موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(57) المكتوب السابع والخمسون إلى مولانا حميد الأحمدي في بيان حدوث العالم ورد عبيد العقل الفعال

 

 


أقول: الخواجه محمّد أفضل فإنّه يعدّ نفسه أبعد عنهما في المودّة بمراحل بل هو خائف من مودّتنا وما أقول للمير منصور فإنّه يتمنّى الصّحبة دائما ولكن لا يخرج تمنّيه من القوّة إلى الفعل ومن قول الفقهاء العظام: «الرّاضي بالضّرر لا يستحقّ النّظر “ العسكر وإن كان بحر الظّلمات ولكنّه متضمّن لماء الحياة وهنا بعناية الله سبحانه يحصل من الجواهر ولو على سبيل النّدرة ما لو حصل في مواضع أخرى شبحه لكان مغتنما وكلّ مبارز اكتسب قدرا وقيمة إنّما يتيسّر له ذلك حين استيلاء الاعداء والسّلامة وإن كانت في الزّاوية ولكنّ دولة الغزو والشّهادة في المعركة والزّاوية إنّما هي مناسبة لأهل السّتر وأرباب الضّعف وقد ورد في الحديث «المؤمن القويّ خير من المؤمن الضّعيف ” وحال الرّجال الاقوياء المبارزة في المعركة الكبري قل كلّ يعمل علي شاكلته فربّكم اعلم بمن هو اهدي سبيلا ولمّا كنت متوجّها الي العسكر بعد مضيّ مدّة الرّخصة والإذن تركت ولدي محمّد سعيد في البيت بالضّرورة ولمّا تفكّرت في الفيوض والبركات والعلوم والمعارف الحاصلة بعد مفارقته ندمت على مفارقته وطلبته مغتنما للفرصة فجاء الصّغار والكبار كلّهم رجاء ان ينالوا من هذه البركات والعجب كأنّي من طائفة الملامتىّ وفي زمرة القلندريّة مع أنّي ممتاز من الفريقين ومغاير لهما ولي معاملة على حدة اسمعوا شمّة من العلوم الجديدة وهذا عنوان مكتوب قال الله تعالى هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (١) لا عينا ولا أثرا ولا شهودا ولا وجودا إلى آخره وأنتم قد رأيتم في بعض المكاتيب أنّي جعلت القول بالزّوال الوجوديّ من قبيل الالحاد والزّندقة وههنا كتبت بهذه العبارة وعالجت ذلك بكرم الله سبحانه وتعالى (ع) وقس من حال بستاني ربيعي * وهذه الدول كلّها من بركات هذه الواقعات لولاها لما وجدت تلك رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا واِغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢) ولما كان مولانا محمّد مراد متوجّها إلى تلك الحدود كتبنا كلمتين “ العاقبة بالخير ”

(٥٧) المكتوب السّابع والخمسون إلى مولانا حميد الأحمديّ في بيان حدوث العالم وردّ عبيد العقل الفعّال

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين إنّ الله تعالى موجود بذاته ووجوده سبحانه بنفسه وهو تعالى قد كان على ما عليه الآن ويكون على ذلك إلى أبد الآباد ولا سبيل للعدم السّابق والعدم اللّاحق إلى جناب قدسه تعالى فإنّ وجوب الوجود أحقر خدّام ذلك الجناب المقدّس وسلب العدم أذلّ كنّاسي ذاك الحريم المحترم وما سواه تعالى المسمّى بالعالم من العناصر والافلاك

__________

(١) الآية: ١ من سورة الإنسان.

(٢) الآية: ٨ من سورة التحريم.

والعقول والنّفوس والبسائط والمركّبات كلّها موجودة بإيجاد الله تعالى ومخرجة من العدم إلى الوجود والقدم الذّاتيّ والقدم الزّمانيّ كلاهما ثابتان لجناب قدسه تعالى فقط والحدوث الذّاتيّ والزّمانيّ كائن لغيره تعالى كما أنّه خلق الارض في يومين أخرج السّموات والكواكب بعد خلق الارض من العدم إلى الوجود في يومين قوله تعالى خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ (١) وقوله تعالى فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ (٢) مصداق هذا الكلام. سفيه بل منكر لنصّ القرآن من يتفوّه بقدم بعض ما سواه كالافلاك وما فيها وبسائط العناصر والعقول والنّفوس وقد انعقد إجماع الملّيين إلى حدوث ما سواه تعالى وحكموا بوجوده بعد العدم السّابق بالاتّفاق كما صرّح به الإمام حجّة الإسلام الغزاليّ في رسالته “ المنقذ عن الضّلال ” وكفّر جماعة قالوا بقدم بعض أجزاء العالم فالحكم بقدم شيء من الممكنات خروج عن الملّة ودخول في الفلسفة وكما أنّ العدم السّابق كائن لما سواه تعالى العدم اللّاحق أيضا لاحق به فتنتثر الكواكب وتنشقّ السّموات وتندكّ الارض والجبال وتلحق بالعدم كما نطق به نصّ القرآن وانعقد عليه إجماع جميع الفرق الإسلاميّة قال الله تعالى في كلامه المجيد فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ وحُمِلَتِ الْأَرْضُ والْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ واِنْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (٣) وقال إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وإِذَا النُّجُومُ اِنْكَدَرَتْ * وإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٤) وقال إِذَا السَّماءُ اِنْفَطَرَتْ وإِذَا الْكَواكِبُ اِنْتَثَرَتْ (٥) وقال إِذَا السَّماءُ اِنْشَقَّتْ (٦) وقال كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧) ووردت في القرآن أمثال ذلك آيات كثيرة والجاهل ينكر فناء هؤلاء بجهله ويردّ النّصوص القرآنيّة مفتتنا بالمموّهات الفلسفيّة وبالجملة: انّ إثبات العدم اللّاحق في الممكنات كاثبات العدم السّابق فيها من ضروريّات الدين والإيمان به لازم وما قال بعض العلماء من أنّ سبعة أشياء لا يتطرّق عليها الفناء بل تكون باقية وهي العرش والكرسيّ واللّوح والقلم والجنّة والنّار والرّوح لا بمعنى أنّ هذه الاشياء لا تقبل الفناء وليست فيها قابليّة الزّوال حاشا من ذلك وكلّا بل بمعنى أنّ القادر المختار جلّ شأنه يفني بعد الوجود من يشاء ويبقي من يشاء لحكم ومصالح يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد ولاح من هذا البيان أنّ العالم بجميع أجزائه مستند إلى الواجب تعالى ومحتاج إليه سبحانه في الوجود والبقاء فإنّ البقاء عبارة عن استمرار الوجود في زمان ثان وثالث إلى ما شاء الله تعالى

__________

(١) الآية: ٩ من سورة فصلت.

(٢) الآية: ١٢ من سورة فصلت.

(٣) الآيات: (١٣ - ١٦) من سورة الحاقة.

(٤) الآية: (١ - ٣) من سورة التكوير.

(٥) الآية: (١ - ٢) من سورة الانفطار.

٦) - الآية: ١ من سورة الانشقاق.

(٧) الآية: ٨٨ من سورة القصص.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!