موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(23) المكتوب الثالث والعشرون إلى المخدوم زاده الخواجه محمد عبد الله سلمه الله تعالى وأبقاه وأوصله إلى غاية ما يتمناه في بيان أن عمدة الامر هي اتباع السنة السنية والاجتناب عن البدعة الغير المرضية وبيان أن مزية الطريقة النقشبندية العلية

 

 


(٢٣) المكتوب الثالث والعشرون إلى المخدوم زاده الخواجه محمّد عبد الله سلّمه الله تعالى وأبقاه وأوصله إلى غاية ما يتمنّاه في بيان أنّ عمدة الامر هي اتّباع السّنّة السّنيّة والاجتناب عن البدعة الغير المرضيّة وبيان أنّ مزيّة الطّريقة النّقشبنديّة العليّة على سلاسل أخرى إنّما هي بسبب اتّباع صاحب الشّريعة عليه وعلى آله الصّلاة والتّحيّة والعمل بالعزيمة وفي مدح هذه الطّريقة العليّة وما يناسب ذلك

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى (اعلم) أنّ النّصيحة الّتي أنصح بها ولدي الاعزّ سلّمه الله سبحانه وصانه عمّا لا يليق بجنابه وسائر أحبابه اتّباع السّنّة السّنيّة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة والاجتناب عن البدعة الغير المرضيّة وحيث طرأت الغربة على الإسلام في هذا الاوان وصار المسلمون غرباء وكذلك تزيد غربتهم مع مرور الزّمان إلى أن يبقى على وجه الارض من يقول: «الله " وتقوم السّاعة على شرار النّاس فالسّعيد من يحيي سنّة من السّنن المتروكة ويميت بدعة من البدع المستعملة وهذا زمان قد مضى من بعثة خير البشر - عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام - الف سنة وظهرت من علامات القيامة وأشراط السّاعة أمارات واستترت السّنّة بواسطة بعد عهد النّبوّة وجلت البدعة بعلّة فشوّ الكذب واحتيج إلى باز ينصر السّنّة ويهزم البدعة ترويج البدعة موجب لتخريب الدين وتعظيم المبتدع باعث على هدم الإسلام ولعلّك سمعت: «من وقّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الاسلام» (٣) فينبغي التّوجّه بجميع الهمّة وتمام النّهمة لترويج سنّة من السّنن ورفع بدعة من البدع وإقامة مراسم الإسلام في جميع الاوقات خصوصا في هذه الاوان الّتي فيها ضعف الإسلام منوطة بترويج السّنّة وتخريب البدعة وكأنّ السّابقين رأوا الحسن في البدعة حيث استحسنوا بعض أفرادها ولكنّ الفقير لا يوافقهم في هذه المسألة ولا ارى في فرد واحد من أفراد البدعة حسنا ولا أحسّ فيه شيئا غير الظّلمة

__________

(١) النور: ٣٥

(٢) الصافات: ١٨٠

(٣) شديد الضعف: أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: باب: معاذ بن جبل الأنصاري “ خالد بن معدان عن معاذ بن جبل الأنصاري ” وأورده الفتني في تذكرة الموضوعات: ك: التوحيد. وقال: ضعيف أو موضوع.

* وقال الحافظ العراقي: رواه ابن عدي من حديث عائشة والطبراني في الأوسطو أبو نعيم في الحلية من حديث عبد الله بن يسر بأسانيد ضعيفة قال ابن الجوزي: كلها موضوعة (تخريج أحاديث الإحياء: الباب الخامس: في شفقة التاجر على دينه.) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وفيه بقية وهو ضعيف. (مجمع الزوائد ك: العلم: باب: في البدع والأهواء ح ٨٩٧.

* وضعفه السيوطي في الجامع الصغير ح ٩٠٨٢.

والكدورة قال - عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام -: «كلّ بدعة ضلالة» (١) وأجد السّلامة في هذه الغربة وضعف الإسلام منوطة بإتيان السّنّة والهلاك مربوطا بتحصيل البدعة أيّة بدعة كانت وأرى البدعة كمعول يهدّ به مباني الإسلام وأجد السّنّة مثل كوكب مشرق يهتدى به في ديجور الضّلالة وفّق الحقّ سبحانه علماء الوقت لعدم التّفوّه بحسن بدعة أصلا ولعدم الإفتاء بإتيانها وإن كانت تلك البدعة جليّة في نظرهم مثل فلق الصّبح فإنّ لتسويلات الشّيطان سلطانا عظيما فيما وراء السّنّة وحيث كان للإسلام قوّة في الازمنة الماضية تحمّل ظلمات البدع بالضّرورة ولعلّ بعض تلك الظّلمات خيّل نورانيّا في تشعشع نور الإسلام وصار ذلك التّخيّل باعثا على الحكم بحسنه وإن لم يكن له في الحقيقة نورانيّة وحسن أصلا بخلاف هذا الوقت فإنّه وقت ضعف الإسلام لا يتصوّر فيه تحمّل ظلمات البدع ولا ينبغي هنا تمشية فتوى المتقدّمين والمتأخّرين فإنّ لكلّ وقت أحكاما على حدة ويظهر العالم في النّظر في هذا الوقت من كثرة ظهور البدعة مثل بحر الظّلمة ويحسّ نور السّنّة من غربتها وندرتها مثل المشاعل في ذلك البحر وعمل البدعة يزيد تلك الظّلمة ويقلّل نور السّنّة وعمل السّنّة يكون باعثا على تقليل تلك الظّلمة وتكثير ذلك النّور؛ فمن شاء فليكثّر ظلمة البدعة ومن شاء فليكثّر نور السّنّة ومن شاء فليكثّر حزب الشّيطان أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢) ومن شاء فليكثّر حزب الله فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغالِبُونَ (٣) ولو أنصف صوفيّة الوقت ولاحظوا ضعف الإسلام وفشوّ الكذب لزمهم أن لا يقلّدوا شيوخهم فيما وراء السّنّة وأن لا يجعلوا الامور المخترعة - بعذر عمل شيوخهم بها - ديدنهم؛ فإنّ اتّباع السّنّة منج البتّة ومثمر للخيرات والبركات وفي تقليد غير السّنّة خطر في خطر وما عَلَى الرَّسُولِ إِلّاَ الْبَلاغُ (٤) جزى الله سبحانه عنّا أشياخنا خير الجزاء حيث لم يدلّوا أمثالنا العاجزين على إتيان الامور المبتدعة ولم يلقونا في ظلمات مهلكة بتقليدهم ولم يهدونا إلى ما دون متابعة السّنّة وغير اتّباع صاحب الشّريعة - عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام والتّحيّة - وسوى العمل بالعزيمة؛ فلا جرم كانت دعائم طريقتهم محكمة الاساس وإيوان وصولهم مرتفع البناء ومشرق النّبراس وهم الذين جعلوا الرّقص والسّماع تحت أرجلهم وشقّوا الوجد والتّواجد نصفين بمسبّحتهم ومكشوف الآخرين ومشهودهم داخل عند هؤلاء الاكابر في السّوى والاغيار ومعلومهم ومتخيّلهم قابل ومستحقّ للنّفى لا للإشهار ومعاملة هؤلاء الاكابر فيما وراء المشاهدة والادراك وفيما وراء المعلومات والمتخيّلات وفيما وراء التّجلّيات والظّهورات

__________

(١) سنن ابن ماجه: ك: فضائل الصحابة: ب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين. ح ٤٢. أحمد في المسند: مسند الشاميين: حديث العرباض بن سارية. سنن الدارمي: باب: اتباع السنة. ح ٩٥. الطبراني في الكبير ح عبد الله بن مسعود الهذلي. وحديث العرباض بن سارية والفتني في تذكرة الموضوعات: كتاب: التوحيد وقال: في سنده ضعف لكن له شواهد معنى.

(٢) المجادلة: ١٩

(٣) المجادلة ٢٢ والصواب “ ألا إن حزب الله هم المفلحون ” وفي المائدة: ٥٦ " فإن حزب الله هم الغالبون».

(٤) الآية ٩٩ من سورة المائدة.

وفيما وراء المكاشفات والمعاينات اهتمام الآخرين في الإثبات. وهمّ هؤلاء الاكابر في نفي السّوى والآخرون يكرّرون كلمة النّفي والاثبات لتوسيع دائرة الإثبات ولينكشف لهم العالم الذي هو ظاهر بعنوان الغيريّة بعنوان الحقيّة والعينيّة فيرون الكلّ ويجدونه حقّا تعالى وتقدّس بخلاف هؤلاء الكبراء؛ فإنّ مقصودهم من تكرار الكلمة الطّيّبة “ لا إله إلّا الله ” هو اتّساع دائرة النّفي ليكون جميع المكشوفات والمشهودات والمعلومات داخلة تحت كلمة: «لا " وفي جانب الإثبات لا يكون شيء منظورا وملحوظا فإن ظهر فرضا أمر في جانب الإثبات ينبغي إرجاعه إلى النّفي ولا يكون في جانب الإثبات نصيب أصلا غير التّكلّم بكلمة المستثنى فيكون ذكر النّفي والاثبات في طرق الآخرين مناسبا لحال المبتدئين وذكر الله الذي هو كلمة الإثبات المحض يكون مناسبا بعد ذلك ليحصل بتكرار كلمة الإثبات استقرار واستمرار للمثبت المكشوف بخلاف طريق هؤلاء الاكابر؛ فإنّه على عكس ذلك لانّ فيه إثباتا أوّلا ونفي ذلك الإثبات ثانيا فيكون ذكر اسم الله في هذا الطّريق مناسبا في الإبتداء ثمّ يستعمل بعده النّفي والاثبات (فإن قال ناقص) على هذا التّقدير لا يكون لاكابر هذا الطّريق نصيب من مقام الإثبات ولا يكون بضاعتهم غير النّفي (أجيب) أنّ إثبات الآخرين حاصل في أوائل حال هؤلاء الاكابر ولكنّهم من علوّ الهمّة لا يلتفتون إليه بل يرونه مستحقّا للنّفي فينفونه ويعتقدون المطلوب المثبت وراءه فإثبات الآخرين ميسّر لهم ونفي ذلك الإثبات الذي هو مناسب لمقام الكبرياء أيضا حاصل لهم لا سبيل لكلّ ناقص إلى أشغالهم وأحوالهم ولا شعور لكلّ مهوّس بحقيقة معاملتهم وأفعالهم وجميع ما ذكر هو نبذة من عدم حصول هؤلاء الاكابر الذي هو عين الحصول في ذلك الموطن؛ فإنّ بين حصول أكابر الاكابر للحق الخواصّ بالعوامّ واختار المنتهون تعلّم الف با مثل المبتدئين الاصاغر. (شعر)

خليلي ما هذا بهزل وإنّما ... حديث عجيب من بديع الغرائب

ومراقبة الذّات الّتي اختارها الآخرون ساقطة عندهم عن حيّز الإعتبار وداخلة فيما لا حاصل فيه وليست المراقبة هناك لغير ظلّ من الظّلال - تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا - فإنّ ذاته تعالى وتقدّس بل أسماؤه وصفاته سبحانه خارجة عن حيطة فكرنا ومراقبتنا لا نصيب من هذا المقام غير الجهل والحيرة وليس المراد بهذا الجهل والحيرة ما يعرفه النّاس جهلا وحيرة فإنّهما مذمومان بل جهل هذا الموطن وحيرته عين المعرفة والاطمئنان وليس المراد بهذه المعرفة والاطمئنان ما يدخل في حيطة فهم الإنسان فإنّه من مقولة الكيف لا نصيب له من اللّاكيفيّ وكلّ شيء تثبته في ذلك الموطن يكون لا كيفيّا سواء عبّرنا عنه بالجهل أو بالمعرفة من لم يذقه لم يدر (وأيضا) إنّ توجّه هؤلاء الكبراء إلى الاحديّة (١) تعالت

__________

(١) الأحد: هو اسم الذات باعتبار انتفاء تعدد الصفات والأسماء والنسب والتعينات عنها والأحدية: هي اعتبارها مع إسقاط الجميع. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٥١.

وتقدّست - لا يريدون من الإسم والصّفة غير الذّات تعالت وتقدّست ولا ينزلون من الذّات إلى الصّفات كغيرهم ولا يقعون من الذّروة إلى الحضيض. والعجب أنّ جمعا من هذه الطّائفة اختاروا ذكر اسم الله ثمّ لم يكتفوا به بل تنزّلوا إلى الصّفات وصاروا يلاحظون السّميع والبصير والعليم ثمّ يذهبون من العليم والبصير والسّميع إلى اسم الله على سبيل العروج (١)!! لم لا يكتفون باسم الله وحده ويجعلون قبلة التّوجّه غير أحديّة الذّات تعالت وتقدّست أَلَيْسَ الله بِكافٍ عَبْدَهُ (٢) نصّ قاطع في هذا المدّعى وقُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ (٣) مؤيّد لهذا المعنى (وبالجملة) انّ نظر همم أكابر هذه الطّريقة عال جدّا لا نسبة لكلّ زرّاق ورقّاص إليهم ولهذا صارت نهاية الآخرين مندرجة في بدايتهم ونال مبتدى طريقتهم حكم منتهى طرق أخر وتقرّر سفرهم في الوطن من ابتداء الامر وحصلت لهم الخلوة (٤) في الجلوة (٥) وكان دوام الحضور نقد وقتهم ورأس بضاعتهم وهم الذين صارت تربية الطّالبين مربوطة بصحبتهم العليّة وكان تكميل النّاقصين منوطا بتوجّهاتهم الشّريفة نظرهم شفاء الامراض القلبيّة والتفاتهم دافع للعلل المعنويّة ويعمل توجّههم الواحد عمل مائة من الاربعين والتفاتهم الواحد يساوى رياضة السّنين.

(شعر) ما أحسن النّقشبنديّين سيرتهم ... يمشون بالرّكب مخفيّين للحرم

أيّها السّعيد لا يتوهّم أحد من هذا البيان أنّ هذه الاوصاف والشّمائل حاصلة لجميع أساتذة الطّريقة النّقشبنديّة العليّة وتلامذتهم كلّا بل هذه الشّمائل مخصوصة بأكابر أكابر هذه الطّريقة العليّة الذين بلّغوا الامر إلى نهاية النّهاية والمبتدئون الرّاشدون الذين صحّحوا نسبة الإرادة والانتساب إلى هؤلاء الاكابر وراعوا آدابهم فاندراج النّهاية في البداية ثابت في حقّهم وأمّا المبتدى الذي وصل إلى شيخ ناقص من هذا الطّريق فاندراج النّهاية غير متصوّر في حقّه فإنّ شيخه لم يصل بعد إلى النّهاية فكيف تتصوّر النّهاية في حقّ المبتدى [ع] وكلّ إناء بالّذي فيه ينضح * (أيّها الطّالب لطريق النّجاة) إنّ طريق هؤلاء الاكابر طريق الاصحاب الكرام عليهم الرّضوان وهذا الإندراج - أعني اندراج النّهاية في البداية - أثر ذلك الإندراج الذي كان يتيسّر لهم في صحبة خير البشر عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام فانّه كان يتيسّر لهم في صحبته صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ما يحصل لغيرهم في الإنتهاء الّا قليل وهذه الفيوضات والبركات هو عين تلك الفيوض والبركات الّتي ظهرت في القرن الاوّل وإن كان الآخر بعيدا من الاوّل

__________

(١) ...

(٢) الزمر: ٣٦

(٣) الأنعام: ٩١

(٤) حقيقة الخلوة: محادثة السر مع الحق بحيث لا يرى غيره. وأما صورتها: فهي ما يتوصل به إلى هذا المعنى من التبتل إلى الله. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ١٨٠.

(٥) الجلوة: خروج العبد من الخلوة بالنعوت الإلهية. انظر: الكاشاني: رشح الزلال: ١٣٥.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!