موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(64) المكتوب الرابع والستون إلى حضرة الخواجه محمد سعيد وحضرة الخواجه محمد معصوم سلمهما الله سبحانه وأبقاهما في بيان الفناء الاتم المربوط بزوال العين والاثر مع تحقيق وجود الواجب سبحانه وبيان زوال العدم من الممكن وبقاء الثبوت وعروجاته

 

 


الموجودين وجعلهما من الاحكام الصّادقة الا ترى أنّ رؤية الصّورة الجميلة في الخارج كما أنّها مستلزمة للالتذاذ وحصول العلاقة كذلك تلك الصّورة موجبة للالتذاذ والعلاقة حين انعكاسها في المرآة وحصول الثبوت الوهميّ لها فيها مع أنّ الصّورة الاولى موجودة والثانية موهومة وفي حصول الاثر بينهما شركة ولمّا حصلت للموهوم بكرم الله تعالى شركة مع الموجود في ترتّب الأحكام وترتّبت الآثار على الموهوم ترتّبها على الموجود انبعثت في الموهوم المحروم أطماع ورجايا من الموجود وحصلت له بشارات حصول دولة القرب والاتّصال بالموجود.

(شعر) هنيئا لأرباب النّعيم نعيمها ... وللعاشق المسكين ما يتجرّع

ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١) (ينبغي أن يعلم) أنّ القرب والاتّصال كلّما تصوّرا وتعقّلا بغير المعنى الذى ذكر لا يكونان من غير تشبيه وتجسيم إلّا أن يؤمنوا بهما ولم يشتغلوا بكيفيّتهما ويفوّضوهما إلى علم الله تعالى وحيث لحق بهذه الالفاظ نوع بيان ساغ أن نخرجها من المتشابهات ونلحقها بالمجمل أو المشكل والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال.

(٦٤) المكتوب الرّابع والسّتّون إلى حضرة الخواجه محمّد سعيد وحضرة الخواجه محمّد معصوم سلّمهما الله سبحانه وأبقاهما في بيان الفناء الاتمّ المربوط بزوال العين والاثر مع تحقيق وجود الواجب سبحانه وبيان زوال العدم من الممكن وبقاء الثبوت وعروجاته

الفناء الاتمّ إنّما يتحقّق إذا حصل زوال العين والاثر عن الفاني ولم يبق منه اسم ولا رسم (فإن قيل) إذا كانت حقيقة الممكنات الاعدام الّتي تمايزت بالإضافة وصارت مجالي أسماء الواجب وصفاته سبحانه كما حقّقت ذلك في مكاتيب لزم أن لا يبقى من العدم الذى هو حقيقته اسم ولا رسم في الممكن على تقدير حصول هذا الفناء وأن لا يكون فيه شيء غير الوجود الصّرف فإنّ زوال أحد النّقيضين مستلزم لحصول الآخر لئلّا يلزم ارتفاع النّقيضين معا والوجود عند الصّوفيّة عين الواجب تعالى أو أخصّ صفاته سبحانه وعلى كلا التّقديرين يلزم قلب الحقيقة وهو مستلزم للالحاد والزّندقة (أجيب) انّ نقيض العدم ليس هو ذاك الوجود الذى هو حقيقة الواجب تعالى أو أخصّ صفاته الذّاتيّة سبحانه بل هو ظلّ من ظلال ذلك الوجود وعكس من عكوسه (وبالجملة) انّ كلّ وجود وقع العدم في الطّرف المقابل

__________

(١) الآية: ٥٤ من سورة المائدة والآية: ٢١ من سورة الحديد والآية: ٤ من سورة الجمعة.

له فهو من مظانّ الإمكان ومحتاج إلى رفع العدم الذى هو نقيضه وصفات الواجب جلّ شأنه وإن كانت خارجة من دائرة الإمكان ولكن لمّا كانت لها احتياج إلى ذات الواجب تعالى ومقابلة الاعدام ثابتة بكلّ منها ليست بخارجة من شوب الإمكان والاحتياج إلى الذّات لازم لها دائما وإن كانت قديمة غير منفكّة عن الذّات ونفس الاحتياج دليل الإمكان فإن كان احتياجا إلى الغير فهو نقص كامل والمتّصف به داخل في دائرة الإمكان وإن لم يكن احتياجا إلى الغير فالمتلبّس به فيه رائحة من الإمكان وإن لم يكن داخلا في دائرة الإمكان كما أنّ صفات الواجب تعالى كمالها دون كمال الذّات تعالت وتقدّست فالوجوب المطلق مختصّ بذات الواجب تعالى فإنّها منزّهة عن مظنّة النّقص ومبرّأة من شائبة القصور وصفات الواجب وإن كان لها قدم في دائرة الوجوب ولكن لمّا كانت محتاجة إلى الذّات كان وجوبها دون وجوب الذّات كما أنّ وجودها دون وجود الذّات تعالت فإنّ في وجودها نقاضة بالعدم وهو عدم العلم وعدم القدرة مثلا وليس لوجود الذّات تعالت عدم مقابل أصلا ولا يتصوّر له نقيض قطعا فلو كان عدم من الاعدام نقيضا لوجود الواجب تعالى لكان محتاجا إلى رفع ذلك النّقيض والاحتياج من سمات النّقص المناسب لحال الإمكان تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا (لا يخفى) أنّه ينبغي التّحاشي من إطلاق لفظ الإمكان على صفات الواجب جلّ سلطانه لكونه موهما للحدوث وصفات الله تعالى قديمة وإن لم تكن واجبة بذواتها ولكنّها واجبة بالنّظر إلى ذات الواجب جلّ شأنه فإنّها غير منفكّة عنها وحاصل هذا المعنى وإن كان منجرّا إلى الإمكان ولكنّه خال عن توهّم الحدوث وعدم حصول النّقيض من العدم لوجود الواجب تعالى كشفىّ وشهوديّ وإن استدلّ عليه بحسب الصّورة كما يورد على بديهيّ تنبيه في صورة الاستدلال (ولنرجع إلى أصل الكلام فنقول) في جواب السّؤال: لا يبقى في الممكن على تقدير الفناء بعد زوال العدم شيء غير الوجود ولا يكون له نصيب غير الثبوت والتّحقّق؛ فإنّه قد انتفى عنه العين والاثر ولكنّ هذا الوجود والثبوت ممّا أثبت لممكن في مرتبة الوهم والحسّ وترتّبت عليه الآثار وصار مرآة لكمالات مرتبة حضرة الوجوب تعالت وتقدّست بعد زوال العدم وصار ذات الممكن وحقيقته كالعدم الزّائل وكان هذا الثبوت قبل زوال العدم من صفات العدم مثبتا له في مرتبة الحسّ والوهم وقد صار ذلك الثبوت الآن بعد زوال العدم نائبا منابه في كونه ذات الممكن وانتساب الصّفات إليه وقيام معاملة العدم به وقيام معاملة نيابة العدم هذه منوط ببقاء نقيض ذلك الثبوت وبقاء الإمكان فإذا ترقّت المعاملة من نقيض الثبوت ولم يبق للوجود ما يقابله بل لم يبق للعدم مجال المقابلة به ولم يبق للإمكان مساغ فيه فحينئذ تتبدّل المعاملة غير المعاملة وتقع بين الجلساء والنّدماء مغايرة ومبادلة فينبغي طلب سرّ “ او أدنى ” ثمّة وكلّ محلّ فيه شوب الإمكان ومجال العدم ولو بالنّقاضة فهو داخل في «قاب قوسين “ فإذا شرع الإمكان والعدم في الرّحيل وقرعت لهما مقرعة التّحويل فح تستقبل كمالات ” أو أدنى " لا بمعنى أنّ الممكن يصير في ذلك الوقت ذات الواجب يعني عينه بل بمعنى أنّ قيامه يكون بالذّات البحت تعالت ويزول قيامه الذى كان

بظلّ من ظلال الذّات تعالت (ع) ليس من غاب في الإله إلها * وقيام هذا العارف بذات واجب الوجود كقيام صفاته بذاته سبحانه وتعالى بل قيامه بمرتبة ليست الصّفات ملحوظة فيها أصلا وإن لم يكن للصّفات انفكاك عن الذّات إلّا أنّ قيام الصّفات أزليّ وأبديّ وهي قديمة وقيامه ليس بأزليّ وهو متّسم بسمة الحدوث ولكنّ للصّفات نقائض من الاعدام كعدم العلم وعدم القدرة مثلا ومعاملة هذا العارف قد ترقّت من نقاضة الاعدام كما حقّقنا (لا يخفى) أنّ المعاملة إذا ترقّت من نقاضة العدم يتحقّق الوجوب ويصير الممكن واجبا وهو محال (أجيب) انّما يصير الممكن واجبا إذا عرض له الوجود الخارجيّ ولا ثبوت للممكن في غير مرتبة الوهم والحسّ فمن أين يتصوّر في حقّه وجوب الوجود وظهر من هذا البيان بين قيام العارف وقيام الصّفات فرق آخر وهو أنّ قيام الصّفات باعتبار الوجود الخارجيّ وقيام العارف باعتبار الوجود الوهميّ وإن كان له ثبات واستقرار وكان مبدأ للآثار (ينبغي أن يعلم) أنّ بقاء صدور أنا من العارف مربوط ببقاء العدم الذى هو حقيقته فإذا زال العدم لم يبق لأنا مورد حتّى يطلق عليه ومعاملة الثبوت بعد زوال العدم وإن كانت طويلة الذّيل وصار الثبوت ذاتا للممكن ولكن لا مورد لكلمة “ أنا ” هناك وكأنّ وضع لفظ “ أنا ” كان للحقيقة العدميّة حيث تنفر من الحقيقة الثبوتيّة نعم إنّ الجزء الاعظم في الممكن هو العدم وصار الممكن ممكنا من العدم واتّسعت معاملة الممكن من العدم واحتياج الممكن إنّما نشأ من العدم والحدوث اللّازم للإمكان إنّما ترتّب على العدم وكثرة الممكن منشعبة من جهة العدم والامتياز فيه أيضا حصل من العدم والوجود في حقّه مستعار وهو أيضا بالتّخيّل والتّوهّم ولو كان له ثبات واستقرار (واعلموا) أنّ الصّفات القائمة بذات الواجب جلّ سلطانه تظهر الذّات عزّ شأنها بتمامها بلون كلّ واحدة منها لا أنّ بعض الذّات يكون متّصفا بصفة وبعض آخر منها متّصفا بصفة أخرى فإنّه لا تبعّض في حضرة الذّات ولا تجزّي بل هي بسيط حقيقيّ وكلّ حكم يثبت ثمّة فهو باعتبار لكلّيّة كما قالوا إنّ ذات الله تعالى كلّها علم وكلّها قدرة وكلّها إرادة والقيام الذى يحصل للعارف بذات الواجب جلّ سلطانه بلا ملاحظة الاسماء والصّفات أيضا من هذا القبيل حيث تظهر بالكلّيّة بلونه وتبدى مرآتيّتها بتشخّصه على عكس مرايا أخر فهم من فهم. (شعر)

أتقيم يا سعد القيامة من حلا ... وة منطق عطّلت به الببغاء

ومثل هذا الظّهور أعني ظهور المرآة بلون الصّورة بالكلّيّة إن حصل للعارف بعد الفناء الاتمّ بقاء بذلك الظّهور يكون أكمل تعيّناته لكونه وجودا موهوبا حقّانيّا قد تيسّر له بالولادة الثانية وهذا التّعيّن مع حدوثه وإمكانه لمّا كان ناشئا من مرتبة الجمع له مزيّة وفضل على تعيّنات أخر ليست ناشئة من تلك المرتبة كمزيّة حروف القرآن وكلماته على حروف وكلمات أخر وإن كان كلّها متّسمة بسمة الحدوث وأبله من يرى هذا التّعيّن من اقتصار نظره على الظّاهر مساويا لتعيّنات أخر وتزعم مساواة حروف القرآن



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!