موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(17) المكتوب السابع عشر إلى امرأة صالحة من أهل الإدارة في بيان العقائد الدينية والترغيب على العبادات الشرعية

 

 


حضوركم في ملازمته بلا توقّف لتلافي الإيذاء فإن جئتم بإذنه فلا مضايقة ينبغي أن تعاملوا موافقا لمرضاه وأن تجيئوا بإذنه وما أكتب زيادة على ذلك.

(١٧) المكتوب السّابع عشر إلى امرأة صالحة من أهل الإدارة في بيان العقائد الدينيّة والتّرغيب على العبادات الشّرعيّة

الحمد لله الذي أنعم علينا وهدانا إلى الإسلام وجعلنا من أمّة محمّد سيّد الأنام عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام (ينبغي أن يعلم) أنّ الحقّ سبحانه وتعالى منعم على الإطلاق فإن كان وجود فموهوب من جناب قدسه تعالى وإن بقاء فعطاء من حضرته جلّ سلطانه وإن صفات كاملة فمن رحمته الشّاملة والحياة والعلم والقدرة والبصر والسّمع والنّطق كلّها مستفادة من حضرته جلّ شأنه وأنواع النّعم وصنوف الكرم الّتي خارجة عن الحدّ والعدّ كلّها مفاضة من جناب قدسه تعالى وهو تعالى يزيل العسر والشّدّة ويجيب الدعوة ويدفع البليّة رزّاق لا يمنع الارزاق عن عباده من كمال رأفته بعلّة ذنوبهم ستّار لا يهتك ستر حرمتهم من وفور عفوه وتجاوزه بارتكاب السّيّئات ولا يفضحهم بعيوبهم حليم لا يستعجل في مؤاخذتهم وعقوباتهم كريم لا يمنع عموم كرمه عن الاحبّاء والاعداء وأجلّ هذه النّعم وأعظمها وأعزّها وأكرمها الدعوة إلى الإسلام والهداية إلى دار السّلام والدلالة على متابعة سيّد الأنام عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام فإنّ الحياة الابديّة والتّنعّمات السّرمديّة مربوطة بهذه ورضا المولى سبحانه وتعالى منوط بها (وبالجملة) انّ إنعامه وإكرامه وإحسانه تعالى أظهر من الشّمس وأجلى من القمر وأبين من الامس وإنعام غيره تعالى بإقداره وتمكينه سبحانه وطلب الإحسان منهم من قبل الاستعارة من المستعير والسّؤال من الفقير الجاهل كالعالم مقرّ بهذا المعنى والغبىّ مثل زكىّ معترف بهذا الأمر. (شعر)

فلو أنّ لى في كلّ منبت شعرة ... لسانا يبثّ الشّكر كنت مقصّرا

ولا شكّ أنّ بداهة العقل حاكمة بوجوب شكر المنعم ولزوم توقيره وتعظيمه فصار شكر الحقّ سبحانه وتعالى الذي هو المنعم الحقيقيّ واجبا ببديهة العقل وكان تكريمه وتعظيمه تعالى لازما وحيث كان الحقّ سبحانه وتعالى في كمال التّنزّه والتّقدّس والعباد في غاية التّلوّث والتّدنّس تعذّر من كمال عدم المناسبة وجدان انّ تعظيمه وتكريمه تعالى في أيّ شيء وعلى أيّ كيفيّة فإنّ العباد كثيرا ما يستحسنون إطلاق بعض الامور على جناب قدسه تعالى ويكون هو في الحقيقة مستهجنا عنده تعالى ويخالون شيئا تعظيما ويكون توهينا ويزعمون شيئا تكريما ويكون تحقيرا فما لم يكن تعظيمه وتكريمه تعالى مستفادا من جناب قدسه لا يكون لائقا بأداء الشّكر به وقابلا لعبادته تعالى فإنّ الحمد الذي يصدر عن العباد من قبلهم

ربّما يكون هجوا ومدحهم قدحا والتّعظيم والتّوقير والتّكريم الّتي كانت مستفادة من حضرته سبحانه هي عين شريعتنا الحقّة على مصدرها الصّلاة والسّلام والتّحيّة فإن كان تعظيم قلبيّ فمبيّن في الشّريعة الحقّة وإن ثناء لسانيّ فمبرهنّ هناك والأعمال والأفعال الجوارحيّة أيضا بيّنها صاحب الشّريعة بالتّفصيل فأداء شكره تعالى صار منحصرا في إتيان أحكام الشّريعة قلبا وقالبا اعتقادا وعملا وكلّ تعظيم وعبادة له تعالى يؤدّى بما وراء الشّريعة لا يكون قابلا للاعتماد بل كثيرا ما يكون محصّلا للأضداد والحسنة المتوهّمة تكون سيّئة في الحقيقة فبملاحظة البيان المذكور كان العمل بالشّريعة أيضا واجبا بالعقل وكان أداء شكر المنعم تعالى متعذّرا بدون الإتيان بها والشّريعة لها جزءان اعتقاديّ وعمليّ فالاعتقاديّ من أصول الدين والعمليّ من فروع الدين وفاقد الاعتقاد ليس من أهل النّجاة والخلاص من عذاب الآخرة غير متصوّر في حقّه وفاقد العمل أمره مفوّض إلى مشيته سبحانه وتعالى فإن شاء عفى عنه وإن شاء عذّبه بقدر ذنبه والخلود في النّار مخصوص بفاقد الاعتقاد ومقصور على منكر ضروريّات الدين وفاقد العمل وإن كان معذّبا ولكنّ الخلود في النّار مفقود في حقّه ولمّا كانت الاعتقاديّات من أصول الدين وضروريّات الإسلام لزم أن نبيّنه بالضّرورة وحيث كان تفصيل في العمليّات مع وجود فرعيّاتها أحلنا بيانها على كتب الفقه مع بيان شمّة للتّرغيب في بعض العمليّات الضّروريّة (الاعتقاديّات) إنّ الله تعالى موجود بذاته الاقدس ووجوده تعالى بنفسه سبحانه وكما أنّه تعالى موجود كان دائميّا ويكون دائميّا لا سبيل للعدم السّابق والعدم اللّاحق إلى جناب قدسه تعالى فإنّ وجوب الوجود أحقر خدّام ذلك الجناب المقدّس وسلب العدم أذلّ كنّاس ذاك الموطن المحترم وهو تعالى واحد لا شريك له لا في وجوب الوجود ولا في الالوهيّة واستحقاق العبادة فإنّ الشّريك إنّما يحتاج إليه إذا لم يكن الله تعالى كافيا ومستقلّا وذلك نقص مناف للألوهيّة فإذا كان كافيا ومستقلّا يكون الشّريك معطّلا وعبثا وهما أيضا من علامة النّقص المنافي للألوهيّة فصار إثبات الشّريك مستلزما لنقص أحد الشّريكين المنافي للشّركة فصار إثبات الشّركة مستلزما لنفي الشّركة وهو محال فشريك الباري تعالى أيضا محال (وله تعالى) صفات كاملة من الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسّمع والبصر والكلام والتّكوين ويقال لهذه الصّفات الثمانية صفات حقيقيّة وهي قديمة موجودة في الخارج بوجود زائد على وجود الذّات تعالت وتقدّست كما هو مقرّر عند علماء أهل الحقّ شكر الله تعالى سعيهم ولم يقل بوجود الصّفات الزّائدة أحد من الفرق المخالفة غير أهل السّنّة والجماعة شكر الله تعالى سعيهم حتّى إنّ الصّوفيّة المتأخّرين من الفرقة النّاجية قالوا بعينيّة الصّفات للذّات ووافقوا في ذلك المخالفين فإنّهم وإن تحاشوا عن نفي الصّفات ولكنّه لازم على أصولهم وتبادر عباراتهم وقد زعم المخالفون الكمال في نفي الصّفات الكاملة وفارقوا النّصوص القرآنيّة بعقولهم هداهم الله سبحانه سواء الصّراط (وسائر الصّفات) إمّا اعتباريّة أو سلبيّة كالقدم والازليّة والالوهيّة كما قالوا وهو تعالى ليس بجسم ولا جسمانيّ ولا عرض ولا جوهر ولا مكانيّ ولا زمانيّ ولا حالّ ولا محلّ ولا محدود ولا متناه

لا جهة له ولا نسبة والكفاءة والمثليّة مسلوبة عن جناب قدسه والضّدّيّة والنّدّيّة مفقودة في حضرة أنسه وهو تعالى منزّه مبرّأ من والد ووالدة وصاحبة وولد فإنّ هذه كلّها من أمارات الحدوث ومستلزمة للنّقص وجميع الكمالات ثابتة لجناب قدسه وجميع النّقائص مسلوبة عن حضرة أنسه (وبالجملة) ينبغي أن يسلب عن جناب قدسه تعالى جميع صفات الإمكان والحدوث الّتي هي نقص وشرّ من القدم إلى الرّأس وهو تعالى عالم بالكلّيّات والجزئيّات ومطّلع على الأسرار الخفيّات ولا يخرج عن حيطة علمه سبحانه في السّموات والارضين مثقال ذرّة حقيرة نعم حيث كان خالق جميع الاشياء هو سبحانه ينبغي أن يكون أيضا عالما بجميعها فإنّ الخلق لا بدّ له من علم الخالق به والذين حرموا السّعادة يزعمون أنّ الله تعالى ليس بعالم بالجزئيّات ويظنّون ذلك بعقولهم النّاقصة كمالا كما أنّهم يقولون من كمال سخافة عقولهم إنّه لم يصدر من واجب الوجود جلّ سلطانه غير شيء واحد وهو أيضا صدر عنه من غير اختيار منه تعالى ويظنّون ذلك أيضا كمالا ما أجهلهم حيث يزعمون الجهل كما لا يرجّحون الاضطرار على الاختيار ومن الجهل الذي فيهم يزعمون سائر الاشياء مستندة إلى غيره تعالى وينحتون من عند أنفسهم عقلا فعّالا وينسبون الاشياء إليه ويزعمون خالق السّموات والارضين معطّلا وعند الفقير لم يوجد في العالم أحد أشدّ سفاهة من هذه الطّائفة سبحان الله وقد زعم جماعة هؤلاء السّفهاء أرباب المعقول وينسبون أقوالهم إلى الحكمة ولعلّهم يظنّون أحكامهم الكاذبة مطابقة لنفس الامر رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ (١) (وهو تعالى) متكلّم من الازل إلى الابد بكلام واحد فهو آمر ناه مخبر به والتّوراة والإنجيل والزّبور والفرقان وكذلك سائر الصّحف المنزّلة إلى الانبياء عليهم الصّلاة والتّسليمات كلّها دالّة على هذا الكلام الواحد وعلامة له وتفصيل له فإذا كان الازل والابد بهذه الوسعة والامتداد آنا واحدا بل لا مجال للآن أيضا هناك وإطلاق الآن إنّما وقع لضيق العبارة فالكلام الذي يصدر في ذلك الآن يكون كلمة واحدة بل حرفا واحدا بل نقطة واحدة وإطلاق النّقطة أيضا هناك كإطلاق الآن واقع من ضيق العبارة والّا فلا مجال للنّقطة أيضا هناك والوسعة في ذاته وصفاته جلّ سلطانه لا كيفيّة ولا كمّيّة وهو تعالى مبرّأ منزّه بذاته وصفاته من هذه الوسعة والضّيق اللّذين من صفات الإمكان (ويراه) سبحانه المؤمنون في الجنّة بعنوان اللّاكيفيّ واللّامثليّ فإنّ الرّؤية الّتي تتعلّق باللّاكيفيّ تكون لا كيفيّة بل ينال الرّائي أيضا حظّا وافرا من اللّاكيفيّ حتّى يستطيع رؤية اللّاكيفيّ لا يحمل عطايا الملك الّا مطاياه وقد حلّ سبحانه اليوم هذا المعمّى لأخصّ الخواصّ من أوليائه وجعله منكشفا لهم فهذه المسالة الغامضة تحقيقيّة عند هؤلاء الاكابر وتقليديّة عند غيرهم ولم يقل بهذه المسالة أحد من الفرق المخالفين مؤمنيهم وكافريهم غير أهل السّنّة ويعدّ رؤية الحقّ سبحانه عدا هؤلاء الاكابر كلّهم محالا ومستشهد المخالفين

__________

(١) الآية: ٨ من سورة آل عمران.

قياس الغائب على الشّاهد البيّن الفساد وحصول الإيمان بمثل هذه المسالة الغامضة بلا نور متابعة السّنّة السّنيّة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة متعذّر. (شعر)

لائق دولت نبود هر سرى ... بار مسيحا نكشد هرى خرى

والعجب أنّه كيف يستسعد بحصول سعادة الرّؤية من لا إيمان لهم بها فإنّ نصيب المنكر حرمان وكيف لا يراه من يدخل الجنّة فإنّ المتبادر من الشّرع حصول دولة الرّؤية لجميع أهل الجنّة فإنّه لم يرد في الشّرع أنّ بعض أهل الجنّة يراه وبعضهم لا يراه تعالى والجواب في حقّ هؤلاء هو جواب موسى على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام لسؤال فرعون قال الله تعالى حاكيا عنهما قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسى (١).

(ينبغي أن يعلم) أنّ الجنّة وما وراء الجنّة كلّها بالنّسبة إلى الحقّ سبحانه متساوية فإنّ كلّها مخلوق الله تعالى وليس له سبحانه حلول وتمكّن في شيء منها ولكن ليس لبعض المخلوقات لياقة ظهور أنوار الواجب جلّ سلطانه بخلاف بعض آخر فإنّ فيه هذه اللّياقة كما أنّ المرآة فيها لياقة ظهور الصّور وليست هذه اللّياقة في الحجر والمدر فالتّفاوت في هذا الطّرف مع وجود نسبة المساواة لا في حضرته سبحانه وتعالى. (شعر)

اين قاعده ياد دار آنجا كه خداست ... نه جزو نه كل نه ظرف نه مظروف است

والرّؤية ليست بواقعة في الدنيا فإنّ هذا المحلّ ليس فيه لياقة ظهور هذه الدولة وكلّ من قال بوقوع الرّؤية في الدنيا فهو كذّاب ومفتر زعم غير الحقّ حقّا سبحانه فلو تيسّرت هذه الدولة في هذه النّشأة كان كليم الله على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام أحقّ بها وإن تشرّف نبيّنا عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام بهذه الدولة لم يكن وقوعها في الدنيا بل دخل الجنّة ورأى فيها وهي من عالم الآخرة لا أنّه رأى في الدنيا بل خرج من الدنيا وصار ملحقا بالآخرة فرأى (وهو تعالى) خالق السّموات والارضين وخالق الجبال والبحار وخالق الاشجار والاثمار وخالق المعادن والنّباتات وكما أنّه سبحانه زيّن السّماء بخلق النّجوم وزيّن الارض بخلق الإنسان فإن كان بسيط فكائن بإيجاده تعالى وإن مركّب فمخلوق بخلقه تعالى وبالجملة أخرج سبحانه جميع الاشياء من كتم العدم إلى عرصة الوجود وأحدثها بعد أن لم تكن لا يليق القدم بغيره تعالى ولا شيء بقديم سواه سبحانه وإجماع جميع أهل الملل منعقد على حدوث ما سواه سبحانه وكلّهم متّفقون على أن لا قديم غيره تعالى ويحكمون بتضليل من يقول بقدم غيره تعالى بل يحكمون بتكفيره صرّح الإمام الغزاليّ بهذا في رسالته “ المنقذ عن الضّلال ” وحكم بكفر جماعة قائلين بقدم غيره تعالى والذين يقولون بقدم السّموات والكواكب وأمثالها يكذّبهم القرآن المجيد كما قال الله تعالى الله الَّذِي

__________

(١) الآية: ٥٢ من سورة طه.

خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اِسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ (١) وأمثال هذه من الآيات القرآنيّة كثيرة وسفيه من يخالف النّصوص القرآنيّة بعقله النّاقص ومَنْ لَمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُورًا فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٢) وكما أنّ العباد مخلوق الحقّ سبحانه أفعال العباد أيضا مخلوقه تعالى فإنّ الخلق لا يليق بغيره وإيجاد ممكن لا يجيئ من ممكن فإنّه متّسم بقصور القدرة ومتّصف بنقص العلم لا يليق بالإيجاد والخلق ودخل العبد في أفعاله الاختياريّة إنّما هو بكسبه الواقع بقدرته وإرادته وخلق الفعل من الله سبحانه وكسبه من العبد ففعل العبد الاختياريّ واقع بمجموع كسب العبد وخلق الحقّ جلّ وعلا فلو لم يكن لكسب العبد واختياره مدخل في فعله يكون حكمه حكم فعل المرتعش والفرق محسوس ومشاهد فإنّا نعلم بالبداهة أنّ فعل المرتعش غير فعل المختار وهذا القدر من الفرق يكفي لمدخليّة كسب العبد في فعله وجعل الحقّ سبحانه خلقه تابعا لقصد العبد في فعله من كمال رأفته حيث يوجد الفعل في العبد بعد تعلّق قصد العبد به فيكون العبد بالضّرورة ممدوحا وملوما ومعاقبا ومثابا وقصد العبد واختياره اللّذان أعطيهما من قبل الحقّ سبحانه يتعلّقان بجهتي الفعل والتّرك وأيضا قد بيّن الحقّ سبحانه حسن الفعل والتّرك وقبحهما بلسان الانبياء عليهم الصّلوات والتّسليمات بالتّفصيل فمع وجود ذلك لو اختار العبد إحدى الجهتين لا بدّ من أن يكون ملاما أو ممدوحا ولا شكّ أنّ الحقّ سبحانه أعطى العبد من القدرة والاختيار مقدار ما يمكن له الخروج من عهدة الأوامر والنّواهي الشّرعيّتين ولماذا يلزم إعطاء قدرة كاملة واختيار تامّ وقد أعطي مقدار ما يحتاج إليه وإنكار المنكرين مصادم للبداهة وبهم مرض قلبيّ عجزوا به عن إتيان الاحكام الشّرعيّة كبر على المشركين ما تدعوهم إليه وهذه المسالة من غوامض المسائل الكلاميّة ونهاية شرحها وغاية بيانها هي ما سوّد في هذه الاوراق والله سبحانه الموفّق (ينبغي) الإيمان بما قاله علماء أهل الحقّ دون أن يقع في المبحث والجدل. (شعر)

نه هو جائى مركب توان تاختن ... كه جاها سپر بايد أنداختن

(والانبياء) عليهم الصّلوات والتّسليمات رحمات للعالمين بعثهم الله سبحانه لهداية الخلق ودعى عباده بتوسّط هؤلاء الاكابر إلى جناب قدسه وهداهم إلى دار السّلام الّتي هي محلّ رضاه وأنسه والمخذول من لا يجيب دعوة الكريم ولا ينتفع من مائدة دولته وما بلغ هؤلاء الاكابر من طرف الحقّ سبحانه كلّه حقّ وصدق والإيمان به لازم والعقل وإن كان حجّة ولكنّه ناقص في الحجّيّة والحجّة البالغة إنّما حصلت ببعثة الانبياء عليهم الصّلوات والتّسليمات فإنّها لم تترك محلّا للعذر وأوّل الانبياء عليهم السّلام آدم وآخرهم وخاتم نبوّتهم محمّد رسول الله عليه وعليهم الصّلاة والسّلام ينبغي الإيمان بجميع الانبياء وأن يعتقد كلّهم معصومين صادقين وعدم الإيمان بواحد منهم مستلزم لعدم الإيمان بجميعهم فإنّ

__________

(١) الآية: ٤ من سورة السجدة.

(٢) الآية: ٤٠ من سورة النور.

كلمتهم متّفقة وأصول دينهم واحدة وينزل عيسى على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام ويتّبع شريعة خاتم الرّسل عليه وعليهم الصّلوات والتّسليمات وأورد الخواجه محمّد پارسا الذي هو من كمّل خلفاء الخواجه النّقشبند قدّس سرّهما وعالم ومحدّث نقلا معتمدا في كتابه الفصول السّتّة انّ عيسى عليه السّلام يعمل بعد النّزول بمذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه ويحلّ حلاله ويحرّم حرامه. (والملائكة) عباد الله تعالى المكرّمون وبدولة الرّسالة وتبليغ وحيه تعالى مشرّفون وما هم مأمورون به متمثّلون. والعصيان والخروج عن طاعة الله تعالى مفقود في حقّهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يلبسون ولا يوصفون بذكورة ولا أنوثة وليس لهم توالد ولا تناسل والكتب والصّحف الإلهيّة كلّها نزلت بتوسّطهم وبقيت محفوظة ومصونة بصداقتهم في أداء أمانتهم والإيمان بهم أيضا من ضروريّات الدين وتصديقهم من واجبات الإسلام وخواصّ البشر أفضل من خواصّ الملك عند جمهور أهل الحقّ فإنّ وصول البشر مع وجود العوائق وقرب القدسيّين حاصل لهم بلا مزاحمة الاشتغال وممانعة الخلائق وإن كان التّسبيح والتّقديس شغل القدسيّين ولكنّ جمع الجهاد بهذه الدولة شغل كمّل الإنسيّين قال الله تعالى فَضَّلَ الله الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً (١) وما أخبر عنه المخبر الصّادق عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام من أحوال القبر وأهوال القيامة والحشر والنّشر ومن الجنّة والنّار كلّه حقّ والإيمان بالآخرة كالإيمان بالله من ضروريّات الدين ومنكر الآخرة كمنكر الصّانع كافر قطعا وعذاب القبر من الضّغطة وغيرها حقّ والمنكر له وإن لم يكن كافرا ولكنّه مبتدع لكونه منكرا للأحاديث المشهورة وحيث انّ القبر برزخ بين الدنيا والآخرة يشبه عذابه من وجه بعذاب الدنيا وهو قبوله الانقطاع ومن وجه بعذاب الآخرة وهو كونه من جنسه وأكثر من يبتلى به من لا يستنزهون من البول ومن يمشون بالنّميمة (وسؤال منكر ونكير) في القبر أيضا حقّ وهو فتنة عظيمة وابتلاء جسيم في القبر ثبّتنا الله سبحانه بالقول الثابت ويوم القيامة حقّ واقع البتّة يومئذ تنشقّ السّموات وتنتثر الكواكب وتتقطّع الارض والجبال وتكون ملحقة بالعدم كما أنّ النّصوص القرآنيّة ناطقة بها وإجماع جميع الفرق الإسلاميّة منعقد عليها والمنكر عليها كافر وإن سوّل كفره بمقدّمات موهومة وأضلّ بها السّفهاء عن الطّريق (والبعث) يومئذ عن القبر وإحياء العظام البالية المتفرّقة كلّه حقّ وحساب الاعمال ووضع الميزان وطيران صحف الاعمال ومجيء صحف أرباب اليمين من اليمين وصحف أصحاب الشّمال من الشّمال أيضا حقّ والصّراط الذي يوضع على متن جهنّم فيمرّ عليه الجنّتيّ إلى الجنّة ويسقط الجهنّميّ في جهنّم أيضا حقّ فإنّ هذه كلّها أمور ممكنة أخبر المخبر الصّادق بوقوعها فينبغي قبولها بلا توقّف من غير أن يتشكّك ويتردّد بمقدّمات وهميّة وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ (٢) نصّ قطعيّ وشفاعة الصّلحاء والاخيار يومئذ في حقّ العصاة والاشرار بإذن الغفّار حقّ

__________

(١) الآية: ٩٥ من سورة النساء.

(٢) الآية: ٧ من سورة الحشر.

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم “ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي ” وخلود الكفّار بعد الحساب في النّار وعذابها أيضا حقّ وكذلك خلود المؤمنين في الجنّة وتنعمّاتها حقّ والمؤمن الفاسق وإن جاز في حقّه دخول النّار وكونه معذّبا فيها أيّاما ولكنّ الخلود في النّار مفقود في حقّه ومن كان في قلبه مثقال ذرّة من الإيمان لا يكون مخلّدا في النّار بل مآل حاله إلى الرّحمة ومرجع أمره إلى الجنّة ومدار الإيمان والكفر على الخاتمة وكثيرا ما يكون الإنسان متّصفا بواحدة من هاتين الصّفتين طول عمره ويتحقّق بضدّها في الآخر وإنّما العبرة بالخواتم رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ (١) والإيمان عبارة عن تصديق قلبيّ بما علم من الدين بطريق الضّرورة والتّواتر والإقرار به أيضا ضروريّ كالإيمان بوجود الصّانع وتوحيده تعالى وكذلك الإيمان بحقّيّة الكتب والصّحف المنزّلة والإيمان بالانبياء الكرام والملائكة العظام عليهم الصّلاة والسّلام إلى يوم القيام والإيمان بالآخرة من حشر الاجساد وخلود العذاب والثواب في النّار والجنّة وانشقاق السّموات وانتثار الكواكب واندكاك الارض والجبال وكذلك الإيمان بفرضيّة الصّلوات الخمس وتعيين اعداد ركعتها وبفرضيّة زكاة الاموال وصوم رمضان وحجّ بيت الله الحرام على تقدير الاستطاعة وكذلك الإيمان بحرمة شرب الخمر وقتل النّفس بغير الحقّ وعقوق الوالدين والسّرقة والزّنا وأكل مال اليتيم وأكل الرّبا وأمثالها ممّا ثبت بالتّواتر وصار من ضروريّات الدين ولا يخرج المؤمن بارتكاب الكبيرة من الإيمان واستحلال الكبيرة كفر وارتكابها فسق وينبغي للمؤمن أن يعتقد نفسه مؤمنا حقّا يعني أن يعترف بثبوت إيمانه وتحقّقه ولا ينبغي أن يجعل كلمة الاستثناء يعني كلمة إن شاء الله مقرونة بالإيمان لكونها منبئة عن الشّكّ ومنافية لثبوت الإيمان بحسب بالصّورة وإن جعل الاستثناء راجعا إلى الخاتمة لكونها مبهمة ولكنّه لا يخلو من اشتباه الثبوت الحاليّ فالاحتياط في ترك صورة الشّكّ والاشتباه وأفضليّة الخلفاء الاربعة على ترتيب خلافتهم فإنّ إجماع أهل الحقّ منعقد على أنّ أفضل البشر بعد الانبياء صلوات الله تعالى وتسليماته سبحانه عليهم أجمعين أبو بكر الصّدّيق ثمّ عمر الفاروق رضي الله عنهما ووجه الافضليّة على ما فهمه هذا الفقير ليس كثرة الفضائل والمناقب بل الأسبقيّة في الإيمان والاقدميّة في إنفاق الاموال والاوّليّة في بذل الانفس في كلّ حال لتأييد الدين وترويج ملّة سيّد المرسلين فإنّ السّابق كأنّه أستاذ اللّاحق في أمر الدين وكلّ ما ينال اللّاحق يناله من مائدة دولة السّابق ومجموع هذه الصّفات الكاملة الثلاثة منحصرة في حضرة الصّدّيق رضي الله عنه فإنّ الذي جمع بين الاسبقيّة في الإيمان وبين إنفاق المال وبذل النّفس هو هو رضي الله عنه وهذه الدولة لم تتيسّر في هذه الامّة لغيره قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرضه الذي مات فيه “ إنّه ليس من النّاس أحد أمن عليّ في نفسه وماله من أبي بكر ابن أبي قحافة ولو كنت متّخذا من النّاس خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا ولكنّ أخوّة الإسلام أفضل سدّوا عنّي كلّ خوخة غير خوخة أبي بكر ” وقال عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام " إنّ

__________

(١) الآية: ٨ من سورة آل عمران.

الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركون لي صاحبي “ وقال عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام ” لو كان بعدي نبيّ لكان عمر بن الخطّاب “ وقال أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه ” إنّ أبا بكر وعمر كليهما أفضل هذه الامّة ومن فضّلني عليهما فهو مفتر أضربه كما يضرب المفتري “ وما وقع بين أصحاب خير البشر عليه وعليهم الصّلوات والتّسليمات من المنازعات والمحاربات ينبغي أن يحملها على محامل حسنة وأن يبعدهم عن مظنّة الهوى والهوس ومن حبّ الجاه والرّياسة ومن طلب الرّفعة والمنزلة فإنّ هذه الرّذائل من النّفس الامّارة ونفوس هؤلاء الاكابر صافية ومزكّاة في صحبة خير البشر عليه وعليهم الصّلاة والسّلام ولكنّ الحقّ كان في جانب أمير المؤمنين عليّ كرّم الله وجهه في تلك المشاجرات والمحاربات الواقعة في حقّ خلافته ومخالفوه كانوا مخطئين بالخطأ الاجتهاديّ الذي لا مجال فيه للملامة والطعن فضلا عن التّفسيق فإنّ الصّحابة كلّهم عدول ومرويّاتهم مقبولة ومرويّات موافقي عليّ ومخالفيه كلّها متساوية في الصّدق والوثوق ولم تصر المشاجرة والمحاربة علّة لجرح أحد فينبغي أن يحبّ جميعهم فإنّ حبّهم بحبّ النّبيّ عليه وعليهم الصّلوات والتّسليمات فإنّه قال ” من أحبّهم فبحبّي أحبّهم " وينبغي الاجتناب عن بغضهم وعداوتهم فإنّ بغضهم ببغضه صلّى الله عليه وسلّم كما قال ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم وفي تعظيم هؤلاء الاكابر وتوقيرهم تعظيم خير البشر عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام وتوقيره وفي عدم تعظيمهم عدم تعظيمه فينبغي تعظيم جميعهم من جهة تعظيم خير البشر عليه الصّلاة والسّلام قال الشّيخ الشّبليّ ما آمن برسول الله من لم يوقّر أصحابه.

(وبعد تصحيح الاعتقاد) لا بدّ من إتيان الاعمال أيضا قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم “ بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله الّا الله وأنّ محمّدا رسول الله ” وهي عبارة عن الإيمان والاعتقاد بما ثبت بتبليغ محمّد رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم كما مرّ والثاني أداء الصّلوات الخمس الّتي هي عماد الدين والثالث أداء زكاة المال والرّابع صوم شهر رمضان والخامس حجّ بيت الله الحرام فالصّلاة أفضل العبادات بعد الإيمان بالله ورسوله وحسن لذاته مثل الإيمان بخلاف سائر العبادات فإنّ حسنها ليس بذاتيّ فينبغي أداء الصّلاة بحسن التّأمّل والتّقيّد بعد طهارة كاملة كما بيّن في كتب الشّرع من غير فتور وينبغي الاحتياط في القراءة والرّكوع والسّجود والقومة والجلسة وسائر الاركان حتّى تؤدّى على وجه الكمال وينبغي التزام السّكونة والطّمأنينة في الرّكوع والسّجود والقومة والجلسة وينبغي الاحتراز عن المساهلة وينبغي أداؤها في أوائل أوقاتها من غير أن يجوز التّأخير على وجه التّكاسل والتّجاهل والعبد المقبول من يمتثل أمر مولاه بمجرّد أمره فإنّ التّأخير في امتثال الامر من التّمرّد وسوء الادب وينبغي أن يستصحب من الكتب الفقهيّة ما كتب بعبارة فارسيّة مثل ترغيب الصّلاة وتيسير الاحكام وأمثالهما في جميع الاوقات وأن يأخذ المسائل الشّرعيّة منها والعمل بمقتضاها وكتاب كلستان ومثله داخل في فضول في جنب كتب الفقه الفارسيّة بل ممّا لا يعنى بالنّسبة إلى الامور الضّروريّة وما يحتاج إليه في الدين ينبغي

أن يعدّه لازما دون أن يلتفت إلى ما ورائه وصلاة التّهجّد أيضا كأنّها من ضروريّات هذا الطّريق فينبغي السّعي حتّى لا تترك من غير ضرورة فإن كان هذا المعنى متعسّرا في الابتداء ولم يتيسّر التّيقّظ ينبغي تعيين جماعة من الخدّام ليوقظوا في ذلك الوقت بلا اختيار ولا يتركوا على النّوم وبعد اعتياد القيام أيّاما لا تحتاج إلى التّكلّف والتّعمّل ومن أراد أن يقوم في آخر اللّيل ينبغي أن ينام في أوّله بعد العشاء من غير أن يشتغل بما لا طائل فيه وينبغي أن يغتنم الاستغفار والتّوبة والالتجاء والتّضرّع وتذكّر المعاصي والذّنوب وتفكّر النّقائص والعيوب وخوف العذاب الاخرويّ والإشفاق من الالم الدائميّ في ذلك الوقت وأن يطلب العفو والمغفرة من الحقّ سبحانه وتعالى وأن يقول هذه الكلمة باللّسان متوجّها إلى القلب مائة مرّة أستغفر الله العظيم الذي لا إله الّا هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه سبحانه وينبغي أن يقول هذه الكلمة بعد أداء العصر أيضا مائة مرّة من غير أن يتركها بطهارة أو بلا طهارة وقد ورد في الخبر “ طوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثير ” وأداء صلاة الضّحى ان تيسّر دولة عظيمة فينبغي السّعي حتّى تؤدّى ركعتان منها على الدوام وأكثر ركعاتها كصلاة التّهجّد اثنتا عشرة ركعة ومقدار ما يؤدّى بمقتضى الوقت والحال مغتنم وينبغي أن يجتهد لقراءة آية الكرسيّ بعد أداء كلّ فرض فإنّه قد ورد في الخبر من قرأ آية الكرسيّ بعد كلّ صلاة فرض لا يمنعه من دخول الجنّة الّا الموت وأيضا ينبغي أن يقول بعد كلّ صلاة من صلوات الخمس كلمة التّنزيه سبحان الله ثلاثا وثلاثين مرّة وكلمة التّحميد الحمد لله ثلاثا وثلاثين مرّة وكلمة التّكبير الله أكبر ثلاثا وثلاثين مرّة ومرّة لا إله الّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير حتّى يستكمل العدد مائة ويقول أيضا في كلّ يوم وليلة “ سبحان الله وبحمده مائة مرّة ” فإنّ فيها ثوابا كثيرا ويقول وقت الصّبح مرّة “ اللهمّ ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشّكر ” ويقول في المغرب بدل ما أصبح “ ما أمسى ” ويتمّ وورد في الحديث النّبويّ “ أنّ من قرأ هذا الدعاء في النّهار فقد أدّى شكر ذلك النّهار ومن قرأه في اللّيل فقد أدّى شكر ذلك اللّيل ” ولا يلزم أن يكون قراءة هذا الورد على طهارة بل ينبغي قراءته في جميع الاوقات (وأداء) زكاة الأموال أيضا من ضروريّات الدين فينبغي أداؤها وإيصالها إلى مصارفها بالرّغبة وقبول المنّة فإذا قال الله سبحانه " اعطوا الفقراء والمساكين حصّة واحدة من أربعين حصّة من عطيّتي وإنعامي فأعطيكم في مقابلته أجرا جزيلا وجزءا جميلا فالتّوقّف في أداء هذا الجزء المحقّر والبخل في إعطائه من غاية عدم الإنصاف بل من التّمرّد والاعتساف وأمثال هذا التّوقّف في امتثال الاوامر الشّرعيّة منشؤها مرض قلبيّ وعدم يقين بالاحكام السّماويّة ولا يكفي مجرّد النّطق بكلمة الشّهادة بدون تصديق قلبيّ بمضمونها فإنّ المنافقين أيضا ناطقون بهذه الكلمة وعلامة يقين القلب إتيان الاوامر الشّرعيّة بطوع ورغبة واعطاء فلس لفقير بنيّة أداء الزّكاة أفضل من إنفاق ألوف بغير هذه النّيّة فإنّ ذاك أداء فرض وهذا إتيان نفل ولا اعتداد لإتيان النّفل بالنّسبة إلى أداء الفرض أصلا ولا اعتبار وليت له حكم القطرة بالنّسبة إلى

البحر المحيط ومن تسويلات الشّيطان اللّعين منعهم من أداء الفرائض وحملهم على أداء النّوافل وصدّهم عن أداء الزّكاة. (وصوم شهر رمضان المبارك) أيضا من واجبات الإسلام وضروريّات الدين فينبغي الاهتمام في أدائه أيضا ولا ينبغي الإفطار بأعذار غير مسموعة قال النّبيّ عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام والتّحيّة “ الصّوم جنّة من نار جهنّم ” فإن كان بعض الاعذار مانعا من الصّوم وملجأ إلى الإفطار كمرض وركوب متن الأسفار ينبغي قضاؤه بلا مهلة بعد زوال الاعذار دون أن يؤخّره بالتّكاسل إلى مرور الآصال والإبكار فإنّ العبد ليس له اختيار كلّيّ بل له مولى لا بدّ له من المعاشرة بمقتضى أوامره ونواهيه حتّى يتصوّر رجاء النّجاة فلو لم يكن كذلك يكون عبدا متمرّدا جزاؤه أنواع العقوبات (والرّكن الخامس) من أركان الإسلام حجّ البيت الحرام وله شرائط مذكورة في كتب الفقه فإذا تحقّقت شرائطه يجب أداؤه قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم “ الحجّ يهدم ما كان قبله من المعاصي ” وينبغي حسن الاحتياط في الحلّ والحرمة الشّرعيّين والامتناع عمّا منع عنه صاحب الشّريعة عليه وعلى آله الصّلاة والتّحيّة والمحافظة على الحدود الشّرعيّة لو كان المطلوب السّلامة والنّجاة إلى متى يمتدّ نوم الارنب وحتّى متى قطن الغفلة في الصّماخ فإنّ الارنب سيوقظ والقطن سينزع فلا يكون نقد الوقت حينئذ غير النّدامة والحسرة والخجالة والخسارة الموت قريب وأنواع عذاب الآخرة مهيّأة من مات فقد قامت قيامته ينبغي الانتباه قبل أن ينبّه فإنّه ح لا ينفع والعمل بمقتضى الاوامر والنّواهي الشّرعيّتين والاجتناب عن موجبات العذاب الاخرويّ قال الله تعالى قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نارًا وَقُودُهَا النّاسُ والْحِجارَةُ (١) الآية (وبعد تصحيح الاعتقاد) وإتيان الاعمال الصّالحة بمقتضى الشّريعة الحقّة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة ينبغي تعمير الأوقات بالذّكر الإلهيّ جلّ شأنه وأن يكون فارغا عن ذكره تعالى أصلا فإن كان الظّاهر مشغولا بالخلق ينبغي أن يجعل الباطن بالحقّ سبحانه وأن لا يكون ملتذّا بذكره تعالى وهذه الدولة متيسّرة للمبتدئين في طريقة خواجكان قدّس الله أسرارهم في أوّل قدم في صحبة الشّيخ الكامل المكمّل بعناية الله سبحانه وتعالى ولعلّه حصل لكم الإيمان بهذا المعنى بل تيسّر نصيب منه ولو كان قليلا وكلّ ما حصل ينبغي المحافظة عليه والقيام بشكره والرّجاء في الزّيادة وحيث انّ في طريقة الحضرات النّقشبنديّة اندراج النّهاية في البداية فإن حصل قليل منها فهو كثير فإنّ السّالك له خبر في البداية من النّهاية ولكن ينبغي للمبتدئ أن يستقلّ ما حصّله وإن كان كثيرا من غير أن يكون فارغا عن شكره بل ينبغي أداء شكره وطلب الزّيادة والمقصود الاصليّ من الذّكر زوال التّعلّق بما دون الحقّ سبحانه الذي المرض القلبيّ عبارة عنه وما لم يحصل هذا الزّوال لا يكون نصيب من حقيقة الإيمان ولا يتيسّر اليسر والسّهولة في أداء الأحكام الشّرعيّة.

الا فاذكروا ربّ البرايا فإنّه ... صفاء القلوب والغذاء لأرواح

__________

(١) الآية: ٦ من سورة التحريم.

وينبغي أن يكون المطلوب من أكل الطّعام حظّ النّفس بل يكون حصول القوّة والاستطاعة على العبادة فإن لم تتيسّر هذه النّيّة في الابتداء ينبغي أن يكون عليها بالتّكلّف وأن يلتجئ ويتضرّع لتتيسّر هذه النّيّة وكذلك ينبغي أن تكون النّيّة في لبس اللّباس التّزيّن للعبادة وأداء الصّلاة فإنّه قد ورد في القرآن المجيد خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (١)

ولا يكون المقصود من لبس الالبسة المزيّنة مراآة الخلق فإنّها ممنوع عنها وكذلك ينبغي أن يسعى في أن يكون المنظور في جميع الافعال والحركات والسّكنات رضى المولى جلّ سلطانه وأن يعمل بمقتضى شريعته الحقّة ففي هذا الوقت يكون كلّ من الظّاهر والباطن متوجّها إلى الحقّ تعالى وذاكرا له سبحانه مثلا إذا اختار العبد النّوم الذي هو غفلة من أوّله إلى آخره بنيّة دفع التّكاسل في أداء الطّاعة يكون ذلك النّوم بهذه النّيّة عين العبادة فما دام في ذاك النّوم فكأنّه في الطّاعة لكونه بنيّة أداء الطّاعة وقد ورد في الخبر “ نوم العلماء عبادة ” وإن كنت أعلم أنّ حصول هذا المعنى فيكم اليوم متعذّر لهجوم الموانع ووجود التزام العادات والرّسوم وكون المنظور الحميّة والانفة الّتي هي مضادّة للشّريعة الغرّاء فإنّ الشّريعة واردة لدفع الرّسوم والعادات ورفع الحميّة الجاهليّة النّاشئة عن النّفس الامّارة ولكن إذا حصلت المداومة على الذّكر القلبيّ وأداء الصّلوات الخمس بشرائطها من غير فتور بتوفيق الله سبحانه وتيسّر الاحتياط في الحلّ والحرمة الشّرعيّين مهما أمكن يحتمل أن يظهر جمال هذا المعنى ويحصل الرّغبة فيه (ووجه) آخر لكتابة أمثال هذه النّصائح هو أنّه وإن لم يحصل العمل بمقتضى هذه النّصائح فلا أقلّ من أن يحصل الاعتراف بالقصور والنّقص وهو أيضا دولة عظيمة. (شعر)

ومن نال يلقى دولة فوق قدره ... ومن لا فيكفيه الاسى من فواتها

ونعوذ بالله سبحانه من حال من لا ينال ولا يغتمّ من عدم نيله ولا يعمل ولا يتندّم من عدم عمله ولا يكون ذلك الّا جاهلا متمرّدا أخرج رأسه من ربقة العبوديّة ورجله من قيد الرّقّيّة رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدًا (٢) وان لم يقتض الوقت والحال والزّمان والمكان تحرير شيء ولكن لمّا رأيت شوقكم ورغبتكم على وجه الكمال كتبنا سطورا بالتّكلّف وسلّمناها إلى كمال الدين حسين رزق الله سبحانه العمل بمقتضاها والسَّلامُ عَلى مَنِ اِتَّبَعَ الْهُدى (٣).

__________

(١) الآية: ٣١ من سورة الأعراف.

(٢) الآية: ١٠ من سورة الكهف.

(٣) الآية: ٤٨ من سورة طه.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!