موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(48) المكتوب الثامن والأربعون إلى حضرة المخدوم زاده الخواجه محمد سعيد مد ظله العالي في بيان سر أقربيته تعالى وبيان أن انكشاف كنه الذات بالعلم الحضوري

 

 


يستفتح بصعاليك المهاجرين “ مع وجود جند الغزاة واستيلاء المحاربين فالفقراء الذين هم جنود الدعاء مع وجود الذّلّة والمسكنة وعدم الاعتبار كما قالوا: الفقر سواد الوجه في الدارين وقع عليهم الاحتياج في بعض المواقع وحصل لهم الاعتبار مع عدم اعتبارهم هذا في الواقع وفاقوا أقرانهم في أمثال هذه المواضع قال المخبر الصّادق عليه الصّلاة والسّلام «يوزن مداد العلماء بدم الشّهداء يوم القيامة فيترجّح مداد العلماء ” سبحان الله وبحمده قد صار ذاك المداد وسواد الوجه باعثا على عزّتهم ورفعتهم وبلّغ من الحضيض إلى الأوج درجاتهم نعم (ع) وفي الظّلمات من ماء الحياة * قال الشّاعر (شعر)

غلام خويشتنم خواند لاله رخسارى ... سياه روى من كرد عاقبت كارى

وهذا الفقير وإن لم يكن لائقا بأن يجعل نفسه في عداد جنود الدعاء ولكن بمجرّد اسم الفقر ولاحتمال إجابة الدعاء لا يجعل نفسه فارغا من دعاء الدولة القاهرة ويكون رطب اللّسان بالدّعاء والفاتحة بلسان الحال والقال رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١)

(٤٨) المكتوب الثامن والأربعون إلى حضرة المخدوم زاده الخواجه محمّد سعيد مدّ ظلّه العالي في بيان سرّ أقربيّته تعالى وبيان أنّ انكشاف كنه الذّات بالعلم الحضوريّ

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى (اعلم) أنّ أقربيّته تعالى مربوطة بالعلم الحضوريّ الذى تعلّق بأصل المعلوم لا بظلّ من ظلاله وبصورة من صوره فإنّ ذلك نصيب العلم الحصوليّ فالعلم الحصوليّ لا يكون في الحقيقة علم نفس الشّيء بل علم صورة من صوره ويكون الجهل متحقّقا بالنّسبة إلى نفس ذلك الشّيء سبحان الله قد قالوا للجهل بالشّيء علما بذلك الشّيء وكأنّهم تصوّروا صورة الشّيء وظلّه عين الشّيء وزعموا علم تلك الصّورة علم ذلك الشّيء وذلك ممنوع ودعوى العينيّة غير مسموعة فإنّ بين الشّيء وصورته نسبة الاثنينيّة وكلّما ثبتت نسبة الاثنينيّة فالتّغاير لازم الاثنان متغايران قضيّة مقرّرة من قضايا أرباب المعقول وأيضا إنّ العلم بصورة الشّيء كيف يكون مستلزما للعلم بذلك الشّيء كما هو فإنّ صورة الشّيء تمثال ظاهر الشّيء ظهر متلبّسا بأحكام المرآة وكم من دقائق شيء وأسراره ليس منها في الصّورة اسم ولا رسم.

(شعر) لو صوّر النّقّاش صورة ذا المنا ... وا حيرتى ما حيلتى في غنجه

وليت ظاهر الشّيء يظهر بصرافته في صورة الشّيء ويكون الباطن موقوفا ومسكوتا عنه فإنّه إذا ثبت أنّ ظاهر الشّيء يظهر في صورة الشّيء متلبّسا بأحكام المحلّ والمرآة على ما مرّ لا يبقى الظّاهر على

__________

(١) الآية: ١٢٧ من سورة البقرة.

صرافته يقينا بل تعرض له هيئة أخرى فالصّورة كما أنّها محرومة من باطن الشّيء محرومة أيضا من ظاهره فلا يكون علم تلك الصّورة مستلزما لعلم ذلك الشّيء كما هو بالضّرورة (وبالجملة) أنّ المعلوم هو ما يكون كائنا في الذّهن ولمّا كان الكائن في الذّهن الصّورة يكون المعلوم أيضا هو تلك الصّورة ولمّا كانت بين الصّورة والشّيء نسبة التباين والتّغاير لا يكون علم الصّورة مستلزما لعلم الشّيء كما هو والعلم الحضورىّ هو الذى يكون الحاضر فيه في المدركة نفس الشّيء من غير أن يتخلّل في البين شيء من الظّلّ والصّورة فيكون المعلوم في هذا العلم هو نفس الشّيء لا صورة من صوره فيكون العلم الحضوريّ أشرف بل يكون العلم هو فقط لا غير ويكون ما سواه من العلم الحصوليّ جهلا مشتبها بصورة العلم والمتّصف بالجهل المركّب من يزعم جهله علما ولا يدري بأنّه لا يدري فلا يكون للعلم الحصوليّ إلى ذاته وصفاته تعالى سبيل ولا تكون الذّات والصّفات الواجبيّة تعالت وتقدّست معلومة بهذا العلم فإنّ هذا العلم في الحقيقة علم بصورة المعلوم لا بنفس المعلوم كما مرّ ولا سبيل للصّورة في حضرته جلّ سلطانه حتّى يظنّ العلم بالصّورة علما بالأصل وإن قال البعض: إنّ الحقّ سبحانه وان لم يكن له مثل ولكن له تعالى مثال ولكنّ هذه الصّورة المثاليّة على تقدير ثبوتها تميّز تلك الصّورة المنفيّة الّتي يتعلّق بها العلم يمكن أن تكون الصّورة كائنة في المثال الذي هو أوسع المخلوقات ولا تكون ثابتة في الذّهن وهذا الحديث القدسيّ “ لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن ” مخصوص بقلب العبد المؤمن الذى معاملته مغايرة لمعاملة سائر النّاس لتشرّفه بالفناء والبقاء وتخلّصه من الحصول وتحقّقه بالحضور فإن كان هناك التّوسّع فهو باعتبار الحضور لا باعتبار الحصول (ع) في أيّ مرآة يكون مصوّرا * (ينبغي أن يعلم) أنّ في العلم الحضوريّ اتّحاد العالم بالمعلوم فزوال هذا العلم عن العالم لا يجوز فإنّ المعلوم هو نفسه فلا ينفكّ عنه بل العلم ثمّة عين العالم وعين المعلوم فأين المجال للانفكاك.

(ينبغي أن يعلم) أنّ المعلوم لمّا كان في العلم الحضوريّ نفس الشّيء لا صورته ينكشف المعلوم فيه كما هو بالضّرورة ويصير معلوما بالكنه فإنّ كنه الشّيء عبارة عن نفس الشّيء ولمّا كان جميع الوجوه والاعتبارات ساقطة وبقي نفس الذّات الحاضرة عند المدركة صار كنهها معلوما بخلاف العلم الحصوليّ فإنّ المعلوم هناك وجوه الشّيء واعتباراته الّتي هي صوره وأشباحه لا نفسه كما مرّ فلا يكون المعلوم هناك كنه الشّيء ولا يكون الشّيء فيه معلوما بكنهه غاية ما في الباب أنّ في العلم الحصوليّ انكشاف الشّيء ودرك الشّيء وفي العلم الحضوريّ انكشاف الشّيء موجود ودركه مفقود فكنه المعلوم يصير منكشفا لا يكون مدركا.

(لا يخفى) أنّه إذا ثبت العلم الحضوريّ بالنّسبة إلى ذات الواجب جلّ سلطانه كما مرّ لزم أن يكون كنه الذّات منكشفا وتكون الذّات معلومة كما هي وهذا خلاف ما تقرّر عند العلماء وأقول: إنّ هذا العلم الحضوريّ الذي تعلّق بذات الواجب تعالى من قبيل الرّؤية الّتي يثبتونها بالنّسبة إليه تعالى وهناك



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!