موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(50) المكتوب الخمسون إلى المرزا شمس الدين في بيان أن للشريعة صورة وحقيقة وأنه لا بد من الشريعة في الإبتداء والإنتهاء وبيان تمكين القلب واطمئنان النفس واعتدال القلب التي في مرتبة النبوة وما يناسب ذلك

 

 


فإذا انتهت المعاملة إلى هنا يكون قد خطى خطوة في هذا الطّريق ينبغي السّعي في أن لا يقصّر في الخطوة الواحدة وأن لا يبقى في أسر رؤية الغير وعلمه (شعر)

هلمّو أيّها الابطال نحو السّعادة ... إذ خلت عن كلّ مانع

وتعلّقاتكم ترى في الظّاهر قليلة ولكنّكم تجعلون أنفسكم من جملة أرباب التّعلّق بشوق التّعلّق “ الرّاضى بالضّرر لا يستحقّ النّظر ” مسئلة مقرّرة والسّلام.

(٥٠) المكتوب الخمسون إلى المرزا شمس الدين في بيان أنّ للشّريعة صورة وحقيقة وأنّه لا بدّ من الشّريعة في الإبتداء والإنتهاء وبيان تمكين القلب واطمئنان النّفس واعتدال القلب الّتي في مرتبة النّبوّة وما يناسب ذلك

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى (اعلم) أنّ للشّريعة صورة وحقيقة فصورة الشّريعة عبارة عن إتيان الاحكام الشّرعيّة بعد الإيمان بالله ورسوله وبما جاء من عند الله سبحانه والإيمان مع وجود منازعة النّفس الامّارة وإبائها وطغيانها وإنكارها المودعة في جبلّتها: هو صورة الإيمان وكذلك الصّلاة والصّوم مع وجود صفاتها هذه صورة الصّلاة والصّوم وعلى هذا القياس سائر الاحكام الشّرعيّة فإنّ النّفس الّتي هي عمدة الإنسان وهي المشار إليها لكلّ فرد بقوله أنا على كفرها وإنكارها فكيف يتصوّر منها حقيقة الإيمان وحقّيّة الاعمال الصّالحة ومن رحمته سبحانه وتعالى قبوله جلّ شأنه مجرّد الصّورة وبشارته بدخول الجنّة الّتي هي محلّ رضائه ورحمته ومن إحسانه تعالى وتقدّس اكتفاؤه في نفس الإيمان بتصديق القلب ولم يكلّف بإذعان النّفس نعم للجنّة أيضا صورة وحقيقة يحتظّ أصحاب الصّورة بصورة الجنّة وأرباب الحقيقة بحقيقة الجنّة وكلّ من أصحاب الصّورة وأرباب الحقيقة يتناول من فاكهة واحدة من فواكه الجنّة فيجد صاحب الصّورة منها لذّة وصاحب الحقيقة لذّة أخرى وتكون الازواج المطّهرات أمّهات المؤمنين مع النّبيّ عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام في جنّة واحدة ويأكلون معه من فاكهة واحدة ولكنّ التذاذ كلّ واحد وتنعّمه على حدة وإلّا يلزم فضل أمّهات المؤمنين على جميع بنى آدم بعد نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام ويلزم أيضا أنّ كلّ من يكون أفضل من شخص تكون زوجته أيضا أفضل منه فإنّ الزّوجة ممتزجة ومختلطة بالزّوج وصورة الشّريعة بشرط الإستقامة موجبة للفلاح ومستلزمة للنّجاة الأخرويّين ومصحّحة لدخول الجنّة كما مرّ فإذا صحّت صورة الشّريعة فقد حصلت الولاية العامّة والله ولىّ الذين آمنوا وفي هذا الوقت صار السّالك مستعدّا لان يضع قدمه في الطّريقة وأن يتخطّى إلى الولاية الخاصّة وأن يجرّ نفسه بالتّدريج من وصف الامّاريّة إلى صفة الإطمئنان ولكن ينبغي أن يعلم أنّ منازل الوصول إلى تلك الولاية أيضا مربوط بأعمال الشّريعة والذّكر الإلهيّ جلّ شأنه الذي هو العمدة في هذا الطّريق من

المأمورات الشّرعيّة والإجتناب عن المناهي الشّرعيّة أيضا من ضروريّات هذا الطّريق وأداء الفرائض من المقرّبات وطلب شيخ عارف بالطّريق وهاد إليه الذي يستحقّ أن يكون وسيلة أيضا من المأمورات الشّرعيّة قال الله تعالى واِبْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ (١) وبالجملة لا بدّ من الشّريعة صورة وحقيقة فإنّ أمّهات جميع كمالات الولاية والنّبوّة هى الاحكام الشّرعيّة كمالات الولاية نتائج صورة الشّريعة وكمالات النّبوّة ثمرات حقيقة الشّريعة كما سيجيء إن شاء الله تعالى (ومقدّمة الولاية) هي الطّريقة الّتي نفي ما سواه تعالى مطلوب فيها ورفع الغير والغيريّة مقصود منها فإذا صار ما سواه تعالى بفضله جلّ شأنه مرتفعا عن النّظر بالكلّيّة ولم يبق اسم ولا رسم من رؤية الاغيار فقد حصل الفناء وبلغ مقام الطّريقة نهايته وتمّ السّير إلى الله والشّروع بعد ذلك في مقام الإثبات المعبّر عنه بالسّير في الله وهذا هو مقام البقاء الذي هو موطن الحقيقة الّتي هي المقصد الأقصى من الولاية وبتلك الطّريقة والحقيقة اللّتين هما الفناء والبقاء يصدق اسم الولاية وتصير الامّارة مطمئنّة وترجع عن كفرها وإنكارها وتصير راضية عن مولاها ويكون المولى جلّ سلطانه أيضا راضيا عنها وتزول الكراهة الّتي كانت في جبلّتها قالوا إنّ النّفس وإن وصلت إلى مقام الإطمئنان (٢) لا ترجع عن بغيها وطغيانها. (شعر)

وإن انتهت نفس إلى اطمئنانها ... لكنّها لا تنتهي عن غيّها

وجعلوا المراد من الجهاد الاكبر الواقع في قوله عليه الصّلاة والسّلام «رجعنا من الجهاد الاصغر إلى الجهاد الاكبر» (٣) الجهاد مع النّفس. وما ظهر في كشف الفقير ووجده بوجدانه خلاف هذا الحكم المتعارف فإنّي لا أجد في النّفس بعد حصول الإطمئنان عنادا وطغيانا أصلا بل أراها متمكّنة في مقام الإنقياد بل أجدها كالقلب المتمكّن الذي نسى السّوى فارغة عن رؤية الغير والغيريّة وعلمهما ومتخلّصة عن حبّ الجاه والرّياسة واللّذّة والألم فأين المخالفة وبمن العناد فإن أثبتوا لها قبل حصول الإطمئنان كلّ شيء من المعاندة والطّغيان وإن كان تفاوت أحوالها وتلوّنها مقدار شعرة فله المساغ وليس لنا فيه نزاع

__________

(١) المائدة: ٣٥

(٢) الطمأنينة: لغة: مرادف السكينة. انظر: الفيروزابادي: القاموس: الطمن. أما عند الصوفية: فالمراد بها سكينة تستقر بقوة اليقين المفيد للأمن ودوام الأنس بالحق. وصورتها في البدايات: إطمئنان النفس بذكر الحق إلى الإنقياد بحكم الشرع والإستسلام للطاعة. وفي الأبواب: طمأنينة الخائف إلى الرجاء. وفي المعاملات: طمأنينة القلب بالحضور والمراقبة والثقة بالله في التوكل والتسليم. وفي الأخلاق: طمأنينة القلب إلى التخلق بأخلاق الحق. وفي الأصول: طمأنينة القلب في القصد إلى الكشف وفي الفقر إلى الغنى بالله. وفي الأحوال: طمأنينة السر في الشوق إلى عدة اللقاء وفي الرق إلى الذوق. وفي الولايات: طمأنينة الروح إلى التمكين في الإتصاف بالصفات الإلهية. انظر: الكاشاني: معجم اصطلاحات الصوفية: ٣٠٢.

(٣) ضعيف: ضعفه السيوطي في الجامع الصغير ٦٠١٧.، وقال الحافظ العراقي: أخرجه البيهقي في الزهد من حديث جابر وقال: هذا إسناد فيه ضعف. واورده الفتني في تذكرة الموضوعات: كتاب: العلم: باب: خرقة الصوفية وقال: ضعيف.

ولكن بعد حصول الإطمئنان لا مجال للمخالفة والطّغيان ولقد طالع الفقير في هذا الباب بإمعان النّظر وتأمّل في حلّ هذا المعمّى لكونه مخالفا لما تقرّر عند القوم وتعمّق في الفكر ولكن بعناية الله سبحانه لم يجد في النّفس المطمئنّة مقدار شعرة من المخالفة والمعاندة ولم ير فيها شيئا غير الإستهلاك والإضمحلال فإذا جعلت النّفس نفسها فداء لمولاها كيف يكون فيها مجال المخالفة وحيث كانت النّفس راضية عن حضرة الحقّ تعالى وكان الحقّ تعالى راضيا عنها كيف يتصوّر عنها الطّغيان الذي هو مناف للرّضى ومرضىّ الحقّ جلّ سلطانه لا يصير غير مرضىّ أصلا ويمكن أن يكون المراد من الجهاد الاكبر والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال الجهاد مع القالب الذي هو مركّب من الطّبائع المختلفة الّتي كلّ طبيعة منها مقتضية لامر ومتنفّرة عن أمر فإنّ كلّا من القوّة الشّهويّة والغضبيّة ناشئة عن القالب الا ترى أنّ سائر الحيوانات الّتي ليست لها النّفس النّاطقة هذه الصّفات الرّذيلة كائنة فيها وكلّها متّصفة بالشّهوة والغضب والشّره والحرص وهذا الجهاد كائن دائما لا يسكّنه اطمئنان النّفس ولا يرفعه تمكين القلب وفي بقاء هذا الجهاد فوائد كثيرة متضمّنة لتنقية القالب وتطهيره حتّى تكون كمالات هذه النّشأة ومعاملة الآخرة مربوطة به بالأصالة فإنّ في كمالات هذه النّشأة القالب تابع والقلب متبوع وفي كمالات تلك النّشأة الامر بالعكس القلب تابع والقالب متبوع فإذا وقع الخلل في هذه النّشأة وظهرت مقدّمة تلك النّشأة ينقضى هذا الجهاد ويرتفع هذا القتال فإذا بلغت النّفس بفضل الله سبحانه مقام الإطمئنان وصارت منقادة للحكم الإلهيّ جلّ شأنه فقد تيسّر الإسلام الحقيقيّ وحصلت حقيقة الإيمان وكلّ ما يعمل بعد ذلك يكون حقيقة فإذا أدّيت الصّلاة تكون حقيقة وإن كان صوما فحقيقة الصّوم وإن حجّا فحقيقة الحجّ على هذا القياس إتيان سائر الاحكام الشّرعيّة فصار كلّ من الطّريقة والحقيقة متوسّطة بين صورة الشّريعة وحقيقتها فمن لم يشرّف بالولاية الخاصّة لا يصل من الإسلام المجازىّ إلى الإسلام الحقيقيّ فإذا كان بفضل الله سبحانه محلّى بحقيقة الشّريعة وتيسّر الإسلام الحقيقيّ صار مستعدّا لان ينال حظّا وافرا ونصيبا تامّا من كمالات النّبوّة بتبعيّة الانبياء ووراثتهم عليهم الصّلاة والسّلام وكما أنّ صورة الشّريعة كشجرة طيّبة لكمالات الولاية وهي كثمراتها كذلك حقيقة الشّريعة أيضا كشجرة مباركة لكمالات النّبوّة الّتي هي كثمراتها وحيث كانت كمالات الولاية ثمرات الصّورة وكمالات النّبوّة ثمرات حقيقة تلك الصّورة تكون كمالات الولاية بالضّرورة صورا لكمالات النّبوّة الّتي هي حقائق تلك الصّور (ينبغي أن يعلم) أنّ الفرق بين صورة الشّريعة وحقيقتها كان ناشئا من جهة النّفس حيث كان للنّفس الامّارة طغيان في الصّورة وكانت على إنكارها وصارت مطمئنّة في الحقيقة ومسلمة وكذلك الفرق بين كمالات الولاية الّتي هي كالصّور وبين كمالات النّبوّة الّتي كالحقائق ناش من جهة القالب فإنّ أجزاء القالب ما كانت منتهية وراجعة عن طغيانها وعنادها في مقام الولاية مثلا لم يرجع جزءه النّاريّ مع وجود اطمئنان النّفس عن دعوى الخيريّة وتكبّرها وكذلك لم يتندّم جزؤه الارضيّ عن الخسّة والدنائة وعلى هذا القياس سائر

الاجزاء وفي مقام كمالات النّبوّة جائت أجزاء القالب أيضا إلى حدّ الإعتدال وامتنعت عن الإفراط والتّفريط ويمكن أن يكون من ههنا قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم " أسلم شيطاني» (١) فكما أنّ في الآفاق شيطانا في الانفس أيضا شيطان وهو الجزء النّاريّ الذي هو مدّع لخيريّته ومقتض لتكبّره وترفّعه وكلّ هذه أردأ الصّفات الرّذيلة واسلامه كناية عن زوال تلك الصّفات الّتي هي أرذل الرّذائل ففي كمالات النّبوّة تمكين القلب واطمئنان النّفس واعتدال أجزاء القالب وفي الولاية تمكين القلب وبعد اللّتيا واللّتى اطمئنان النّفس وإنّما قلنا بعد اللّتيا واللّتى فإنّ اطمئنان النّفس على وجه الكمال من غير تكلّف إنّما هو بعد اعتدال أجزاء القالب ولهذا جوّز أرباب الولاية رجوع المطمئنّة إلى صفات البشريّة بواسطة عدم اعتدال أجزاء القالب كما مرّ في أوّل المبحث والإطمئنان الذي يحصل للنّفس بعد اعتدال أجزاء القالب فهو مأمون ومبرّأ من الرّجوع إلى صفات البشريّة فالإختلاف في رجوع النّفس إلى الرّذائل وعدم رجوعها مبنيّ على اختلاف مقامات النّفس والأنظار. كلّ شخص أخبر عن مقامه وتكلّم عن وجدانه (فإن قيل) إذا جاءت أجزاء القالب إلى حدّ الإعتدال وامتنعت عن المعاندة والطّغيان كيف يتصوّر الجهاد معها بل يرتفع الجهاد عنها ح (أجيب) فرّق بين المطمئنّة وبين هذه الاجزاء فإنّ المطمئنّة صاحبة استهلاك واضمحلال وملحقة بعالم الامر ومتّصفة بكمال الاستهلاك والسّكر وهذه الاجزاء لا مناسبة لها بالسّكر والإستهلاك بواسطة إتيان الاحكام الشّرعيّة الذي مبناه على الصّحو ولا مجال في المستهلك للمخالفة وما فيه صحو فإن صدرت عنه صورة المخالفة في بعض الامور بواسطة بعض منافعه ومصالحه فإنّه يجوز ولكنّ المرجوّ أن لا تكون تلك المخالفة بفضل الله جلّ سلطانه فوق ترك الإستحباب وأنّه لا تزيد على ارتكاب الكراهة التّنزيهيّة فيكون الجهاد في مرتبة القالب مع اعتدال أجزائه متصوّرا وفي المطمئنّة لا يكون الجهاد مجوّزا وتحقيق هذا المبحث مندرج في مكتوب من الجلد الاوّل المحرّر في بيان الطّريق المحرّر باسم ولدي الاعظم المرحوم بالتّفصيل فإن بقي خفاء فيه فليراجع هناك فإن انتهت كمالات النّبوّة الّتي هي نتائج حقيقة الشّريعة وثمراتها بفضل الله جلّ سلطانه إلى آخرها يعني حصلت بتمامها لا تكون التّرقّيات هناك منوطة بالأعمال بل المعاملة في ذلك الموطن مربوطة بمحض فضل الله وإحسانه سبحانه لا أثر للاعتقاد هناك ولا حكم فيه للعلم والعمل بل فيه فضل في فضل وكرم في كرم وهذا المقام بالنّسبة إلى المقامات السّابقة عال جدّا وله وسعة تامّة ونورانيّة لم يكن أثر منها في المقامات السّابقة وهذا المقام مخصوص بالأصالة بالأنبياء أولي العزم عليهم الصّلاة والتّسليمات وبالتّبعيّة والوراثة يشرّف به ويمنح كلّ من أدركته

__________

(١) لم أقف عليه بهذا اللفظ وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي بلفظ: «إلا أن الله أعانني عليه فأسلم " صحيح مسلم: ك: صفة القيامة والجنة والنار. ب: تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس. ح ٢٨١٤. والترمذي: أبواب مختلفة في النكاح: ب: ١٧. ح ١١٨٢. سنن النسائي: ك: عشرة النساء. ب: الغيرة.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!