موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(46) المكتوب السادس والأربعون إلى الشيخ حميد البنكالي في فضائل الكلمة الطيبة التي هي متضمنة للطريقة والحقيقة والشريعة وبيان أن لا مقدار لكمالات الولاية في جنب كمالات النبوة أصلا وبيان أن الولاية لا بد لها من الشريعة وما يناسب ذلك

 

 


- بحكم رمية من غير رام -: «العالم أعراض مجتمعة " وظنّه خاليا من الجواهر نعم: إنّ الكذوب قد يصدق ولمّا لم يقل بقيام هذه الاعراض بذات واجب الوجود - جلّ سلطانه - من قصور نظره صار موردا لطعن العقلاء وتشنيعهم؛ فإنّ العرض لا بدّ له من قيام بالغير ولا هو قائل بوجود الجوهر حتّى يجعل قيامه مستندا إليه ومن الصّوفيّة: اعتقد صاحب الفتوحات المكّيّة العالم أعراضا مجتمعة في عين واحد وجعل العين الواحد عبارة عن ذات أحديّة - جلّ سلطانه - ولكنّه حكم بعدم بقاء هذه الأعراض في زمانين وقال: «إنّ العالم ينعدم في كلّ آن ويتجدّد مثله» (وعند الفقير) هذه المعاملة شهوديّة لا وجوديّة كما حقّق هذا المبحث في حواشي شرح الرّباعيّات أنّه قد يرى للسّالك في توسّط الأحوال قبل أن ترتفع الاغيار عن نظره مطلقا في آن أنّ العالم صار معدوما وفي آن ثان يرى أنّ العالم موجود وفي آن ثالث يجده أيضا معدوما وفي آن رابع موجودا إلى أن يشرّف بالفناء المطلق ويجد العالم معدوما دائما ففي هذا الوقت: العالم مستمرّ العدم في شهوده وهكذا حين توسّط حصول البقاء والرّجوع إلى العالم يظهر العالم في النّظر تارة ويختفي أخرى ومن هناك أيضا يتوهّم حالة تجدّد الامثال فإذا تمّت لهذا العارف معاملة البقاء والرّجوع إلى العالم واستند في مقام التّكميل والإرشاد يظهر العالم في نظره أيضا ويجد العالم مستمرّ الوجود فصارت هذه المعاملة راجعة إلى شهود السّالك لا إلى وجود العالم فإنّ وجوده مازال على وتيرة واحدة فإن كان تذبذب فهو في الشّهود والله سبحانه الملهم للصّواب. والحكم بعدم بقاء الأعراض في زمانين - كما قال بعض المتكلّمين - مدخول فيه لم يبلغ مرتبة الثبوت والأدلّة الّتي أوردوها في عدم بقاء الاعراض غير تامّة وهذه المعارف الغامضة كأنّها درس لاكثر الاصحاب هناك ينبغي إعطاء نقلها لكلّ من له شوق إليها. ولمّا كان في الفقير نوع مرض لم يكتب لكلّ واحد من الاصحاب على حدة واكتفى بهذه المعارف فقط والسّلام عليكم وعلى من لديكم.

(٤٦) المكتوب السّادس والأربعون إلى الشّيخ حميد البنكاليّ في فضائل الكلمة الطّيّبة الّتي هي متضمّنة للطّريقة والحقيقة والشّريعة (١) وبيان أن لا مقدار لكمالات الولاية في جنب كمالات النّبوّة أصلا وبيان أنّ الولاية لا بدّ لها من الشّريعة وما يناسب ذلك

__________

(١) الشريعة: عبارة عن الأمر بالتزام العبودية وهو الإنقياد للأمر في كل ما جاء به أمرا أو نهيا والتقدير برتبة تحجيره ظاهرا وباطنا. انظر: الكاشاني: رشح الزلال: ٥٢.

“ لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ” هذه الكلمة الطّيّبة متضمّنة للطّريقة والحقيقة والشّريعة وما دام السّالك في مقام النّفي فهو في مقام الطّريقة فإذا فرغ من النّفى بالتّمام وانتفى جميع الاغيار عن نظره وأتمّ الطّريقة ووصل إلى مقام الفناء وجاء إلى مقام الإثبات بعد النّفي ومال من السّلوك إلى الجذبة فقد تحقّق بمرتبة الحقيقة واتّصف بالبقاء. وبهذا النّفي والإثبات وبهذه الطّريقة والحقيقة وبهذا الفناء والبقاء وبهذا السّلوك والجذبة يصدق اسم الولاية وتميل النّفس من أن تكون أمّارة إلى الإطمئنان وتصير مزكّاة ومطهّرة فكمالات الولاية صارت مربوطة بالجزء الأوّل من هذه الكلمة الطّيّبة الذي هو النّفي والإثبات. وبقي الجزء الثاني من هذه الكلمة المقدّسة الذي هو مثبت رسالة خاتم الرّسل - عليه وعلى آله الصّلاة والتّسليمات - وهذا الجزء الاخير محصّل للشّريعة ومكمّل لها وما كان حاصلا في الإبتداء والوسط من الشّريعة فهو صورة الشّريعة واسمها ورسمها وحصول حقيقة الشّريعة إنّما هو في هذا الموطن الذي يحصل بعد حصول مرتبة الولاية وكمالات النّبوّة الّتي تحصل لكمّل تابعي الانبياء - عليهم الصّلاة والسّلام - بتبعيّتهم ووراثتهم فهي أيضا في هذا الموطن والطّريقة والحقيقة اللّتان هما محصّلتان للولاية كأنّهما من الشّرائط لتحصيل حقيقة الشّريعة وتحصيل كمالات النّبوّة (ينبغي أن يعتقد) الولاية مثل الطّهارة والشّريعة كالصّلاة وكأنّ في الطّريقة إزالة النّجاسات الحقيقيّة وفي الحقيقة إزالة النّجاسات الحكميّة وبعد الطّهارة الكاملة يستحقّ إتيان الاحكام الشّرعيّة ويحصل قابليّة أداء الصّلاة الّتي هي نهاية مراتب القرب وعماد الدين ومعراج المؤمن. ولقد وجدت الجزء الاخير من هذه الكلمة المقدّسة بحرا لا نهاية له وشوهد الجزء الاوّل في جنبه كالقطرة؛ نعم: لا مقدار لكمالات الولاية في جنب كمالات النّبوّة أصلا وما يكون مقدار ذرّة في جنب الشّمس سبحان الله؟! زعم جماعة من إعوجاج النّظر أنّ الولاية أفضل من النّبوّة وظنّوا الشّريعة الّتي هي لبّ اللّباب قشرا وماذا يفعلون؟! فإنّ نظرهم مقصور على صورة الشّريعة ولم يحصّلوا من اللّبّ شيئا غير القشر وظنّوا النّبوّة بعلّة التّوجّه إلى الخلق قاصرة وزعموا هذا التّوجّه مثل توجّه العوامّ ناقصا ورجّحوا توجّه الولاية الذي هو إلى الحقّ على ذلك التّوجّه وقالوا: إنّ الولاية أفضل من النّبوّة ولم يدروا أنّ التّوجّه في كمالات النّبوّة أيضا إلى الحقّ في وقت العروج كما في مرتبة الولاية بل في مرتبة الولاية صورة تلك الكمالات العروجيّة الّتي حصلت في مقام النّبوّة كما ستذكر منه نبذة والتّوجّه في وقت نزول النّبوّة إلى الخلق كالولاية وإنّما الفرق أنّ الظّاهر في الولاية متوجّه إلى الخلق والباطن إلى الحقّ سبحانه وفي نزول النّبوّة: الظّاهر والباطن كلاهما متوجّهان إلى الخلق وصاحبه يدعو الخلق إلى الحقّ بكلّيّته وهذا النّزول أتمّ وأكمل من نزول الولاية كما حقّقته في كتبي ورسائلي.

وتوجّهه هذا إلى الخلق ليس كتوجّه العوامّ كما زعموا فإنّ توجّه العوامّ إلى الخلق من جهة تعلّقهم بالأغيار وتوجّه أخصّ الخواصّ إلى الخلق ليس هو بواسطة تعلّقهم بالأغيار فإنّ هؤلاء الاكابر ودعوا التّعلّق بالأغيار في أوّل القدم وحصّلوا التعلّق بخالق الخلق جلّ سلطانه مكانه بل توجّه هؤلاء الاكابر إلى

الخلق لهدايتهم وإرشادهم ليدلّوهم على خالق الخلق جلّ وعلا وليرشدوهم إلى مراضي مولاهم تعالى وتقدّس ولا شكّ أنّ مثل هذا التّوجّه إلى الخلق الذي مقصودهم منه تخليصهم عن رقّيّة ما سواه تعالى أفضل من ذلك التّوجّه إلى الحقّ سبحانه لاجل نفسه. مثلا: إذا كان شخص مشغولا بذكر الله تعالى فظهر في ذلك الاثناء ضرير وفي طريقه بئر بحيث لو رفع قدمه لوقع فيها ففي هذه الصّورة: هل الافضل لهذا الشّخص الذّكر أو تخليص الضّرير من البئر ولا شكّ أنّ تخليص الضّرير أفضل من الذّكر فإنّ الله تعالى غنيّ عنه وعن ذكره والضّرير عبد محتاج ودفع الضّرر عنه ضروريّ خصوصا إذا كان مأمورا بهذا التّخليص ففي هذا الوقت تخليصه عين الذّكر لكونه امتثال أمره في الذّكر أداء حقّ واحد وهو حقّ المولى جلّ شأنه وفي تخليص المأمور به أداء حقّين حقّ العبد وحقّ المولى تعالى بل يكاد يدخل الذّكر في ذلك الوقت في المعصية فإنّ الذّكر ليس بمستحسن في جميع الاوقات بل في بعض الاوقات يستحسن عدم الذّكر كما أنّ الإفطار في الايّام المنهيّة وترك الصّلاة في الاوقات المكروهة أفضل من الصّوم والصّلاة (ينبغي أن يعلم) أنّ الذّكر عبارة عن طرد الغفلة بأيّ وجه يتيسّر لا أنّ الذّكر مقصور على تكرار كلمة النّفي والإثبات أو على تكرار اسم الذّات كما زعم فكلّ ما هو من امتثال الاوامر والانتهاء عن النّواهي كلّه داخل في الذّكر والبيع والشّراء مع مراعاة الشّروط ذكر وكذلك النّكاح والطّلاق مع مراعاة شروطهما ذكر فإنّ الآمر والنّاهي جلّ سلطانه حين مباشرة هذه الامور مع مراعاة شروطها نصب عين مباشرها فلا يكون فيها مجال للغفلة ولكنّ الذّكر الواقع باسم المذكور وصفته سريع التأثير ومورث لمحبّة المذكور وقريب الإيصال إليه بخلاف الذّكر الواقع من طريق امتثال الاوامر والإنتهاء عن النّواهي فإنّه قليل النّصيب من هذه الصّفات وإن وجدت هذه الصّفات في بعض الأفراد الذين ذكرهم بامتثال الاوامر والانتهاء عن المناهي الشّرعيّة على سبيل النّدرة. قال حضرة الخواجه النّقشبند - قدّس سرّه - إنّ حضرة مولانا زين الدين التّايباديّ - قدّس سرّه - وصل إلى الحقّ سبحانه من طريق العلم وأيضا إنّ الذّكر الذي يقع باسم المذكور وصفته وسيلة للذّكر الذي يحصل بمراعاة الحدود الشّرعيّة فإنّ مراعاة الاحكام الشّرعيّة في جميع الامور غير ميسّرة بدون محبّة تامّة لناصب الشّرع وهذه المحبّة التّاميّة مربوطة بذكر اسمه وصفته تعالى فلا بدّ الذّكر أوّلا من ذلك الذّكر حتّى يحصل بسببه هذا الذّكر ومعاملة العناية أمر آخر ليس هناك شرط ولا وسيلة الله يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ (١). (ولنرجع) إلى أصل الكلام فنقول: إنّ وراء هذه المعاملات الثلاث الطّريقة والحقيقة والشّريعة معاملة أخرى مختصّة بالآخرين يمكن أن يقال: «أن لا اعتداد بتلك المعاملات في جنب هذه المعاملة ولا اعتبار وما حصل في مرتبة الحقيقة ممّا له تعلّق بالإثبات فهو صورة هذه المعاملة وهذه المعاملة حقيقة تلك الصّورة مثل صورة شريعة حاصلة في الإبتداء لمرتبة العوامّ وبعد حصول الطّريقة والحقيقة تتيسّر حقيقة تلك الصّورة. ينبغي التّخيّل والتّأمّل: إذا كانت

__________

(١) الشورى: ١٣

معاملة صورتها حقيقة معاملة ومقدّمتها ولاية كيف يسعها القيل والقال؟! وكيف يفي بها البيان؟! ولو بيّنت - فرضا - من يدركها وماذا يدرك؟! وهذه المعاملة وراثة الانبياء أولي العزم عليهم الصّلوات والتّسليمات والتّحيّات والبركات الّتي هي نصيب أقلّ قليل فإنّه إذا كان أصول هذه المعاملة قليلة تكون فروعها أقلّ بالضّرورة (فإن قيل) لزم من هذه المعارف أنّ العارف يضع قدمه في بعض المراتب خارج الشّريعة ويعرج إلى ما وراء الشّريعة (أجيب) انّ الشّريعة أعمال الظّاهر وهذه المعاملة متعلّقة في هذه النّشأة بالباطن والظّاهر مكلّف بالشّريعة دائما والباطن مشغوف بتلك المعاملة وحيث انّ هذه النّشأة دار عمل فللباطن من أعمال الظّاهر مدد عظيم وترقّيات الباطن مربوطة بإتيان أحكام الشّريعة الّتي متعلّقة بالظّاهر فلا بدّ للظّاهر والباطن في هذه النّشأة من الشّريعة في جميع الاوقات فشغل الظّاهر العمل بموجب الشّريعة ونصيب الباطن نتائج ذلك العمل وثمراته فالشّريعة أمّ كلّ الكمالات وأصل جميع المقامات ونتائج الشّريعة وثمراتها ليست مقصورة على النّشأة الدنيويّة فإنّ الكمالات الاخرويّة والتّنعّمات السّرمديّة أيضا من ثمرات الشّريعة ونتائجها فكانت الشّريعة شجرة طيّبة ينتفع العالم من ثمراتها وفواكهها في هذه النّشأة وفي تلك النّشأة ومنها تؤخذ فوائد الدارين (فإن قيل) يلزم من هذا البيان كون الباطن متوجّها إلى الحقّ سبحانه والظّاهر إلى الخلق في كمالات النّبوّة أيضا وقد كتبت في مكتوباتك ورسائلك ومرّ في هذا المكتوب أيضا أنّ التّوجّه في مقام النّبوّة الذي هو محلّ الدعوة إلى الخلق بالتّمام فما وجه التّوفيق (أجيب) أنّ تلك المعاملة المذكورة تتعلّق بالعروج ومقام الدعوة مربوط بالهبوط ففي وقت العروج يكون الباطن مع الحقّ سبحانه والظّاهر مع الخلق حتّى تتأتّى تأدية حقوقهم على وفق الشّريعة الغرّاء وفي وقت الهبوط يكون متوجّها إلى الخلق بالتّمام ويدلّهم على الحقّ سبحانه بكلّيّته فلا منافاة. وتحقيق هذا المقام هو أنّ التّوجّه إلى الخلق عين التّوجّه إلى الحقّ سبحانه فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله (١) لا بمعنى أنّ الممكن عين الواجب أو مرآة الواجب سبحانه وتعالى وما مقدار الممكن الحقير حتّى يكون عين الواجب تعالى أو يكون قابلا لمرآتيّته سبحانه؟! بل يمكن أن يقال: إنّ الواجب تعالى مرآة الممكن ويتوهّم الاشياء في مرآة الواجب تعالى كصور الاشياء في مرآة الصّورة فكما أنّه ليس لتلك الصّور حلول وسريان في مرآة الصّورة كذلك لا حلول ولا سريان للأشياء في مرآة الواجب تعالى. وكيف يتصوّر الحلول فإنّه لا وجود للصّور في مرتبة المرآة ووجود الصّور إنّما هو في مرتبة التّوهّم والتّخيّل فقط فالمحلّ الذي فيه المرآة ليس فيه الصّور والمحلّ الذي فيه الصّور على المرآة منه الف عار فإنّه لا ثبوت للصّور غير الإراءة الخياليّة ولا وجود لها غير التّحقّق الوهميّ فإن كان لها محلّ فهو في مرتبة التّوهّم وإن كان لها زمان فهو في مرتبة التّخيّل ولكن حيث كانت تلك الإراءة الخياليّة للأشياء بصنع الحقّ جلّ سلطانه فهي مصونة من الخلل ومحفوظة من سرعة الزّوال والمعاملة الابديّة مربوطة بها والعذاب والمثوبات السّرمديّة منوطة بها

__________

(١) البقرة: ١١٥

(واعلم) أنّ المحلوظ أوّلا في مرآة الصّورة هو الصّور والإلتفات الثاني إنّما هو لشهود المرآة والملحوظ أوّلا في مرآة الواجب هو المرآة نفسها والإلتفات الثاني إنّما هو لشهود الاشياء وأيضا في مرآة الصّورة الصّور أيضا مرايا أحكام المرآة وآثارها فإن كانت المرآة طولانيّة تظهر الصّور أيضا طولانيّة فتصير الاشياء مرايا لطول المرآة وكذلك إذا كانت المرآة صغيرة يظهر صغرها في مرايا الصّور بخلاف مرآة ذات الواجب تعالى فإنّ الاشياء لا تكون مرايا لاحكامها وآثارها فإنّه لا حكم على تلك المرتبة العليا ولا أثر بل جميع النّسب مسلوب عنها فيها فإن كانت الاشياء مرايا ماذا يظهر فيها نعم يجوز أن يكون الاشياء مرايا صور أحكام الواجب في مراتب التّنزّل الذي موطن الاسماء والصّفات فإنّ السّمع والبصر والعلم والقدرة مثلا الّتي هي ظاهرة في مرايا الاشياء صور السّمع والبصر والعلم والقدرة الثابتة في مرتبة الوجوب الّتي هي مرآة تلك الاشياء الظّاهرة وما قلت انّ الملحوظ أوّلا في مرآة الواجب تعالى هو نفس المرآة والإلتفات الثاني إنّما هو لشهود الاشياء الّتي هي كالصّور في تلك المرآة فهو حال ابتداء الرّجوع إلى تظهر الصّور فيه للنّظر بعد أن كانت مرتفعة ومختفية عن النّظر بالتّمام فإذا انتهت معاملة الرّجوع إلى آخرها ووقع السّير في الاشياء طولها وعرضها وتيسّر الإستقرار في مركز دائرة الإمكان يتبدّل الشّهود ح بالغيب بالضّرورة ويصير الإيمان الشّهوديّ إيمانا غيبيّا وإذا تمّت معاملة الدعوة وقرعت مقرعة الرّحيل ففي ذلك الوقت لا يبقى الغيب ولا يكون فيه غير الشّهود ولكنّ هذا الشّهود يكون أتمّ وأكمل من ذاك الشّهود الذي كان حاصلا قبيل الرّجوع فإنّ الشّهود الذي يتعلّق بالآخرة أكمل من الشّهود الذي يتعلّق بالدّنيا

(شعر) هنيئا لارباب النّعيم نعيمها ... وللعاشق المسكين ما يتجرّع

ينبغي أن يعلم أنّه قد لاح من التّحقيق السّابق أنّ صورة الشّيء الّتي تظهر في المرآة لا ثبوت لها في غير التّخيّل والمرآة على صرافة تجرّدها من حصول تلك الصّورة فيها ويمكن أن يقال لتلك الصّورة أنّ المرآة قريبة منها وأيضا يمكن أن يقال: إنّ المرآة محيطة بها وانّها معها وهذا القرب والأحاطة والمعيّة ليست من قبيل قرب الجسم والجوهر وإحاطتهما بالعرض بل هناك قرب وإحاطة العقل عاجز عن تصوّرهما وقاصر عن إدراك كيفيّتهما ففي هذه الصّورة ثبتت الإحاطة والقرب والمعيّة ولم تعلم كيفيّتها أصلا ولله المثل الأعلى وهكذا القرب الذي للحقّ مع العالم وكذلك إحاطته ومعيّته تعالى معلومة الإنّيّة (١) مجهولة الكيفيّة نؤمن أنّه تعالى قريب من العالم ومحيط به ومعه ولكن لا نعلم كيفيّة قربه وإحاطته ومعيّته تعالى إنّها ما هي فإنّ هذه الصّفات مغايرة لصفات الاشياء ومبرّأة عن سمات الإمكان والحدوث وإن أورد تنظيرها وتشبيهها في عالم المجاز الذي هو قنطرة الحقيقة وأومئى إليها بالمرآة والصّورة ليجتهد

__________

(١) الأنية: هي تحقق الوجود العيني من حيث رتبته الذاتية. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٥٨.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!