موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(32) المكتوب الثاني والثلاثون إلى المقصود علي في بيان أن ما قيل إن كثرة الخطرات من أسباب الوصل إنما هو على مقدار التجلي وفي تحقيق حقيقة الكثرة الوهمية وما يناسب ذلك

 

 


الدنيا بعذاب الآخرة وهذا توهّم باطل بيّن البطلان (فإن قيل) قد يفهم من قوله تعالى الله يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها والَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها (١) إنّ توفّي الانفس كما هو في الموت كذلك هو في المنام أيضا فما وجه عدّ عذاب أحدهما من عذاب الدنيا وعذاب الآخر من عذاب الآخرة (أجيب) انّ التّوفّي في المنام من قبيل خروج شخص من وطنه المألوف بالشّوق والرّغبة للنّزاهة والنّظارة ليحصل له الفرح والسّرور فيرجع إلى وطنه فرحا مسرورا ومنتزهه عالم المثال الذي متضمّن لعجائب الملك والملكوت ولا كذلك التّوفّي حين الموت فإنّ فيه هدم الوطن المألوف وتخريب البناء المعمور ومن ههنا لا تحصل المحنة والكلفة في توفّي النّوم بل هو متضمّن للفرح والسّرور وفي توفّي الموت شدّة وكلفة فيكون وطن المتوفّي النّوميّ هو الدنيا وتكون المعاملة الّتي تظهر له من معاملات الدنيا والمتوفّي الموتيّ منتقل إلى الآخرة بعد تخريب وطنه المألوف وكانت المعاملة معه من معاملات الآخرة ولعلّكم سمعتم " من مات فقد قامت قيامته» (وإيّاكم) والانحراف عن اعتقادات اهل السّنّة والجماعة شكر الله تعالى سعيهم اغترارا بالكشوف الخياليّة وظهور الصّور المثاليّة فإنّ النّجاة بدون متابعة هذه الفرقة النّاجية غير متصوّرة فعليكم بالاجتهاد في اتّباع هؤلاء الاكابر غاية الإمكان تاركين ما ينافيه كائنا ما كان ما عَلَى الرَّسُولِ إِلّاَ الْبَلاغُ (٢) وقد أوردني انبساطكم في العبارة في توهّم أنّ هذه التّخيّلات تكاد تخرجكم من تقليد هؤلاء الاكابر وتجعلكم ممّن يتبع كشفيّات نفسه نعوذ بالله سبحانه منها ومن شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا الشّيطان عدوّ قويّ ينبغي للإنسان أن يكون واقفا على نفسه حتّى لا يخرج من الصّراط المستقيم إلى سكك أخر أيّ بلاء وقع لم تنجرّ مدّة المفارقة إلى سنة حتّى وقع الذّهول عن الاحتياط والتزام متابعة السّنّة وأهل السّنّة وحصر النّجاة في تقليد هؤلاء الاكابر الّتي كانت فيكم وجعلتم متخيّلاتكم مقتداكم وفرّعتم عليها فروعات كثيرة واحتمال ملاقاتنا يرى بحسب الظّاهر بعيدا جدّا فعليكم المعيشة والمعاملة بحيث لا ينقطع حبل الرّجاء رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدًا (٣) وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اِتَّبَعَ الْهُدى (٤).

(٣٢) المكتوب الثاني والثلاثون إلى المقصود علي في بيان أنّ ما قيل إنّ كثرة الخطرات من أسباب الوصل إنّما هو على مقدار التّجلّي وفي تحقيق حقيقة الكثرة الوهميّة وما يناسب ذلك

__________

(١) الآية: ٤٢ من سورة الزمر.

(٢) الآية: ٩٩ من سورة المائدة والآية: ٥٤ من سورة النور والآية: ١٨ من سورة العنكبوت.

(٣) الآية: ١٠ من سورة الكهف.

(٤) الآية: ٤٨ من سورة طه.

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قد كتبتم أنّ ساري طريق اشتكى إلى عالم طريق من هجوم الخطرات فقال حيث انّ إحاطة المطلوب وشموله بحكم “ وهو بكلّ شيء محيط ” معلوم ينبغي أن تعدّ الخطرة من أسباب الوصل لا من موجبات الفصل وأن يجعل أبواب المشاهدة مفتوحة وروزنة الغفلة مسدودة (هذا) الكلام صادق بحسب التّجلّي الصّوريّ الذي هو مقدّمة من مقدّمات هذا الطّريق فإن كان في هذا الموطن وصل فمع كونه في الحقيقة فصلا فهو باعتبار الصّورة وإن كانت مشاهدة ولو هي في الواقع مباعدة فهي أيضا بملاحظة الصّورة وهذا التّجلّي ساقط عن حيّز الاعتبار عند أكابر هذا الطّريق لانّه ليس بمفن لوجود السّالك والمحقّ والمبطل شريكان فيه فإنّ لجوكيّة الهند وفلاسفة اليونان خبرا عنه وهم محظوظون وملتذّون بعلومه ومعارفه غاية ما في الباب أنّ حصول هذه الدولة للمحقّ من طريق صفاء القلب وللمبطل من طريق صفاء النّفس فلا جرم أنّ ذاك يفضي إلى الهداية وهذا يجرّ إلى الضّلالة ولكن كلاهما في اسر الصّورة لا خبر لهما عن المعنى. (شعر)

ما يعرف الغفلان عابد صورة ... حسن المقنع عن جميع مؤانس

ولكن في المحقّ احتمال النّجاة من أسر الصّورة والمبطل منهمك في الصّورة فإنّ الخلاص من أسر الصّورة من غير التزام ملّة الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام محال (وأيضا) إنّ التّجلّي الصّوريّ داخل في دائرة العلم ولكن لمّا طرح الحال والذّوق فيه الشّعاع يرى مثل الحال (وأيضا) إنّ المشهود في التّجلّي الصّوريّ الكثرة لكن بعنوان المظهريّة للوحدة وشهود الكثرة بأيّ عنوان كان وبال في وبال ينبغي أن لا يبقى في نظر الباطن اسم من الكثرة وشهودها ولا رسم ولا يكون المشهود غير الواحد الحقيقيّ أصلا حتّى يتيسّر الفناء الذي هو قدم أوّل في هذا الطّريق فإنّ الفناء عبارة عن نسيان ما سوى الحقّ سبحانه وزواله من الباطن فكيف يكون للكثرة مجال في ذلك الموطن وما يكون شهود الكثرة فيه (وما) قال القائل من أنّ الخطرة من أسباب الوصل وأبواب المشاهدة فالمراد بذاك الوصل والمشاهدة الوصل والمشاهدة الصّوريّان وهما عين المفارقة والمباعدة فإنّ الوصل المعتبر عند أكابر هذه الطّائفة العليّة إنّما هو في مقام البقاء بالله الذي يحصل بعد الفناء ونسيان جميع ما سواه تعالى ووجود الخطرة مناف لتلك الدولة وحصول الوسوسة مانع لتلك المنزلة وفي مقام الفناء الذي هو دهليز ذلك الوصل يكون انتفاء الخواطر على نوع لو كلّف بتذكّر الاشياء لا يتذكّر بواسطة نسيان السّوى الذي حصل له وقد كتبتم وهو على كلّ شيء محيط بيان الإحاطة ما جاء بهذه العبارة يشبه أن تكون هذه من كلام المولّدين فإنّ تعدية الإحاطة بكلمة “ على ” كثيرة الوقوع في كلام العجم والمتعارف في العبارة العربيّة الفصيحة تعدية الإحاطة بالباء قال الله تبارك وتعالى

وكانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (١) وقال تعالى إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٢) والظّاهر أنّ هذه العبّارة إنّما أوردت بطريق الاستشهاد بتخيّل أنّها من القرآن وليس كذلك فإنّ بيان هذا المعنى في الكلام المجيد بعبارة أخرى كما مرّ (وكتبتم) أيضا أنّ الكثرة الوهميّة والتّعدّد الاعتباريّ قد تراكمت على وجه وقع أكثر العلماء في الغلط بتوهّم تعدّد الوجود وقنعوا من اللّبّ بالقشر (اعلم) أنّ الكثرة والتّعدّد وإن كانت وهميّة واعتباريّة ولكن لمّا صدرت وظهرت بصنع الله جلّ سلطانه صارت متقنة ومستحكمة وكانت المعاملة الدنيويّة والاخرويّة مربوطة بها والآثار الخارجيّة مترتّبة عليها وارتفاعها ممنوع وإن ارتفع الوهم والاعتبار فإنّ العذاب والثواب الدائمين الاخرويين الذين أخبر عنهما المخبر الصّادق منوطان بالكثرة مربوطان بالتّعدّد والحكم بارتفاع الكثرة والتّعدّد دخول في الالحاد والزّندقة أعاذنا الله سبحانه من ذلك فالصّوفيّة العليّة والعلماء الكرام كلّهم قائلون بثبوت هذه الكثرة واستمرار هذا التّعدّد ويرون المعاملة الاخرويّة الدائميّة مربوطة بها ولكن لمّا كان من شأن هذه الكثرة الارتفاع من شهود الصّوفيّة وقت العروج يجدونها وهميّة واعتباريّة وحيث انّها لا ترتفع في نفس الامر وإن كانت مرتفعة من الشّهود يقول العلماء إنّها موجودة فنزاع الفريقين صار راجعا إلى اللّفظ بعد الاتّفاق في المعنى كلّ من الفريقين حكم بمقياس وجدانه فالصّوفيّة اعتبروا الشّهود وحكموا بالوهميّة والاعتباريّة بملاحظة الارتفاع الشّهوديّ وقال العلماء بوجودها بملاحظة ثبوتها واستقرارها في نفس الامر ولكلّ وجهة وقد بيّن هذا الفقير هذا المعنى في مكتوباته ورسائله بالتّفصيل وأرجع نزاع الفريقين إلى اللّفظ فإن بقي خفاء ينبغي أن يراجع فيها. نظر العلماء قريب من الصّواب لانّه مطابق لنفس الامر ونظر الصّوفيّة باعتبار السّكر وغلبة الحال الا ترى أنّ النّجوم مختفية في النّهار وثابتة في نفس الامر وإن كانت مستورة عن الشّهود فالحكم بثبوت النّجوم أقرب إلى الصّواب من الحكم بعدمها بملاحظة عدم شهودها ومقصود العلماء من القول بوجود الكثرة إبقاء الشّريعة الّتي مبناها على التّعدّد وإجراء وعد صاحب الشّريعة ووعيده فإنّه لا يتصوّر بدون الكثرة والصّوفيّة أيضا معترفون بهذا المعنى وإن أطبقوه على الشّريعة بالتّكلّف وما قاله العلماء صادق بلا تكلّف ومطابق بلا تمحّل لا غبار فيه أصلا ولا كدورة وإنّهم لا يثبتون وجودا مستقلّا مستبدّا حتّى يكون فيه مجال للكلام ويكون شركة بالواجب تعالى وإنّما يثبتون وجودا ضعيفا مفاضا ومستعارا من الغير كيف يجوز تخطئة العلماء فإنّهم أكابر الدين ونسبة الغلط إليهم غلط محض ومحض الغلط ونحن العاجزون المتعوّقون أخذنا الدين والشّريعة من العلماء واستفدنا المذهب والملّة من بركاتهم فلو كان فيهم مجال للطّعن لارتفع الاعتماد عن الشّريعة والملّة ولهذا قالوا: الطّاعن في السّلف ضالّ ومبتدع وعدوّا طعنه من أسباب التّضليل والتّشكيك في الدين وحكموا ببطلانه (وكتبتم) أيضا أنّهم قنعوا من اللّبّ بالقشر يشبه

__________

(١) الآية: ١٢٦ من سورة النساء.

(٢) الآية: ٥٤ من سورة فصلت.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!