موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(92) المكتوب الثاني والتسعون إلى المير محمد نعمان في بيان أن الولاية عبارة عن قرب إلهي جل سلطانه وليست الخوارق والكرامات من شرطها وبيان حكم سجدة التحية للسلاطين وما يناسب ذلك

 

 


سلطانه عن نظره بالتّمام ولا يبقي ملحوظه ومشهوده شيئا غير الذّات وإن كانت الصّفات موجودة ولكنّها لا تكون مشهودة له فيظهر في هذا الحال سرّ (أو ادنى) ولا يبقى أثر من القوسين. فإذا وقع الهبوط من هذا المقام الاعلى يقع وضع القدم الاوّل في عالم الخلق بل يجلس في عنصر التّراب وهذا العنصر الطّاهر مع وجود بعده عن عالم القدس وكونه مهجورا عنه أقرب إلى عالم القدس من الكلّ وإذا نظرنا إلى النّزول والهبوط نجد دولة القرب نصيب عالم الخلق بل نصيب عنصر التّراب. نعم إذا لاحظنا النّقطة الاولى من الدائرة في جانب العروج نجد أقرب النّقط إلى ذلك الجانب النّقطة الثانية من تلك الدائرة. وإذا لاحظنا في جانب الهبوط نجد أقرب النّقط إلى النّقطة الاولى النّقطة الاخيرة مقبلة ومتوجّهة إلى النّقطة الاولى وشتّان ما بين المقبل والمعرض والنّقطة الثانية لها ميل إلى ظهورات النّقطة الاولى والنّقطة الاخيرة مخلّفة للظّهورات وراء ظهرها ومريدة للّذّات الظّاهرة فأين هو من ذاك. رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدًا (١) وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اِتَّبَعَ الْهُدى (٢).

(٩٢) المكتوب الثاني والتّسعون إلى المير محمّد نعمان في بيان أنّ الولاية عبارة عن قرب إلهيّ جلّ سلطانه وليست الخوارق والكرامات من شرطها وبيان حكم سجدة التّحيّة للسّلاطين وما يناسب ذلك

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ليطب وقت الاخ الاعزّ السّيّد مير محمّد نعمان وليعلم أنّ ظهور الخوارق والكرامات ليس من شرط الولاية. وكما أنّ العلماء ليسوا مكلّفين بحصول الخوارق الأولياء أيضا ليسوا مكلّفين بظهور الخوارق فإنّ الولاية عبارة عن قرب إلهيّ جلّ سلطانه يكرم به أولياءه بعد نسيان السّوى شخص يعطى هذا القرب ولا يعطى الإطّلاع على أحوال المغيّبات والمحدثات.

وشخص ثان يعطى هذا القرب ويعطى الإطّلاع أيضا على المغيّبات والمحدثات. وشخص ثالث لا يعطى من القرب شيئا ويعطى الإطّلاع على المغيّبات. وهذا الشّخص الثالث من أهل الإستدراج. وجعله صفاء النّفس مبتلى بكشف المغيّبات وألقاه في الضّلالة وآية ويَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ الْكاذِبُونَ اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ الله أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) علامة حالهم. والشّخص الاوّل والشّخص الثاني اللّذان مشرّفان بدولة القرب من أولياء الله تعالى لا يزيد كشف المغيّبات شيئا في ولايتهم ولا ينقّص عدم الكشف شيئا من ولايتهم. والتّفاوت بينهم

__________

(١) الكهف: ١٠

(٢) طه: ٤٧

إنّما هو باعتبار درجات القرب وكثيرا ما يكون صاحب عدم كشف الصّور الغيبيّة أفضل من صاحب كشف تلك الصّور وأسبق منه قدما بواسطة مزيّة القرب الحاصل له. صرّح بهذا المعنى صاحب العوارف الذي هو شيخ الشّيوخ ومقبول جميع الطّوائف في كتابه العوارف فمن لم يصدّق هذا الكلام منّي فليراجع ذلك الكتاب فإنّه ذكر فيه بعد ذكر الكرامات والخوارق: وكلّ هذه مواهب الله تعالى وقد يكاشف بها قوم ويعطى وقد يكون فوق هؤلاء من لا يكون له شيء من هذا لانّ هذه كلّها تقوية اليقين ومن منح صرف اليقين لا حاجة له إلى شيء من هذا فكلّ هذه الكرامات دون ما ذكرناه من تجوهر الذّكر في القلب ووجود ذكر الذّات انتهى. قال إمام هذه الطّائفة الخواجه عبد الله الأنصاريّ الملقّب بشيخ الإسلام في كتابه منازل السّائرين: إنّ الفراسة على نوعين فراسة أهل المعرفة وفراسة أهل الجوع والرّياضة ففراسة أهل المعرفة في تمييزهم من يصلح لحضرة الله جلّ وعلا ممّن لا يصلح. ومعرفتهم أهل الإستعداد الذين اشتغلوا بذكر الله سبحانه ووصلوا إلى حضرة الجمع وفراسة أهل الرّياضة وأرباب الجوع مخصوصة بكشف الصّور والإخبار عن المغيّبات المختصّة بالمخلوقات ولمّا كان العالم أكثرهم أهل انقطاع عن الله سبحانه واشتغالا بالدّنيا مالت قلوبهم إلى أهل كشف الصّور والإخبار عمّا غاب من أحوال المخلوقات فعظّموهم واعتقدوا أنّهم من أهل الله وخاصّته وأعرضوا عن كشف أهل الحقيقة واتّهموهم فيما يخبرون عن الله سبحانه وقالوا: لو كان هؤلاء أهل الله كما يزعمون لاخبرونا عن أحوالنا الغيبيّة وأحوال سائر المخلوقات وإذا كانوا لا يقدرون على كشف أحوال المخلوقات فكيف يقدرون على كشف أمور اعلى من هذه وكذّبوهم في فراستهم المتعلّقة بذات الواجب وصفاته جلّ وعلا بهذا القياس الفاسد وعميت عليهم الانباء الصّحيحة ولم يعلموا أنّ الله قد حمى هؤلاء عن ملاحظة الخلق وخصّهم بجناب قدسه وشغلهم عمّا سواه حماية لهم وغيرة عليهم ولو كانوا ممّن يتعرّضون لأحوال الخلق ما صلحوا للحقّ سبحانه انتهى كلامه. وقال كلمات أخر أيضا أمثال ذلك وأنا سمعت حضرة شيخي - قدّس سرّه - يقول كتب الشّيخ محيي الدين بن العربيّ أنّ بعض الأولياء الكرام الذي ظهرت منه كرامات وخوارق كثيرة ندم في آخر النّفس من ظهور تلك الكرامات وقال تمنّيا: يا ليت هذه الكرامات لم تظهر منّي فلو كان التّفاضل باعتبار كثرة ظهور الخوارق لا يكون للنّدامة على ذلك الطّور معنى. (فإن قيل) إذا لم يكن ظهور الخوارق شرطا في الولاية كيف يتميّز الوليّ من غير الوليّ وكيف يتبيّن المحقّ من المبطل؟ (أجيب) لا يلزم التّمييز بل يكون المحقّ ممتزجا بالمبطل فإنّ اختلاط الحقّ بالباطل لازم لهذه النّشأة الدنيويّة والعلم بولاية وليّ ليس بلازم أصلا. وكثير من أولياء الله تعالى لا اطّلاع لهم على ولايتهم فكيف يكون الإطّلاع على ولايتهم لازما لغيرهم وفي النّبيّ لا بدّ من الخوارق ليتميّز النّبيّ من غير النّبيّ فإنّ العلم بنبوّة نبيّ واجب والوليّ لمّا كان داعيا إلى شريعة نبيّه كفاه معجزة نبيّه فلو كان الوليّ يدعو إلى ما وراء الشّريعة لما كان له بدّ من خارق. وحيث كانت دعوته مخصوصة بشريعة نبيّ لا يلزم الخارق أصلا.

العلماء يدعون إلى ظاهر الشّريعة والأولياء يدعون إلى ظاهر الشّريعة وباطن الشّريعة يدلّون المريدين والطّالبين أوّلا على التّوبة والإنابة ويرغّبونهم في إتيان الاحكام الشّرعيّة ويهدونهم ثانيا إلى طريق ذكر الحقّ جلّ وعلا ويؤكّدون في استغراق جميع أوقاتهم بالذّكر الإلهيّ جلّ سلطانه إلى أن يستولى الذّكر ولا يبقى في القلب غير المذكور أصلا ليحصل النّسيان عن جميع ما سوى المذكور حتّى لو كلّف بتذكّر الاشياء لا يكاد يتذكّر ومن اليقين أنّه لا حاجة للوليّ لاجل هذه الدعوة الّتي تتعلّق بظاهر الشّريعة وباطنها إلى الخوارق أصلا. والشّيخوخة والمريديّة عبارتان عن هذه الدعوة الّتي لا تعلّق لها بالخوارق ولا مساس لها بالكرامة مع أنّا نقول: إنّ المريد الرّشيد والطّالب المستعدّ يحسّ في كلّ ساعة في أثناء سلوك الطّريق خوارق شيخه وكراماته ويستمدّ منه في المعاملة الغيبيّة في كلّ زمان ويجد منه فيها مددا. وظهور الخوارق بالنّسبة إلى الاغيار ليس بلازم. وأمّا بالنّسبة إلى المريدين فكرامات في كرامات وخوارق في خوارق وكيف لا يحسّ المريد خوارق الشّيخ فإنّ أحيا القلب الميّت وأوصل إلى المكاشفة والمشاهدة فإذا كان عند العوامّ الإحياء الجسديّ عظيم الشّأن فعند الخواصّ الإحياء القلبيّ والرّوحيّ برهان رفيع البنيان. كتب الخواجه محمّد پارسا - قدّس سرّه - في الرّسالة القدسيّة: ولمّا كان الإحياء الجسديّ معتبرا عند أكثر النّاس أعرض عنه أهل الله واشتغلوا بالإحياء الرّوحيّ وتوجّهوا إلى إحياء القلب الميّت. والحقّ أنّ الإحياء الجسديّ بالنّسبة إلى الإحياء القلبيّ والرّوحيّ كالمطروح في الطّريق وداخل في العبث بالنّظر إليه فإنّ هذا الإحياء سبب حياة أيّام معدودة وذاك الإحياء وسيلة للحياة الدائميّة. بل نقول إنّ وجود أهل الله في الحقيقة كرامة من الكرامات ودعوتهم الخلق إلى الحقّ جلّ سلطانه رحمة من رحمات الله تعالى وإحياؤهم القلوب الميّتة آية من الآيات العظمى. وهم أمان أهل الارض وغنائم الايّام بهم يمطرون وبهم يرزقون وارد في شأنهم: كلامهم دواء ونظرهم شفاء هم جلساء الله وهم قوم لا يشقى جليسهم ولا يخيب أنيسهم والعلامة الّتي يتميّز بها محقّ هذه الطّائفة من مبطلهم هي أنّه إذا كان شخص له استقامة على الشّريعة ويحصل للقلب في مجلسه ميل وتوجّه إلى الحقّ سبحانه وتعالى ويفهم حصول برودة عمّا سواه تعالى فذلك الشّخص شخص محقّ ولا يعدّ من الأولياء على تفاوت الدرجات مستحقّ.

و هذا أيضا بالنّظر إلى أرباب المناسبة والذي لا مناسبة له فهو محض محروم مطلق.

(شعر) من لم يكن في نفسه ميل الهدى ... فشهوده وجه النّبيّ لا ينفعه

وقد اندرجت في المكتوب الشّريف شمّة من طلب سلطان الوقت لله تعالى من حسن النّشأة ووقع رمز إلى العدالة والتزام الأحكام الشّريعة فأورثت مطالعة ذلك فرحا وافرا وذوقا كما أنّ الحقّ سبحانه نوّر العالم بنور عدل سلطان الوقت وعدالته نصر الشّريعة المحمّديّة وأعزّ الملّة المصطفويّة أيضا بحسن اهتمامه (أيّها المحبّ) بحكم “ الشّريعة تحت السّيف ” رواج الشّريعة الغرّاء مربوط بحسن اهتمام السّلاطين العظام. وهذا المعنى قد طرأ عليه الضّعف من منذ أوقات فصار الإسلام ضعيفا بالضّرورة وطفق

كفّار الهند يهدمون المساجد بلا تحاش ويعمّرون في مواضعها معابدهم كان في تانيسر في داخل حوض كركيهت مسجد وقبر واحد من الاعزّة فهدموه وبنوا موضعه ديرا كبيرا وأيضا الكفّار يجرون مراسم الكفر على الملأ كما شاءوا والمسلمون عاجزون عن إجراء أحكام الإسلام ويوم الكادس للهنود الذين يتركون فيه الاكل والشّرب يهتمّون في أن لا يطبخ ولا يبيع أحد من المسلمين خبزا في أسواق بلاد المسلمين وفي شهر رمضان المبارك يطبخون الخبز والطّعام في الملأ ويبيعون ولا يقدر أحد من ضعف الإسلام على منعه. يا أسفا على ذلك مائة ألف أسف. سلطان الوقت منّا ونحن الفقراء بهذا الضّعف والوهن وقد قوي الإسلام بإكرام أصحاب الدولة وإعزازهم إيّاه وكان العلماء والصّوفيّة معزّزين ومحترمين وكانوا يجتهدون في ترويج الشّريعة بتقوية هؤلاء وسمعت أنّ الامير تيمور عليه الرّحمة كان يوما يمرّ من بعض أزقّة بخارا وكان دراويش خانقاه الخواجه النّقشبند ينفضون فرش خانقاه الخواجه اتّفاقا فتوقّف الامير في ذلك المحلّ من حسن نشأته الإسلاميّة حتّى جعل غبار الخانقاه عنبرا لنفسه وصندلا يتشرّف ببركات فيوض الدراويش ولعلّه بهذا التّواضع والانكسار تشرّف بحسن الخاتمة. نقل أنّ حضرة الخواجه النّقشبند - قدّس سرّه - قال بعد وفاة الأمير تيمور: «أمير مردو إيمان يرد " يعني: مات الامير واستصحب إيمانه هل تعلم ما وجه نزول الخطباء إلى درجة سفليّة عند ذكر أسامي السّلاطين في خطبة الجمع هو تواضع السّلاطين العظام بالنّسبة إلى نبيّنا وخلفائه الرّاشدين عليه وعليهم الصّلاة والسّلام ولم يجوّزوا أن تذكر أساميهم مع أسامي أكابر الدين في درجة واحدة شكر الله تعالى سعيهم. (تذييل) أيّها الاخ إنّ السّجدة الّتي هي عبارة عن وضع الجبين على الارض متضمّنة لنهاية التّذلّل والانكسار ومشتملة على كمال التّواضع والافتقار ولهذا جعلوا هذا القسم من التّواضع مخصوصا بعبادة واجب الوجود جلّ سلطانه ولم يجيزوه لغيره تعالى. نقل أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يوما يمشي على طريق فجاء أعرابيّ فطلب منه معجزة حتّى يؤمن فقال له صلّى الله عليه وسلّم: قل لهذه الشّجرة إنّ رسول الله يطلبك فتحرّكت وانقلعت عن محلّها وجاءت حتّى وقفت بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا شاهد الأعرابيّ هذا الحال أسلم وقال: ائذن لي أسجد لك يا رسول الله قال: لا تجوز السّجدة لغير الله تعالى لو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لامرت المرأة أن تسجد لزوجها» (١). وبعض الفقهاء وإن جوّزوا سجدة

__________

(١) بنحو هذا عند الحاكم في المستدرك: في «المستدرك في البر والصلة في باب حق الزوج على الزوج “ ٤/ ١٧٢. وقال صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي فقال: صالح بن حيان متروك. وعند الترمذي بلفظ ” لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». وليس فيه القصة أوله سنن الترمذي: ك: الرضاع. ب: ما جاء في حق الزوج على المرأة. ح ١١٥٥ وقال: حسن غريب. وابن ماجه في السنن: ك: النكاح. ب: حق الزوج على المرأة. ح ١٨٥٢. والطبراني في الكبير: ب: السين: سراقة بن مالك بن جعشم.

* وقال الهيثمي: رواه البزار وفيه الحكم بن طهمان أبو عزة الدباغ وهو ضعيف. (مجمع الزوائد ح ٧٦٥٢) وقال في موضع آخر: رواه الطبراني من طريق وهب بن علي عن أبيه ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات. (مجمع الزوائد: ح ٧٦٥٣)



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!