موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(9) المكتوب التاسع فى بيان الأحوال المناسبة لمقام النزول كتبه أيضا إلى شيخه المكرم

 

 


حجابا له (ع) فلا طبيب لها ولا راق * وكأنّهم سمّوا كمال الوحشة وعدم المناسبة وصلا واتّصالا هيهات هيهات! وهذا البيت موافق للحال.

(شعر)

إيّاك يا صاح ودعوى وصاله ... أين الحضيض من السّماك الأعزل

أين الشّهود، ومن الشّاهد وما المشهود، (ع) * ومتى يرى للخلق نور جماله *

ما للتّراب وربّ الأرباب وإنّما للعبد أن يعلم نفسه مخلوقا غير قادر، وكذلك له أن يعتقد جميع العالم كذلك، وأن يذعن أنّ الخالق والقادر هو الحقّ عزّ وجلّ لا يثبت نسبة غير هذا أصلا. فأين العينيّة والمرآتيّة؟ (ع) وبأىّ مرآة غدا متصوّرا؟

وعلماء الظّاهر من أهل السّنّة والجماعة وإن كانوا مقصّرين في بعض الأعمال، ولكن يظهر في النّظر أنّ لجمال صحّة عقائدهم من النّورانيّة ما يضمحلّ فيه تقصيراتهم وتتلاشى. ولا يوجد ذلك في بعض المتصوّفة لعدم كمال صحّة عقيدتهم في الذّات والصّفات، مع وجود الرّياضات والمجاهدات. وقد حصلت لي محبّة كثيرة في حقّ العلماء وطلبة العلوم وتستحسن لي سيرتهم، وأتمنّى أن أكون في زمرتهم، ونتذاكر مع طلبة العلوم “ التّوضيح والتّلويح ” من المقدّمات الأربع ونباحث معهم ونقرأ “ الهداية ” أيضا من الفقه.

وأشارك العلماء أيضا في القول بالإحاطة والمعيّة العلميّتين.

وكذلك أعلم أنّ الحقّ سبحانه ليس عين العالم ولا متصّلا به ولا منفصلا عنه، ولا مع العالم ولا مفارقا عنه ولا محيطا به ولا ساريا فيه، وأعلم أنّ الذّوات والصّفات كلّها مخلوقة له تعالى، لا أنّ صفات المخلوقات صفات له تعالى وأفعالها أفعاله سبحانه، بل أعلم أنّ المؤثّر في الأفعال إنّما هو قدرته تعالى لا تأثير لقدرة المخلوق كما هو مذهب علماء المتكلّمين. وكذلك أعلم أنّ الصّفات السّبع موجودة، وأعلم أنّ الحقّ سبحانه مريد، وأتصوّر القدرة بمعنى صحّة الفعل والتّرك بيقين، لا بمعنى إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، ولا أقول إنّ الشّرطيّة الثّانية ممتنعة الوقوع كما قال به الحكماء، يعني الفلاسفة السّفهاء وبعض الصّوفيّة؛ فإنّ هذا ينجرّ إلى القول بالإيجاب ويوافق أصول الحكماء وأعتقد مسألة القضاء والقدر على طور العلماء فإنّ للمالك أن يتصرّف في ملكه كيف يشاء، ولا أرى للقابليّة والإستعداد دخلا أصلا؛ فإنّه ينجرّ إلى الإيجاب، وهو سبحانه مختار فعّال لما يريد، وعلى هذا القياس. ولمّا كان عرض الأحوال من جملة الضّروريّات اجترأنا بعرضها بالضّرورة (ع) على المرء أن لا يجهل الدّهر طوره *

(٩) المكتوب التّاسع في بيان الأحوال المناسبة لمقام النّزول كتبه أيضا إلى شيخه المكرّم

عريضة المدبّر الأسود الوجه المقصّر سيّئ الخلق مغرور الوقت والحال الكامل الإجتهاد في مخالفة المولى * العامل بترك العزيمة والأولى * مزيّن موقع نظر الخلق * ومخرّب محلّ نظر الحقّ * تعالى وتقدّس مقصور الهمّة في تزيين الظّاهر * منحرف الباطن من هذه الجهة نحو الأغيار قاله مناف لحاله * وحاله مبنيّ على خياله * فماذا يحصل من هذا المنام والخيال * وماذا ينكشف من هذا القال والحال * نقد الوقت الادبار والخسارة * والبضاعة الغباوة والضّلالة * ونفسه مبدأ الشّرّ والفساد * ومنشأ الظّلم ومعصية ربّ العباد * وبالجملة أنّه ذنوب مجسّمة * وعيوب مجتمعة * خيراته لائقة باللّعن والرّدّ * وحسناته مستحقة للطّعن والطّرد * “ ربّ قارئ القرآن والقرآن يلعنه» (١) شاهد عدل في حقّه ” وكم (٢) من صائم ليس له من صيامه إلّا الظّمأ والجوع» (٣) شاهد صدق في شأنه * فويل لمن كان هذا حاله ومنزلته وكماله ودرجته * استغفاره ذنب كسائر الذّنوب بل أشدّ * وتوبته معصية كسائر المعاصي بل أقبح * كلّ ما يفعله القبيح قبيح، مصداق هذا القول (ع) من يزرع الشّوك لم يحصد به عنبا *

مرضه ذاتيّ لا يقبل العلاج وداؤه أصليّ لا ينفعه الدّواء كفاسد المزاج ما بالذّات لا ينفكّ عن الذّات،

(شعر):

أنّى يزول من الحبوش سوادها ... إنّ السّواد بأصله هو لونها

ماذا نصنع: وما ظَلَمَهُمُ الله ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤) نعم الخير المحض يستدعي شريرا محضا; لتظهر حقيقة الخيريّة, الاشياء إنّما تتبيّن بضدّها فالخير والكمال إذا كانا مهيّأين يلزمهما الشّرّ والنّقص فإنّ الحسن والجمال لا بدّ لهما من المرآة والمرآة لا تكون إلّا في مقابلة شيء فلا جرم

__________

(١) لا أصل له: ذكره الغزالى في الإحياء من قول أنس بن مالك رضي الله عنه وسكت عنه مخرجوا أحاديثه قاطبة.

(٢) اخرجه ابن ماجة والنسائى بلفظ رب صائم ليس له من صيامه الا الجوع وفى بعض طرقه الا العطش وذكر ابن حجر عن النسائى وابن ماجة بلفظ كم من صائم ليس له من صومه الا الجوع والعطش وفى روياة الدارمى كم من صائم ليس له من صيامه الا الظماء (قزانى رحمة الله عليه)

(٣) أخرجه ابن ماجه في كتاب الصيام، باب: ما جاء في الغيبة والرفث للصائم، والنسائي، والدارمي: كتاب الرقاق باب: المحافظة على الصوم، بلفظ: «ربّ صائم ليس له من صيامه إلّا الجوع»، وفي بعض طرقه إلا العطش وذكره ابن حجر عن النسائى وابن ماجه بلفظ: «كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش “ وفي رواية الدارمى: «كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ»، وعند أحمد في باقي مسند المكثرين وعند الطبراني والبيهقي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه بلفظ: «ربّ صائم حظّه من صيامه الجوع والعطش وربّ قائم حظّه من قيامه السّهر ” وصححه السيوطي في الجامع الصغير حديث رقم: ٤٤٠٤، وانظر كذلك كشف الخفا مزيل الألباس للعجلوني: (ح ١٣٦٥)، تخريج أحاديث الإحياء للحافظ العراقي كتاب أسرار الصيام حديث: ٣، وكتر العمال للمتقي الهندي: (ح ٧٤٩٠)، وأخرجه، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ليس له من صيامه إلا الجوع " أي: ليس لصومه قبول عند الله؛ فلا ثواب له، قال الغزالي: قيل: هو الذي يفطر على حرام، أو من يفطر على لحوم الناس بالغيبة، أو من لا يحفظ جوارحه عن الآثام، وانظر: فيض القدير للمناوي الموضع السابق.

(٤) الآية: ٣٣ من سورة النحل.

كان الشّرّ مرآة للخير والنّقص مرآة للكمال. فما زاد فيه النّقص والشّرّ يكون الكمال فيه أزيد والخير أوفر والعجب أنّ هذا الذّمّ كشف عن وجه معنى المدح وصار الشّرّ والنّقصان محلّا للخير والكمال. فلا جرم يكون مقام العبديّة فوق جميع المقامات فإنّ هذا المعنى أتمّ وأكمل في مقام العبديّة وإنّما يتشرّف بهذا المقام المحبوبون وتلذّذ المحبّين إنّما هو بذوق الشّهود والإلتذاذ بالعبديّة والانس بها مختصّان بالمحبوبين. أنس المحبّين في مشاهدة المحبوب وأنس المحبوبين في عبوديّة المحبوب. فهم يتشرّفون في هذا الانس بتلك الدّولة والنّعمة. وفارس هذا الميدان على الإطلاق هو سند الدّنيا والدّين وسيّد الأوّلين والآخرين وحبيب ربّ العالمين عليه من الصّلوات أتمّها ومن التّحيّات أكملها. فإن أريد إيصال شخص إلى هذه الدّولة بمحض الفضل يجعل أوّلا متحقّقا بكمال متابعته عليه الصّلاة والسّلام، ثمّ يرفع بتلك المتابعة إلى ذروة العلا ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (١).

والمراد من الشّرّ والنّقص العلم الذّوقيّ بهما لا الإتّصاف بهما، وصاحب هذا العلم متخلّق بأخلاق الله تعالى شأنه وتقدّس وهذا العلم من جملة ثمرات ذلك التّخلّق. فكيف يكون للشّرّ والنّقص مجال في ذلك الموطن سوى تعلّق العلم بهما. وهذا العلم إنّما هو بواسطة الشّهود التّامّ للخير المحض الّذي يرى الكلّ في جنبه شرّا. وهذا الشّهود بعد نزول النّفس المطمئنّة إلى مقامها ولذلك ما دام العبد لم يسقط حظّ نفسه ولم يضرب به الأرض ولم يبلغ أمره هذه المرتبة لا نصيب له من كمال مولاه جلّ شأنه فكيف إذا اعتقد نفسه أنّه عين مولاه وصفاته صفاته تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا وهذا الإعتقاد إلحاد في الأسماء والصّفات وأربابه داخلون في زمرة مصداق قوله تعالى وذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ (٢) وليس كلّ من تقدّمت جذبته على سلوكه من المحبوبين ولكنّ تقدّم الجذبة شرط في المحبوبيّة نعم في كلّ جذبة نوع من معنى المحبوبيّة. فإنّ الجذب لا يكون بدونه وذلك المعنى حصل فيهم بسبب عارض من العوارض لا ذاتيّ، والذّاتيّ غير معلّل بشيء من الأشياء ألا ترى أنّ كلّ منته تتيسّر له الجذبة أخيرا مع كونه داخلا في زمرة المحبّين ظهر فيه معنى المحبوبيّة بواسطة عارض وهو لا يكفي فيه يعني «حصول هذا المعنى لا يكفي في كون السّالك محبوبا»، وذلك العارض هو التّزكية والتّصفية، ويكون الباعث على حصول هذا المعنى لبعض المبتدئين في الجملة اتّباع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولو في الجملة بل الباعث عليه في المنتهى أيضا هو الاتّباع فقط، وظهور ذلك المعنى الذّاتيّ والفضليّ في المحبوبين أيضا منوط باتّباعه صلّى الله عليه وسلّم بل أقول: إنّ ذلك المعنى الذّاتيّ بواسطة المناسبة الذّاتيّة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والاسم الّذي هو ربّه واقع مناسبا للاسم الّذي هو ربّه صلّى الله عليه وسلّم في حقّ تلك الخصوصيّة

__________

(١) الآية: ٢١ من سورة الحديد، والآية: ٤ من سورة الجمعة.

(٢) الآية: ١٨٠ من سورة الأعراف.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!