موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(58) المكتوب الثامن والخمسون إلى الخواجه صلاح الدين الاحراري في بيان أن خلق الممكنات ووجودها في مرتبة الوهم

 

 


ليس فيه أمر زائد على الوجود مسمّى بالبقاء فيكون نفس الوجود واستمراره مستندا ومفوّضا إلى ارادته تعالى وماذا يكون العقل الفعّال حتّى يدبّر الاشياء وتكون الحوادث مستندة اليه وفي نفس وجوده وثبوته الف كلام فإنّ تحقّقه وحصوله مبتن على المقدّمات الفلسفيّة المموّهة وكلّها غير تامّة على أصول جميع الفرق الإسلاميّة والابله من يصرف الاشياء عن القادر المختار جلّ شأنه ويسندها إلى. مثل هذا الامر الموهوم بل يلحق للأشياء الوف من العار من أن تكون مستندة إلى منحوت الفلسفيّ بل الاشياء بعدمها راضية من أن يكون استنادها إلى مجعول سفسطيّ محرومة من سعادة الانتساب إلى قدرة القادر المختار جلّ سلطانه كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلّا كَذِبًا (١)

(٥٨) المكتوب الثامن والخمسون إلى الخواجه صلاح الدين الاحراريّ في بيان أنّ خلق الممكنات ووجودها في مرتبة الوهم

كان الله ولم يكن معه شيء ولمّا أراد أن يظهر كمالاته المكنونة طلب كلّ اسم من أسمائه تعالى مظهرا من المظاهر ليجلي كمالاته في ذلك المظهر ولا قابل لمظهريّة الوجود وتوابعه غير العدم فإنّ مظهر الشّيء ومرآته مباين ومقابل لذلك الشّيء والمباين والمقابل للموجود هو العدم فقط فعيّن الحقّ سبحانه بكمال قدرته في عالم العدم لكلّ اسم من أسمائه مظهرا من المظاهر وخلقه في مرتبة الحسّ والوهم في أيّ وقت أراده على أيّ طور شاء خلق الاشياء متى شاء وجعل المعاملة الابديّة مربوطة بها. (ينبغي) أن يعلم أنّ المنافي للعدم هو الخارج لا الثبوت العارض له في مرتبة الحسّ والوهم؛ فإنّه لا منافاة بينهما وثبوت العالم في مرتبة الحسّ والوهم لا في مرتبة الخارج حتّى يكون منافيا له فيجوز أن يعترض العدم ثبوت في مرتبة الحسّ والوهم ويحصل له هناك بصنع الله - جلّ سلطانه - إتقان ورسوخ ويكون في تلك المرتبة حيّا وعالما وقادرا ومريدا وبصيرا وسميعا ومتكلّما بطريق الانعكاس والظّلّيّة ولا يكون له في مرتبة الخارج اسم ولا رسم ولا يكون شيء غير ذات الواجب وصفاته تعالى ثابتا وموجودا في الخارج وبهذا المعنى يمكن أن يقال وهو الآن كما كان ومثال ذلك: النّقطة الجوّالة والدائرة الموهومة فإنّ الموجود هو النّقطة فقط والدائرة معدومة في الخارج لا اسم منها فيه ولا رسم ومع ذلك عرض لها في مرتبة الحسّ والوهم ثبوت وحصل لها في تلك المرتبة بطريق الظّلّيّة إنارة وإشراق ومن هذا التّحقيق حصل الاستغناء عن المقدّمات المبسوطة الّتي ذكرها الشّيخ محيي الدين وتابعوه في تكوين العالم من بيان التّنزّلات والتّعيّنات العلميّة والخارجيّة وإثبات الحقائق والاعيان الثابتة في مرتبة علم الواجب تعالى وإثبات

__________

(١) الآية: ٥ من سورة الكهف.

عكوسها في الخارج الذى هو ظاهر الوجود وتسمية آثارها خارجيّة كما لا يخفى على المنصف النّاظر في كلامهم المطّلع على اصطلاحهم وبهذا التّحقيق صار معلوما أن لا موجود في الخارج غير الحقّ جلّ وعلا لا الاعيان ولا آثار الاعيان بل ثبوت هؤلاء من مرتبة الحسّ والوهم ولا محذور في ذلك أصلا فإنّ ذلك ليس بموهوم ثابت باختراع الوهم حتّى يرتفع بارتفاع الوهم بل ثبوته بصنع الله جلّ شأنه في مرتبة الوهم وله في تلك المرتبة تقرّر وإتقان واستحكام صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (١) واتّضح من هذا البيان أنّ حقائق الممكنات عدمات عرض لها في موطن علم الواجب تميّز وتعيّن وصارت ثابتة في مرتبة الحسّ والوهم مرّة ثانية بصنع الله تعالى وصار بعض منها مرايا الاسماء الإلهيّة جلّ شأنه وصار في تلك المرتبة بطريق الظّلّيّة والانعكاس حيّا وعالما وقادرا ومريدا وبصيرا وسميعا ومتكلّما وتحقيق الشّيخ ومتابعيه أنّ حقائق الممكنات صور الاسماء الإلهيّة العلميّة الّتي هي أحد التّنزّلات الخمسة الوجوديّة (وبالجملة) انّ حقائق الممكنات في فهم هذا الفقير عدمات وعند الشّيخ وجودات متنزّلة وحضرة الشّيخ أثبت اراءة الكثرة في الخارج وقال: إنّ الصّور العلميّة المتكثّرة الّتي هي حقائق الممكنات وعبّر عنها بالاعيان الثابتة صارت منعكسة في مرآة ظاهر الوجود تعالى الذي لا موجود غيره في الخارج وعرض لها اراءة في الخارج وصارت ترى كأنّها موجودة في الخارج ولا موجود في الحقيقة في الخارج غير الذّات تعالت وقال: إن كلّ واحدة من الصّور العلميّة تحدث لها في وقت من الاوقات نسبة مجهولة الكيفيّة بظاهر الوجود الذى هو كالمرآة لتلك الصّور وتصير تلك النّسبة سببا لكونها مرئيّة في الخارج وهذه النّسبة ليست بمعلومة لأحد حتّى إنّ الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام لم يطّلعوا على هذا السّرّ وقال: لإظهار تلك الصّور في الخارج بعد حصول تلك النّسبة المجهولة الكيفيّة خلقا وإيجادا للاشياء وعلى التّحقيق السّابق الذى اهتدى إليه هذا الفقير كما أنّ الاشياء لا وجود لها في الخارج كذلك كونها مرئيّة فيه أيضا على لا لونيّتها لا وجود فيه للغير ولا اراءة ولا شأن فإن ثبتت له اراءة فهي في مرتبة الوهم وإن كان له ثبوت فهو أيضا بصنع الله تعالى في مرتبة الوهم (وبالجملة) انّ ثبوته واراءته في مرتبة واحدة لا أنّ ثبوته في موضع واراءته في موضع آخر مثلا انّ الدائرة الموهومة النّاشئة من النّقطة الجوّالة كما أنّ ثبوتها في مرتبة الوهم لا في الخارج اراءته أيضا في تلك المرتبة فإنّه لا رسم لها في الخارج حتّى تصير مرئيّة فيه.

غاية ما في الباب أنّه ربّما يظنّ الإراءة الوهميّة إراءة خارجيّة كما إذا رأى الرّائي الصّورة المثاليّة في عالم المثال في اليقظة بحسّ الباطن فيخال أنّه يراها في عالم الشّهادة بحسب الظّاهر وأمثال هذا الاشتباه تقع كثيرا ويجد السّالك مرتبة من المراتب مشتبهة بأخرى فيحكم على ذاك بحكم هذا ففيما نحن فيه أنّ تلك الدائرة الموهومة الّتي صارت مرتسمة في الخيال ترى في مرتبة هي مرتسمة فيها ببصر الخيال ويتخيّل أنّها ترى في الخارج بعين الرّأس وليس كذلك فإنّه لا اسم لها في الخارج الذى هو محلّ النّقطة الجوّالة ولا

__________

(١) الآية: ٨٨ من سورة النمل.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!