موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(80) المكتوب الثمانون أيضا إلى حضرة المخدوم محمد معصوم سلمه الله في بيان استناد الاشياء إلى ذات العارف الموهوبة

 

 


هي ما تكون وراء الظّهورات والصّور وتكون من عالم لا كيفيّ ولا مثليّ ينبغي الإيمان بالرّؤية الاخرويّة دون أن يشتغل بكيفيّتها وكمّيّتها ولميّتها لا مناسبة لخلق الآخرة ووجودها بخلق الدنيا ووجودها أصلا حتّى تقاس أحكام إحداهما على أحكام الاخرى والبصر هناك غير البصر الذى هنا والفهم والإدراك هناك غير الفهم والإدراك اللّذين هنا لها الدوام والابد ولهذا الفناء والزّوال ولها كمال النّظافة وتمام اللّطافة ولهذه غاية الخبث ونهاية الكثافة والشّيخ قدّس سرّه لا يثبت للحقّ جلّ وعلا ظهورا في خارج موطن العلم ولا يجوّز فيما وراء المجالي والمظاهر شهودا ومشاهدة ورؤية (ع) وذلك رأي غير ما هو رأيهم * فماذا نفعل؟ لا أحد في هذه العرصة غير الشّيخ - قدّس سرّه - فأحيانا نحاربه وأحيانا نصالحه وهو الذى أسّس كلام المعرفة والعرفان وشرحه وبسطه وهو الذى تكلّم من التّوحيد والاتّحاد بالتّفصيل وبيّن منشأ التّعدّد والتّكثّر وهو الذى أعطى الوجود بالكلّيّة للحقّ جلّ وعلا وجعل العالم موهوما ومتخيّلا وهو الذى أثبت للوجود التّنزّلات وميّز أحكام كلّ منها عن أحكام الآخر وهو الذى اعتقد العالم عين الحقّ وقال كلّه هو ومع ذلك وجد مرتبة تنزيه الحقّ سبحانه وراء وراء العالم واعتقد الحقّ سبحانه منزّها ومبرّأ من الرّؤية والإدراك والمشايخ المتقدّمون على الشّيخ إن تكلّموا في هذا الباب تكلّموا بالإشارات والرّموز ولم يشتغلوا بالشّرح والتّفصيل والذين جاءوا من بعد الشّيخ من هذه الطّائفة اختار أكثرهم تقليد الشّيخ وساق الكلام على طبق اصطلاحه ونحن المتأخّرون العاجزون أيضا استفضنا من بركاته ونلنا حظّا وافرا من علومه ومعارفه جزاه الله سبحانه عنّا خير الجزاء غاية ما في الباب أنّه لمّا كان كلّ من مظانّ الخطأ ومجال الصّواب مختلطا بالآخر بحكم البشريّة والإنسان أحيانا مخطئ وأحيانا مصيب فلا جرم كان اللّازم جعل الموافقة لأحكام السّواد الاعظم الذين هم أهل الحقّ علامة للصّواب ومخالفتهم دليلا للخطأ أيّا من كان القائل وأيّا ما كان المقول قال المخبر الصّادق عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام “ عليكم بالسّواد الاعظم ” ومقرّر أيضا أنّ تكميل الصّناعة بتلاحق الافكار واختلاف الانظار وإن كان يمكن أن يقال لسيبويه إنّه بنى أحكام علم النّحو ولكنّ النّحو الذى حصل له بتلاحق أفكار المتأخّرين واختلاف أنظارهم كمال وتنقيح شيء آخر حيث حدث فيه زينة أخرى حتّى يمكن أن يقال إنّه نوع آخر وعرض عليه أحكام على حدة رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدًا (١)

(٨٠) المكتوب الثمانون أيضا إلى حضرة المخدوم محمّد معصوم سلّمه الله في بيان استناد الاشياء إلى ذات العارف الموهوبة

__________

(١) الآية: ١٠ من سورة الكهف.

الْحَمْدُ لله الَّذِي هَدانا لِهذا وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا الله لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ (١) عليهم الصّلوات والتّسليمات (اعلم) أنّ للظّلّ إلى أصله طريقا سلطانيّا لا حائل بينهما مقدار تبنة أصلا فإن كان بينهما حيلولة فإنّما هي إقباله على نفسه وإعراضه من الاصل والظّلّ ليس إلّا حامل أمانات الاصل فإنّ كلّ ما فيه من حسن الوجود وكماله وتوابعه مستفاد من الاصل ونصيبه من غير توسّط الاصل لعلّه العدم وهو لا شيء محض ومجرّد اعتبار هذا الظّلّ نسي أصله من كمال جهالته وزعم أماناته من قبل نفسه فخان في الامانة وظنّ نفسه مع وجود قبحه الذّاتيّ حسنا وكاملا ولكنّ مع وجود إقباله على نفسه وإعراضه عن أصله له محبّة وميل طبيعيّ إلى أصله عرف أو لم يعرف بل محبّته لنفسه متعلّقة في الحقيقة بأصله فإنّ الحسن والكمال الذين هما متعلّقا المحبّة من الاصل لا منه فإنّه ليس له شيء غير العدم والقبح حتّى تتعلّق به المحبّة كما حقّق غير مرّة فإذا زال عنه بكرم الله سبحانه مرض الانانيّة والعجب وتخلّص من الجهل المركّب الذى فيه واعترف بكون الامانة من أهل الامانة وحصل له الإعراض عن نفسه بدل الإقبال على نفسه وتبدّل إعراضه عن الاصل بالإقبال عليه فحينئذ يستمسك بحبل السّعادة بيده ويحصل له رجاء الوصول إلى الاصل غاية ما في الباب أنّ العالم لمّا كان ظلال الاسماء والصّفات الواجبيّة كان أصولها هي الاسماء والصّفات وهذه الظّلال أعراض قائمة بأصولها الّتي هي الاسماء والصّفات ليس بينها جوهر حتّى تكون قائمة به وقال النّظام من المعتزلة: بحكم “ الكذوب قد يصدق ” مطّلعا على هذا السّرّ “ العالم بتمامه أعراض لا جوهر حتّى يقوم به ” ولكنّه أخطأ في قوله بقيام هذه الاعراض بأنفسها غافلا عن أصولها الّتي تقوم بها وقال الشّيخ محي الدين بن العربيّ قدّس سرّه من الصّوفيّة إنّ العالم أعراض مجتمعة وجعل قيامها بذات الله جلّ وعلا لا بالاسماء والصّفات الّتي هي أصولها فيا ليت شعري ما معنى القيام بالذّات المجرّدة عن الوجوه والاعتبارات ولا معنى للقيام ثمّة إلّا اختصاص النّاعت بالمنعوت ولا نعت ثمّة فلا قيام وأيضا إنّ القيام من جملة الوجوه والاعتبارات المتعيّنة فلا معنى لإثباته في تلك المرتبة المقدّسة فإذا كان أفراد العالم ظلال الاسماء والصّفات فلا جرم يكون وصولها إلى أصولها الّتي هي الاسماء والصّفات فلو وصل إلى أصول الاصول أيضا لا يكون منتهيا إلى الذّات المجرّدة المقدّسة ولا يقدر أن يتجاوزها ولا مجال هناك للأصالة أيضا فإنّ ثمّة غنا ذاتيّا عن الكلّ لا رسم فيه ولا صفة ولا شأن ولا اعتبار فلا يكون للعالم من مرتبة الذّات المقدّسة نصيب غير الحرمان ولا يكون للوصول والاتّصال فيه مجال ولكن قد جرت عادة الله سبحانه بأن يعطي بعد قرون متطاولة وأزمنة متباعدة من كمال رحمته ورأفته لصاحب دولة بعد الفناء الاتمّ بقاء أكمل وأنموذجا من الذّات الاقدس فكما أنّ قيامه كان أوّلا بأصله الذى هو الاسماء والصّفات يكون الآن قائما بذلك الانموذج ومجموع تلك الاعراض السّابقة الّتي كانت تكون تلك الذّات الموهوبة حقيقتها وينتهي كماله الإنسان إلى نهايته وتتمّ النّعمة في حقّه ها أنا

__________

(١) الآية ٤٣: من سورة الأعراف.

أقول كلاما ينبغي حسن الإصغاء: إنّ القيام بتلك الذّات الموهوبة ليس مخصوصا بذلك العارف بل قيام جميع أفراد العالم الّتي هي أعراض مجتمعة كما كان أوّلا بالاسماء والصّفات جعل الآن مربوطا بتلك الذّات الموهوبة وجعل الكلّ قائما بتلك الذّات الموهوبة.

(شعر) ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد

وسرّ خلافة الإنسان الّتي جاءت في قوله تعالى إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (١) يتحقّق ههنا وحقيقة خبر أنّ الله خلق آدم على صورته تتّضح ثمّة وما قلت من أنّه يعطى أنموذجا من الذّات الاقدس فهو من ضيق ميدان العبارة وإلّا فأين المجال هناك للأنموذج؟ وأيّ شيء يظهر بصورته؟ وأين المجال ثمّة للصّورة؟ (ينبغي) أن يعلم أنّ مثل هذا العارف لا يكون متعدّدا في عصر واحد فإنّه إذا ظهر بعد قرون متطاولة كيف يتصوّر تعدّده في عصر واحد؟ فلو عيّنّا مدّة ظهور مثل هذه الدولة لما صدّقه غير الاقلّين رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدًا (٢) (ينبغي) أن يعلم أنّ العارف الذى شرّف ببقاء الذّات تكون تلك الذّات الموهوبة لا كيفيّة وتكون وراء جميع الوجوه والاعتبارات والذّات الّتي لها نصيب من اللّا كيف لها طريق سلطانيّ إلى الذّات المجرّدة اللّا كيفيّة وتكون الذّات الموهوبة هي كنه العارف فإنّ الكنه عبارة عمّا هو وراء جميع الوجوه والاعتبارات وهذه الذّات ما وراء جميع الاعتبارات ولا كنه لسائر أفراد العالم فإنّ جميع وجودها وجوه واعتبارات ولا ذات لها ما وراء الاعتبارات حتّى يقال لها كنها فإذا لم يكن لها كنه ماذا يكون لها نصيب من كنه الاصل؟ والذي له سبيل إلى الكنه هو الكنه وأيّ مناسبة للوجه مع الكنه وكأنّ الكنه وقع محاذيا للكنه وللوجه انحراف من الكنه فكيف يصل إلى الكنه؟ بل كلّما يكون حركته وسيره أكثر يقع من الكنه أبعد.

(شعر) لن تبلغ الكعبة العلياء يا بدويّ ... إنّ الطّريق الذى تمشي إلى الختن

وإطلاق محاذاة الكنه الكنه من ضيق مجال العبارة وإلّا كيف تتصوّر المحاذاة في تلك الحضرة ولكن تطلق المحاذاة على سبيل التّجوّز لتمثّل ذلك المعنى اللّاكيفيّ بصورة مثاليّة متكيّفة رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (٣)

(اسمع) أنّه لمّا حصل لأفراد العالم الّتي هي أعراض مجتمعة قيام بذات العارف الموهوبة كما مرّ حصلت لها أيضا نسبة بالذّات الاقدس جلّ شأنها بتوسّط ذات العارف المذكورة وحصل لها نصيب من تلك المرتبة المقدّسة من هذه الحيثيّة فإنّ ذات هؤلاء هي عين ذات العارف كأنّها حصل لها بتوسّط

__________

(١) الآية ٣٠: من سورة البقرة.

(٢) الآية: ١٠ من سورة الكهف.

(٣) الآية ٢٨٦: من سورة البقرة.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!