موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(52) المكتوب الثاني والخمسون إلى الفقير محمد هاشم الكشمي في بيان فناء القلب والنفس وزوال العلم الحصولي والحضوري ** | ** (53) المكتوب الثالث والخمسون إلى حضرة المخدوم زاده الخواجه محمد معصوم مد ظله في بيان زوال العين والاثر وجودا وشهودا

 

 


(٥٢) المكتوب الثاني والخمسون إلى الفقير محمّد هاشم الكشميّ في بيان فناء القلب والنّفس وزوال العلم الحصوليّ والحضوريّ

الفناء عبارة عن نسيان ما سوى الحقّ سبحانه وما سواه تعالى على قسمين: أفاقيّ وأنفسيّ فنسيان الآفاقيّ عبارة عن زوال العلم الحصوليّ بالنّسبة إلى الآفاق ونسيان الانفسيّ: عبارة عن زوال العلم الحضوريّ بالنّسبة إلى الانفس فإنّ العلم الحصوليّ يتعلّق بالآفاق والعلم الحضوريّ بالانفس وزوال العلم الحصوليّ بالاشياء مطلقا وإن كان متعسّرا لكونه نصيب الأولياء ولكنّ زوال العلم الحضوريّ مطلقا عسير جدّا ونصيب الكمّل من الأولياء يكاد يكون تجويزه بل تصوّره محالا عند أكثر العقلاء لزعمهم عدم حضور المدرك عند المدرك سفسطة فإنّ حضور الشّيء عند نفسه ضروريّ عندهم فزوال العلم الحضوريّ وإن كان لمحة لا يكون مجوّزا عندهم فكيف إذا كان زوال العلم مطلقا بحيث لا يعود أبدا والنّسيان الاوّل الذى هو بالنّسبة إلى العلم الحصوليّ يتعلّق بفناء القلب والنّسيان الثاني الذى هو بالنّسبة إلى العلم الحضوريّ مستلزم لفناء النّفس الذى هو اتمّ واكمل وحقيقة الفناء انّما في هذا الموطن والفناء الأوّل كالصّورة لهذا الفناء وكالظّلّ له فإنّ العلم الحصوليّ ظلّ العلم الحضوريّ في الحقيقة فيكون فناؤه ظلّ فناء هذا بالضّرورة وبحصول هذا الفناء تستقرّ النّفس في مقام الاطمئنان وتصير راضية عن الحقّ سبحانه ومرضيّة له تعالى وبعد البقاء والرّجوع تتعلّق معاملة التّكميل والإرشاد بها ولها يتيسّر الجهاد والغزا مع طبائع العناصر الاربعة المختلفة الّتي هي أركان البدن وكلّ واحد منها يقتضي أمرا من الامور غير ما يقتضيه الآخر ويريد شيئا من الاشياء خلاف ما يريده الآخر وهذه الدولة غير متيسّرة لواحدة من اللّطائف وهي الّتي تصلح الانانيّة الإبليسيّة النّاشئة من عنصر النّار بسياستها وتورث الاعتدال للقوّة الشّهويّة والغضبيّة وسائر الاوصاف الذّميمة الّتي فيها شركة للبهائم والحيوانات بحسن تربيتها سبحان الله قد صار شرّ اللّطائف خيرها قال عليه الصّلاة والسّلام «خياركم في الجاهليّة خياركم في الإسلام إذا فقهوا» (تنبيه) علامة نسيان السّوي عدم حضوره في القلب وعلامة زوال العلم الحضوريّ بنفس العالم انتفاء العالم بالكلّ عينا وأثرا حتّى يتصوّر زوال العلم والمعلوم عنه فإنّ العلم والمعلوم في ذلك الموطن نفس العالم فما لم يزل نفس العالم لا ينتفي العلم والمعلوم والفناء الاوّل هو فناء الآفاق والفناء الثاني فناء الانفس الذى هو حقيقة الفناء.

(٥٣) المكتوب الثالث والخمسون إلى حضرة المخدوم زاده الخواجه محمّد معصوم مدّ ظلّه في بيان زوال العين والاثر وجودا وشهودا

بسم الله الرّحمن الرّحيم قال الله تعالى هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (١) بلى يا ربّ قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكور لا عينا ولا أثرا ولا شهودا ولا وجودا ثمّ يصير بعد ذلك إن شئت حيّا بحياتك وباقيا ببقائك ومتخلّقا بأخلاقك بل صار باقيا بك بفضلك في عين الفناء وفانيا فيك في عين البقاء لتلازم بينهما وحصول كمال كلّ واحد منهم بوجود الآخر مثله مثل إنسان القي في معدن ملح حتّى صار شيئا فشيئا منصبغا بأحكام الملح إلى أن صار كلّه ملحا ما بقي منه عين ولا أثر فلا جرم أبيح قتله وقطعه وحلّ أكله وبيعه وشراؤه فلو بقي منه عين أو أثر لما جاز ذلك ولنعم ما قيل في الشّعر الفارسيّ. (شعر)

سكى كاندر نمك زاد افتد وكم كردد اندر وى ... من اين درياى پرشور از نمك كمتر نميدانم

(فإن قلت): إنّك قد كتبت في المكاتيب والرّسائل أنّ زوال العين والاثر إنّما يكون شهوديّا لا وجوديّا لاستلزامه الالحاد والزّندقة ورفعه الاثنينيّة الثابتة بين العبوديّة والرّبوبيّة فما معنى زوال العين والاثر في الوجود أيضا هنا (قلت) انصباغ الشّيء بالشّيء بحيث يصير أحدهما منخلعا عن أحكامه ومنصبغا بأحكام الآخر لا يوجب رفع الاثنينيّة عنهما حتّى يكون الحادا وزندقة فإنّ الإنسان الملقى في معدن الملح ما اتّخذ مع الملح وما زالت الاثنينيّة بل حصل له من جوار الملح وسلطانه فناء عن نفسه وعن صفاته وبقاء بالملح وأحكامه مع بقاء الاثنينيّة. غاية ما في الباب أنّ هذه الاثنينيّة شبيهة باثنينيّة الظّلّ مع الاصل لا استقلال لها في ذلك الاثنينيّة الزّائلة نوع استقلال في نظر العوامّ فالاثنينيّة باقية بعد فلا الحاد ولا زندقة وامّا منعي في الكتب والرّسائل عن الزّوال الوجوديّ فمحمول على قصور فهم العوامّ فإنّهم يفهمون منه رفع الاثنينيّة ويقعون في الالحاد والزّندقة تعالى الله عمّا يقول الظّالمون علوّا كبيرا. بقي أنّ الشّبح الذى يقع من ذلك الإنسان بعد صيرورته ملحا حكميّا هو في الحقيقة صورة الملح الذى انصبغ ذلك الإنسان بصبغه لا صورة الإنسان إلّا أنّه قيس ذلك الملح الحكميّ بمقياس شبح ذلك الإنسان وصوّر بصورته لا أنّه بقي شبح الإنسان فبقي أثره (تنبيه) ذلك الشّبح في الملح الذى قيس بمقياس صورة الإنسان ممكن بل واقع وأمّا ما نحن بصدده فليس كذلك فلله المثل الاعلى فهو سبحانه لا يتّحد مع شيء ولا يتّحد معه شيء ولا يتّصل بالاشياء ولا ينفصل عنها والاشياء أيضا غير متّصلة به سبحانه ولا منفصلة عنه تعالى سبحان من لا يتغيّر بذاته ولا بصفاته ولا في اسمائه بحدوث الاكوان فهو سبحانه الآن كما كان على صرافة التّنزيه والتّقديس فهو تعالى قريب من العالم ومع العالم بالقرب والمعيّة المجهولة كيفيّتهما لا كقرب الجسم مع الجسم ولا كقرب الجسم مع العرض (وبالجملة) انّ صفات الإمكان وسمات الحدوث كلّها مسلوبة عن جناب قدسه. عروج الأولياء لا يزيد في قربه سبحانه للعبد ووصول الاصفياء

__________

(١) الآية: ١ من سورة الإنسان.

لا يحصل اتّصاله مع الله والفناء والبقاء أحوال للعرفاء غير ما فهمها العقلاء وزوال العين والاثر له معنى لا يفهمه إلّا من رزق ذلك كما سيجيء تحقيقه فاستمع كلام هذه الطّائفة بحسن الظّنّ والقبول ولا تفهم منه مدلوله الظّاهريّ ومدلوله المطابقيّ فإنّه ربّما تغلط فيه غلطا فاحشا فتضلّ وتضلّ والله سبحانه الموفّق الملهم للصّواب. (فإن قلت) قد جوّزت زوال العين والاثر من الإنسان فما تقول فيما جاء في القرآن المجيد في شأن خاتم الرّسل عليه وعليهم الصّلوات والتّسليمات قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ (١) وما جاء في الحديث النّبويّ “ إنّما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر ” وليس هذا إلّا لبقاء الأثر من الإنسانيّة (قلت) ليس كذلك ولا دلالة فيه على بقاء الاثر إلّا أنّه لمّا أريد إرجاع الإنسان الكامل بعد الفناء والبقاء إلى العالم ودعوة الخلق إلى الحقّ سبحانه ركّبت فيه الصّفات البشريّة والخصائص الإنسانيّة الزّائلة بعد كسر صورة تلك الصّفات لتحصل المناسبة بينه وبين العالم بعد ما زالت ويفتح الله باب الإفادة والاستفادة بينه وبين العالم بتلك المناسبة والحكمة الاخرى في إرجاع هذه الصّفات البشريّة والحاقها بعد زوالها ابتلاء المكلّفين واختبار المدعوّين ليميز الخبيث من الطّيّب ويعتزل المكذّب من المصدّق ويحصل الإيمان بالغيب بعد ما لبس الامر وستر الحال برجوع تلك الصّفات قال الله تبارك وتعالى ولَوْ جَعَلْناهُ مَلَكًا لَجَعَلْناهُ رَجُلًا ولَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٢) (فإن قال قائل) ما معنى زوال العين والاثر من الإنسان الكامل والحال أنّ ظاهره دائم على الصّفات البشريّة يأكل ويشرب وينام ويستريح؟ قال الله في شأن الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام وما جَعَلْناهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ (٣) (قلت) الفناء والبقاء من صفات الباطن لا تعلّق للظّاهر بهما بالاصالة فإنّ الظّاهر دائم على أحكامه والباطن ينخلع ويتلبّس (فإن قيل) لطائف الباطن متعدّدة كلّها متحقّقة بالفناء والبقاء أو بعضها فأيّ بعض هو؟ (قلت) المتحقّق بهما إنّما هو لطيفة النّفس الّتي هي في الحقيقة حقيقة الإنسان المشار إليها بإشارة قول أنا فهي الامّارة بالسّوء أوّلا والمطمئنّة آخرا والقائمة بعداوة الرّحمن جلّ شأنه ابتداء والرّاضية به والمرضيّة عنها انتهاء فهي شرّ الاشرار وخير الاخيار زاد شره شرّ إبليس وزاد خيره على خير أهل التّسبيح والتّقديس (تنبيه) ليس معنى الفناء والزّوال هو الفناء الوجوديّ والزّوال الوجوديّ ومعنى البقاء بالله هو زوال الإمكان من الممكن رأسا وحصول الوجوب له ثانيا فإنّه محال عقليّ والقول بذلك كفر بل هو خلع ولبس مع بقاء الإمكانيّة مثل خلع ولبس أثبته أرباب المعقول في العناصر بطريق الكون والفساد إلّا أنّهم أبقوا هيولاها ثابتا في الحالين مع تبدّل الصّور النّوعيّة ونحن لا نقول بالهيولى ولا بثبوته بل نقول إنّ الفناء والبقاء إعدام وإيجاد من القادر المختار جلّ شأنه جاء في الخبر “ لن يلج ملكوت السّموات من لم يولد مرّتين ” كأنّه أشار إلى الإيجاد

__________

(١) الآية: ١١٠ من سورة الكهف.

(٢) الآية: ٩ من سورة الأنعام.

(٣) الآية: ٨ من سورة الأنبياء.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!