موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(54) المكتوب الرابع والخمسون إلى السيد شاه محمد في بيان أن لمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم مراتب ودرجات وهي سبع درجات وبيان تفصيل كل درجة وما يناسب ذلك

 

 


الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قد سألت أنّه: «إذا جعلت نفسى في مقام الرّياضة يعني اشتغلت بها يظهر في النّفس الإستغناء وتزعم أن لا صالح مثلى وإن صدر شيء من خلاف الشّرع تتخيّل نفسها محتاجة ومسكينة فما علاج ذلك (أيّها الموفّق) إنّ الإحتياج والمسكنة الصّادر في الشّقّ الثاني الذي ينبئ عن النّدم نعمة عظيمة والعياذ بالله سبحانه لو لم تظهر النّدامة الّتي هي من شعب التّوبة بعد ارتكاب المحظور الشّرعيّ وكانت النّفس ملتذّة ومحظوظة بإتيان الذّنب فإنّ الإلتذاذ بالذّنب إصرار على الذّنب فإن كان الإصرار على السّيّئة الصّغيرة فهو يوصل إلى الكبيرة والإصرار على الكبيرة دهليز الكفر ينبغي أداء شكر هذه النعمة العظمى ليحصل ازدياد النّدم فيمنع عن ارتكاب خلاف الشّريعة قال الله سبحانه وتعالى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (١) وحاصل الشّقّ الاوّل حصول العجب بعد إتيان الاعمال الصّالحة وهذا العجب سمّ قاتل ومرض مهلك يبطل الاعمال الصّالحة كما يأكل النّار الحطب ومنشأ العجب هو أن يرى الاعمال الصّالحة مزيّنة ومستحسنة في نظر العامل والمعالجة بالأضداد فينبغي اتّهام الحسنات وأن يظهر قبائحها في النّظر وأن ينسب الإنسان نفسه وأعماله إلى القصور بل يجد مستحقّا للطّرد واللّعن قال عليه وعلى آله الصّلاة والتّسليمات “ ربّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه ” “ وكم من صائم ليس له من صيامه الّا الظّمأ والجوع ” ولا يتخيّل أن لا قبح لحسنه بل لو توّجه إليه قليلا لوجد بعناية الله سبحانه كلّه قبيحا ولا يحسّ رائحة من الحسن فأين العجب ولمن الإستغناء بل يكون من علّة استيلاء رؤية القصور في الاعمال منفعلا ومستحيا من إتيان الاعمال الحسنة لا معجبا ومستغنيا فإذا حصل رؤية القصور في الاعمال تزيد قيمة الاعمال وتكون حقيقة بالقبول وينبغي السّعي حتّى يحصل هذه الرّؤية فيتخلّص من العجب ودونه خرط القتاد الّا أن يشاء الله وطائفة من الذين تيسّرت لهم رؤية القصور في الاعمال على وجه الكمال يظنّون أنّ كاتب اليمين معطّل وانّه لا حسن له يكتب وكاتب الشّمال في الشّغل دائما وانّ فعله كلّه قبيح وسيّئ فإذا انتهت معاملة العارف إلى هذا الحدّ عومل معه ما عومل [ع] بلغ اليراع إلى هنا فتكسر * والسّلام على من اتّبع الهدى (٢).

(٥٤) المكتوب الرّابع والخمسون إلى السّيّد شاه محمّد في بيان أنّ لمتابعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مراتب ودرجات وهي سبع درجات وبيان تفصيل كلّ درجة وما يناسب ذلك

__________

(١) إبراهيم: ٧

(٢) طه: ٤٧

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى (اعلم) أنّ لمتابعة النّبيّ - عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام - الّتي هي رأس كلّ سعادة دينيّة ودنيويّة درجات ومراتب (الدرجة الاولى) لعوامّ أهل الإسلام من إتيان الاحكام الشّرعيّة ومتابعة السّنّة السّنيّة بعد تصديق القلب وقبل اطمئنان النّفس الذي هو مربوط بدرجة الولاية وعلماء الظّاهر والعبّاد والزّهّاد والذين لم تبلغ معاملتهم مرتبة اطمئنان النّفس كلّهم شركاء في هذه الدرجة من المتابعة وكلّهم متساوية الاقدام في صورة الاتّباع وحيث أنّ النّفس لم تتخلّص في هذا المقام من كفره وإنكاره لا جرم تكون هذه الدرجة مخصوصة بصورة المتابعة وصورة المتابعة هذه كحقيقة المتابعة موجبة للفلاح ونجاة الآخرة ومنجية من عذاب النّار ومبشّرة بدخول الجنّة ومن كمال كرمه سبحانه لم يعتبر إنكار النّفس بل اكتفى بتصديق القلب وجعل النّجاة مربوطة بذلك التّصديق.

(شعر)

ولعلّ يقبل أدمعى من كان يخلق ... لؤلؤا من قطرة الامطار

(والدرجة الثانية) من المتابعة اتّباع أقواله واعماله عليه الصّلاة والسّلام الّتي تتعلّق بالباطن من تهذيب الاخلاق ورفع رذائل الصّفات وازالة الامراض الباطنيّة والعلل المعنويّة ممّا يتعلّق بمقام الطّريقة وهذه الدرجة من الإتّباع مخصوصة بأرباب السّلوك الذين يقطعون بوادى السّير إلى الله ومفازه آخذين طريقة الصّوفيّة من شيخ مقتدى (والدرجة الثالثة) من المتابعة اتّباع أحواله وأذواقه ومواجيده عليه الصّلاة والسّلام الّتي تتعلّق بمقام الولاية الخاصّة وهذه الدرجة مخصوصة بأرباب الولاية سواء كان مجذوبا سالكا أو سالكا مجذوبا فإذا انتهت مرتبة الولاية إلى آخرها فقد صارت النّفس مطمئنّة وامتنعت من المعاندة والطّغيان وانتقلت من الإنكار إلى الإقرار ومن الكفر إلى الإسلام فكلّ ما تجتهد بعد ذلك في المتابعة تكون حقيقة المتابعة فإن أدّى الصّلاة فقد ادّى حقيقة المتابعة يعني في أداء الصّلاة وفي الصّوم والزّكاة أيضا هذا الحكم وعلى هذا القياس حقيقة المتابعة كائنة في إتيان جميع الاحكام الشّرعيّة (فإن قيل) ما معنى حقيقة الصّلاة والصّوم والصّلاة والصّوم كلّ منهما عبارة عن أفعال مخصوصة فإن أدّيت تلك الافعال على وجه أمر به فقد أدّيت الحقيقة فما تكون الصّورة وما تكون الحقيقة وراءها (أجيب) لمّا كان للمبتدى النّفس الامّارة الّتي هي منكرة للأحكام السّماويّة بالذّات كان إتيان الاحكام الشّرعيّة منه باعتبار الصّورة ولمّا صارت نفس المنتهي مطمئنّة وقبلت الاحكام الشّرعيّة بالرّضا والرّغبة كان إتيان الاحكام منه باعتبار الحقيقة مثلا المنافق والمسلم كلاهما يؤدّيان الصّلاة وحيث كان في المنافق إنكار الباطن لا يصدر عنه الّا أداء صورة الصّلاة والمسلم بواسطة انقياده الباطنىّ متحلّى بحقيقة الصّلاة؛ فالصّورة والحقيقة باعتبار إنكار الباطن وإقراره (والدرجة الرّابعة) درجة من المتابعة: وكانت في الدرجة الاولى صورة هذه المتابعة وهنا حقيقة الإتّباع وهذه الدرجة الرّابعة من الإتّباع مخصوصة بالعلماء

الرّاسخين شكر الله تعالى سعيهم فإنّهم يتحقّقون بدولة المتابعة بعد اطمئنان النّفس وإن حصل نحو من اطمئنان النّفس للأولياء قدّس الله تعالى أسرارهم بعد تمكين القلب ولكنّ كمال الإطمئنان يحصل للنّفس في تحصيل كمالات النّبوّة الّتي للعلماء منها نصيب بطريق الوراثة فيكون العلماء الرّاسخون متحقّقين بحقيقة الشّريعة الّتي هي حقيقة الإتّباع بواسطة كمال اطمئنان النّفس وحيث فقد هذا الكمال في غيرهم يتلبّسون أحيانا بصورة الشّريعة وآونة يتحقّقون بحقيقة الشّريعة (ولنبيّن) علامة للعلماء الرّاسخين لئلّا يدّعى كلّ عالم بالظّاهر دعوى الرّسوخ ولا يزعم أمّارته مطمئنّة. العالم الرّاسخ هو شخص له نصيب من تأويل متشابهات الكتاب والسّنّة وحظّ من أسرار مقطّعات الحروف الّتي في أوائل السّور القرآنيّة وتأويل المتشابهات من جملة الأسرار الغامضة ولا تتخيّل أنّه مثل تأويل اليد بالقدرة والوجه بالذّات فإنّه ناش من علم الظّاهر لا مساس له بالأسرار وأصحاب هذه الأسرار هم الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام وهذه الرّموزات إشارات إلى معاملاتهم ويشرّف بهذه الدولة العظيمة بتبعيّة هؤلاء الاكابر ووراثتهم كلّ من أريد له ذلك وحصول هذه الدرجة من المتابعة الّتى هى منوطة باطمأنان النّفس ووصول إلى حقيقة متابعة صاحب الشّريعة عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام يتيسّر أحيانا بدون توسّط الفناء والبقاء وبلا توسّل السّلوك والجذبة ويمكن أن لا يكون في البين شيء من الأحوال والمواجيد والتّجلّيات والظّهورات وتكون تلك الدولة نقد الوقت ولكنّ الوصول إلى هذه الدولة من طريق الولاية أقرب من الوصول إليها من طريق آخر وهذا الطّريق الآخر بزعم الفقير هو التزام متابعة السّنّة السّنيّة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة والإجتناب عن اسم البدعة ورسمها ومن لم يحترز عن البدعة الحسنة احترازه عن البدعة السّيّئة لا تصل إلى مشامّ روحه رائحة من هذه الدولة وهذا المعنى متعسّر في هذا اليوم فإنّ العالم مستغرق اليوم في لجّة بحر البدعة ومطمئنّ بظلماتها لمن المجال في التّكلّم في رفع البدعة وإحياء السّنّة أكثر علماء هذا الوقت يروّجون البدعة ويمحون السّنّة ويفتون بجواز بدعات واسعة بل باستحسانها بعلّة تعامل الخلق ويدلّون النّاس عليها ليت شعري ماذا يقولون لو شاعت الضّلالة وصار الباطل متعارفا تكون تعاملا أما يعلمون أنّ كلّ التّعامل ليس هو دليل الإستحسان والتّعامل المعتبر إنّما هو ما جاء من الصّدر الاوّل وحصل بإجماع جميع النّاس كما ذكر في الفتاوى الغياثيّة قال شيخ الإسلام الشّهيد رحمه الله سبحانه لا نأخذ باستحسان مشايخ بلخ وإنّما نأخذ بقول أصحابنا المتقدّمين رحمهم الله سبحانه لانّ التّعامل في بلدة لا يدلّ على الجواز وإنّما يدلّ على الجواز ما يكون على الإستمرار من الصّدر الاوّل ليكون دليلا على تقرير النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام إيّاهم على ذلك فيكون شرعا له عليه الصّلاة والسّلام وأمّا إذا لم يكن كذلك لا يكون فعلهم حجّة إلّا إذا كان ذلك من النّاس كافّة في البلدان كلّها ليكون إجماعا والإجماع حجّة ألا ترى أنّهم لو تعاملوا على بيع الخمر وعلى الرّبا لا يفتى بالحلّ ولا شكّ أنّ العلم بتعامل كافّة الأنام والوقوف على عمل جميع القرى والبلدان خارج عن حيطة قوّة البشر بقي تعامل الصّدر الاوّل الذي هو في الحقيقة

تقريره صلّى الله عليه وسلّم وراجع إلى سنّته فأين البدعة وأين حسنها وكانت صحبة خير البشر عليه الصّلاة والسّلام كافية في حصول جميع الكمالات للأصحاب الكرام عليهم الرّضوان وكلّ من تشرّف من علماء السّلف بدولة الرّسوخ بدون اختيار طريق الصّوفيّة وبلا قطع مسافة بالسّلوك والجذبة كان ذلك بواسطة التزام متابعة السّنّة السّنيّة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة والاجتناب عن بدعة غير مرضيّة اللهمّ ثبّتنا على متابعة السّنّة وجنّبنا عن ارتكاب البدعة بحرمة صاحب السّنّة عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام (الدرجة الخامسة) من المتابعة اتّباع كمالاته عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام ولا مدخل للعلم والعمل في حصول تلك الكمالات بل حصولها مربوطة بمحض فضل الحقّ وإحسانه جلّ سلطانه وهذه الدرجة عالية جدّا لا مساس للدّرجات السّابقة بها وهذه الكمالات مخصوصة بالأنبياء اولى العزم بالأصالة ويشرّف بها بالتّبعيّة والوراثة كلّ من أريد له ذلك (والدرجة السّادسة) من المتابعة اتّباعه عليه الصّلاة والسّلام في كمال مخصوص بمقام محبوبيّته عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام وكما أنّ إفاضة الكمالات في الدرجة الخامسة كانت بمجرّد الفضل والإحسان كذلك في الدرجة السّادسة إفاضة كمالاتها بمجرّد المحبّة الّتي فوق التّفضّل والإحسان ومن هذه الدرجة أيضا نصيب اقلّ قليل وهذه الدرجات الخمس من درجات المتابعة غير الدرجة الاولى وكلّها تتعلّق بمقامات العروج وحصولها مربوط بالصّعود (والدرجة السّابعة) متابعة تتعلّق بالنّزول والهبوط وهذه الدرجة جامعة لجميع الدرجات السّابقة فإنّ في هذا الموطن يعني: “ موطن النّزول ” تصديق القلب وتمكينه واطمئنان النّفس واعتدال أجزاء القالب لامتناعها وانتهائها عن الطّغيان والعناد وكأنّ الدرجات السّابقة كانت أجزاء هذه المتابعة وهذه الدرجة كالكلّ لتلك الاجزاء ويحصل للتّابع في هذا المقام شباهة بالمتبوع على نهج كأنّه قد ارتفع اسم التّبعيّة من البين وزال امتياز التّابع والمتبوع ويتوهّم أنّ التّابع كلّما يأخذ يأخذه من الاصل كالمتبوع وكأنّ كليهما يشربان من عين واحدة وكليهما في عناق واحد ومخدّة واحدة وكأنّهما لبن وسكّر أين التّابع من المتبوع ولمن التّبعيّة فإنّه لا مجال للتّغاير في اتّحاد النّسبة والعجب أنّه كلّما يطالع في هذا المقام بإمعان النّظر لا تكون نسبة التّبعيّة ملحوظة ومنظورة أصلا ولا يكون امتياز التّابعيّة والمتبوعيّة مشهودا قطعا والذي يدرك ويدرى أنّ التّابع يعرف نفسه طفيليّا ووارث نبيّه عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام وكان التّابع غير الطّفيلىّ والوارث وإن كان الكلّ في سلك التّبعيّة والظّاهر أنّ حيلولة المتبوع لازمة في التّابع وأمّا في الطّفيليّ والوارث فليس بلازمة أصلا التّابع آكل حصّته والطّفيلىّ جليس ضمنىّ وبالجملة انّ كلّ دولة جاءت في عرصة الوجود فإنّما هي للأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام ومن سعادة الامم احتظاظهم من تلك الدولة بتطفّل الانبياء عليهم الصّلوات والتّسليمات وتناولهم من حصّتهم.

(شعر)

علمت بأنّى لست الحقّ ركبه ... فيكفى سماعى من وراء نداه



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!