موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(95) المكتوب الخامس والتسعون إلى مقصود علي التبريزي في جواب سؤاله عن الكفر الحقيقي

 

 


ذاتيّ حاصل من المجاور الخارج لا من المجانس الداخل. وإن وجد الشّرّ والنّقص اللّذان ناشيان من ذلك العدم فهما أيضا عرضيّان خارجيّان لا ذاتيّان أصليّان. وصاحب هذا المقام وإن كان مشاركا لسائر النّاس في البشريّة ومساهما مع غيره في صدور الصّفات البشريّة ولكنّ ظهور الصّفات البشريّة منه ومن أبناء جنسه عرضيّ ناش من المجاور ومن الآخرين ذاتيّ وأصليّ. شتّان ما بينهما والعوامّ يتصوّرون الخواصّ بل أخصّ الخواصّ كأنفسهم ملاحظين المشاركة الصّوريّة ويكونون في مقام الإنكار عليهم ويحرمون بركاتهم قوله تعالى فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وقوله تعالى وقالوا ما لهذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الاسواق علامة حالهم. وكلّ ما أرى في نفسي من الصّفات البشريّة اجد بعناية الله سبحانه انّ حامل تلك الصّفات هو ذلك العدم المجاور الذى جري في كلّيتي وسرّي وأجد نفسي بالتّمام والكمال طاهرا ومبرّأ من تلك الصّفات ولا أحسّ في نفسي نبذة من تلك الصّفات لله سبحانه الحمد والمنّة على ذلك وهذه الصّفات الّتي تظهر بسبب المجاورة كحمرة تظهر من شخص لابس لباسا أحمر بسبب حمرة اللّباس المجاور والحمقاء لعدم تمييزهم يظنّون حمرة مجاور شخص حمرة ذلك الشّخص وينسبون إليه أحكاما مخالفة للواقع. (شعر)

خاب الذي قد يرى ذا القبح كالحسن ... وفاز من كان فيه حدّة البصر

النّيل كان دما للقبط ولبنى ... يعقوب ماء وذا من أعظم العبر

رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ (١) والسّلام على من اتّبع الهدى (٢).

(٩٥) المكتوب الخامس والتّسعون إلى مقصود عليّ التّبريزيّ في جواب سؤاله عن الكفر الحقيقيّ

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. وصلت الصّحيفة الشّريفة ووقع فيها الإستفسار عن بعض كلمات الصّوفيّة (أيّها المخدوم) وإن لم يقتض الوقت والمكان قولا وكتابة ولكن لا بدّ للسّؤال من الجواب فحرّرت كلمات ومجمل الكلام في حلّ جميع تلك المسائل هو أنّه كما أنّ في الشّريعة كفرا وإسلاما في الطّريقة أيضا كفر وإسلام وكما أنّ كفر الشّريعة شرّ ونقص

__________

(١) آل عمران: ٨

(٢) طه: ٤٧

والإسلام كمال كذلك كفر الطّريقة أيضا نقص وشرّ وإسلامها كمال وكفر الطّريقة عبارة عن مقام الجمع الذي هو محلّ الإستتار وتميّز الحقّ من الباطل مفقود في هذا الموطن فإنّ مشهود السّالك فيه في المرايا الجميلة والرّذيلة هو جمال وحدة المحبوب فلا يجد الخير والشّرّ والكمال والنّقص غير مظاهر لتلك الوحدة وظلالها. فلا جرم يكون نظر الإنكار الذي ناش عن التّمييز معدوما في حقّه فبالضّرورة يكون مع الكلّ في مقام الصّلح ويجد الكلّ على صراط مستقيم ويترنّم بهذه الآية الكريمة (وما من دابّة الّا هو آخذ بناصيتها إن ربّي على صراط مستقيم) وأحيانا يرى المظهر عين الظّاهر فيظنّ الخلق عين الحقّ والمربوب عين الرّبّ وكلّ هذه أزهار تتفتّق من مرتبة الجمع قال الحلّاج في هذا المقام. (شعر)

كفرت بدين الله والكفر واجب ... لديّ وعند المسلمين قبيح

ولكفر الطّريقة هذا مناسبة تامّة بكفر الشّريعة وإن كان كافر الشّريعة مردودا ومستحقّا للعذاب وكافر الطّريقة مقبولا ومستوجبا للدّرجات فإنّ هذا الكفر والإستتار ناش من غلبة محبّة المحبوب الحقيقيّ ونسيان غيره كلّه فيكون مقبولا وذاك الكفر حاصل من إستيلاء الجهل والتّمرّد فيكون مردودا بالضّرورة وإسلام الطّريقة عبارة عن مقام الفرق بعد الجمع الذي هو مقام التّمييز. والحقّ والخير متميّزان هنا من الباطل والشّرّ ولاسلام الطّريقة هذا مناسبة تامّة بإسلام الشّريعة بل إذا بلغ إسلام الشّريعة كماله تحصل له نسبة الإتّخاذ بهذا الإسلام بل كلا الإسلامين إسلام الشّريعة والفرق بينهما بظاهر الشّريعة وباطن الشّريعة وبصورة الشّريعة وحقيقة الشّريعة ومرتبة كفر الطّريقة أعلى من مرتبة إسلام صورة الشّريعة وإن كانت أدون بالنّسبة إلى إسلام حقيقة الشّريعة. (شعر)

متى قسنا السّماء بالعرش ينحطّ ... وما أعلاه إن قسنا بأرض

وكلّ من تكلّم من المشائخ قدّس الله أسرارهم بالشّطحيّات من الكلمات المخالفة لظاهر الشّريعة كلّ ذلك في مقام كفر الطّريقة الذي هو موطن السّكر وعدم التّمييز. والكبراء الذين تشرّفوا بدولة إسلام الحقيقة فهم منزّهون ومبرّأون من أمثال هذه الكلمات ومقتدون بالأنبياء ومتابعون لهم ظاهرا وباطنا فالشّخص الذي يتكلّم بالشّطحيّات ويكون في مقام الصّلح من الكلّ ويظنّ الجميع على صراط مستقيم ولا يثبت التّمييز بين الحقّ والخلق ولا يقول بوجود الإثنينيّة فإن وصل هذا الشّخص إلى مقام الجمع وتحقّق بكفر الطّريقة ونسي السّوى فهو مقبول وكلماته ناشئة من السّكر ومصروفة عن الظّاهر. وإن تكلّم بهذه الكلمات بدون حصول هذا الحال وبلا وصول إلى الدرجة الاولى من الكمال وزعم الكلّ على حقّ وعلى صراط مستقيم ولم يميّز الباطل من الحقّ فهو من الزّنادقة والملاحدة الذين مقصودهم إبطال الشّريعة ومطلوبهم رفع دعوة الانبياء الذين هم رحمة للعالمين عليهم الصّلوات والتّحيّات فهذه الكلمات الخلافيّة تصدر من المبطل وهي للمحقّ ماء الحياة وللمبطل سمّ قاتل كماء نيل حيث كان لبني إسرائيل ماء زلالا



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!