موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(96) المكتوب السادس والتسعون إلى الخواجه أبي الحسن بهاء البدخشي الكشمي في حل منع الفاروق إتيان القرطاس حين طلبه النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته ليكتب شيئا بوجوه شتى

 

 


وللقبط دما ونكالا وهذا المقام من مزلّة الاقدام قد انحرف جمّ غفير من أهل الإسلام عن الصّراط المستقيم بتقليد كلمات أكابر أرباب السّكر ووقعوا في بوادي الضّلالة والخسارة وجعلوا دينهم هباء منثورا ولم يعلموا أنّ قبول هذا الكلام مشروط بالشّرائط وهي موجودة في أرباب السّكر ومفقودة في هؤلاء. ومعظم هذه الشّرائط نسيان ما سوى الحقّ سبحانه الذي هو دهليز القبول ومصداق امتياز المحقّ من المبطل الإستقامة على الشّريعة وعدم الإستقامة عليها والذي هو محقّ لا يرتكب خلاف الشّريعة مقدار شعرة مع وجود السّكر وعدم التّمييز كان الحلّاج مع صدور قول أنا الحقّ عنه يصلّي كلّ ليلة في السّجن خمسمائة ركعة مع قيد ثقيل وكان لا يأكل الطّعام الذى مسّه يد الظّلمة ولو كان من وجه حلال والذى هو مبطل يكون اتيان الاحكام الشّرعيّة ثقيلا عليه مثل جبل قاف كبر على المشركين ما تدعوهم إليه علامة حالهم رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدًا (١) وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اِتَّبَعَ الْهُدى (٢).

(٩٦) المكتوب السّادس والتّسعون إلى الخواجه أبي الحسن بهاء البدخشيّ الكشميّ في حلّ منع الفاروق إتيان القرطاس حين طلبه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في مرض موته ليكتب شيئا (٣) بوجوه شتّى

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى (سؤال) انّ حضرة خاتم الرّسل وبالرّسالة عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام والتّحيّة طلب قرطاسا في مرض موته وقال: ائتوني بقرطاس أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعدي. ومنع الفاروق مع جمع آخر من الاصحاب رضوان الله عليهم إتيان القرطاس وقال: حسبنا كتاب الله وقال أيضا “ أهجر استفهموه ” وما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قاله بطريق الوحي كما قال الله تعالى (وما ينطق عن الهوى إن هو الّا وحي يوحى) ومنع الوحى وردّه كفر كما قال تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وأيضا إنّ تجويز الهجر والهذيان للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مستلزم لرفع الإعتماد على الاحكام الشّرعيّة وهو كفر وإلحاد وزندقة فما حلّ هذه الشّبهة القويّة.

__________

(١) الكهف: ١٠

(٢) طه: ٤٧

(٣) صحيح: البخاري: أبواب الجزية والموادعة. ب: إخراج اليهود من جزيرة العرب ح ٢٩٩٧. مسند أحمد: مسند عبد الله بن عباس.

(اعلم) أرشدك الله وهداك سواء الصّراط أنّ هذه الشّبهة وأمثالها الّتي يوردها جماعة على حضرات الخلفاء الثلاثة وعلى سائر الصّحابة الكرام رضي الله عنهم ويريدون بهذه التّشكيكات ردّهم لو أنصف هؤلاء الجماعة وقبلوا شرف صحبة خير البشر عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام وعلموا أنّ نفوسهم كانت مزكّاة في صحبة خير البشر من الهوى والهوس وصارت صدورهم صافية عن الحقد والعداوة وعلموا أنّهم أكابر الدين وكبراء الإسلام وأنّهم بذلوا جهدهم في إعلاء كلمة الإسلام ونصرة سيّد الأنام وأنفقوا أموالهم في تأييد الدين المتين ليلا ونهارا سرّا وجهارا وتركوا في محبّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشائرهم وقبائلهم وأولادهم وأزواجهم وأوطانهم ومساكنهم وعيونهم وزروعهم وأشجارهم وأنهارهم وآثروا نفس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على نفوسهم واختاروا محبّة رسول الله على محبّة أنفسهم ومحبّة أولادهم وأموالهم وأنّهم الذين شاهدوا الوحي والملك ورأوا المعجزات والخوارق حتّى صار غيبهم شهادة وعلمهم عينا وهم الذين أثنى الله تعالى عليهم في القرآن المجيد (رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك مثلهم في التّوراة ومثلهم في الإنجيل) فإذا كان جميع الاصحاب الكرام شركاء في هذه الكرامات فماذا أظهر من جلالة شأن أكابر الاصحاب الذين هم الخلفاء الرّاشدون. والفاروق هو الذي قال الله سبحانه وتعالى في شأنه لرسوله (يا أيّها النّبيّ حسبك الله ومن اتّبعك من المؤمنين) قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: إنّ سبب نزول هذه الآية إسلام عمر رضي الله عنه فبعد حصول نظر الإنصاف وقبول شرف صحبة خير البشر عليه وعلى آله الصّلاة والتّحيّات وبعد علم جلالة شأن أصحابه الكرام وعلوّ درجاتهم عليهم الرّضوان يكاد يتصوّر المعترضون والمشكّكون هذه الشّبهات مثل المغالطات والسّفسطة المزخرفة ويسقطونها عن درجة الإعتبار وإن لم يشخّصوا مادّة الغلط في تلك الشّبهات ولم يعيّنوا محلّ السّفسطة فلا أقلّ من أن يعرفوا مجملا أنّ مؤدّى هذه التّشكيكات وحاصل هذه الشّبهات ممّا لا حاصل له بل هى مصادمة للبداهة وللضّرورة الإسلاميّة ومردودة بالكتاب والسّنّة النّبويّة ومع ذلك نكتب في جواب هذا السّؤال وتعيين موادّ تلك الشّبهة مقدّمات بعون الله تعالى (اسمع) انّ حلّ هذا الإشكال على وجه الكمال مبتن على مقدّمات وإن كان كلّ مقدّمة جوابا على حدة (المقدّمة الأولى) جميع منطوقاته ومقولاته صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لم تكن بموجب الوحي. وآية (وما ينطق عن الهوى) مخصوصة بالنّطق القرآني كما قاله أهل التّفسير وأيضا لو كان جميع منطوقاته صلّى الله عليه وسلّم بموجب الوحي لما ورد الإعتراض من عند الحقّ جلّ شأنه على بعض مقولاته عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام ولمّا كان للعفو عنه معنى قال الله تعالى خطابا لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم " عفا الله عنك لم أذنت لهم» (والمقدّمة الثانية) أنّ الاصحاب الكرام كان لهم مجال القيل والقال في الاحكام الإجتهاديّة والأمور العقليّة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بموجب قوله تعالى (فاعتبروا يا أولي الابصار) وقوله تعالى (وشاورهم في الامر) وكان لهم في هذه الامور مساغ للرّدّ والتّبديل فإنّ الامر بالاعتبار

والمشورة لا يتصوّر من غير حصول ردّ وتبديل وقد وقع الإختلاف في قتل أسارى بدر وأخذ الفدية عنهم وحكم الفاروق بالقتل فورد الوحي موافقا لرأي فاروق ونزل لاخذ الفدية وعيد فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم " لو نزل العذاب لما نجى غير عمر وسعد بن معاذ» (١) فإنّ سعدا أيضا كان أشار إلى قتل الاسارى (والمقدّمة الثالثة) أنّ السّهو والنّسيان جائزان للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بل واقعان وقد ورد في حديث ذي اليدين أنّه صلّى الله عليه وسلّم سلّم في رباعي الفرض على ركعتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول الله وبعد ثبوت صدق ذى اليدين قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وضمّ إليهما ركعتين أخريين وسجد للسّهو» (٢) فإذا كان السّهو والنّسيان جائزين في حالة الصّحّة والفراغة بمقتضى البشريّة فصدور الكلام منه صلّى الله عليه وسلّم من غير قصد واختيار في مرض الموت ووقت استيلاء الوجع بمقتضى البشريّة لم لا يكون جائزا ولم يرتفع الإعتماد عن الأحكام الشّرعيّة فإنّ الحقّ سبحانه أطلعه صلّى الله عليه وسلّم على سهوه ونسيانه بالوحي القطعيّ وميّز الصّواب من الخطأ فإنّ تقرير النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الخطأ ليس بجائز لكونه مستلزما لرفع الإعتماد عن الأحكام الشّرعيّة فثبت أنّ موجب رفع الإعتماد ليس نفس السّهو والنّسيان بل التّقرير على السّهو والنّسيان ومن المقرّر أنّ ذلك التّقرير ليس بمجوّز (المقدّمة الرّابعة) أنّ حضرة الفاروق بل الخلفاء الثلاثة مبشّرون بالجنّة بالكتاب والسّنّة والأحاديث الواردة في باب بشارتهم بالجنّة بخصوصها يمكن أن يقال من كثرة الرّواة الثقات أنّها بلغت حدّ الشّهرة بل حدّ التّواتر المعنويّ فإنكارها إمّا من الجهل أو من العناد ورواة الاحاديث الصّحاح والحسان أهل السّنّة أخذوها من أسانيدهم من التّابعين والصّحابة ورواة جميع الفرق المخالفة لو جمع كلّها لا يعلم أنّهم يبلغون عشر عشير أهل السّنّة أو لا كما لا يخفى على المتتبّع المتفحّص المنصف وكتب أهل السّنّة مشحونة ببشارة هؤلاء الاكابر بالجنّة ولا غمّ لو لم ترد هذه البشارة في كتب الاحاديث المخصوصة ببعض الفرق المخالفة فإنّ عدم رواية البشارة لا يدلّ على عدم البشارة. وأمّا ثبوت بشارة هؤلاء الاكابر بالجنّة في القرآن المجيد بآيات متكثّرة فكاف قال الله تبارك وتعالى (والسّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ والْأَنْصارِ والَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ ورَضُوا عَنْهُ وأَعَدَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَدًا ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وقال تبارك وتعالى (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقاتَلُوا وكُلًّا وَعَدَ الله

__________

(١) جامع البيان لابن جرير: تفسير سورة الأنفال: تأويل قوله تعالى: «لو لا كتاب من الله سبق " ح ١٢٦٧٩

(٢) صحيح: البخاري: ك: الجماعة والإمامة. ب: هل يأخذ الغمام إذا شك بقول الناس. ح ٦٨٢. مسلم: ك: المساجد ومواضع الصلاة. ب: السهو في الصلاة والسجود له. ح ٥٧٣. سنن الترمذي: أبواب الصلاة: ب: ما جاء في الرجل يسلم في الركعتين من الظهر والعصر. ح ٣٩٧. وقال: حديث حسن صحيح سنن ابن ماجة: ك: إقامة الصلاة والسنة فيها. ب: فيمن سلم من اثنتين أو ثلاث ساهيا ح ١٢١٣. النسائي: ك: السهو: ب: ما يفعل من سلم من ركعتين ناسيا. أبو داود: ك: الصلاة: جماع أبواب التشهد في الصلاة. ب: السهو في السجدتين. ح ١٠٠٨.

الْحُسْنى) الآية فاذا كان جميع الصّحابة الذين انفقوا وقاتلوا قبل الفتح وبعده مبشّرين بالجنّة فما نقول في أكابر الصّحابة الذين هم الاسبقون في الإنفاق والمقاتلة والمهاجرة وماذا نقدر أن نقول وكيف ندرك أعظميّة درجاتهم أنّها ما هي؟ قال أهل التّفسير: قوله تعالى (لا يستوي منكم) الآية. نزل في حقّ الصّدّيق رضي الله عنه الذي هو أسبق السّابقين في الإنفاق والمقاتلة وقال سبحانه وتعالى (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشّجرة) الآية. نقل الإمام البغويّ محيي السّنّة في معالم التّنزيل عن جابر رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل النّار أحد ممّن بايع تحت الشّجرة» (١). وهذه البيعة يقال لها بيعة الرّضوان؛ لانّ الحقّ سبحانه رضي فيها عن هؤلاء القوم ولا شكّ أنّ تكفير شخص مبشّر بالكتاب والسّنّة كفر ومن أقبح القبائح (المقدّمة الخامسة) أنّ توقّف الفاروق في إتيان القرطاس لم يكن على وجه الرّدّ والإنكار عياذا بالله سبحانه من ذلك كيف يصدر هذا القسم من سوء الادب من وزراء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الذي هو متّصف بالخلق العظيم وندمائه صلّى الله عليه وسلّم بل لا يتوقّع هذا المعنى من أدنى الصّحابة الذي تشرّف بشرف صحبة خير البشر مرّة أو مرّتين بل لا يتوهّم مثل هذا الرّدّ والإنكار من عوامّ أمّته صلّى الله عليه وسلّم الذي استسعد بدولة الإسلام فكيف يتخيّل هذا المعنى فيمن كان من أكابر الوزراء والنّدماء ومن أعاظم المهاجرين والأنصار رزقهم الله سبحانه الإنصاف حتّى لا يسيؤا الظّنّ بأكابر الدين ولا يؤاخذوا بكلّ كلمة وكلام بلا فهم. بل كان مقصود الفاروق الإستفهام والاستفسار كما قال: استفهموه يعني: لو طلب القرطاس بالجدّ والاهتمام يجاء به وان لم يطلب بالجدّ لا يصدّع في مثل هذا الوقت فإنّه لو طلب القرطاس بالوحي والأمر لكان يطلبه بالمبالغة والتّأكيد ويكتب ما كان مأمورا بكتابته فإنّ تبليغ الوحي واجب على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وإن لم يكن هذا الطّلب بالأمر والوحي بل أراد أنّه يكتب شيئا على وجه الإجتهاد والفكر فالوقت لا يساعد ذلك. ومرتبة الإجتهاد باقية بعد ارتحاله صلّى الله عليه وسلّم والمستنبطون من أمّته يستنبطون الأحكام الإجتهاديّة من الكتاب الذي هو أصل أصول الدين فإذا كان لاستنباط المستنبطين مجال في حضوره الذي هو أوان نزول الوحي فبعد ارتحاله الذي هو زمان انقطاع الوحي يكون استنباط أولي العلم واجتهادهم مقبولا بالطّريق الاولى ولمّا لم يهتمّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذا الباب ولم يجدّ بل أعرض عن هذا الامر علم أنّه لم يكن على وجه الوحي. والتّوقّف لمجرّد الإستفسار ليس بمذموم وقد عرض الملائكة الكرام على وجه الإستفسار والاستعلام من وجه خلافة آدم على نبيّنا وعليه الصّلاة

__________

(١) حسن صحيح: سنن أبي داود ك: السنة. ب: في الخلفاء ح ٤٦٥٣. سنن الترمذي: أبواب المناقب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. باب: فضل من بايع تحت الشجرة ح ٤٠٢٣. وقال: حديث حسن صحيح أحمد في المسند: مسند جابر بن عبد الله. الطبراني في الكبير: ب: السين حديث سلمة بن عمرو بن الأكوع. وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير خداش بن عياش وهو ثقة. (مجمع الزوائد ح ١٤٩٤٩.)

والسّلام على الملك العلّام بقولهم (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك) وقال زكريّا حين بشّر بيحيي على نبيّنا وعليهما الصّلاة والسّلام (أنّى يكون لي غلام وكانت امرأتى عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيّا) وقالت مريم رضي الله تعالى عنها (أنّى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم اك بغيّا) فما المضايقة لو توقّف الفاروق أيضا في اتيان القرطاس لاجل الإستفهام والاستفسار واىّ شرّ واىّ ضرر فيه. (المقدّمة السّادسة) أنّ حصول حسن الظّنّ بصحبة خير البشر وبأصحابه عليه وعليهم الصّلاة والسّلام لازم ومعرفة أنّ خير القرون قرنه صلّى الله عليه وسلّم وأنّ أصحابه أفضل بني آدم بعد الانبياء عليهم الصلاة والسّلام أيضا لازمة حتّى يحصل اليقين بأن الجماعة الذين هم أفضل بني آدم بعد عليهم السّلام لا يجتمعون في خير القرون على عمل باطل بعد ارتحاله صلّى الله عليه وسلّم وأنّهم لا يجلسون مكانه صلّى الله عليه وسلّم فسقة ولا كفرة وإنّما قلت: إنّ الاصحاب أفضل بني آدم فإنّ هذه الامّة خير الامم بنصّ القرآن وهم أفضل هذه الامّة؛ لانّه لا يبلغ وليّ مرتبة صحابيّ أصلا فينبغي الرّجوع إلى الإنصاف قليلا وأن يفهم أنّ منع إتيان القرطاس لو كان كفرا من الفاروق لما نصّ الصّدّيق الذي هو أتقى هذه الامّة الّتي هي خير الامم بنصّ القرآن بخلافته ولما بايعه المهاجرون والانصار الذين اثنى عليهم الحقّ سبحانه وتعالى في القرآن المجيد ورضى الله عنهم ووعدهم بالجنّة ولما أجلسوه مكانه صلّى الله عليه وسلّم فإذا حصل حسن الظّنّ بصحبته وأصحابه صلّى الله عليه وسلّم الذي هو مقدّمة المحبّة فقد تيسّر النّجاة من مزاحمة أمثال هذه الشّبهات وحصل حدس بطلان هذه التّشكيكات فإن لم يحصل عياذا بالله سبحانه حسن الظّنّ بصحبته وبأصحابه عليهم الصّلاة والسّلام بل انجرّ الامر إلى سوء الظّنّ يكون ذاك الظّنّ السّوء منجرّا إلى صاحب تلك الصّحبة وصاحب الاصحاب بالضّرورة بل ينجرّ إلى مولى ذاك الصّاحب أيضا ينبغي وجدان شناعة هذا الامر كما ينبغي ما آمن برسول الله من لم يوقّر أصحابه قال عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام في شأن أصحابه الكرام عليهم الرّضوان: من أحبّهم فبحبّي أحبّهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم فصارت محبّة الاصحاب مستلزمة لمحبّته وبغض الاصحاب مستلزما لبغضه عليه وعليهم الصّلاة والسّلام فإذا علمت هذه المقدّمات حصل جواب هذه الشّبهة وأمثال هذه الشّبهة بلا تكلّف بل حصلت أجوبة متعدّدة فإنّ كلّ مقدّمة من هذه المقدّمات يمكن أن يقال: إنّها جواب من أجوبة معتدّ بها كما مرّ ومجموع هذه المقدّمات تحسم مادّة هذه الشّبهة بعون الله سبحانه وتخرج دفع هذا التّشكيك من النّظر إلى الحدس كما لا يخفى على الفطن المنصف ولفظ الحدس إنّما يجري على اللّسان مقحما وإلّا فأمثال هذه التّشكيكات بديهيّة البطلان والمقدّمات الّتي أوردت في بيان بطلان تلك الشّبهات إنّما هي من قبيل التّنبيهات على تلك البديهة بل أمثال هذه الشّبهات والتّشكيكات عند الفقير كصنعة ذي فنون جاء عند قوم حمقاء وأخذ حجرا محسوسا لهم وأثبت بالدّلائل والمقدّمات المزخرفة أنّه ذهب وحيث كان هؤلاء الحمقى عاجزين عن دفع تلك المقدّمات والمموّهة

وقاصرين في تعيين موادّ غلط تلك الدلائل يقعون في الإشتباه بل يعتقدون ذهبيّته يقينا وينسون حسّهم بل يتّهمونه والذّكيّ ينبغي أن يعتمد على ضرورة الحسّ وأن يتّهم المقدّمات المموّهة وفيما نحن فيه أيضا أنّ جلالة شأن الخلفاء الثلاثة وعلوّ درجاتهم بل جلالة جميع أصحاب خير البشر عليه وعليهم الصّلاة والسّلام بمقتضى الكتاب والسّنّة محسوسة ومشهودة وقدح القادحين وطعن الطّاعنين فيهم بدلائل مموّهة كالقدح والطّعن في وجود ذلك الحجر ومغالطتهم فيه رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ (١) فيا ليت شعري ما حملهم على سبّ أكابر الدين وطعن كبراء الإسلام وليس طعن أحد وسبّ شخص من الفسقة والكفرة ممّا يعدّ في الشّرع عبادة وكرامة وفضيلة ووسيلة إلى نجاة فكيف سبّ هداة الدين وطعن حماة الإسلام ولم يرد في الشّرع أنّ سبّ أعداء الرّسول عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام كأبي جهل وأبي لهب مثلا وطعنهم ممّا يعدّ عبادة وكرامة بل الإعراض عنهم وعن أحوالهم أولى وأنسب وأسلم عن تضييع الوقت والإشتغال بما لا يعنيه. تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون. قال الله سبحانه وتعالى في القرآن المجيد في صفة أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (٢) فظنّ العداوة والشّحناء في حقّ هؤلاء الاكابر مناف لنصّ القرآن. وأيضا إن إثبات العداوة والحقد في هؤلاء الاكابر يستلزم القدح في كلا الفريقين ويرفع الامان من الطّائفتين فيلزم أن يكون كلا الفريقين من الاصحاب مطعونا فيهم عياذا بالله سبحانه من ذلك فيكون أفضل النّاس بعد الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام شرّ النّاس ويكون أفضل القرون شرّ القرون فإنّ أهل ذاك القرن كانوا كلّهم متّصفين بالعداوة والحقد ولا يجترئ على التّفوّه بذلك أحد من المسلمين ولا يجوز هذا المعنى أيّ جلالة وأيّ عظمة لعليّ - كرّم الله وجهه - في كون الخلفاء الثلاثة معادين له ويكون فيه عداوة مبطنة لهؤلاء الحضرات وما ذاك الّا قدح في الطّرفين لم لا يكون بعضهم مع بعض كاللّبن مع السّكّر ولا يكون بعضهم فانيا في البعض ولم يكن أمر الخلافة مرغوبا فيه عندهم ومطلوبا لهم حتّى يكون سببا للعداوة والحقد. كيف وقول “ أقيلوني ” معروف ومشهور من الصّدّيق وقال الفاروق: لو وجدت من يشتري الخلافة لبعتها على دينار. ومحاربة عليّ - كرّم الله وجهه - مع معاوية ومنازعته معه لم تكن بواسطة الميل إلى أمر الخلافة والرّغبة فيه بل لكون القتال مع البغاة فرضا ودفعهم ضروريّا قال الله تبارك وتعالى (فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفيئ إلى أمر الله). غاية ما في الباب أنّ محاربي عليّ لمّا كانوا باغين مأوّلين وأصحاب رأي واجتهاد وإن كانوا مخطئين في هذا الإجتهاد كانوا مبرّئين عن الطّعن والملامة وبعيدين عن التّفسيق والتّكفير قال عليّ في شأنهم: إخواننا بغوا علينا ليسوا كفرة ولا فسقة لما لهم من التّأويل. قال الشّافعيّ وهو منقول عن عمر بن عبد العزيز تلك دماء طهّر الله عنها أيدينا فلنطهّر

__________

(١) آل عمران: ٨

(٢) الفتح: ٢٩.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!