موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(33) المكتوب الثالث والثلاثون إلى الملا شمس الدين في تحقيق كلام الشيخ شرف الدين يحيى المنيري من أن السالك ما لم يكفر ولم يقطع رأس أخيه ولم يتزوج بأمه لا يكون مسلما

 

 


أنّكم تخيّلتم الصّور لبّا والتّنزيه قشرا فإنّ دعوة العلماء ودلالتهم إلى التّنزيه ومشهود صاحب التّجلّي الصّوريّ ومطلوبه الصّور والاشكال ينبغي الإنصاف أيّهما متشبّث باللّبّ وأيّهما منخدع بالقشر وإِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١) رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدًا (٢) والسّلام أوّلا وآخرا.

(٣٣) المكتوب الثالث والثلاثون إلى الملّا شمس الدين في تحقيق كلام الشّيخ شرف الدين يحيى المنيريّ من أنّ السّالك ما لم يكفر ولم يقطع رأس أخيه ولم يتزوّج بأمّه لا يكون مسلما.

عليكم بالاستقامة يا ملّا شمس قد سألتم أنّ شيخ المشايخ الشّيخ شرف الدين يحيى المنيريّ كتب في رسالته إرشاد السّالكين “ إنّ السّالك ما لم يكفر لا يكون مسلما وما لم يقطع رأس أخيه لا يكون مسلما وما لم يتزوّج بأمّه لا يكون مسلما ” فما المراد بهذه الكلمات (اعلم) أنّ المراد بالكفر كفر الطّريقة الذي هو عبارة عن مرتبة الجمع الذي هو موطن الاستتار ومقام عدم الامتياز بين حسن الإسلام وقبح الكفر بل كما يرى الإسلام مستحسنا يجد للكفر أيضا حسنا فيه ويجد كليهما مظهرا للاسم الهادي والاسم المضلّ وينال من كلّ منهما حظّا ويكون بهما مستلذّا وهذا هو ذلك الكفر الذي أخبر عنه حسين بن منصور الحلّاج وكان فيه ومات عليه وقال (شعر)

كفرت بدين الله والكفر واجب ... لديّ وعند المسلمين قبيح

والشّطحيّات مثل قول أنّا الحقّ وقول سبحاني وقول ليس في جبّتي سوى الله كلّها من اثمار شجرة الجمع الذي منشئوه استيلاء الحبّ وغلبة محبّة المحبوب الحقيقيّ لم يبق في نظر شهودهم غير المحبوب بل صار مختفيا ومستورا وهذا المقام مقام الجهل والحيرة أيضا ولكنّ جهل هذا المقام محمود وحيرته ممدوحة فإن وقع سير إلى أعلى من مقام الجمع بعناية الله سبحانه واجتمع العلم بالجهل واقترنت المعرفة بالحيرة وظهر الفرق والتّميّز وتبدّل السّكر بالصّحو فحينئذ يحصل الإسلام الحقيقيّ وتتيسّر حقيقة الإيمان وهذان الإسلام والإيمان محفوظان من الزّوال ومأمونان من طريان الكفر والاستبدال والمراد بما ورد في بعض الادعية المأثورة من قوله صلّى الله عليه وسلّم “ اللهمّ إنّي أسالك إيمانا ليس بعده كفر ” هو هذا الإيمان لانّه محفوظ عن الزّوال وقوله تعالى أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ

__________

(١) الآية: ٢٤ من سورة سبأ.

(٢) الآية: ١٠ من سورة الكهف.

يَحْزَنُونَ (١) بيان لعلامة حال أهل هذا الإيمان فإنّ الولاية لا تتصوّر بدون هذا الإيمان وإن كان يمكن إطلاق اسم الولاية في مرتبة الجمع أيضا ولكنّ النّقص والقصور لازم تلك المرتبة دائما فإنّ الكمال في الإيمان والمعرفة لا في الكفر والجهل أيّ كفر وأيّ جهل كان فصحّ ما قال الشّيخ فإنّه ما لم يتحقّق بكفر الطّريقة لا يشرّف بإسلام الحقيقة (وما) قال إنّه ما لم يقطع رأس أخيه لا يكون مسلما فالمراد من الاخ الشّيطان الذي يولد معه ويكون قرينه ويدلّه على الشّرّ والفساد دائما كما ورد في الحديث على قائله الصّلاة والسّلام “ ما من ابن آدم إلّا ومعه قرين من الجنّ قالوا: ومعك يا رسول الله؟ قال: نعم ولكن أعانني الله عليه فأسلم ” يعني من شرّه إن كان بصيغة المتكلّم أو فأسلم شيطاني إن كانت الرّواية بصيغة الماضي وهذه الرّواية الاخيرة مشهورة وقتل هذا القرين عبارة عن عدم الانقياد إليه واستحقاره واسترذاله.

(فإن قيل) إنّ الإنسان مع وجود العقل والفراسة فيه لم يكن مغلوبا للشّيطان ويرتكب غير مرضاته تعالى. (أجيب) انّ الشّيطان فتنة وبلاء سلّطه الله سبحانه على عباده للابتلاء والامتحان وجعله مستورا عن نظرهم ولم يطلعهم على أحواله وجعله بصيرا بأحوالهم وأجراه مجرى الدم منهم والسّعيد من يكون محفوظا بعناية الله تعالى من كيد مثل هذا البلاء ومكره ومع ذلك ذكر الله سبحانه كيده في القرآن المجيد بالضّعف وجرّأ السّعداء وشجّعهم نعم إنّ حكم الشّيطان بهذا التّسلّط مع إعانة الله لعبده حكم الثعلب وبدون إمداد فضله أسد مفترس. (شعر)

الا فأعطني قلبا ترى من جسارة ... الاسود وإن الفيتني قبل ثعلبا

(والجواب الآخر) انّ الشّيطان ربّما يجيئ من طرق أهواء النّفس ويدلّه على المشتبهات فيجد النّصرة عليه بالضّرورة بإعانة النّفس الأمّارة الّتي هي عدوّ المنزل ويجعلها منقادة لنفسه وكيد الشّيطان ضعيف في حدّ ذاته وإنّما يفعل ما يفعل بإعانة من يؤوي العدوّ إليه وبلاؤنا في الحقيقة هو النّفس الامّارة الّتي هي عدوّة أرواحنا لا أحد عدوّ لنفسه الّا هذه الخسيسة والعدوّ الخارجيّ إنّما يصنع ما يصنع بإمدادها فينبغي أوّلا أن يقطع رأس النّفس وأن يمتنع عن الانقياد إليها والازدراء بها وإهانتها ورأس الاخ يقطع في ضمن هذا الجهاد ويصير حقيرا وذليلا وحجاب طريق السّالك وسدّه هو نفسه والاخ خارج عن المبحث فإنّه يدعو إلى الشّرّ من بعد ومن صراط مستقيم إلى سبل معوجّة ودفع العدوّ الخارجيّ بعد التّخلّص من انقياد النّفس متصوّر بإمداد الله تعالى بأسهل الوجوه إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ (٢) بشارة للعباد الذين تخلّصوا من رقّيّة النّفس وأخلصوا العبادة للمعبود الحقيقيّ والله سبحانه الموفّق (وما قال) من أنّه ما لم تتزوّج بأمّه لا يكون مسلما (يمكن) أن يكون مراده بأمّه عينه الثابت الذي هو سبب ظهور

__________

(١) الآية: ٦٢ من سورة يونس.

(٢) الآية: ٤٢ من سورة الحجر والآية: ٦٥ من سورة الإسراء.

وجوده في الخارج وورد التّعبير عن العين الثابت بالامّ في اصطلاح هذه الطّائفة قال واحد من الاعزّة.

(شعر) ولدت أمّي أباها ... إنّ ذا من عجبات

أراد بالأمّ عينه الثابت وبأبيها اسما من الاسماء الإلهيّة الذي العين الثابت ظلّ ذلك الاسم وعكسه ولمّا كان ظهور ذلك الاسم في الخارج بتوسّط ذاك العين الثابت عبّر عن ذلك الظّهور بالولادة (وبالجملة) يقولون “ الامّ ” ويريدون به العين الثابت ويقال لهذا العين الثابت تعيّنا وجوبيّا فإنّ التّعيّنات عند هذه الطّائفة العليّة خمسة يقال لها التّنزّلات الخمسة والحضرات الخمس أيضا يثبتون منها في مرتبة الوجوب تعيّنين وثلاثة في مرتبة الإمكان والتّعيّنان الوجوبيّان هما تعيّن الوحدة وتعيّن الواحديّة وكلاهما في مرتبة العلم والفرق بالإجمال والتّفصيل العلميّين والتّعيّنات الثلاثة الإمكانيّة هي التّعيّن الرّوحيّ والتّعيّن المثاليّ والتّعيّن الجسديّ ولمّا كان العين الثابت في مرتبة الواحديّة يكون تعيّنه وجوبيّا بالضّرورة وحيث انّ حقيقة الممكن عينه الثابت الذي له وجه إلى التّعيّن الوجوبيّ وذلك الممكن كالظّلّ له فيكون أمّ ذلك الممكن من عالم الوجوب الذي أظهرته في عالم الإمكان والتّزوّج بالامّ بمعنى أنّ تعيّن الممكن الإمكانيّ يتّحد مع تعيّنه الوجوبيّ.

(شعر) لو نفض الممكن أغبرة الإم‍ ... كان لا يبقى سوى واجب

يعني يكون تعيّنه الإمكانيّ مختفيا عن نظره ويطلق لفظ “ أنا ” على التّعيّن الوجوبيّ لا بمعنى أنّ التّعيّن الإمكانيّ يتّحد بالتّعيّن الوجوبيّ في نفس الامر فإنّه محال والقول به مستلزم للالحاد والزّندقة لانّ المعاملة هنا بحسب الشّهود فإن كان زوال تعيّن فباعتبار الشّهود وإن اتّحاد فبالشّهود أيضا.

(شعر) وهذا لا يصير قطّ ذاكا ... وذاكم لا يصير قطّ هذا

فإذا وجد السّالك تعيّنه متّحدا بذاك التّعيّن صار مستحقّا لأن يتخلّص عن التّلوّثات الإمكانيّة وأن يشرّف بدولة الإسلام والانقياد لمرتبة الوجوب (ينبغي أن يعلم) أنّ التّنزّلات الخمسة الّتي قال بها الصّوفيّة مجرّد اعتبارات في الوجود وتتعلّق بالكشف والشّهود لا أنّه في الحقيقة تنزّل هناك وتغيّر وتبدّل فسبحان من لا يتغيّر بذاته ولا بصفاته ولا في أسمائه بحدوث الاكوان وربّما يورد الصّوفيّة على السنتهم أشياء على قدر وجدانهم الذي متضمّن للسّكر وغلبة الحال فلا ينبغي حملها على الظّاهر بل ينبغي ان يصرفها عن الظّاهر إلى التّأويل والتّوجيه فانّ كلام السّكارى يحمل ويصرف عن الظّاهر والله سبحانه أعلم بحقائق الامور كلّها ولمّا نقلت هذه الكلمات الموجبة للقلق والاضطراب عن شخص عظيم كتبنا في حلّها أشياء بالضّرورة وإلّا فهذا الفقير لا يلتفت إلى أمثال هذه الكلمات المشعرة بالمخالفة ولا يحرّك شفتيه بالرّدّ والقبول رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وثَبِّتْ أَقْدامَنا واُنْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!