موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(45) المكتوب الخامس والأربعون إلى منبع الحقائق ومعدن المعارف الخواجه حسام الدين أحمد في بيان أن العالم بتمامه مجالي الاسماء والصفات الواجبية بخلاف الذات؛ فإنه لا نصيب للممكن منها وليس له قيام بنفسه بل هو عرض كله لم يشم رائحة من الجوهرية وما ي

 

 


كالمجهورة وصار هذا المجاز متعارفا والنّقطة الجوّالة وإن كانت كالحقيقة والدائرة النّاشئة من تلك النّقطة كالمجاز ولكنّ الحقيقة مهجورة هناك وما هو المتعارف مجاز وسألت عن معنى هذا القول: «إذا أحبّ الله عبدا لم يضرّه ذنب» (اعلم) أنّه إذا أحبّ الله عبدا لا يصدر عنه ذنب فإنّ أولياء الحقّ جلّ وعلا محفوظون عن ارتكاب الذّنب وإن جاز صدور الذّنب عنهم بخلاف الانبياء عليهم الصّلاة والتّسليمات فإنّهم معصومون عن الذّنوب وجواز صدور الذّنب عنهم أيضا مسلوب فإذا لم يصدر الذّنب عن الأولياء لا يكون فيهم ضرر الذّنب ففي صورة عدم صدور الذّنب يصدق “ لا يضرّه ذنب ” كما لا يخفى على أرباب العلم. ويمكن أن يكون المراد من الذّنب الذّنب السّابق الذي صدر عنه قبل الوصول إلى درجة الولاية فإنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله وحقيقة الامر عند الله سبحانه رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (١) والسّلام عليكم وعلى سائر من اتّبع الهدى والتزم متابعة المصطفى عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام والتّحيّات العلى.

(٤٥) المكتوب الخامس والأربعون إلى منبع الحقائق ومعدن المعارف الخواجه حسام الدين أحمد في بيان أنّ العالم بتمامه مجالي الاسماء والصّفات الواجبيّة بخلاف الذّات؛ فإنّه لا نصيب للممكن منها وليس له قيام بنفسه بل هو عرض كلّه لم يشمّ رائحة من الجوهريّة وما يناسب ذلك

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى (أيّها المخدوم المكرّم) [ع] وأحسن ما يملى حديث الاحبّة * يحرّر من المعارف الغريبة ينبغي استماعها ويبيّن طريق مراقبة أخصّ الخواصّ فليتوجّه إليه بتوجّه بليغ (ينبغي أن يعلم) أنّ العالم بتمامه مجالي الاسماء ومظاهر الصّفات الواجبيّة تعالت وتقدّست:

فإن كان في الممكن حياة فهي مرآة لحياة الواجب تعالى وتقدّس. وإن كان فيه علم فمرآة علمه تعالى.

وإن كان قدرة فمرآة قدرته تعالى وعلى هذا القياس. وليس لذاته تعالى مظهر في العالم ولا مرآة بل لا مناسبة لذاته تعالى بالعالم أصلا ولا اشتراك لها به في شيء قطعا. وإن كانت تلك المناسبة في الإسم وتلك المشاركة في الصّورة إِنَّ الله لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٢) بخلاف الاسماء والصّفات فإنّ لها مع العالم مناسبة اسميّة ومشاركة صوريّة كما أنّ في الواجب تعالى علما في الممكن أيضا صورة ذلك العلم وكما

__________

(١) البقرة: ٢٨٦

(٢) العنكبوت: ٧٠

أنّ هناك قدرة هنا أيضا صورة تلك القدرة بخلاف الذّات؛ فإنّ الممكن لا نصيب له من تلك الدولة ولم يمنح القيام بنفسه بل الممكن حيث كان مخلوق على صور أسمائه وصفاته تعالى فهو عرض بتمامه لم يشمّ رائحة من الجوهريّة وقيامه بذات الواجب تعالى وتقدّس. وتقسيم أرباب المعقول العالم إلى الجوهر والعرض (١) فهو من كون نظرهم مقصورا على الظّاهر وما ثبت من قيام بعض الممكن ببعض آخر فهو من قبيل قيام العرض بالعرض لا من قبيل قيام العرض بالجوهر بل قيام ذينك العرضين في الحقيقة بذات الواجب تعالى وتقدّس لم يثبت بينهما جوهريّة وقيّوم جميع الممكنات هو تعالى وتقدّس فليس للممكن في الحقيقة ذات تكون صفاته قائمة بتلك الذّات للواجب تعالى وتقدّس بها قامت صفاته تعالى وكذلك جميع الممكنات والإشارة الواقعة من كلّ أحد إلى ذاته بلفظ: «أنا “ فتلك الإشارة راجعة في الحقيقة إلى تلك الذّات الاحد الّتي قيام الكلّ بها يعرفه المشير أوّلا وإن لم تكن ذاته تعالى مشارا إليها بإشارة ومتّحدة بشيء أصلا. ولا يخلط القاصرون هذه المعارف الغامضة بمعارف التّوحيد الوجوديّ لا يظنّون اليد والجيب متّحدا بعضه ببعض فإنّ أرباب التّوحيد الوجوديّ لا يقولون بموجود غير الذّات الاحد تعالت وتقدّست ويزعمون أسماءه وصفاته تعالى أيضا اعتبارات علميّة ويقولون في حقائق الممكنات ” ما وصلت إليها رائحة من الوجود والأعيان ما شمّت رائحة الوجود من كلامهم». وهذا الفقير يعتقد أنّ صفاته تعالى أيضا موجودة بوجود زائد على الذّات كما قال علماء أهل الحقّ ويثبت للممكنات الّتي هي مجالي الاسماء والصّفات أيضا وجودا. غاية ما في الباب أنّه لا يعلم الممكنات غير الاعراض الّتي لا قيام لها بنفسها ولا يثبت الجوهريّة الّتي لها قيام بذاته في الممكنات بل يتيقّن قيام الكلّ بذاته تعالى (فإن قيل) يعلم من هذا التّحقيق أنّ ذات الممكن عين ذات الواجب تعالى وأنّ الممكن متّحد بالواجب جلّ شأنه وهذا محال لاستلزامه قلب الحقائق (أجيب) انّ ذات الممكن - يعني ماهيّته وحقيقته - هي عين تلك الاعراض المتعدّدة المخصوصة الّتي هي مجالي أسماء الواجب وصفاته تعالى ولا عينيّة لتلك الأعراض مع ذات الواجب تعالى وتقدّس أصلا ولا اتّحاد بينهما بوجه ما قطعا؛ حتّى يلزم قلب الحقائق وليس هناك غير قيام تلك الأعراض بالذّات تعالت وتقدّست وقيّوميّته تعالى بجميع الاشياء (فإن قيل) لمّا رجعت إشارة كلّ أحد إلى ذاته بلفظ “ أنا ” إلى ذات الواجب تعالى لزم أن تكون ذات الممكن - يعني ماهيّته وحقيقته - عين ذات الواجب تعالى؛ فإنّ إشارة كلّ أحد بلفظ “ أنا ” إلى ماهيّته وحقيقته وهذا مستلزم لقلب الحقيقة وعين كلام أرباب التّوحيد الوجوديّ: (أجيب) نعم وإن كان إشارة كلّ أحد بلفظ “ أنا ” إلى حقيقته ولكن لمّا كانت حقيقته أعراضا مجتمعة ليست فيها قابليّة هذه الإشارة فإنّ الأعراض ليست بقابلة للإشارة الحسّيّة بالإستقلال وبالأصالة ولمّا لم تقبل حقيقته هذه الإشارة صارت الإشارة راجعة إلى

__________

(١) العرض: هو الموجود الذي يحتاج في وجوده إلى موضع أي محل يقوم به كاللون المحتاج في وجوده إلى جسم يحله ويقوم به. انظر: الجرجاني: التعريفات: ١٩٢.

مقوّم تلك الحقيقة فماهيّة الممكن هي عين تلك الاعراض المجتمعة وإن كانت الإشارة بواسطة عدم قابليّة حقيقته راجعة إلى مقوّمها الذي هو ذات الواجب تعالى وتقدّس فلم يكن قلب الحقيقة وما صار الممكن واجبا تعالى وتقدّس وكان الكلام مغايرا لكلام أرباب التّوحيد الوجوديّ.

والعجب: أنّ “ أنا ” الصّادر من الممكن يرجع إلى الواجب ويبقى الممكن ممكنا على حاله ولا يتكلّم بقول “ سبحاني ” وأنا الحقّ " بل لا يقدر أن يقول لكونه صاحب تميّز (فإن قيل) إنّ قيام الممكن بذات الواجب تعالى مستلزم لقيام الحوادث بذاته تعالى وهو ممتنع (أجيب) أنّ امتناع قيام الحوادث بمعنى حلول الحوادث في ذاته تعالى وهو محال ولكنّ القيام ليس هنا بمعنى الحلول بل بمعنى الثبوت والتّقرّر يعني أنّ ثبوت الممكن وتقرّره بذات الواجب تعالى (فإن قيل) إذا كان ثبوت الممكن بذات الواجب وقد تقرّر أنّه عرض بتمامه فلا بدّ له من محلّ يقوم به وما ذاك المحلّ ليس هو ذات الواجب تعالى وكذلك لا يكون الممتنع محلّا له (أجيب) أنّ العرض ما لا يكون له قيام بذاته بل يقوم بغيره ولمّا لم يفهم أرباب المعقول في قيام العرض غير الحلول أثبتوا للعرض محلّا بالضّرورة واستحالوا ثبوته من غير محلّ فإذا ظهر للقيام معنى آخر كما مرّ لا يلزم المحلّ أصلا ومحسوسنا ومشاهدتنا أنّ قيام جميع الاشياء بذات الواجب تعالى من غير أن يكون في البين حلول ومحلّ أصلا يصدّقه أرباب المعقول أوّلا وتشكيكهم لا يكون مصادما لبداهتنا ولا يزول يقيننا بشكّهم. ولنوضّح هذا المبحث بمثال: أنّ أرباب الطّلسم وأصحاب السّيمياء يرون ويظهرون الاشياء من جنس الاجسام الغريبة والأعراض العجيبة وفي هذه الصّورة يعرف كلّ شخص أنّ هذه الاجسام ليس لها قيام بنفسها كالأعراض بل قيام كليهما بذات صاحب الطّلسم ولا محلّ لهما أصلا ويعرفون أيضا أن ليس في هذا القيام شائبة الحاليّة والمحلّيّة بل ثبوت تلك الاجسام والأعراض بذات صاحب الطّلسم من غير توهّم حلول وفيما نحن فيه أيضا عين هذا التّصوير فإنّ الحقّ سبحانه خلق الاشياء في مرتبة الحسّ والوهم وراعى الإتقان والإحكام في صنعها وجعل المعاملة الابديّة والتّنعيم والتّعذيب السّرمديّين مربوطة بها؛ فلا قيام لهذه الاشياء بذاتها بل هي قائمة بذاته تعالى من غير شائبة الحلول وبلا مظنّة الحالّ والمحلّ. والتّمثيل الآخر: صورة جبل أو صورة سماء تظهر في المرآة أيّ أبله تزعم تلك الصّور أجساما وجواهر وتظنّ أنّها قائمة بنفسها؟! فإن زعم فرضا شخص تلك الصّور أعراضا وقائمة بالغير وطلب لها محالّا بعلّة العرضيّة ويعدّ ثبوتها من غير محال محالا فهذا الشّخص أيضا سفيه فإنّه ينكر بداهة نفسه بتقليد النّاس لانّ كلّ من عنده تمييز يعرف بالبداهة أن ليس لتلك الصّور محالّ أصلا بل لا احتياج لها إلى الحالّ وهكذا جميع الممكنات عند ارباب الكشف والشّهود وليست غير التّماثيل مثل هذه الصّور غاية ما في الباب: أنّ الحقّ سبحانه وتعالى أتقن تلك الصّور والتّماثيل بقدرته الكاملة وأحكم على نهج صارت مصونة عن الخلل ومحفوظة من الزّوال والمعاملة الاخرويّة الابديّة مربوطة بها كما مرّ غير مرّة وقال النّظّام من المتكلّمين ومن علماء المعتزلة



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!