موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(21) المكتوب الحادي والعشرون إلى الشيخ محمد صديق الملقب بالهداية في بيان أن المراد بالقلب الواقع في الحديث القدسي «لا يسعني أرضي» إلخ هو المضغة لا الحقيقة الجامعة التي أخبر بعض المشائخ عن وسعتها وما يتعلق بذلك

 

 


في أدائها والاحتياط فيها حتّى يؤدّى كلّ واحد من أركانها وشرائطها وسننها وآدابها كما ينبغي ويليق وينبغي المبالغة مكرّرة في رعاية الطّمأنينة وتعديل الاركان والمحافظة عليها محافظة كاملة فانّ اكثر النّاس قد اضاعوا الصّلاة بتضييع الطّمأنينة وتعديل الاركان وورد في حقّ هؤلاء الجماعة وعيد كثير وتهديد شديد فإذا صحّت الصّلاة وكملت فقد تيسّر رجاء عظيم لاجل النّجاة لانّ الدين كان قائما حينئذ وبلغ معراج العروج على التّمام.

(شعر) وعليكم بالسّكّر يا أهل صفرا ... على رغم ذوي السّوداء

والسّلام عليكم وعلى سائر من اتّبع الهدى والتزم متابعة المصطفى عليه وعلى آله الصّلوات والتّسليمات العلى.

(٢١) المكتوب الحادي والعشرون إلى الشّيخ محمّد صدّيق الملقّب بالهداية في بيان أنّ المراد بالقلب الواقع في الحديث القدسيّ «لا يسعني أرضي» إلخ هو المضغة لا الحقيقة الجامعة الّتي أخبر بعض المشائخ عن وسعتها وما يتعلّق بذلك

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قد كتبت بانّك ذكرت في مكتوباتك ورسائلك بأنّ الظّهور القلبيّ لمعة من الظّهور العرشيّ والفضل الكلّيّ إنّما هو للظّهور العرشيّ وقد ورد في الحديث القدسيّ " لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن» (١).

ويلزم من هذا الحديث أن يكون الظّهور القلبيّ أتمّ وأن يكون الفضل له. أيّها المحبّ:

إنّ حلّ هذا السّؤال مبنيّ على مقدّمة (اعلم) أنّ أرباب الولاية يقولون “ قلبا ” ويريدون به الحقيقة الجامعة

__________

(١) لا أصل له: قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: لم أر له أصلا. وقال السيوطي في زيادة الجامع الصغير: لا أصل له. وكذا قال المناوي في فيض القدير.

* وحكى العجلوني عن ابن تيمية: أنه مذكور في الإسرائيليات وليس له إسناد معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال صاحب المقاصد تبعا لشيخه في اللآلئ: ليس له إسناد معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه وسع قلبه الإيمان بي ومحبتي ومعرفتي. وإلا فمن قال إن الله يحل في قلوب الناس فهو أكفر من النصارى الذين خصوا ذلك بالمسيح وحده وكأنه أشار بما في الإسرائيليات إلى ما أخرجه أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال إن الله فتح السماوات لحزقيل حتى نظر إلى العرش فقال حزقيل سبحانك ما أعظمك يا رب فقال الله إن السماوات والأرض ضعفن عن أن يسعني ووسعني قلب عبدي المؤمن الوادع اللين ونقل عن خط الزركشي أن بعض العلماء قال إنه حديث باطل وأنه من وضع الملاحدة وأكثر ما يرويه المتكلم على رؤوس العوام علي بن وفا لمقاصد يقصدها ويقول عند الوجد والرقص طوفوا بيت ربكم. (كشف الخفاء ح ٢٢٥٦.) وبنحو قول ابن تيمية - رحمه الله - قال الفتني في تذكرة الموضوعات: كتاب العلم. باب إن القلب بيت الرب ووسيعه وإن الأرواح جنود.

الإنسانيّة الّتي هي من عالم الامر والقلب في لسان النّبوّة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة عبارة عن المضغة الّتي صلاح البدن مربوط بصلاحها وفساد البدن منوط بفسادها كما ورد في الحديث النّبويّ عليه وعلى آله الصّلوات والتّسليمات: «إنّ في جسد ابن آدم لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه وإذا فسدت فسد الجسد كلّه ألا وهي القلب» (١) ووسعة القلب لازم لاطلاق الاوّل ومن ههنا أخبر أبو يزيد والجنيد عن وسعة القلب وظنّوا العرش وما فيه محقّرا في جنب عظمة القلب. وضيق القلب لازم الإطلاق الثاني وضيق القلب في هذا المقام على نهج لا مجال فيه للجزء الذي لا يتجزّى الذي هو أحقر الاشياء وأصغرها وإذا نسب ضيق القلب في بعض الاوقات إلى الجزء الذي لا يتجزّى وقيس عليه يظهر ذلك الجزء المحقّر في النّظر مثل طبقات السّموات والارض وهذه المعاملة وراء طور نظر العقل فلا تكن من الممترين هذا (فإذا علمت) هذه المقدّمة فاعلم أنّ الظّهور الذي هو مربوط بالحقيقة الجامعة لا شكّ أنّه لمعة (٢) بالنّسبة إلى الظّهور العرشيّ التّامّ والفضل الكلّيّ في هذا المقام للعرش. وما قال الشّيخ أبو يزيد والشّيخ جنيد من أنّ القلب أوسع من الكلّ وتخيّلا العرش وما فيه شيئا محقّرا في جنبه: فهو من قبيل اشتباه الشّيء بأنموذج الشّيء حيث انّهما لمّا رأيا أنموذجات العرش وما فيه محقّرا في جامعية (٣) القلب حكموا على حقائق العرش وما فيه. وقد كتب هذا الفقير منشأ هذا الإشتباه في كتبه ورسائله مكرّرا وما ورد في الحديث القدسيّ موافق للسان الانبياء - عليهم الصّلاة والسّلام - والمراد به هو المضغة ولا شكّ أنّ الظّهور الاتمّ هو هنا ومرآتيّة أحديّة الذّات المجرّدة مسلّمة له والعرش - وإن كان له من الظّهور التّامّ الذي هو ظهور الاصل نصيب وافر - ولكن في ذلك الموطن امتزاج الصّفات وحيث كانت الصّفات ظلال حضرة الذّات في الحقيقة لا يكون ذلك الظّهور خاليا عن شائبة الظّلّيّة ومن ههنا للعرش توقّعات من الظّهور الإنسانيّ الذي يتعلّق بالاصل الصّرف ومركز هذه المعاملة هو الإنسان. (فإن قيل) المفهوم من الحديث وسعة القلب وأنت تقول: إنّه ضيّق جدّا (أجيب) أنّ كونه ضيّقا إنّما هو باعتبار عدم اتّساعه لما سوى الحقّ سبحانه ووسعته باعتبار ظهور أنوار القدم فيه فلا منافاة وهذا الفقير عبّر عن ذلك القلب في بعض رسائله بهذه العبارة " الضّيّق الاوسع البسيط الابسط والاقلّ الاكثر» (فإن قيل) إنّ

__________

(١) صحيح البخاري: كتاب الإيمان. باب: فضل من استبرأ لدينه. ح ٥٢. ومسلم: ك: المساقاة ب: أخذ الحلال وترك الشبهات. ح ١٠٧.

(٢) اللمعة مفرد لوامع وهي: الأنوار الساطعة التي تلمع لأهل البدايات من أرباب النفوس الضعيفة الطاهرة فتنعكس من الخيال إلى الحس المشترك فتصير مشاهدة بالحواس الظاهرة فيتراءى لهم أنوار كأنوار الشهب والشمس والقمر فتضيئ ما حولهم. وهي إما من غلبة أنوار القهر والوعيد على النفس فتضرب إلى الحمرة إما من غلبة أنوار اللطف والوعد فتضرب إلى الخضرة والفقوع. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٩٢.

(٣) الجمعية: هي إجتماع الهم في التوجه إلى الله والإشتغال به عما سواه وبإزائها التفرقة وهي: توزع الخاطر للإشتغال بالخلق. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٦٧.

المستحقّ للفضيلة هو الحقيقة الجامعة لكونها من عالم الامر والمضغة من عالم الخلق ومركّب من العناصر فمن أين نال هذه الفضيلة؟! (أجيب) أنّ لعالم الخلق مزيّة على عالم الامر يقصر عن إدراكها أفهام العوامّ بل لا يدركها أكثر الخواصّ وهذا الفقير قد أوضح هذا المعنى في المكتوب الذي حرّر لولدي الاعظم المرحوم في بيان الطّريق فإن بقي تردّد فليطلب التّشفّي من هناك (واستمع) الآن بيان حقيقة هذه المضغة واعلم أنّها للعوامّ مضغة حاصلة من تركّب العناصر الاربعة وللخواصّ بل لاخصّ الخواصّ مضغة مصوّرة من تركّب الاجزاء العشرة بعد السّلوك والجذبة وبعد التّصفية (١) والتّزكية وبعد تمكين القلب واطمئنان النّفس بل بمحض فضل الحقّ سبحانه وكرمه جلّ سلطانه أربعة أجزاء من العناصر وواحد من النّفس المطمئنّة وخمسة أجزاء من عالم الامر ومع وجود التّضادّ (٢) والتّباين (٣) بين تلك الاجزاء زالت صورة التّضادّ والتّباين من بينها بقدرة واجب الوجود تعالى وتقدّس واجتمعت وحصلت من اجتماعها هيئة وحدانيّة أعجوبة والجزء الاعظم في هذه المعاملة هو العنصر التّرابيّ وهذه الهيئة الوحدانيّة أيضا تشابهت الجزء الارضيّ واستقرّ في التّراب.

(شعر) كن أرضا فينبت فيك ورد ... فإنّ الورد منبته التّراب

أيّها الاخ إنّ يد أرباب الولاية لا تصل إلى هذه العلوم والمعارف فإنّها مقتبسة من مشكاة أنوار النّبوّة - على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة - ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤) والقلب الذي سأل الخليل على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام اطمئنانه هو هذه المضغة فإنّ حقيقته الجامعة كانت متمكّنة ونفسه مطمئنّة فإنّ التّمكين والاطمئنان يحصلان في مرتبة الولاية الّتي هي مدرجة النّبوّة على أربابها الصّلاة والسّلام والتّحيّة. والمناسب لشأن النّبوّة هو تقلّب المضغة واضطرابها لا تقلّب الحقيقة الجامعة فإنّه نصيب العوامّ والمراد بثبات القلب الذي طلبه خاتم الرّسالة - عليه الصّلاة والسّلام - حيث قال: «اللهمّ يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على طاعتك» (٥) هو ثبات هذه المضغة

__________

(١) التصفية: هي مجاهدة العبد نفسه في تصفية الأخلاق الدنيئة مثل الشح والرغبة والمذمة والحقد والجفوة وغير ذلك. انظر: الحكيم الترمذي: ختم الأولياء: ١٣٢.

(٢) التضاد: يكون بين معنيين مجردين يندرجان تحت جنس واحد وبينهما غاية الخلاف. انظر: المعجم الفلسفي: ٤٤.

(٣) التباين: هو أن ينسب أحد الشيئين إلى الآخر فلا يصدق أحدهما على شيء مما يصدق عليه الآخر. انظر: المعجم الفلسفي: ٣٤.

(٤) الآية ٢١ من سورة الحديد.

(٥) سنن الترمذي: ك: أبواب القدر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. . باب ما جاءنّ القلوب بين إصبعي الرّحمن ح ٢٢٢٦. وقال حديث حسن وأحمد في المسند: مسند أنس بن مالك. وفي مسند الشاميين ح النواس بن سمعان. وفي حديث السيدة عائشة. وفي حديث أم سلمة. والطبراني في المعجم الكبير عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -

ويجوز أن يراد بالقلب الوارد في بعض الاحاديث في باب تقلّب القلب معنى شامل للحقيقة الجامعة والمضغة نظرا إلى أحوال الامّة.

(فإن قيل) إنّ هذه المضغة إذا تشرّفت بشرف: «يسعني قلب عبدي المؤمن “ واستحقت مرآتيّة حضرة الذّات تعالت وتقدّست كيف يتصوّر فيها التّقلّب والاضطراب ولإيش تحتاج إلى الإطمئنان؟! (أجيب) انّ الظّهور كلّما كان أتمّ وتخلّص عن شائبة الشّئون والصّفات يكون الجهل والحيرة أكثر وعدم الإدراك والوجدان أزيد وأوفر ومع وجود هذا الظّهور ومع هذه الوسعة كثيرا ما يطلب الدليل على وجود الصّانع من كمال الجهل والحيرة بحيث لا يحصل اليقين بوجود الصّانع بدون الإستدلال والتّقليد كالعوامّ فيكون التّقلّب والاضطراب مناسبا لحالها وطلب الإطمئنان ضروريّا في شأنها وهذا الفقير قد كتب في بعض رسائله انّ العارف صاحب اليقين يحتاج إلى الإستدلال بعد الرّجوع وقد علم في هذا المقام أنّه يحتاج إلى الدليل في عين الحصول والوصول وهذا المقام موافق لحال كمالات مرتبة النّبوّة - على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة - وذلك المقام مناسب لحال الولاية فإذا وقع لصاحب هذا القلب رجوع إلى العالم للدّعوة يكون قلق قلبه واضطرابه وتقلّبه وتلوّنه أزيد وأكثر فإذا كان في عين الوصول محتاجا إلى الدليل بواسطة الجهل والحيرة يكون في زمان الفرقة محتاجا إلى الإستدلال بالاولى ليحصّل بواسطة الإستدلال اطمئنانا في الجملة. أو نقول إنّه لمّا اختفت عنه الدولة أيّاما واتّسم بسمة فرقتها حقّ له أن يكون قلقا ومضطربا دائما وأن يكون مغموما ومحزونا على الدوام ” كان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - متواصل الحزن دائم الفكر» (١) ولنبيّن بعض الوجوه الفارقة بين هذين الإطلاقين ينبغي استماعه بسمع العقل (اعلم) أنّ الحقيقة الجامعة الّتي هي من عالم الامر يتيسّر لها بعد التّزكية والتّصفية تمكين تامّ بوصف الدوام بخلاف المضغة فإنّ اطمئنانها مربوط بإدراك الحواسّ وما لم تدرك الشّيء بالحواسّ لا تخرج من القلق ولذا قال الخليل - على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ

__________

(٥) * وقال المناوي بعد ان عزاه للطبراني في الأوسط: حكم ابن الجوزي بوضعه وقال فيه معارك بن عباد متروك منكر الحديث قال المصنف وفيه نظر انتهى ولم يوجهه بشيء وفي الميزان معارك قال البخاري وغيره منكر الحديث ضعفه وشيخه واه ثم ساق من مناكيره هذا الخبر ثم قال وهذا حديث باطل قد يحتج به الأزارقة الذين لو قيل لأحدهم أنت مسيلمة الكذاب لقال إن شاء الله انتهى وذكر الحافظ في اللسان مثله وقال لهيثمي عقب عزوه للطبراني فيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد وهو ضعيف. (فيض القدير: ح ٢٤٨٦)

* وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه نهشل بن سعيد وهو متروك. (مجمع الزوائد كتاب الصلاة. أبواب العيدين. . باب الدعاء يوم العيد. ح ٣٢٢٦ وفي ح ١١٩١١ قال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه المعلى بن الفضل قال ابن عدي: في بعض ما يرويه نكرة، وبقية رجاله وثقوا وفيهم خلاف. وفي ح ١٧٣٨٢ قال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.

* وحسنه السيوطي في الجامع الصغير ح ٦٨٢٢.

(١) لم أقف عليه بهذا اللفظ: ويؤيده حديث: «كان لا ينبعث في الضحك " عزاه السيوطي للطبراني عن جابر بن سمرة ورمز لحسنه. (فيض القدير: ح ٦٩٢٢)

الْمَوْتى (١) (والفرق الثاني) هو أنّ الحقيقة الجامعة تتأثّر بالذّكر وإذا بلغ الذّكر كماله تتّحد بالذّكر وتتجوهر به قال صاحب العوارف - قدّس سرّه - لهذا المقام: «المقصد الاسنى “ وعبّر عنه بذكر الذّات تعالت بخلاف المضغة فإنّه لا سبيل إليها للذّكر فأين التّأثّر وأين التّجوهر بعد؟! بل فيها ظهور المذكور بالأصالة لا بالظّلّيّة ونهاية عروج الذّكر إلى دهليز المذكور (والفرق الثالث) أنّ الحقيقة الجامعة إذا بلغت نهاية النّهاية ونالت من الولاية الخاصّة (٢) نصيبا وافرا فان حصلت حينئذ مرآتيّة للمطلوب يكون الظّاهر فيها ظلّ المطلوب لا عينه كالمرآة الظّاهرة فإنّ الظّاهر فيها شبح الشّخص لا عينه بخلاف المضغة فإنّ الظّاهر فيها عين المطلوب لا ظلّه على خلاف المرآة الظّاهرة ولهذا قال: «يسعني قلب عبدي المؤمن ” وهذه المعاملة وراء طور نظر الفكر وإيّاك وتخيّل الحلول (٣) والتّمكّن هنا فإنّه كفر وزندقة وإن لم يصدّق عقل المعاش بأنّ عين شيء يظهر في شيء ولا يكون له فيه حلول ولا تمكّن وهذا من قصور العقل وقياس الغائب على الشّاهد فلا تكن من القاصرين (والفرق الرّابع) أنّ الحقيقة الجامعة من عالم الامر والمضغة من عالم الخلق بل كلّ من عالم الخلق والامر جزئيها: الخلق جزؤها الاعظم والامر جزؤها الاصغر ومن اجتماع هذين الجزئين حصلت لها هيئة وحدانيّة وصارت أعجوبة الدهر وهذه الاعجوبة وإن كانت مغايرة لعالم الخلق والامر وليس لها تناسب وتشابه بواحد منهما بواسطة الهيئة التّركيبيّة ولكنّها معدودة من عالم الخلق لانّ الجزء الارضيّ هو العمدة في هذه المعاملة وتواضع التّراب باعث على رفعته (والفرق الخامس) أنّ وسعة الحقيقة الجامعة باعتبار ظهور صورة الاشياء فيها ووسعة المضغة الّتي تنكشف بعد تضيّقها باعتبار سعتها للمطلوب الذي هو غير محدود وغير متناه وذلك التّضيّق دهليز تضيّقها حيث إنّه مانع لدخول ما سوى المطلوب حتّى لا يترك الذّكر أن يدخل في سرادقات المذكور ولا يبقى شائبة الظّلّيّة أن تحوم حول ذلك الحريم المقدّس وأيضا إنّ وسعة الاولى - لمّا كانت فيها شائبة الكيف - لا تليق أن تكون مرآة للكيفيّ وحيث كان للثّانية نصيب من اللّاكيفيّ لا تسع الكيفيّ والعجب أنّه يطرأ على هذا القلب بعد الرّجوع للدّعوة ظلمة وغين؛ ومن هنا قال سيّد البشر - عليه وعلى آله الصّلوات والتّسليمات -: «إنّه ليغان على قلبي» (٤) وإلى متى أبيّن الفرق ما للتّراب وربّ الارباب (أيّها الاخ) إيّاك وتخيّل هذه المضغة قطعة لحم لا يعبأ بها فإنّها جوهرة نفيسة مخزونة فيها

__________

(١) الآية ٢٦٠ من سورة البقرة.

(٢) راجع تعريف الولاية والولي في معجم مصطلحات الصوفية للكاشاني ص ٧٩ وراجع التعريف بالولاية اللعامة والخاصة في كتاب ختم الأولياء للحكيم الترمذي ص ١٠٦.

(٣) الحلول: يعني ظهور الباريسبحانه - في صورة شخص. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. انظر: المعجم الفلسفي: ٦٨

(٤) صحيح مسلم. كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار. باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه ح ٢٧٠٢. سنن أبي داوود: جماع أبواب فضائل القرآن: ب: في الإستغفار ح ١٥١٥. مسند أحمد مسند الشاميين حديث الأغر المزني.

خزائن عالم الخلق وأسراره ومدفونة فيها دفائن عالم الامر وخفاياه مع زيادة معاملة خاصّة منوطة بهيئتها الوحدانيّة جعلت أجزاؤها العشرة أوّلا بالتّصفية والتّزكية والجذبة والسّلوك والفناء والبقاء مزكّاة ومطهّرة وحرّرت عن دنس التعلّقات بالسّوى مثلا تخلّص القلب من التّقلّب وبلغ مرتبة التّمكين (١) وخرجت النّفس من أن تكون أمّارة إلى فضاء الإطمئنان وامتنع الجزء النّاريّ من البغي والعناد والطّغيان وارتفع العنصر التّرابيّ من الضّعة وخسّة الفطرة وعلى هذا القياس تخلّص كلّ جزء من أجزائها من صفة الإفراط والتّفريط وحصل له وصف الإعتدال والتّوسّط وبعد ذلك كلّه ركّبت تلك الاجزاء بماء محض الفضل والكرم وجعلت شخصا معيّنا وسمّي ذلك الشّخص إنسانا كاملا وعبّر عن قلب ذلك الشّخص الذي هو خلاصة مركز وجوده بالمضغة هذا هو حقيقة المضغة ظهرت في كسوة القيل والقال على مقياس العبارة والامر إلى الله سبحانه (فإن قال) ناقص أنّ كلّ إنسان مركّب من تلك الأجزاء العشرة وأنّ له هيئة وحدانيّة من تركّب تلك الاجزاء. (نقول) نعم إنّه مركّب من تلك الاجزاء ولكنّ تلك الاجزاء لم تكن مزكّاة ومطهّرة ولم تتخلّص عن دنس تعلّقات السّوى (٢) بالجذبة والسّلوك بخلاف أجزاء الإنسان الكامل فإنّها صارت طاهرة ونظيفة بالفناء والبقاء كما مرّ وحيث كانت تلك الاجزاء متباينة ومتمايزة في كلّ إنسان ولكلّ جزء منها أجزاء متمايزة وأحوال متغايرة لا يكون له نصيب من الهيئة الوحدانيّة بالضّرورة فإن كانت له هيئة فهي اعتباريّة لا حقيقيّة بخلاف أجزاء الإنسان الكامل فإنّها صارت ممتزجة ومختلطة بعد ما خرجت من وصف التّمايز والتّباين وتقرّرت على حكم واحد بعد ما زالت عنها الاحكام المتمايزة والأحوال المتغايرة فتكون الهيئة الوحدانيّة فيه حقيقة بالضّرورة لا اعتباريّة كمعجون يجعل من الادوية المختلفة فإنّه بعد سحق أجزائه وخلط بعضه ببعض تثبت له هيئة وحدانيّة وتزول عنه الاحكام المتباينة ويعرض له حكم واحد فافهم والله سبحانه أعلم (أيّها الاخ) إنّ كلّ هذه الكمالات الّتي أثبتت للمضغة إنّما هي في مقام “ قاب قوسين ” وقد يتوهّم هنا في الظّاهر وصف من المظهر وإن كان الظّاهر هنا هو الاصل لا الظّلّ

__________

(١) التمكن: هو استقرار السالك في مقام الولاية باجتماع صحة الإنقطاع عما سوى الحق مع نور الكشف وصفاء الحال عن العلم ولا يفارقه الحال ولا يزاحمه الغير ولا يسلب عنه الشوق.

وصورته في البدايات: التمكن من الوفاء بعهد التوبة والمداومة على العبادة بدون الفترة.

وفي الأبواب: دوام التبتل إلى الله بدون الركون إلى الغير.

وفي المعاملات: دوام الإستقامة إلى الله بلا تلفت والثقة به وبحوله وقوته من غير توسل.

وفي الأخلاق: التخلق بأخلاق الحق من غير تكلف والتدين بدينه برؤية الفضل منه بلا تعمل ولا تعسف.

وفي الأصول: التمكن في السير به فيه بلا رؤية سعيه والتثبت في الجد والطلب مع نفسه.

وفي الأودية: التمكن من الحكمة والإلهام في الحب بلا سلو والإستمساك بالعروة الوثقى من غير تصور دنو وقرب.

وفي الحقائق: الإنفصال عن السوى من غير رؤيته والتبرؤ عن رسمه وأنيته. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٣٤٣ ٣٤٤.

(٢) السوى: هو الغير وهي الأعيان من حيث تعيناتها. انظر: الكاشاني: رشح الزلال ١٤١.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!