موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(26) المكتوب السادس والعشرون إلى السيد محمد نعمان في بيان أن الحق سبحانه كما هو موجود بذاته لا بالوجود حي وعالم وموصوف بالصفات الثمانية بذاته لا بصفات زائدة وما يناسب ذلك

 

 


(٢٦) المكتوب السّادس والعشرون إلى السّيّد محمّد نعمان في بيان أنّ الحقّ سبحانه كما هو موجود بذاته لا بالوجود حيّ وعالم وموصوف بالصّفات الثمانية بذاته لا بصفات زائدة وما يناسب ذلك

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى (اعلم) أنّ الحقّ سبحانه كاف بذاته القدس في نفس الوجود وفي سائر كمالات الوجود وتوابعه من الحياة والعلم والقدرة والسّمع والبصر والإرادة والكلام والتّكوين ليس بمحتاج في حصول هذه الكمالات إلى صفات زائدة وإن كانت له سبحانه صفات كاملة زائدة أيضا فهو تعالى كما أنّه موجود بذاته الاقدس لا بالوجود حيّ بذاته لا بالحياة الّتي هي صفته تعالى عالم بذاته لا بصفة العلم بصير بذاته لا بصفة البصر سميع بذاته لا بصفة السّمع وقادر بذاته لا بصفة القدرة مريد بذاته لا بصفة الإرادة ومتكلّم بذاته لا بصفة الكلام ومبدأ إيجاد الكائنات بذاته لا بصفة التّكوين وإن كان وجود العالم بتوسّط التّكوين وسائر الصّفات كما سيجيء تحقيق هذا المعنى وهذا التّكوين وراء القدرة فإنّ في القدرة صحّة الفعل والتّرك وفي التّكوين جانب الفعل متعيّن وأيضا للقدرة تقدّم على الإرادة والتّكوين بعد الإرادة وهذا التّكوين شبيه باستطاعة العبد الّتي قال علماء أهل الحقّ إنّها مقرونة بالفعل ووراء القدرة والإرادة القدرة مصحّحة لكلا طرفي الفعل والتّرك والإرادة مرجّحة لأحد الطّرفين والإيجاد يتعلّق بالتّكوين بعد ترجيح الإرادة فلو لم تثبت القدرة الّتي هي مصحّحة الطّرفين يلزم الإيجاب ولو لم يثبت التّكوين يلزم الإيجاد من غير مستند فإنّ القدرة مصحّحة الإيجاد والتّكوين مباشر الإيجاد فلا بدّ إذا من إثبات التّكوين وقد اهتدى إليه علماء الماتريديّة ولمّا وجد الاشاعرة إضافته وتعلّقه إلى الاشياء أكثر ظنّوه من الصّفات الإضافيّة والله يحقّ الحقّ وهو يهدي السّبيل وإرجاع التّخليق والتّرزيق والإحياء والإماتة وأمثالها إلى صفة التّكوين أحسن من القول بكون كلّ منها صفة قديمة برأسها لئلّا يلزم إثبات قدماء متكثّرة من غير ضرورة فلاح من هذا البيان أنّ ما يتيسّر لغيره تعالى بإيجاده سبحانه بواسطة الصّفات حاصل له تعالى بذاته من غير توسّط الصّفات فإنّ ذاته تعالى جامعة لجميع الكمالات من غير ملاحظة أمر واعتبار بل هي عين كلّ كمال فإنّ التّبعّض والتّجزّي مفقود في حضرته فهو سبحانه عالم بتمام ذاته وسميع بالتّمام وبصير بالتّمام على هذا القياس سائر الصّفات ومع ذلك له سبحانه وتعالى صفات سبعة بل ثمانية كما قال بها علماء أهل الحقّ شكر الله تعالى سعيهم وهذه الصّفات الكاملة القديمة ظلال تلك الكمالات الذّاتيّة ومظاهرها ويمكن أن يقال: إنّها نقاب تلك الكمالات وحجب انوارها المكنونة.

(فإن قيل) إذا كان ذاته تعالى كافية في حصول جميع الكمالات فلايّ شيء تثبت الصّفات ولم يقال بوجود تعدّد القدماء ولهذا اكتفى الفلاسفة والمعتزلة بالذّات وهربوا من القول بتعدّد القدماء وقالوا بنفي الصّفات (أجيب) أنّ حضرة الذّات تعالت وتقدّست وإن كانت كافية في حصول الكمالات ولكن لا بدّ في تكوين الاشياء وتخليقها من الصّفات الزّائدة فإنّ ذاته تعالى في نهاية التّنزّه والتّقدّس وفي غاية العظمة وجلال الكبرياء وكمال الغناء لا مناسبة لها بالاشياء إنّ الله لغنيّ عن العالمين وبمقتضى الحكمة ووفق العادة لا بدّ في الإفادة والإفاضة من المناسبة للمستفيد والمستفيض والصّفات قد تنزّلت درجة واحدة وحصلت ظلّيّة ومناسبة بالاشياء ولو في الجملة فلو لم يكن توسّط الصّفات لما يتصوّر حصول شيء من الاشياء فإنّه لا نصيب للأشياء في سطوة أشعّة أنوار حضرة الذّات تعالت وتقدّست غير الهلاك والفناء والانمحاء والانعدام ولا فكر فيمن ينسب إيجاد الاشياء إلى الذّات البحت من غير إثبات الصّفات وما هو الصّادر الاوّل حتّى لا يكون مضمحلّا ومتلاشيا في سبحات وجه ذاته تعالى (فإن قيل) إنّ الفلاسفة والمعتزلة وإن لم يثبتوا الصّفات في الخارج ولكنّهم قائلون باعتبارات علميّة ومثبتون لكمالات ذاتيّة متمايزة في العلم فلم يكن إيجاد الاشياء منسوبا إلى الذّات البحت بل بتوسّط الاعتبارات (أجيب) انّ إيجاد العالم في الخارج والعالم موجود في الخارج فلا بدّ من الحجب الخارجيّة حتّى يمكن أن تكون وسيلة لوجود الاشياء في الخارج وحافظة إيّاها عن الانمحاء والاستهلاك والاعتبارات العلميّة لا تجدي شيئا في الوجودات الخارجيّة ولا يكفي الحجاب العلميّ في محافظة الموجودات الخارجيّة وبعض الصّوفيّة الذين لا يقولون بوجود العالم في غير العلم لعلّ الاعتبارات العلميّة تنفعهم ويمكن أن تكون وسيلة لوجودات علميّة ولكنّ العالم موجود في الخارج وإن كان هذا الخارج ظلّ ذلك الخارج وهذا الوجود ظلّ ذاك الوجود فلا بدّ من الحجب الخارجيّة حتّى يمكن أن تكون وسيلة لوجود العالم في الخارج فينبغي أن تكون الصّفات الحقيقيّة موجودة في الخارج ومربّية للأشياء ومجلية للكمالات الذّاتيّة بوساطة نفسها في مرايا العالم وموردة إيّاها في منصّة الظّهور والصّفات وإن كانت حجبا للذّات تعالت ولكنّ ظهور الكمالات الذّاتيّة مربوط بوجودها وحجابيّة الصّفات كحجابيّة المنظرة الّتي هي سبب للإراءة وهذا الظّهور وإن كان ظلّيّا ولكن ماذا نصنع قد جعل وجودنا مربوطا بالظّلّ وتحقّقنا منوطا بالحجاب ما بالذّات لا ينفكّ عن الذّات (ع) سياهي أز حبشى كى رود كه خود رنك است. (شعر)

ومن بعد هذا ما يدقّ صفاته ... وما كتمه أحظى لديّ وأجمل

العبد لا يكون حقّا سبحانه ولكن بفضله تعالى لا ينفكّ عن الحقّ جلّ شأنه “ المرء مع من أحبّ ” وإن كانت له سبحانه نسبة المعيّة بجميع الاشياء ولكنّ هذه المعيّة الّتي منشؤها المحبّة غير تلك المعيّة ومن لا محبّة له لا معرفة له بتلك المعيّة وحيث أنّ الدرجات متفاوتة في المحبّة فالتّفاوت أيضا حاصل في المعيّة بقدر تفاوت المحبّة وهذه المعيّة هي السّبب للتخلّص عن الظّلّيّة والواسطة للاضمحلال بالكلّيّة وهي

المزيلة للرّقّيّة والمثبتة للحرّيّة في عين العبديّة وهي المسقطة للأنانيّة بل الرّافعة للأنانيّة إلى الدرجات الكماليّة (ينبغي أن يعلم) أنّه سبحانه قال في المعيّة العامّة بالاشياء وهو معكم فأثبت المعيّة في طرفه سبحانه وفي المعيّة الخاصّة بحكم “ المرء مع من أحبّ ” أثبت المعيّة في هذا الطّرف بمقتضى المحبّة شتّان ما بين المعيّتين فإنّ في المعيّة الخاصّة إثبات المعيّة من الطّرفين وفي المعيّة العامّة من ذاك الطّرف فقط فيلزمها الحرمان في عين الوجدان يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ الله (١) والعالم وإن كان ظلال الصّفات وعرض له الوجود والبقاء بتوسّط الصّفات ولكن محبّ حضرة الذّات تعالت وتقدّست بتوسّط المحبّة الذّاتيّة مع حضرة الذّات تعالت قد ترقّى من الصّفات الّتي هي أصوله بعروج لا كيفيّ واتّصل بأصل الاصول متجاوزا الاصول ولكنّ اتّصاله لا كيفيّ فلو لم يترقّ عن أصله فما تكون الفائدة في مجيئه يعني وجوده وما الحاجة إلى المحبّة فإنّه كان له اتّصال بأصله في جميع الاوقات وكان الوصل الظّلّيّ ميسّرا له دائما والامر هو جعل الأصل مرقاة كالظّلّ والتّرقّي بأجنحة المحبّة إلى ما فوقه وفهم هذا العروج ليس ممّا يحصل في حوصلة فهم كلّ أحد والتّرقّي عن نفسه تاركا لنفسه ليس ممّا يكون معقولا لأرباب النّظر والفكر بل الصّوفيّة أيضا يشرّف منهم بهذه الدولة واحد من ألوف وينكشف له سرّ هذا المعمّى. (شعر)

هزار نكتهء باريك تر ز موئ اينجاست ... نه هر كه سر بتراشد قلندرى داند

(فإن قيل) إنّ هذا السّير هل هو آفاقيّ او أنفسيّ (أجيب) أنّه ليس بآفاقيّ ولا أنفسيّ فإنّ المراد من الآفاق والأنفس الداخل والخارج وهذه المعاملة وراء الدخول والخروج وإن كانت محالا عند أرباب النّظر فإنّه إذا كان المطلوب أقدس من الدخول والخروج وتكون النّسبة معه أيضا منزّهة عن الدخول والخروج بالضّرورة وهذا السّير مع هذا الاشكال ومع هذه الدقّة معلوم ومتميّز عند اربابه ان كان من ارباب العلم كسير الدهليّ وأكره وكلّ منزل ممتاز عن منزل آخر. (تنبيه) إنّ العالم وإن كان ظلال الصّفات والصّفات ظلال حضرة الذّات ولكن للظّلّيّة درجات ومراتب كلّ منها حجاب للمطلوب “ إنّ لله سبعين الف حجاب من نور وظلمة ” وما لم تخترق الحجب بالتّمام لا يتخلّص من الظّلّيّة والمراد من خرق الحجاب هنا خرق شهوديّ وما ورد في آخر هذا الخبر من منع خرق جميع الحجب فالمراد منه خرق وجوديّ وهو ممتنع لانّه مستلزم لرفع الصّفات القديمة وهو محال ولكن إذا حصلت المعيّة الغير المتكيّفة فلها حكم الخرق الوجوديّ ومع الحجب كأنّه لا حجب فإنّ للمعيّة دقّة بحيث لا تطيق الحائل رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا واِغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢) الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين وعليهم وعلى آله الطّاهرين أجمعين.

__________

(١) الآية: ٥٦ من سورة الزمر.

(٢) الآية: ٨ من سورة التحريم.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!