موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(22) المكتوب الثاني والعشرون إلى الملا مقصود علي التبريزي في بيان «المراد من نجاسة المشركين خبثهم الباطني واعتقادهم السوء لا كونهم نجس العين»

 

 


بعض الصّفات الغير الملائمة لذاك الاصل على الضّمائر كقولنا أنا آكل وأنا نائم. (اعلم) أنّ الظّلّ وإن كان قائما بأصله ولكنّ ثبوته الظّلّيّ وإن كان في مرتبة الحسّ والخيال متحقّق دائما وأحكامه الظّلّيّة دائمة وباقية وخلقتم للأبد شاهد لذلك وحمل الصّفات على تلك الضّمائر إنّما هو بملاحظة اعتبار ظلّيّتها ولكلّ مرتبة من مراتب الوجود حكم على حدة وكلّ ما هو متلاش ومضمحلّ في الإله ليس بإله جلّ وعلا (وسالتم أيضا) عن معنى الحديث القدسيّ الوارد في فضائل الزّهّاد الكرام معاني الفاظه ظاهرة وليس ببعيد عن فضله وكرمه تعالى أن يخصّص جماعة بفضائل وخصائص وأن ينعم عليهم بدرجات ومراتب يغبطهم فيها غيرهم وعدم حساب هؤلاء ليس بمحلّ تردّد فإنّ كثيرا من أمّة خير البشر عليه وعليهم الصّلوات والتّسليمات يدخلون الجنّة بغير حساب ومن جملة ذلك ما ورد في الحديث الصّحيح “ يدخل الجنّة من أمّتي سبعون الفا بغير حساب فقالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربّهم يتوكّلون ” وفي هذا المقام سرّ عظيم لا مصلحة في إظهاره لكونه بعيدا عن أفهام الاكثرين فإن اتّفقت الملاقاة ينبغي ان تذكروا بها فنذكر شمّة منه مشافهة ورمز من هذا السّرّ مندرج في مكتوب من مكتوبات الجلد الثاني فإذا وجدتموه لعلّكم تجدونه (وسالتم أيضا) أنّ علم الحقّ سبحانه هل يكون محيطا بكنه ذاته أو لا؟ فإن كان محيطا يلزم تناهي الذّات (اعلم) أنّ العلم على قسمين حصوليّ وحضوريّ ومحال أن يتعلّق العلم الحصوليّ بكنه ذات الواجب جلّ سلطانه لكونه مستلزما للإحاطة والتّناهي وأمّا العلم الحضوريّ فيجوز أن يتعلّق بكنه ذاته تعالى ولا يلزم منه تناه أصلا والسّلام.

(٢٢) المكتوب الثاني والعشرون إلى الملّا مقصود علي التّبريزيّ في بيان «المراد من نجاسة المشركين خبثهم الباطنيّ واعتقادهم السّوء لا كونهم نجس العين»

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أيّها المخدوم المشفق لم يعلم المقصود من إرسال التّفسير الحسينيّ وصاحب التّفسير بيّن معنى الآية الكريمة موافقا لأئمّة الحنفيّة ويريد من النّجاسة الشّرك وخبث الباطن وسوء الاعتقاد وما قاله بعد ذلك من أنّ هؤلاء لا يجتنبون عن النّجاسات فهذا المعنى موجود في أكثر أهل الإسلام أيضا في هذه الايّام والفرق بين عوامّ أهل الإيمان وبين الكفّار مفقود من هذه الحيثيّة فلو كان عدم الاجتناب عن النّجاسة سببا لنجاسة الشّخص تصير المعاملة ضيّقة ولا حرج في الإسلام وما نقل عن ابن عبّاس رضي الله عنهما من انّ المشركين نجس العين مثل الكلاب امثال هذا النّقل الشّاذّ وردت كثيرا من أكابر الدين وكلّها محمولة على التّوجيه والتّأويل كيف يكون نجس العين فإنّ النّبيّ عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام قد أكل الطّعام من بيت يهوديّ وتوضّأ من ظرف مشرك " وتوضّأ الفاروق رضي الله عنه أيضا من ظرف امرأة نصرانيّة. (فإن قيل) يجوز أن يكون قوله تعالى إِنَّمَا

الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (١) متأخّرا وناسخا للمذكورات (أجيب) أنّه يجوز أن يكون كذلك لا يكفي في هذا المقام بل لا بدّ من إثبات التّأخّر حتّى تصحّ دعوى النّسخ فإنّ الخصم من وراء المنع. (ولو سلّم أنّه متأخّر) ينبغي أن لا يكون مثبتا للحرمة ويكون المراد من النّجاسة خبث الباطن لانّه قد نقل أنّه لم يرتكب نبيّ من الانبياء أمرا يكون مآله في شريعته أو في شريعة غيره من الانبياء منجرّا إلى الحرمة ويكون محرّما في الآخر وإن كان مباحا حين الارتكاب الا ترى أنّ الخمر كان مباحا اوّلا ثمّ حرّم ولم يشربه نبيّ قطّ فلو كان مآل أمر المشركين إلى النّجاسة الظّاهرة وكانوا مثل الكلاب نجس العين لما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الذي هو محبوب ربّ العالمين يمسّ ظروفهم فضلا عن أكل طعامهم وأيضا إنّ النّجس العين نجس عين في جميع الاوقات لا مجال فيه للإباحة سابقة ولاحقة فلو كان المشركون نجس عين ينبغي أن يكونوا كذلك في الابتداء وأن يعامل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بهم بمقياسه ومقتضاه في الاوّل وليس فليس (وأيضا) إنّ الحرج مدفوع عن الدين ومعلوم أنّ الحكم بنجاستهم واعتقاد أنّهم نجس عين تضييق على المسلمين جدّا والقاؤهم في الحرج والمشقّة ينبغي أن يقبل المنّة من أئمّة الحنفيّة رضي الله عنهم حيث هيّئوا مخلصا للمسلمين وأخرجوهم من ارتكاب الحرام دون أن يطعن فيهم وزعم حسنهم قبحا وعيبا وأين مجال الاعتراض على المجتهد فإنّ لخطئه أيضا درجة من الثواب وتقليده وإن كان مخطئا موجب للنّجاة واجتناب جماعة يقولون بحرمة أطعمة الكفّار وأشربتهم عن ارتكاب أكلها وشربها محال عاديّ خصوصا في بلاد الهند فإنّ هذا الابتلاء أكثر فيها وإذا كان في مسالة دينيّة عموم البلوى فالاولى أن يفتى بأسهل الامور وأيسرها بقول أيّ مجتهد كان وإن لم يكن موافقا لمذهبه قال الله تعالى يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (٢) وقال تعالى يُرِيدُ الله أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفًا (٣) والتّضييق على خلق الله وإيذاؤهم حرام ومناف لرضا الحقّ سبحانه والشّافعيّة يفتون في بعض المسائل الذي ضيّق فيه الإمام الشّافعيّ بمذهب الحنفيّة ليسهل للخلق مثلا في مصارف الزّكاة ينبغي ان تصرف الزّكاة عند الشّافعيّ على جميع اصنافها وواحد منها المؤلّفة القلوب وهم مفقودون في هذه الايّام فأفتى علماء الشّافعيّة بمذهب الحنفيّة بأنّها إذا أدّيت على أيّ صنف منها يكفي وأيضا إذا كان المشركون نجس العين ينبغي أن لا يطهّروا بالإيمان أيضا فعلم أنّ كونهم نجسا إنّما هو بواسطة خبث اعتقادهم القابل للزّوال ومقصور على الباطن الذي هو محلّ الاعتقاد ونجاسة الباطن لا تنافي طهارة الظّاهر كما هو معلوم للوضيع والشّريف وأيضا إنّ قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (٤) إخبار عن حال المشركين والإخبار

__________

(١) الآية: ٢٨ من سورة التوبة.

(٢) الآية: ١٨٥ من سورة البقرة.

(٣) الآية: ٢٨ من سورة النساء.

(٤) الآية: ٢٨ من سورة التوبة.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!