارج خارج. كلامنا إشارة وبشارة ولهذا صارت خواصّ البشر أفضل من خواصّ الملائكة ومع جميع ذلك حصل استحقاق الخلافة والله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١) [شعر] زمين زاده بر آسمان تاخته ... زمين وزمانرا پس انداخه

ترجمة:

علا فوق السّماء وليد أرض ... وخلّف خلفه زمنا وأرضا

وهذه الدولة إنّما تيسّرت للإنسان بواسطة جزئه الارضيّ والقلب الذي صار عرش الله إنّما هو بدولة العنصر التّرابيّ الذي جامع للكلّ ومركز دائرة الإمكان نعم: إنّما نالت الأرض كلّ هذا العلوّ والرّفعة من الضّعة وعدم التّرفّع وجعلها التّواضع عالية من تواضع لله سبحانه رفعه الله فإذا رجع الإنسان إلى الاصل بعد تمام مدّة رجوعه ودعوته وبعد انصباغه بصبغ الاصل وصار متوجّها إلى جناب القدس فاليقين أنّ الإختصاص والانبساط الذي يتيسّر له هناك لا يكون هو لغيره وقرب المنزلة الذي يحصل له فيه ليس لغيره فإنّه صار واصلا فانيا وحصل له البقاء بالاصل وصار منصبغا بصبغ الاصل فأين المجال لغيره حتّى يدّعون المساواة له فإنّ انصباغ الغير وإن كان لاعتبار التّجرّد (٢) والتّنزّه أكمل وأتمّ ولكنّه ناشئ من خارج فحكمه حكم عارضيّ وحيث كان انصباغ الإنسان باطنيّا كان حكمه حكم الذّاتيّ شتّان ما بينهما

__________

(٢) وفي الولايات: بقاء الأسماء والصفات الإلهية بعد فناء السمات الخلقية. وفي الحقائق: بقاء المشهود بفناء الشاهد. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٣٦٧.

(١) البقرة: ١٠٥

(٢) التجريد لغة: التقشير والتعرية (انظر: لسان العرب / جرد). والمراد به عند الصوفية: أن يتجرد العبد عن الأغراض فيما يفعله فلا يأتي بما يأتي به نظرا إلى الأغراض في الدنيا والآخرة بل ما كوشف به من حق العظمة يؤديه حسب جهده عبودية وانقيادا. وصورته في البدايات: التجريد عن المخالفات واللذات الطبيعية والمألوفات والزخارف الدنيوية، والطيبات وفي الأبواب: تجريد النفس عن الميل إلى شهولت الدنيا ودعوات الهوى. وفي المعاملات: تجريد النفس عن رؤية تأثير الكائنات ونسبة الأفعال إلى المخلوقات. وفي الأخلاق: تجريد النفس عن الهيئات النفسانية والملكات الردية الشيطانية. وفي الأصول: التجريد عن الفتور في السير والإلتفات إلى الغير. وفي الأحوال: التجريد عن محبة السوى والإصطبار مع النوى. وفي الولايات: التجريد عن الأسماء والصفات وعن رسوم جميع الكائنات. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٣٧٣. ٣٧٤.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!