موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(94) المكتوب الرابع والتسعون إلى حضرة المخدوم زاده الخواجه محمد معصوم سلمه الله في بيان دقائق الكمال والجمال الذاتيين ومرتبة مقدسة فوق مرتبتهما

 

 


الولاية المحمّديّة أسبق من الولاية الموسويّة أيضا وأقرب (ووجه) آخر لسبقة الولاية المحمّديّة وقربها (اسمع) انّه كلّما يتعمّق في السّير في هذا المركز الذى هو المحبوبيّة بفضل الله سبحانه وتعالى تعرض لهذا المركز أيضا صورة دائرة يرى مركزها محبوبيّة صرفة ويظهر محيطها محبوبيّة ممتزجة بالمحبّيّة وهي نصيب فرد من أفراد أمّته بتبعيّته عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام بل بتبعيّة الولاية الموسويّة على صاحبها الصّلاة والسّلام الّتي لها مناسبة بمحيط الدائرة ومن ههنا قيل: إنّ الولاية المحمّديّة مركز في جميع الاوقات وكيفيّة المحبّيّة أيضا من بركات تلك الولاية فإنّ المركز الثاني إنّما صار دائرة بامتزاجها به وظهر منه مركز آخر (ينبغي) أن يعلم أنّ هذا المركز الثالث أورث للمعاملة ترقّيا كثيرا وجعلها أقرب من الأقرب (ع) لا عسر في أمر مع الكرام * وما أظهر زيادة على ذلك من هذه الأسرار والدقائق وماذا يقال ويبيّن ممّا وراء التّعيّن الاوّل أكثر من ذلك؟ وإن لم يكن وراء التّعيّن الاوّل لكونه جزءه أو جزء جزئه بواسطة أو بواسطتين ولكنّه بعيد عن التّعيّن الاوّل في النّظر الكشفيّ بمراحل وأقرب منه إلى المطلوب بمنازل (فإن قيل) إنّ كلّ كمال ميسّر للجزء ميسّر للكلّ فإنّ الكلّ عبارة عن ذلك الجزء مع أجزاء أخر فما وجه حصول السّبقة والقرب للجزء دون الكلّ؟ (قلت) إنّ الكمال الذى يحصل للجزء بالاصالة يحصل ذلك للكلّ بتبعيّته للجزء لا بالاصالة ولا شكّ أنّ للأصالة سبقة ليست هي للتبعيّة وللأصل قربا ليس هو للفرع فلو كان مركز الدائرة أسبق قدما من الدائرة في كمالاته المخصوصة به لساغ (والتّحقيق) في الجواب أنّ كمال الجزء إنّما يسري في الكلّ إذا كان ذلك الكمال ناشئا من ماهيّة الجزء الاصليّة وأمّا إذا كان الكمال عرضا لجزء بعد انقلاب ماهيّته لا يلزم أن يسري ذلك الكمال في الكلّ فإنّ ذلك الجزء لم يبق جزء لذلك الكلّ بعد انقلاب ماهيّته حتّى يسري الكمال فيه مثلا إذا جعل جزء من الورق بعمل الإكسير ذهبا وانقلب من ماهيّة الورق إلى ماهيّة الذّهب لا يمكن أن يقال: إنّ كمالات هذا الجزء الذّهبيّة تسري في الفضّة الّتي هي كلّه فإنّ ذلك الجزء لم يبق جزءا لها بعد الانقلاب حتّى تسري كمالاته فافهم وقس عليه معرفة ما نحن فيه. (فإن قيل) إنّ التّعيّن الاوّل الوجوديّ هل له وجود في الخارج أو ثبوت علميّ فقط وكلّ واحد من هذين الشّقّين غير صحيح فإنّه لا موجود في الخارج عند هؤلاء الاكابر غير ذات واحدة تعالت ولا اسم في ذلك الخارج من التّعيّنات والتّنزّلات ولا رسم ولو قلنا بالثّبوت العلميّ يلزم أن يكون التّعيّن العلميّ سابقا عليه وهو خلاف المقرّر؟ (أجيب) انّه ثابت في نفس الامر فلو قيل بالثّبوت الخارجيّ بمعنى أنّ له ثبوتا فيما وراء العلم أيضا لساغ والله سبحانه الملهم للصّواب.

(٩٤) المكتوب الرابع والتسعون إلى حضرة المخدوم زاده الخواجه محمد معصوم سلمه الله في بيان دقائق الكمال والجمال الذاتيين ومرتبة مقدسة فوق مرتبتهما

ونصيب تعيّنات الحبيب والخليل والكليم عليهم الصّلاة والسّلام من تينك المرتبتين وحظّ حضرة شيخنا منها

إنّ الحقّ سبحانه جميل في حدّ ذاته والحسن والجمال الذّاتيّين ثابتان له لا ذلك الحسن والجمال اللّذان ندركهما ونتعقّلهما ونتخيّلهما ومع ذلك في تلك الحضرة مرتبة أقدس لا يمكن الوصول إلى تلك المرتبة من غاية عظمتها وكبريائها ولا يمكن توصيفها بالحسن والجمال والتّعيّن الاوّل الذى هو التّعيّن الوجوديّ تعيّن ذلك الكمال والجمال الذّاتيّين وظلّهما الاوّل وتلك المرتبة الاقدس الّتي لا مجال فيها للحسن والجمال أيضا ليس فيها تعيّن أصلا؛ فإنّها من غاية عظمتها وكبريائها لا تكون متعيّنة بتعيّن أصلا (ع) في أيّ مرآة يكون مصوّرا * ومع ذلك اودع في مركز دائرة التّعيّن الاوّل سرّ وكيفيّة من تلك المرتبة الاقدس وعبّيت فيه علامة من تلك المرتبة المقدّسة المنزّهة عن العلامة فكما أنّ التّعيّن الاوّل منشأ الولاية الخليليّة كذلك السّرّ والكيفيّة المودعان في مركز دائرة التّعيّن منشأ للولاية المحمّديّة على صاحبهما الصّلاة والسّلام والتّحيّة ولذينك الحسن والجمال الذّاتيّين الذين التّعيّن الاوّل ظلّهما شباهة بالصّباحة الّتي هي في عالم المجاز من قبيل حسن الخدّ وجمال الخال ولذلك السّرّ والكيفيّة المودعين في المركز مناسبة بالملاحة الّتي هي وراء رشاقة الخدّ وصباحة الخدّ ووراء حسن العين وجمال الخال وإنّما هو أمر ذوقيّ من لم يعط ذوقا لا يدركه قال الشّاعر.

بي ظبية فيها الملاحة كلّها ... من لي بوصف جمالها ودلالها

فاعرف التّفاوت بين هاتين الولايتين من هذا البيان وإن كان كلتاهما ناشئتين من قرب الذّات تعالت وتقدّست ولكنّ مرجع إحديهما كمالات الذّات ومعاد الاخرى صرف الذّات تعالت فإذا كانت الملاحة فوق الصّباحة فالوصول إلى الملاحة إنّما يتصوّر بعد طيّ جميع مراتب الصّباحة وما لم يتيسّر الوصول إلى جميع مراتب الولاية الإبراهيميّة لا يتيسّر الوصول إلى حقيقة هذه الولاية الّتي هي ذروة الولاية المحمّديّة العليا على صاحبيهما الصّلاة والسّلام ويمكن أن يكون كون نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم مأمورا بمتابعة ملّة إبراهيم عليه السّلام لأن يصل بواسطة تلك المتابعة إلى حقيقة ولايته ثمّ يترقّى منها إلى حقيقة ولاية نفسه الّتي وقع التّعبير عنها بالملاحة ويتحقّق بها وحيث كان لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم مناسبة ذاتيّة بمركز ولاية الخلّة الّتي هي أقرب إلى حضرة إجمال الذّات ومناسبته بمحيط الدائرة أقلّ لكون وجهها إلى تفصيل كمالات الذّات فما لم يتحقّق بكمالات محيط تلك الدائرة أيضا لا تتمّ ولاية الخلّة ومن ههنا ورد في الصّلاة المأثورة “: كما صلّيت على إبراهيم ” " ليتيسّر له كمالات ولاية الخلّة بالتّمام كما كانت ميسّرة لصاحب تلك الولاية على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام ولمّا كان المكان الطّبيعيّ

للولاية المحمّديّة نقطة مركز دائرة الولاية الخليليّة عليهما الصّلاة والتّحيّة وسيره صلّى الله عليه وسلّم أيضا مقصورا على مركز تلك الدائرة تعسّر خروجه منه ودخوله في محيط الدائرة واكتساب كمالاته بالضّرورة لكون ذلك خلاف مقتضى طبيعته فاقتضى الحال أن يكون متوسّط من أفراد أمّته عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام يكون بتبعيّته صلّى الله عليه وسلّم في عين ذلك المركز وتكون له مناسبة بمحيط تلك الدائرة من وجه آخر حتّى يكتسب كمالات تلك المرتبة ويتحقّق بحقيقتها وبحكم “ من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ” يتحقّق نبيّه المتبوع بتلك الكمالات أيضا ويتمّ مراتب الولاية الخليليّة وبيان سرّ هذا المعمّى على ما ظهر لهذا الفقير أنّ نقطة مركز دائرة ولاية الخلّة الّتي امتازت عن سائر نقطها بالمحبّة وإن كانت بسيطة ولكن لمّا كانت متضمّنة لاعتبار المحبّيّة والمحبوبيّة ظهرت منها صورة دائرة محيطها اعتبار المحبّيّة ومركزها اعتبار المحبوبيّة ومنشأ الولاية الموسويّة اعتبار المحبّيّة الّتي هي محيط الدائرة ومنشأ الولاية المحمّديّة اعتبار المحبوبيّة الّتي هي مركز الدائرة ينبغي أن يتصوّر حصول الولاية المحمّديّة ههنا وبعد مضيّ الف سنة عرضت لمركز هذه الدائرة الثانية الّتي الحقيقة المحمّديّة مربوطة بها وسعة أيضا وظهر فيه اعتباران فظهر في صورة دائرة مركزها المحبوبيّة الصّرفة ومحيطها المحبوبيّة الممتزجة بالمحبّيّة ومنشأ الولاية الأحمديّة مركز هذه الدائرة وأحمد اسم ثان للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو عليه الصّلاة والسّلام معروف فيما بين أهل السّموات بهذا الاسم كما قالوا ويمكن أن تكون بشارة عيسى عليه السّلام الذى صار من أهل السّموات بقدوم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم باسم أحمد لذلك ولهذا الاسم المبارك قرب كثير من الذّات الاحد وأقرب إليها من ذاك الاسم الثاني يعني الاسم المبارك محمّدا بمرحلة واحدة كما بيّن وهذا الاسم امتاز من الاسم المبارك أحمد بحلقة ميم واحدة وهي مبدأ المحبّة الّتي صارت باعثة على الظّهور والإظهار وأيضا الميم الذى اندرج في أحمد من مقطّعات الحروف القرآنيّة المنزّلة في أوائل السّور ومن الأسرار الغامضة لحرف الميم هذا خصوصيّة خاصّة به صلّى الله عليه وسلّم وتلك الخصوصيّة صارت باعثة على محبوبيّته صلّى الله عليه وسلّم وجعلته فائقا على الكلّ (ولنرجع إلى أصل الكلام) فنقول إنّ محيط تلك الدائرة الّتي هي عبارة عن المحبوبيّة الممتزجة بالمحبّيّة منشأ ولاية فرد من أفراد أمّته عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام كان له مناسبة بمحيط الدائرة مع حصول الولاية المحمّديّة والمركزيّة وإنّه اكتسب كمالاته وعلم أنّ هذه الدولة الثانية يعني مناسبته بمحيط الدائرة واكتساب كمالاته حصلت له من طريق الولاية الموسويّة وكان هو بتطفّل هاتين الولايتين جامعا لكمالات المركز والمحيط ومن المقرّر أنّ كلّ كمال حاصل للأمّة حاصل لنبيّ تلك الامّة أيضا بحكم “ من سنّ سنّة حسنة» الحديث فتيسّر له صلّى الله عليه وسلّم بتوسّط هذا الفرد كمالات محيط تلك الدائرة أيضا وتمّت ولاية الخلّة في حقّه عليه الصّلاة والسّلام واقترن دعاء ” اللهمّ صلّ على محمّد كما صلّيت على إبراهيم “ ” بعد الف سنة بالإجابة وكان المسئول مستجابا ومعاملته صلّى الله عليه وسلّم بعد تمام ولاية الخلّة مع

ذاك السّرّ الذى أودع في المركز الذى عبّر عنه بالملاحة وأرجع ذلك الفرد من ذلك المقام إلى العالم لحراسة أمّته واختلى بنفسه الكريمة مع المحبوب في حجرة الغيب. (شعر) هنيئا لأرباب النّعيم نعيمها ...

وللعاشق المسكين ما يتجرّع

(ينبغي) أن يعلم أنّ محيط المركز الثالث وإن كان يرى أصغر بالنّسبة إلى محيط مركز التّعيّن الاوّل ولكنّه أجمع فإنّ كلّ ما هو أقرب إلى حضرة الذّات يكون أجمع ينبغي أن يعلم صغره كصغر الإنسان فإنّه مع وجود الصّغر فيه أجمع جميع أصناف العالم وأيضا إنّ الشّخص الذى تحقّق بكمالات هذا المحيط وخرج من إجمال المركز إلى تفصيل المحيط زال عنه عدم مناسبة بالمحيط والتّفصيل الذى كان فيه أوّلا وذهب من تفصيل إلى تفصيل من غير تكلّف وتحقّق بكمالات ذاك التّفصيل أيضا (اسمع) انّه من وجود كمال الاقتدار لما كان نظام العالم منوطا بالحكمة لا بدّ في تربية المحبوبين أيضا من وجود الاسباب وإن لم يكن وجود السّبب غير العلل وسوى نقاب القدرة “ سنّة الله الّتي قد خلت من قبل ولن تجد لسنّة الله تبديلا» (تنبيه) اعلم انّ النّبيّ وإن حصّل بعض الكمالات بتوسّط فرد من أفراد أمّته ووصل إلى بعض المقامات بتوسّله ولكن لا يلزم من ذلك نقص ذاك النّبيّ ومزيّة ذلك الفرد عليه فإنّ ذلك الفرد إنّما نال ذاك الكمال بمتابعة ذاك النّبيّ ووصل إلى هذه الدولة بتطفّله فذاك الكمال في الحقيقة من ذلك النّبيّ ونتيجة المتابعة له وما مثل ذلك الفرد إلّا كمثل خادم يصرف الخراج من خزائن مخدومه ويهيّئ له البسة مزيّنة لتكون باعثة على مزيد حسنه وجماله وزيادة حشمته وجلاله فأيّ نقص ثمّة في المخدوم وأيّ مزيّة للخادم عليه والإمداد إنّما يكون نقصا إذا كان من الاقران وأمّا إذا وقع من الخدّام والغلمان فهو عين الكمال وموجب لازدياد الجاه والجلال والنّاقص من يخلط أحدهما بالآخر ويقع في توهّم المنقصة الا يرون أنّ الملوك يأخذون البلاد والاملاك بإمداد الخدّم والحشّم ويفتتحون القلاع ولا يعلم من هذا الإمداد غير حصول العظمة والابهة للملوك ولا يظهر أيضا شيء من شرف الخدّم والحشّم وعزّتهم والامم خدّام الانبياء عليهم السّلام وغلمانهم فيحصل الإمداد منهم إلى هؤلاء الاكابر فكيف يتوهّم منه منقصتهم وما يقولون إنّ هؤلاء الاكابر ليسوا محتاجين إلى إمداد أصلا وجميع مراتب الكمال حاصل لهم بالفعل مكابرة صريحة فإنّ هؤلاء الاكابر أيضا عباد الله سبحانه يرجون دائما من فيوض فضله وبركات رحمته ويريدون التّرقّي على الدوام وقد ورد في الحديث «من استوى يوماه فهو مغبون ” وقال صلّى الله عليه وسلّم: «سلوا لي الوسيلة “ وورد أيضا في الأحاديث الصّحاح ” كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستفتح بصعاليك المهاجرين " وهذه كلّها طلب إمداد وإعانة والذين لا يجوّزون إمداد الامم وإعانتهم في حقّ هؤلاء الكبراء نظرهم واقع في عظمة الانبياء وعلوّ درجاتهم فلو وقع نظرهم إلى عبوديّتهم أيضا وصار احتياجهم إلى مولاهم معلوما لديهم لما أنكروا إمداد الامم ولا يستبعدون إعانة الخدّام والغلمان رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!