موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(98) المكتوب الثامن والتسعون إلى المخدوم زاده الخواجه محمد سعيد والمخدوم زاده جامع الاسرار والعلوم الخواجه محمد معصوم

 

 


(٩٨) المكتوب الثامن والتّسعون إلى المخدوم زاده الخواجه محمّد سعيد والمخدوم زاده جامع الأسرار والعلوم الخواجه محمّد معصوم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قد سألتم أنّ العلماء قالوا: إنّ الحقّ سبحانه وتعالى ليس داخل العالم ولا خارج العالم ولا متّصلا بالعالم ولا منفصلا عن العالم فما تحقيق هذا المبحث؟ الجواب أنّ حصول نسبة الدخول والخروج والإتّصال والإنفصال إنّما يتصوّر بالنّظر إلى الموجودين فإنّ أحد الموجودين لا يخلو من إحدى هذه النّسب بالنّظر إلى الآخر ولا تحقّق للموجودين فيما نحن فيه حتّى يتصوّر حصول نسبة من هذه النّسب فإنّه تعالى موجود والعالم الذي هو ما سواه تعالى موهوم ومتخيّل وإن حصل للعالم بصنعه سبحانه وتعالى إتقان واستحكام على نهج لا يرتفع بارتفاع الوهم والخيال وكانت معاملة التّنعيم والتّعذيب الأبديّين مربوطة به ولكنّ ثبوته في مرتبة الحسّ والوهم ولا مقرّ له خارج الحسّ والوهم ومن كمال قدرته سبحانه وتعالى أعطى للموهوم المتخيّل حكم الموجود في حقّ الثبات والإستقرار وأجرى عليه أحكام الموجود ولكنّ الموجود والموهوم موهوم وإنّ تصوّره من قصر نظرهم على الظّاهر موجودا نظرا إلى ثباته واستقراره. وحكموا بأنّه موجود وتحقيق هذا المعنى مكتوب في كتبي ورسائلي بالتّفصيل فإن وقع الإحتياج فليراجع هناك فلا شيء يثبت للموجود من هذه النّسب بالنّسبة إلى موهوم بل يمكن أن يقال: إنّ الموجود ليس داخل الموهوم ولا خارجه ولا متّصلا به ولا منفصلا عنه فإنّ هناك موجود فقط لا اسم للموهوم ولا رسم حتّى تتصوّر النّسبة معه (ولنوضّح) هذا المبحث بمثال: انّ النّقطة الجوّالة تتوهّم من سرعة سيرها بصورة الدائرة والموجود هناك هو تلك النّقطة فقط وصورة الدائرة لا ثبوت لها في غير الوهم والمحلّ الذي فيه النّقطة لا اسم فيه من الدائرة الموهومة ولا رسم ففي هذه الصّورة لا يمكن أن يقال: إنّ النّقطة في داخل الدائرة ولا أنّها في خارجها أيضا وكذا لا يتصوّر بينهما الإتّصال والإنفصال أيضا فإنّه لا دائرة في تلك المرتبة حتّى تتصوّر النّسبة أثبت الجدار اوّلا ثمّ انقش (فإن قيل) إنّ الحقّ سبحانه أثبت نسبة قربه وإحاطته بالعالم والحال أنّه ما نسبة قرب الموجود إلى الموهوم وأيّ إحاطة له به فإنّه لا اسم من الموهوم ولا رسم فيما فيه الموجود حتّى يتصوّر المحيط والمحاط به؟ (أجيب) أنّ ذاك القرب والإحاطة ليس من قبيل قرب جسم من جسم وإحاطة جسم بجسم بل هما من النّسب المجهولة الكيفيّة والمعلومة الإنّيّة نثبت القرب والإحاطة له سبحانه ونؤمن بهما ولكن لا نعرف كيفيّتهما ما هي بخلاف النّسب الاربع الّتي نفيناها فيما سبق فإنّها كما أنّها مجهولة الكيفيّة غير معلومة الانّيّة أيضا فإنّ الشّرع لم يرد بثبوت هذه النّسب حتّى نثبتها ونقول إنّها مجهولة الكيفيّة وإن أمكن تجويز

معنى اتّصال لا كيفيّ فيه سبحانه وتعالى مثل معنى قرب وإحاطة لا كيفيّ ولكن لمّا لم يرد إطلاق لفظ الإتّصال كما ورد لفظ القرب والإحاطة لا ينبغي أن يقول متّصلا ويجوز أن يقول قريبا ومحيطا. وإطلاق الإنفصال والخروج والدخول أيضا لم يرد مثل إطلاق الإتّصال وفي المثال المذكور أيضا لو أثبتنا للنّقطة الجوّالة إحاطة وقربا ومعيّة بالنّسبة إلى الدائرة الموهومة تكون تلك المذكورات مجهولة الكيفيّة فإنّه لا بدّ للنّسبة من المنتسبين وليس الموجود الّا النّقطة الجوّالة. وكذلك الاتّصال والانفصال والخروج والدخول اللّاكيفيّة متصوّرة فيما نحن فيه وان لم يثبت المنتسبين فإنّ لزوم وجود الطّرفين إنّما هو لنسبة معلومة الكيفيّة لكونها متعارفة ومعتادة وما هو مجهول الكيفيّة فهو خارج عن حيطة العقل والحكم فيها بلزوم وجود الطّرفين من الأحكام الوهميّة الّتي هي ساقطة عن حيّز الإعتبار لكونه قياس الغائب على الشّاهد (تنبيه) وقولنا: إنّ العالم موهوم ومتخيّل بمعنى أنّ العالم واقع في مرتبة الوهم والخيال ووضعه حاصل في درجة الحسّ والإراءة كما إذا خلق القادر المتّصف بالكمال بصنعه الكامل الدائرة الموهومة الّتي لا نصيب لها غير اختراع الوهم والخيال في مرتبة الوهم والخيال وجعلها في تلك المرتبة متقنة ومستحكمة على نهج لو ارتفع الوهم والخيال بالكلّيّة لا يتطرّق الخلل إلى ثبوتها ولا يطرأ القصور على بقائها وهذه الدائرة الموهومة وإن لم يكن لها ثبوت في الخارج والموجود في الخارج هو تلك النّقطة فقط ولكنّ لها انتساب إلى وجود خارجيّ واستناد إلى موجود خارجي فإنّه لو لم تكن النّقطة من أين تكون الدائرة ناشئة. (شعر)

إنّي أورى لغيري حين أذكرها ... بذكر زينب عن ليلى فأوهمه

ويجوز أن نقول لهذه الدائرة إنّها نقاب تلك النّقطة ويسوغ أيضا أن نقول: إنّها مرآة لشهود النّقطة ولو قلنا إنّها دليل على تلك النّقطة وهاد إليها فله وجه أيضا إطلاق النّقاب بالنّظر إلى العوامّ وإطلاق مرآة الشّهود والظّهور مناسب لمقام الولاية وملائم للإيمان الشّهوديّ وإطلاق الدليل والهادي مناسب لمرتبة كمالات النّبوّة وملائم للإيمان الغيبيّ الذي هو أتمّ وأكمل من الإيمان الشّهوديّ فإنّه لا بدّ في الشّهود من التّعلّق بالظّلّ وفي الغيب فراغة من هذا التّعلّق وفي الغيب وإن لم يكن حاصل بالفعل ولكن فيه وصول وتعلّق بالأصل وفي الشّهود وإن كان حاصل ولكن ليس فيه وصول لانّ فيه تعلّقا بالغير وهو ظلّ الاصل وبالجملة أنّ الحصول نقص والوصول كمال وهذا الكلام ليس ممّا يحصل في حوصلة قاصر وناقص بل يكادون يزعمون الحصول أفضل من الوصول والسّوفسطائيّ يقول من عدم عقله: العالم موهوم ومتخيّل بمعنى أنّه لا ثبوت له ولا تحقّق بغير اختراع الوهم ونحت الخيال فإذا تبدّل الوهم والخيال بتغيّر ذلك الثبوت والتّحقّق أيضا مثلا إذا تصوّر الوهم شيئا بالحلاوة فهو حلو وإذا تصوّر عين ذلك الشّيء في وقت آخر بالمرارة فهو مرّ وهؤلاء المخذولون غافلون عن خلق الله سبحانه وصنعه تعالى بل منكرون وبانتسابه إلى وجود خارجيّ واستناده إلى موجود خارجيّ جاهلون يريدون بهذه البلاهة رفع الأحكام الخارجيّة الّتي هي مربوطة بالعالم ودفع العذاب والثواب الاخرويّين الدائميّين وقد أخبر عنهما المخبر

الصّادق عليه الصّلاة والسّلام ولا احتمال فيه للتّخلّف (أولئك حزب الشّيطان ألا إنّ حزب الشّيطان هم الخاسرون) (فإن قيل) حيث أثبت الثبات والإستقرار للعالم ولو في مرتبة الوهم والخيال وأثبت في حقّه معاملة التّعذيب والتّنعيم الأبديّين أيضا فلم لا تجوز إطلاقات الوجود عليها ولا نقول: إنّه موجود والحال أنّ الثبوت والوجود مترادفان كما هو مقرّر عند المتكلّمين؟ (أجيب) أنّ الوجود عند هذه الطّائفة العليّة أشرف الاشياء وأكرمها وأعزّها ويعتقدون أنّه مبدأ كلّ خير ومنشأ كلّ كمال فلا يجوّزون إطلاق مثل هذا الجوهر النّفيس على ما سوى الحقّ سبحانه الذي هو نقص وشرّ من القدم إلى الرّأس ولا يرضون بإعطاء الاشرف إلى الاخسّ. ومقتداهم في هذا الامر الكشف والفراسة وقد صار مكشوفا ومحسوسا لهم أنّ الوجود مخصوص بحضرة الحقّ سبحانه وتعالى وإذا قالوا لغيره تعالى موجودا فإنّما هو باعتبار أنّ لذلك الغير نسبة وارتباطا بالوجود وإن كانت مجهولة الكيفيّة وأنّه قائم بذلك الوجود قيام الظّلّ بالأصل.

وأيضا إنّ الثبوت الذي حصل له في مرتبة الوهم والخيال هو ظلّ من ظلال ذلك الوجود. ولمّا كان ذلك الوجود خارجيّا والحقّ سبحانه موجود في الخارج لو قيل لمرتبة الوهم بعد صنعه تعالى وإتقانه إنّها ظلّ من ظلال ذلك الخارج لجاز ولو قيل لهذا الثبوت الوهميّ باعتبار هاتين الظّلّيّتين أيضا وجودا خارجيّا لساغ بل لو قيل للعالم باعتبار هذه الظّلّيّة أيضا موجودا خارجيّا لكان جائزا (وبالجملة) أنّ كلّ ما هو في الممكن مستفاد من حضرة الوجود تعالى وتقدّس ما جاء بشيء من بيت أبيه. والقول بأنّه موجود خارجيّ بدون ملاحظة الظّلّيّة أمر عسير وإشراك له مع الحقّ تعالى في أخصّ أوصافه تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. وما كتبه الفقير في بعض مكاتيبه ورسائله من أنّ العالم موجود خارجيّ ينبغي إرجاعه إلى هذا البيان وحمله إلى اعتبار الظّلّيّة وما قال المتكلّمون من ترادف الوجود للثّبوت والتّحقّق لعلّه باعتبار المعنى اللّغويّ وإلّا فأين الوجود وأين الثبوت. قال جمّ غفير من أرباب الكشف والشّهود ومن أهل النّظر والاستدلال في حقّ الوجود: إنّه عين حقيقة واجب الوجود تعالى. والثبوت من المعقولات الثانويّة شتّان ما بينها. (فائدة) كما أنّ الوجود مبدأ كلّ خير وكمال ومنشأ كلّ حسن وجمال كذلك العدم الذي هو مقابله يكون البتّة مبدأ كلّ شرّ ونقص ومنشأ كلّ قبح وفساد. فإن كان وبال فمنه ناش وإن ضلال فمنه كائن ومع ذلك فيه محاسن مودعة وحرف مكنونة فمن محاسنه جعله نفسه في مقابلة الوجود عدما مطلقا ولا شيئا محضا. ومن حرفه المستملحة جعل نفسه وقاية للوجود وأخذه الشّرور والنّقص لنفسه وأيضا إظهاره لكمالات الوجود وتمييزه كلّ واحد من تلك الكمالات من الاخرى في خارج موطن العلم وإيراده إيّاها من الإجمال إلى التّفصيل من صفاته المستحسنة وبالجملة أنّه قائم بخدمات الوجود. وحسن الوجود وجماله وكماله ظاهر من قبحه وشرّه ونقصه واستغناء الوجود من افتقاره وعزّه من ذلّه وثبوت العظمة والكبرياء للوجود بواسطة تسفّله ودناءته وشرافة الوجود من خسّته وسيادة الوجود من عبوديّته.

(شعر) انأ الذي جعل الاستاذ أستاذا ... عبد ولكنّني أعتقت مولايا



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!