موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(100) المكتوب الموفي مائة إلى الشيخ نور الحق في كشف سر محبة يعقوب ليوسف عليهما السلام مع بيان بعض أسرار عجيبة وعلوم غريبة

 

 


القاضي تولك أدام الله بركاتهم بالدّعوات ويسلّم أولاد الفقير أيضا إلى مخاديمنا الكرام ويلتمسون منهم الدعاء.

(١٠٠) المكتوب الموفي مائة إلى الشّيخ نور الحقّ في كشف سرّ محبّة يعقوب ليوسف عليهما السّلام مع بيان بعض أسرار عجيبة وعلوم غريبة

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قد استفسر أخي الاعزّ الشّيخ نور الحقّ عن محبّة يعقوب ليوسف على نبيّنا وعليهما الصّلوات والتّسليمات بالاهتمام والشّوق التّامّ وكان شوق انكشاف هذا المعنى في هذا الفقير أيضا منذ مدّة ولمّا كان شوقه علاوة على شوق هذا الفقير صرت متوجّها بكلّيتي إلى كشف هذه الدقيقة بلا اختيار فظهر في بادى النّظر أنّ خلقته وحسنه وجماله - على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام - ليست من جنس خلقة النّشأة الدنيويّة وحسنها وجمالها بل إنّ جماله من جنس جمال أهل الجنّة وصار مشهودا أن صباحته مع كونها في هذه النّشأة لها مشابهة بحسن الحور والغلمان ثمّ كتبت ما كان مفاضا في هذا الباب بعد ذلك بكرم الله وفضله تعالى بالتّفصيل وأرسلته إليكم سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمْتَنا (١) (شعر)

وأمسكوني ورى المرأىّ كدرّتهم ... أقول ما قال لي أستاذي الازليّ

(فإن قيل) ما وجه إفراط محبّة يعقوب ليوسف عليهما السّلام وقد قال الله تعالى في حقّه وحقّ آبائه الكرام أُولِي الْأَيْدِي والْأَبْصارِ إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ وإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٢) (فكيف) يكون التّعلّق بما دون الحقّ جلّ وعلا مناسبا لشأن الانبياء أولي الايدي والابصار؟ وكيف يسع المصطفين المخلصين محبّة المخلوقين؟ لا يقال أنّ ذلك ليس بتعلّق بما دون الحقّ تعالى فإنّ المخلوق ليس إلّا مرآة حسنه وجماله تعالى كما قالت الصّوفيّة وجوّزوا شهود الوحدة في مرآة الكثرة وأثبتوا المشاهدات والمكشوفات في مجالي صور الممكنات ومظاهرها في هذه النّشأة سوى الرّؤية الاخرويّة لانّ مثال هذا الكشف والشّهود ممّا يظهر للسّالكين في هذه النّشأة الفانية وقت غلبات التّوحيد وخواصّ الامّة يكادون يستنكفون عنها ويتحاشون فإذا كانت معاملة خواصّ الامّة هكذا فكيف يتحمّل ثبوت هذه الأحوال في حقّ الانبياء المصطفين الاخيار؟ بل تصوّر هذا المعنى في حقّهم عين الوبال (قلت) إنّ جواب هذا السّؤال مبنيّ على مقدّمة وهي: انّ حسن الآخرة وجمالها وكذلك التّلذّذات والتّنعّمات في

__________

(١) الآية: ٣٢ من سورة البقرة.

(٢) الآية: ٤٦ من سورة ص.

ذلك الموطن ليست كحسن الدنيا وجمالها ولا كالتّلذّذات والتّنعّمات فيها فإنّ ذاك الحسن والجمال خير في خير وذاك التّلذّذ والتّنعّم مرضيّ عند المولى جلّ شأنه ومقبول وكلّ هذا الحسن والجمال شرّ ونقص وجميع هذا التّلذّذ والتّنعّم غير مقبول وغير مستحسن ولهذا كانت دار الآخرة دار الرّضا ودار الدنيا دار غضب المولى (فإن قيل) إذا كان الحسن والجمال في الممكن مستعارا من مرتبة حضرة الوجوب - تعالت وتقدّست - ولم يكن الممكن شيئا غير أن يكون مرآة ومظهرا لذلك الحسن والجمال فإنّ الممكن ليس له شيء بل كلّ ما فيه مستعار من حضرة الوجوب فمن أين جاء التّفاوت بين الموطنين؟ ولم كان أحدهما مرضيّا ومقبولا والآخر غير مقبول وغير مستحسن؟ (قلت) جواب هذا مبنيّ على مقدّمات (المقدّمة الاولى) انّ العالم بتمامه مجالي أسماء الواجب ومظاهر صفاته جلّ شأنه ومرايا كمالاته الاسمائيّة والصّفاتيّة (المقدّمة الثانية) انّ صفات الواجب وإن كانت داخلة في دائرة الوجوب ولكن لمّا ثبت لها الاحتياج في الوجود والقيام إلى حضرة الذّات تعالت كانت فيها رائحة من الإمكان والوجوب الذّاتيّ غير مقطوع في حقّها فإنّ وجوبها ليس لنفسها بل لذات الواجب وإن لم يقولوا لها غير الذّات ولكن لا بدّ من الغيريّة فإنّ الاثنينيّة كائنة بينهما. الاثنان متغايران قضيّة مقرّرة من قضايا أرباب المعقول ومع ذلك لا ينبغي إطلاق الإمكان في حقّها لكونه موهما للحدوث لانّ كلّ ممكن حادث عندهم ولا ينبغي تجويز الوجوب بالغير أيضا في ذلك الموطن لانّه موهم لانفكاكها عن حضرة الذّات تعالت وتقدّست (المقدّمة الثالثة) انّ كلّ ما فيه رائحة الإمكان فيه مجال للعدم في حدّ ذاته وإن كان حصوله محالا فإنّ استحالته ما جاءت من نفسه بل من محلّ آخر (المقدّمة الرّابعة) انّ أسماء الواجب وصفاته تعالى كما أنّ لها في جانب وجودها حسنا وجمالا كذلك لها في جانب احتمالها للعدم أيضا حسن وجمال وإن كان ثبوت هذا الحسن في مرتبة الوهم والحسّ ومناسبا للعدم وكان مستعارا من الجوار لانّ العدم لا نصيب له في حدّ ذاته غير الشّرّ والقبح والوجود هو الذي بكلّيّته خير وكمال وبتمامه حسن وجمال (ينبغي) أن يعلم أنّ الحسن الذي يحسّ في العدم كحنظل غلّف بالسّكّر وأوهم أنّه حلو (المقدّمة الخامسة) انّه قد لاح بكرم الله تعالى بالنّظر الكشفيّ أنّ جانب عدم الممكن قد حصلت له التّربية في هذه النّشأة بكمال الاقتدار وثبت له في مرتبة الحسّ والوهم بالصّنع الكامل ثبات واستقرار وجعل مظهرا لحسن الصّفات وجمالها الكائنين في جانب احتمالها للعدم واتّضح أيضا أنّ جانب وجود الممكن يرجّح في النّشأة الاخرويّة ويجعل مظهرا لحسن الصّفات وجمالها الكائنين في جانب وجودها فإذا علمت هذه المقدّمات الخمس صار التّفاوت بين حسن هذه النّشأة وجمالها وبين حسن تلك النّشأة وجمالها واضحا وكان حسن إحدى النّشأتين وقبح الاخرى لائحا وصار المرضيّ متميّزا من غير المرضيّ ومن هذه التّحقيقات انحلّ هذا السّؤال واتّضحت المقدّمة الّتي كان السّؤال الاوّل مبنيّا عليها كما لا يخفى على الفطن المتأمّل فإذا اتّضحت هذه المقدّمة أقول في جواب السّؤال الاوّل بفضل الله جلّ شأنه: إنّه قد صار

معلوما بالكشف الصّريح أنّ وجود يوسف على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام وإن ظهر في هذه النّشأة ولكنّ وجوده من النّشأة الاخرويّة على خلاف وجود سائر موجودات هذه النّشأة وأنّه قد رجح جانب وجوده وجعل مظهرا للحسن والجمال المتعلّقين بوجود الاسماء والصّفات وانتفى عنه تعلّق شائبة العدمية بنفسه أو بأصله وجعل هو وأصله طاهرا من علّة العدم الذي هو منشأ كلّ قبح ونقص ولم يترك فيه غير استيلاء نور جانب الوجود الذي هو نصيب أهل الجنّة فكان التّعلّق بحسنه وجماله كالتّعلّق بحسن الجنّة وجمالها وحسن أهلها وجمالهم محمودا بالضّرورة ونصيبا للكلّ وكلّ ما كان المحبّ أكمل يكون تعلّقه بحسن تلك النّشأة وجمالها أزيد ويكون قدمه في مراضي المولى جلّ شأنه أسبق فإنّ التّعلّق بتلك النّشأة ومحبّتها عين التّعلّق بصاحب تلك النّشأة ومحبّته فإنّ تلك النّشأة ليست إلّا طلسم حكمته ونقاب جماله كرداء الكبرياء والله يَدْعُوا إلى دارِ السَّلامِ (١) نصّ قاطع في هذا الامر والله يُرِيدُ الْآخِرَةَ (٢) حجّة واضحة لهذا المعنى والذى جعل التّعلّق بالآخرة كالتّعلّق بالدّنيا مذموما وجعله مغايرا للتّعلّق بالمولى جلّ شأنه فهو لم يعلم حقيقة الآخرة كما هي وقاس الغائب على الشّاهد مع وجود الفارق البيّن فلو اطّلعت رابعة المسكينة على حقيقة الجنّة كما هي لما كانت في فكر إحراق الجنّة ولما اعتقدت التّعلّق بها مغايرا للتّعلّق بمولاها وقال آخر إن في آية مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا ومِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ (٣) شكاية من الفريقين أعطاهم الله سبحانه الإنصاف كيف يتصوّر أن يدعو الله تعالى إلى جنّة ثمّ يشكو ممّن يجيب دعوته؟ فلو كان التّعلّق بذلك الموطن المقدّس مذموما أو كانت فيه شائبة الذّمّ لما كانت الجنّة دار الرّضا والرّضا هو نهاية مراتب القبول بل كانت مثل الدنيا مغضوبا عليها وعلّة الغضب وباعث الذّمّ العدم الذي هو أصل كلّ قبح ونقص وصار نصيبا للدّنيا وسببا لكونها ملعونة ولمّا حصل التّبرّي من العدم زالت شائبة الذّمّ والقبح وكان عدم الرّضا وعدم المقبوليّة نصيب الاعداء ولم يبق غير الرّضا والقبول والوجود والنّور وغير الوصل والرّاحة والسّرور أصلا قال المخبر الصّادق عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام “ إنّ الجنّة قيعان وإنّ غرسها قولك: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ” والمعنى التّنزيهيّ الذي ظهر ههنا في كسوة الحروف والكلمات يتمثّل هناك بصورة الشّجر فيكون التّعلّق بذلك الشّجر والتّلذّذ منه عين التّعلّق والتّلذّذ بالمعنى التّنزيهيّ وعلى هذا القياس وما بيّنه الصّوفيّة العليّة من الأسرار والدقائق في التّوحيد والاتّحاد ونزلوا على المظاهر الجميلة في هذه النّشأة وعشقوها وأثبتوا في ضمن ذلك شهودا ومشاهدة واعتقدوا حسن تلك المظاهر وجمالها عين حسن المولى وجماله حتّى قال بعضهم ذقتك في كلّ طعام لذيذ وقال الآخر (شعر)

__________

(١) الآية: ٢٥ من سورة يونس.

(٢) الآية: ٦٧ من سورة الأنفال.

(٣) الآية: ١٥٢ من سورة آل عمران.

امروز چون جمال تو در پرده ظاهرست ... در حيرتم كه وعدهء فردا برأي چيست

وقال الثالث:

(شعر) ما همّ قوم بشرب الماء من عطش ... الّا رأوا ما هو المقصود في قدح

صدق أمثال هذه الكلمات بعيد عن فهم هذا الفقير ووجدانه في هذه النّشأة ولا أجد هنا طاقة تحمل هذه الدقائق ولا أراها قابلة لقبول هذه الدولة فلو كانت فيها طاقة وقابليّة لما كانت مغضوبا عليها ولما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الدنيا ملعونة " واللّائق بالكرامات والقابل لهذه المقامات هو الجنّة ذقتك في كلّ طعام لذيذ صادق على طعام الجنّة لا على طعام الدنيا الذي هو مخلوط بماء العدم المسموم ولهذا لم يستحسن ارتكاب ذلك (وعند هذا الفقير) جنّة كلّ شخص عبارة عن ظهور الاسم الإلهيّ الذي هو مبدأ تعيّن ذلك الشّخص وظهر ذلك الاسم بصورة الاشجار والانهار وبصورة الحور والقصور وبصورة الولدان والغلمان فكما أنّ في الاسماء الإلهيّة تفاوتا باعتبار العلوّ والسّفل وباعتبار الجامعيّة وعدمها كذلك في الجنّات أيضا تفاوت بمقدارها فلئن أثبت الشّهود والمشاهدة في ضمن ذلك الظّهور فهو حسن ومستحسن ووضع شيء في موضعه وأمّا إطلاق أمثال هذه الكلمات في غير هذا الموضع فجراءة ووضع شيء في غير موضعه وكأنّ الصّوفيّة العليّة من فرط محبّتهم للمطلوب وكمال اشتياقهم إليه اغتنموا كلّ ما وصل إلى مشامّ أرواحهم من رائحة المطلوب وظنّوه من استيلاء سكر المحبّة عين المطلوب والمقصود وعاملوا معه معاملة العشّاق الّتي تليق بنفس المطلوب واحتظّوا منه بحظوظ وافرة وأثبتوا المشاهدة والمكاشفة قال واحد من الاكابر: (شعر)

ببوى تو از جا جهم مست بيخود ... ز هر سو كه أو از پاى برآيد

نعم أمثال هذه المعاملات مجوّزة في العاشقيّة وعدم القرار والاستراحة من غلبة المحبّة بل مستحسنة لأنّها لأجل الله سبحانه وتعالى وناش من شوق لقاء المطلوب المتفرّد ولخطاءهم حكم الصّواب ولسكرهم حكم الصّحو وورد في الخبر “ سين بلال عند الله شين ”

(شعر) بر اشهد تو خنده زند اسهد بلال

(ينبغي) أن يعلم أنّ مكشوف هذا الفقير هو أنّ رؤية كلّ شخص جنّتيّ في الجنّة أيضا على مقدار ذلك الاسم الإلهيّ الذي هو مبدأ تعيّنه وشخصه ويظهر ذلك الاسم في كسوة الاشجار والانهار والحور والغلمان بمعنى أنّ تلك الاشجار والانهار وغيرها ممّا كان مظاهر ذلك الاسم المقدّس يكون حكمها زمانا بكرم الله تعالى حكم النّاظور وتصير وسيلة إلى رؤية ذلك الشّخص الغير المتكيّفة ثمّ تعود إلى حالتها الاصليّة وتشغله بأنفسها وهكذا إلى أبد الآبدين كالتّجلّي البرقيّ الذّاتيّ الذي أثبتوه في هذه النّشأة فإنّ تجلّي الذّات في حجب الاسماء والصّفات دائميّ في حقّ المستعدّين لتلك الدولة وبعد مدّة ترتفع

حجب الاسماء والصّفات وتتجلّى حضرة الذّات بلا حجب الاسماء والصّفات وحيث انّ ذلك الاسم الإلهيّ اعتبار من اعتبارات الذّات تعالت يكون متعلّق رؤية كلّ شخص ذلك الاعتبار الذّاتيّ الذي هو ربّ ذلك الشّخص بالضّرورة (ولا يتوهّم) هنا أحد تبعّضا وتجزّيا فإنّ الذّات تعالت بتمامها ذلك الاعتبار لا إنّ بعض الذّات ذلك الاعتبار وبعض آخر منها اعتبار آخر فإنّ ذلك علامة النّقص والحدوث تعالى الله عن ذلك (قالوا) إنّ ذات الله تعالى تمامها علم وتمامها قدرة وتمامها إرادة وإن كان كلّ اعتبار تمام الذّات ولكنّ المرئيّ هو ذلك الاعتبار لا اعتبارات أخر ينبغي أن يطلب سرّ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ (١) من ههنا لا يقال إذا لم يكن تميّز بين الاعتبارات وكان كلّ واحد منها عين الذّات فما معنى جعل متعلّق الرّؤية اعتبارا من بين اعتبارات كثيرة لأنّا نقول انّ هذه الاعتبارات وإن كانت عين الذّات بل كلّ واحد منها عين الآخر وليس بينها التّميّز والامتياز الكيفيّين المعتبرين عند مأسوري عالم الكيف ولكنّ بينها امتياز لا كيفيّ والذين تخلّصوا من العالم الكيفيّ واتّصلوا بالعالم اللّاكيفيّ باتّصال لا كيفيّ لا يخفى عليهم هذا الامتياز اللّاكيفيّ بل هو واضح عندهم ويجدونه كامتياز الاذن من العين نعم من كان مبدأ تعيّنه اسم جامع فله من جميع اعتبارات الذّات تعالت وتقدّست نصيب على سبيل الاعتدال على تفاوت الدرجات ولو على سبيل الإجمال ورؤيته متعلّقة بجميعها ولكن لمّا كان ضيق جامعيّة الإجمال الذي هو نصيبه لازما له دائما يكون الإدراك والإحاطة مفقودين في حقّه ويكون لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ (٢) صادقا ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثًا (٣) (ينبغي) أن يعلم أنّه إذا شرّف الله سبحانه عبدا بدولة الفناء الاتمّ بكرمه وخلّصه من قيد العدم الذي كان هو ماهيّته ولم يترك منه عينا ولا أثرا يهب له بعد مثل هذا الفناء وجودا شبيها بوجود النّشأة الاخرويّة ومتعلّقا بترجيح جانب وجود الممكن ويكون مظهر الكمالات جانب وجود الاسماء والصّفات الإلهيّة وقد ذكر تحقيق وجه ذلك فيما سبق وكان يوسف على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام مشرّفا بهذه الدولة بوجوده الاوّل وهذا العارف تشرّف بها بوجوده الثاني بالولادة الثانية ولمّا كان ذاك جبليّا أعطاه الحسن الظّاهر أيضا وهذا لمّا حصل بعد تجشّم الكسب اكتفى فيه بنور الباطن وادّخر له الحسن الظّاهر في الآخرة ومثل هذا العارف بعد الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام عزيز الوجود وأقلّ قليل ومثل هذا العارف وإن لم يكن نبيّا ولكن له بتبعيّة الانبياء شركة في دولة خاصّة بالأنبياء عليهم الصّلوات وهو وإن كان طفيليّا ولكنّه جالس على سفرة نعمتهم وإن كان خادما ولكنّه جالس مع المخدومين وإن كان تابعا ولكنّه مصاحب بالمتبوعين وربّما يمنح أسرارا يغبطه الانبياء عليهم السّلام فيها كما أخبر به المخبر الصّادق عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام ولكنّ مثل هذه المعاملة داخل في فضل جزئيّ والفضل

__________

(١) الآية: ١٠٣ من سورة الأنعام.

(٢) الآية: ١٠٣ من سورة الأنعام.

(٣) الآية: ٨٧ من سورة النساء.

الكلّيّ إنّما هو للأنبياء عليهم السّلام وهذا الفضل أيضا لمّا تيسّر له بسبب متابعته إيّاهم كان منهم وليس العارف غير حامل أماناتهم وآية ولَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١) نصّ القرآن رفع شأن هؤلاء الاكابر فوق شأن غيرهم ونصرهم على الكلّ وجعلهم غالبين (فإن قيل) إنّ هذا العارف الذي وهب له هذا الوجود بعد الفناء الاتمّ هل هو بهذا الوجود أيضا في مرتبة الحسّ والوهم كسائر موجودات هذه النّشأة أو خرج من هذه المرتبة؟ فإن خرج فهل عرض له وجود خارجيّ أو لا؟ ومن المقرّر عند القوم أنّه لا موجود في الخارج غير الحقّ سبحانه وتعالى (قلت) إنّ ما هو صار معلوما في آخر الامر انّه خرج وصار منسوبا إلى نفس الامر ومرتبة الوهم وإن كان حكمها حكم نفس الامر باعتبار الثبات والتّقرّر ولكنّها في الحقيقة لم تكن نفس الامر فإنّ نفس الامر وراء تلك المرتبة وكأنّ هذه المرتبة برزخ بين الوهم والخارج وموجودات النّشأة الاخرويّة كلّها كائنة في مرتبة نفس الامر بل الصّفات الواجبيّة سوى الصّفات الثمانية الحقيقيّة كلّها في تلك المرتبة ولا موجود في مرتبة الخارج غير الذّات الاقدس وغير صفاته الثمانية فظهر للموجودات ثلاث مراتب: مرتبة الوهم الّتي هي نصيب أكثر أفراد هذه النّشأة والانبياء عليهم الصّلاة والسّلام خارجون بأجمعهم عن هذه المرتبة وكذلك الملائكة الكرام عليهم السّلام فإنّ وجودهم مناسب لوجود النّشأة الاخرويّة وصار أقل أولياء العظام مشرّفا بهذه الدولة أيضا وتخلّص من مرتبة الوهم وصار ملحقا بنفس الامر (المرتبة الثانية) مرتبة نفس الامر وفيها صفات الواجب وأفعاله تعالى والملائكة الكرام أيضا موجودون في تلك المرتبة ووجود النّشأة الاخرويّة أيضا ثابت في تلك المرتبة وكذلك الانبياء والاقلّ من الأولياء أيضا خرجوا إلى تلك المرتبة وإنّما الفرق أنّ صفات الواجب جلّ شأنه في مركز ذلك المقام الذي هو أشرف أجزائه وسائر الموجودات في أطراف ذلك المركز وأكنافه على حسب الاستعداد (والمرتبة الثالثة) مرتبة الخارج والموجود هناك الذّات وصفات الواجب الثمانية فإن كان فرق فإنّما هو باعتبار المركز وغير المركز فإنّ الاشرف أنسب بالاقدس (فإن قيل) ما مزيّة الخروج من مرتبة الوهم إلى مرتبة نفس الامر؟ وأيّ قرب مربوط به؟ (قلت) إنّ منشأ كلّ خير وكمال وحسن وجمال هو الوجود وكلّما يكون حصول القوّة والاستقرار للوجود أزيد تكون تلك الصّفات أكمل ولا شكّ انّ الوجود النّفسيّ الامريّ اقوى واثبت من الوجود الوهميّ فيكون الخير والكمال فيه اتمّ واكمل بالضّرورة وأيّ كلام في قرب من كان موجودا في مرتبة صفاته وأفعاله تعالى وحصل له جوار صفات الخالقيّة والرّازقيّة وغيرهما (ينبغي أن يعلم) أنّ ثبوت العدم وكذلك ثبوت الكمالات الّتي ملحوظ فيها شائبة العدم وإن كانت تلك الكمالات من الكمالات الصّفاتيّة كلّه في مرتبة الحسّ والوهم فإنّه ما لم يحصل التّبرّي من العدم بالكلّيّة ولم يزل عين العدم وأثره لا يكون لائقا بالوصول إلى مرتبة نفس الامر وإن كان في الثبوت الوهميّ باعتبار القوّة والضّعف درجات

__________

(١) الآيات: ١٧ ١٧١ ١٧٢ من سورة الصافات.

فإنّه كلّ ما كان العدم أقوى يكون التّعلّق بمرتبة الوهم أتمّ وإذا ضعف يكون التّعلّق أقلّ وكثير من الأولياء الذين جاوزوا مراتب العدم ولم يبق فيهم شيء من العدم غير الاثر وإن لم يكونوا داخلين في مرتبة نفس الامر ما دام هذا الاثر باقيا ولكنّهم يتجاوزون مرتبة الوهم ويصلون إلى نقطتها الأخيرة ويصيرون من نظّار مرتبة نفس الامر ويحصّلون نصيبا من هذا المقام ويكون محسوسا أنّ الانبياء الكرام والملائكة العظام عليهم الصّلاة والسّلام وكذلك بعض متابعي الانبياء وإن كان أقلّ وصلوا إلى نهاية مرتبة نفس الامر ولكلّ منهم هناك موطن خاصّ ومقام على حدة على تفاوت درجاتهم ويشاهد الحروف والكلمات القرآنيّة أيضا هناك يرى مقام هؤلاء فوق مقام الانبياء عليهم الصّلاة والسّلام وكأنّها خرجت من هذا المقام وصارت برزخا بين هذا المقام وبين مقام فوقه قبل الوصول إليه واختارت الإقامة هناك فإنّ المقام الفوقانيّ مخصوص بذات الواجب وصفاته تعالى ولا موجود في الخارج غيره سبحانه وتعالى ولمّا كانت في هذه الحروف والكلمات سمات الحدوث ليست فيها قابليّة الوصول إلى ذلك المقام ولكنّها أسبق قدما من جميع موجودات تلك المرتبة ولها تمسّك بأذيال مدلولاتها والكبراء الذين يقيمون في منتهى مرتبة نفس الامر ناظرون إلى مرتبة فوقانيّة وكأنّهم بكلّيّتهم صاروا أبصارا من كمال شوقهم إليها والعجب أنّ هؤلاء الاكابر مع وجود هذا التّوطّن والإقامة لهم بحكم “ المرء مع من أحبّ ” معيّة مع محبوبهم مجهولة الكيفيّة وهم معه بلا أنفسهم ومأنوسون ومألوفون به بلا اتّحاد الاثنينيّة ولمّا لوحظ في ذلك الاثناء معيّة الحروف والكلمات القرآنيّة بتلك المرتبة المقدّسة علم أنّه لا نسبة لهذه المعيّة بمعيّة الآخرين وأنّها عالية جدّا لا يمكن إدراكها لكونها مربوطة بابطن البطون وأين المجال هناك لفهم المخلوقين ومن علوّ شأن هذه الحروف والكلمات المقدّسة ورد القرآن كلام الله غير مخلوق ويعلم أنّ الكلام النّفسيّ هو هذه الحروف والكلمات كما حقّقه القاضي عضد وقال: إنّ هذه الحروف والكلمات هي الكلام القديم النّفسيّ بلا تقديم وتأخير وجعل التّقديم والتّأخير عائدا إلى قصور الآلات الحادثة.

(فإن قيل) لو كانت هذه الحروف والكلمات كلاما نفسيّا ينبغي أن تكون داخلة في مرتبة الخارج وقد مرّ آنفا أنّها لا تكون داخلة في ذلك المقام فما وجه ذلك؟ (قلت) إنّ هذه الحروف والكلمات حيث كانت مركوزة في الاذهان بالتّقديم والتّأخير يظهر بهذه الملاحظة في النّظر الكشفيّ عدم دخولها في مرتبة الخارج بالضّرورة ولما لوحظت مرّة ثانية بلا ملاحظة التّقديم والتّأخير شوهدت داخلة فيها وملحقة بأصلها بل متّحدة بها فأيّ نسبة لمعيّتها بمعيّة الآخرين فإنّ فيها اتّحادا ولا مجال للاتّحاد في معيّة الآخرين سبحان الله إذا كان هذه الحروف والكلمات القرآنيّة نفس الكلام القديم السّبحانيّ يكون ظهوره في هذه النّشأة بخلاف سائر الصّفات القديمة بنفسه فإنّ الحروف والكلمات على هذا التّقدير نفسه وليس له نقاب غير التّقديم والتّأخير العارضين من جهة قصور آلة التّكلّم فأقرب الاشياء إلى جناب قدس الحقّ جلّ وعلا الذي هو القرآن المجيد أجلى وأظهر في عالم الظّلال بأصالته من غير أن يصيبه غبار الظّلّيّة وجعل التّقديم

والتّأخير حجابا لعيون المحجوبين ولهذا كان أفضل العبادة تلاوة القرآن المجيد وكانت شفاعته أسرع قبولا من شفاعة الآخرين سواء كانت شفاعة ملك مقرّب أو نبيّ مرسل ولا يمكن تفصيل النّتائج والثمرات المترتّبة على تلاوة القرآن وكثيرا ما توصل التّالي إلى محلّ لا مجال فيه لذرّة (فإن قيل) هل هذه الدولة مخصوصة بالحروف والكلمات القرآنيّة واشتركت معها في هذه الدولة حروف سائر الكتب المنزّلة وكلماتها وكانت كلاما نفسيّا كمثلها؟ (قلت) للكلّ شركة في هذه الدولة والفرق الذي يتمثّل في نظر كشفيّ هو أنّ القرآن المجيد كأنّه مركز الدائرة وسائر الكتب المنزّلة بل جميع ما يقع به التّكلّم من الازل إلى الابد كأنّه محيط تلك الدائرة وسائر النّقط كأنّها تفصيله وهو إجمالها قال الله تعالى وإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١) (فإن قيل) قد علم من التّحقيق السّابق أنّ الشّهود والمشاهدة في ضمن المظاهر الجميلة - كما قالوا - غير واقع في هذه النّشأة ولا قابليّة في هؤلاء لمظهريّة تلك المرتبة المقدّسة فهل لها تحقّق في هذه النّشأة في غير هذه المظاهر أو لا؟ (قلت) إنّ معتقد هذا الفقير هو أنّ نصيب هذه النّشأة الإيقان فقط والرّؤية البصريّة والمشاهدة الّتي هي عبارة عن الرّؤية القلبيّة على تفاوت الدرجات نتيجة ذلك الإيقان وثمراته المربوطة بالآخرة نقل صاحب التّعرّف الذي هو من أكابر هذه الطّائفة العليّة في كتابه إجماع المشائخ في هذا الباب وقال: وأجمعوا على أنّه تعالى لا يرى في الدنيا بالابصار ولا بالقلوب إلّا من جهة الإيقان (فإن قيل) إنّ من المقرّر عند هذه الطّائفة العليّة أنّ لليقين مراتب ثلاثا: علم اليقين وعين اليقين وحقّ اليقين وقالوا: إنّ علم اليقين عبارة عن الاستدلال بالاثر على المؤثّر كيقين حاصل بوجود النّار مثلا من طريق الاستدلال بالعلم بوجود الدخان وعين اليقين عبارة عن رؤية النّار نفسها مثلا وحقّ اليقين عبارة عن التّحقّق بالنّار مثلا فإذا فقدت الرّؤية القلبيّة أيضا كيف يتحقّق عين اليقين؟ وكيف يصدق إجماع المشائخ على عدم الرّؤية مطلقا؟ (قلت) لعلّ مراده بالإجماع إجماع المشائخ المتقدّمين والمتأخّرون حكموا على خلاف ذلك وجوّزوا الرّؤية القلبيّة وهذا الحكم لم يثبت عند هذا الفقير وهذه الدرجات الثلاث الّتي بيّنوها لليقين كلّها داخلة في علم اليقين لم تخرج بعد من الاستدلال ولم تتحوّل من العلم إلى العين وما قالوا في تمثيل عين اليقين من رؤية النّار ليس هو رؤية النّار بل رؤية الدخان الّتي استدلّوا بها على وجود النّار فكما أنّه كان في علم اليقين استدلال من العلم بوجود الدخان على وجود النّار كذلك هنا استدلال من رؤية الدخان على وجود النّار وهذا اليقين الثاني أتمّ من اليقين الاوّل لقوّة دليله فإنّ هناك علما بالدّليل وهنا رؤية الدليل وكذلك في حقّ اليقين تحقّق بالدّخان لا بالنّار واستدلال به على النّار وهذا اليقين أتمّ من كلّ من اليقينين السّابقين وأكمل فإنّه استدلال بنفسه الذي صار دخانا على وجود النّار وبين الانفس والآفاق فرق واضح قال الله تعالى سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وفِي أَنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ

__________

(١) الآية: ١٩٦ من سورة الشعراء.

الْحَقُّ (١) وقال الله تعالى وفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢) وكلّ ما يرى في الآفاق والانفس آيات المطلوب لأنفس المطلوب فكان المرئيّ في الآفاق والانفس هو الدخان الذي هو آية النّار لا النّار فتكون المعاملة في الآفاق والانفس هي الاستدلال الذي هو حقيقة علم اليقين وأمّا حقّ اليقين فينبغي تشخيصها فيما وراء الآفاق والانفس سبحان الله كيف قرّر الاكابر وجدان المطلوب في الانفس واعتقدوا خارج الانفس ممّا لا حاصل فيه قال واحد منهم (شعر)

لا تطف في كلّ صوب مثل أع‍ ... مى فإنّ الكلّ معك في العبا

وقال الآخر (شعر)

چون جلوهء ان جمال بيرون ز تو نيست ... پا در دامن وسر در جيب اندر كش

وقال الثالث (شعر)

فلو سعت ذرّة في عمرها طلبا ... خيرا وشرّا ترى في نفسها اكتمانا

قال صاحب الفصوص: التّجلّي من الذّات لا يكون إلّا بصورة المتجلّى له وقال غيره من الاكابر إنّ أهل الله كلّ ما يرون بعد الفناء والبقاء يرون في أنفسهم وكما يعرفون يعرفونه في أنفسهم وحيرتهم في وجود أنفسهم وفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٣) (وعند هذا الفقير) الانفس أيضا كالآفاق ممّا لا حاصل فيه خالية عن وجدان المطلوب فيها ولا نصيب منه لها والذى في الآفاق والانفس هو الاستدلال على المطلوب والدلالة على المقصود والوصول إلى المطلوب مربوط بما وراء الآفاق والانفس ومنوط بما سوى السّلوك والجذبة فإنّ السّلوك سير آفاقيّ والجذبة سير أنفسيّ فيكون السّلوك والجذبة والسّير الآفاقيّ والانفسيّ كلّها داخلة في السّير إلى الله وما قالوا: إنّ السّلوك والسّير الآفاقيّ في السّير إلى الله والجذبة والسّير الأنفسيّ في السّير في الله ماذا نصنع ظهر لهم كذلك وظهر لي هكذا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمْتَنا (٤) (وأين القدرة) لمثلي المسكين الآكل من فضلتهم أن يتكلّم على خلاف مذاقهم ولكن لمّا ترقّت المعاملة من التّقليد قال ما ناله خالف القوم أو وافقهم والتزام أبى يوسف بعد ترقّيه من التّقليد موافقة أبي حنيفة الذي هو أستاذه خطأ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (٥) (فإن قيل) إذا كان هذه الدرجات الثلاث من اليقين داخلة في علم اليقين فما يكون عين اليقين عندك؟ (قلت) إنّ عين اليقين عبارة عن تلك الحالة الّتي هي للدّخان مع النّار فإذا انتهى المستدلّ إلى منتهى درجة الدليل الذي هو الدخان

__________

(١) الآية: ٥٣ من سورة فصلت.

(٢) الآية: ٢٠ ٢١ من سورة الذاريات.

(٣) الآية: ٢١ من سورة الذاريات.

(٤) الآية: ٣٢ من سورة البقرة.

(٥) الآية: ٢٨٦ من سورة البقرة.

تحدث فيه أيضا حالة ثابتة للدّخان مع النّار وعند هذا الفقير هذه الحالة معبّر عنها بعين اليقين فإنّه فوق علم الاستدلال ووراء الآفاق والانفس ولمّا ارتفع حجاب الاستدلال من البين الذي هو نهاية مرتبة العلم خرج الامر من العلم إلى الكشف بالضّرورة وانجرّ من الغيب إلى الشّهود والحضور. (ينبغي أن يعلم) أنّ الشّهود والحضور غير الرّؤية والإحساس الا ترى أنّ شهود الشّمس لضعيف البصر وقت انتشار شعاعها حاصل بخلاف الرّؤية فإنّها غير متحقّقة؟ (تنبيه) أنّ للتّحقّق بالدّخان درجتين وأنّه شامل لعلم اليقين وعين اليقين على التّحقيق الذي ذكرناه فإنّه ما لم يطو جميع نقط الدخان في التّحقّق به ولم ينته إلى نقطته الاخيرة فهو علم اليقين فإنّ كلّ نقطة بقيت حجاب مستلزم للاستدلال فإذا تحقّق بجميع النّقط وانتهى إلى النّقطة الاخيرة خرج من الاستدلال لانّ الحجب قد ارتفعت بالتّمام وثبت له عين اليقين كنفس الدخان فافهم وما ذا أكتب من حقّ اليقين فإنّ كمال تحقّقه مربوط بالنّشأة الاخرويّة فإن كان منه نصيب في الدنيا فهو مخصوص بأخصّ الخواصّ الذي كان السّير الانفسيّ الذي له مشابهة بحقّ اليقين داخلا عنده في علم اليقين وكان الانفس لديه في حكم الآفاق وصار علمه الحضوريّ المتعلّق بالانفس علما حصوليّا وحصل له عين اليقين فيما وراء الآفاق والانفس وقليل ما هم (خاتمة حسنة) في بيان الحسن والجمال المحمّديّين على صاحبهما الصّلاة والسّلام الذين هما متعلّق محبّة ربّ العالمين وأنّه صلّى الله عليه وسلّم كان بذلك الجمال محبوب ربّ العالمين جلّ شأنه. (اعلم) أنّ يوسف على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام وإن كان بالصّباحة الّتي كانت فيه محبوب يعقوب عليه السّلام ولكنّ نبيّنا خاتم الرّسل عليه وعليهم الصّلاة والسّلام بالملاحة الّتي هي فيه محبوب خالق الارض والسّماوات وخلق الارض والسّماء والمكان والزّمان بطفيليّته صلّى الله عليه وسلّم كما ورد (ينبغي أن يعلم) أنّ الخلق المحمّديّ ليس كخلق سائر أفراد الإنسان بل لا مناسبة له بخلق فرد من أفراد العالم وهو صلّى الله عليه وسلّم مع وجود النّشأة العنصريّة خلق من نور الحقّ جلّ وعلا كما قال عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام: «خلقت من نور الله " وهذه الدولة لم تتيسّر لغيره صلّى الله عليه وسلّم وبيان هذه الدقيقة هو أنّه قد مرّ فيما سبق أنّ الصّفات الثمانية الحقيقيّة الواجبيّة وإن كانت داخلة في دائرة الوجوب ولكن فيها بواسطة احتياجها إلى حضرة الذّات رائحة الإمكان فإذا كان في الصّفات الحقيقيّة القديمة مجال لرائحة الإمكان يكون في الصّفات الإضافيّة الواجبيّة ثبوت الإمكان بالطّريق الاولى وعدم قدمها أوّل دليل على الإمكانيّة فيها وقد علم بالكشف الصّريح أنّ خلقته صلّى الله عليه وسلّم ناشئة من الإمكان الذي هو متعلّق بالصّفات الإضافيّة لا الإمكان الذي هو كائن في سائر أفراد العالم وكلّ ما يطالع صحيفة ممكنات العالم بدقّة النّظر لا يشاهد وجوده صلّى الله عليه وسلّم فيها بل يكون منشأ خلقته وإمكانه صلّى الله عليه وسلّم في عالم الممكنات بل يكون فوق هذا العالم فلا جرم لا يكون له ظلّ وأيضا إنّ ظلّ كلّ شخص في عالم الشّهادة الطف من ذلك الشّخص فإذا لم يكن الطف منه صلّى الله عليه وسلّم في العالم كيف يتصوّر له ظلّ (اسمع) انّ صفة العلم من الصّفات الحقيقيّة

وداخلة في دائرة الموجود الخارجيّ فإذا عرضت لها الإضافة وانقسمت بها على العلم الإجماليّ والعلم التّفصيليّ مثلا تكون تلك الاقسام من الصّفات الإضافيّة وداخلة في مرتبة نفس الأمر الّتي هي مقرّ الصّفات الإضافيّة ويشاهد أنّ العلم الإجماليّ الذي صار من الصّفات الإضافيّة نور ظهر في النّشأة العنصريّة بعد الانصباب من الاصلاب إلى الارحام المتكثّرة بمقتضى حكم ومصالح بصورة الإنسان الذي هو على أحسن تقويم وصار مسمّى بمحمّد وأحمد (ينبغي) أن يستمع كمال الاستماع انّ هذا القدر من الإجمال وإن جعل العلم المطلق مقيّدا وأخرجه من الحقيقة إلى الإضافة ولكن لم تحصل منه زيادة في المقسّم أصلا ولم يقيّده شيء قطعا فإنّ إجمال العلم نفس العلم لا إنّه أمر زائد منضمّ إلى العلم بخلاف تفصيل العلم فإنّه يقتضي جزئيّات متكثّرة حتّى يتصوّر التّفصيل والعجب من قيد كان مظهرا للإطلاق والعجب من مقيّد صار نفس المطلق ينبغي أن يلاحظ مثل هذه اللّطافة في مطلق العلم بالنسبة إلى الذّات فإنّه يمكن أن يكون العلم نفس العالم ونفس المعلوم كما أنّه كائن في العلم الحضوريّ بخلاف صفات اخر فإنّها ليست فيها هذه القابليّة فإنّه لا يمكن أن يقال: إنّ القدرة عين القادر وعين المقدور والإرادة عين المريد وعين المراد فللعلم اتّحاد مع ذات العالم واضمحلال فيه ليس ذلك لغيره ينبغي أن يدرك من ههنا قرب أحمد من الاحد فإنّ الواسطة بينهما صفة العلم الّتي له اتّحاد بالمطلوب فكيف يكون للحجابيّة فيها مجال؟ وأيضا في العلم حسن ذاتيّ ليس هو لغيره من الصّفات ولهذا أحبّ صفات الواجب عند الحقّ جلّ وعلا بزعم هذا الفقير هو صفة العلم وحيث انّ في حسنه شائبة اللّاكيفيّة فالحسّ قاصر عن إدراكه وإدراك ذاك الحسن على وجه التّمام مربوط بالنّشأة الاخرويّة الّتي هي موطن الرّؤية فإذا رأوا الله عزّ وجلّ يدركون جمال محمّد صلّى الله عليه وسلّم وإن أعطى يوسف عليه السّلام في هذه النّشأة ثلثي الحسن وقسم الثلث الباقي للكلّ ولكنّ الحسن في النّشأة الاخرويّة هو الحسن المحمّديّ والجمال هو الجمال المحمّديّ عليه الصّلاة والسّلام فإنّه محبوب الحقّ جلّ سلطانه وكيف يكون لحسن الآخرين مشاركة بحسن صفة العلم فإنّ حسنها بواسطة اتّحادها بالمطلوب عين حسن المطلوب ولمّا لم يكن هذا الاتّحاد لغيرها ليس فيه هذا الحسن فالخلقة المحمّديّة عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام مع وجود الحدوث مستندة إلى قدم الذّات تعالت وكانت أحكامها أيضا منتهية إلى وجوب الذّات وكان حسنه حسن الذّات من حيث انّه ليس فيه شائبة غير الحسن فلمّا كان كذلك صار متعلّق المحبّة الجميل المطلق وكان محبوبه " أنّ الله جميل يحبّ الجمال».

(فإن قيل) إنّ قوله تعالى يُحِبُّهُمْ (١) يدلّ على أنّ محبّة الحقّ سبحانه متعلّق بغيره صلّى الله عليه وسلّم أيضا ويكون الآخرون أيضا محبوبيه سبحانه وتعالى فما وجه تخصيصه صلّى الله عليه وسلّم مع كونها موجودة في غيره؟ (قلت) المحبّة قسمان: قسم يتعلّق بذات المحبّ وقسم يتعلّق بغير ذاته

__________

(١) الآية: ٥٤ من سورة المائدة.

والقسم الاوّل محبّة ذاتيّة وهي أعلى أقسام المحبّة فإنّه لا يحبّ أحد شيئا مثل حبّه لنفسه وأيضا هذا القسم من المحبّة أحكم وأوثق فإنّها لا تزول بعروض عارض وأيضا متعلّق هذا القسم محبوب صرف ليست فيه شائبة المحبيّة بخلاف القسم الثاني فإنّها عرضيّة وقابلة للزّوال ومتعلّقه وإن كان من وجه محبوبا ولكن فيه محبّيّة أيضا من وجوه متعدّدة وحيث كان حسن خاتم الرّسل وجماله عليه الصّلاة والسّلام مستندين إلى حسن حضرة الذّات تعالت وجمالها كما مرّ يكون القسم الاوّل الذي هو متعلّق بالذّات متعلّقا به عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام بالضّرورة ويكون صلّى الله عليه وسلّم بتعلّق المحبّة كالذّات محبوبا صرفا ولمّا لم تكن هذه الدولة ميسّرة لغيره وقل نصيبهم من الحسن الذّاتيّ يتعلّق بهم من المحبّة القسم الثاني ويجعلهم محبوبا من وجه والمحبوب المطلق هو النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإنّه كذات المحبّ محبوب دائما ويكون محسوسا انّ غلبة المحبّة الّتي هي في موسى للحقّ سبحانه وكان هو بتلك المحبّة رئيس المحبّين مثلها في الحقّ سبحانه لحضرة خاتم الرّسل عليه وعليهم الصّلاة والسّلام وكلّما يغوص هذا الفقير في بحر هاتين المحبّتين ليدرك التّفاوت بينهما قوّة وضعفا ويجد المحبّة الّتي هي في الخالق أشدّ من محبّة المخلوق بحكم فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغالِبُونَ (١) لا يظهر التّفاوت أصلا وكأنّ هاتين المحبّتين وزنت بميزان العدالة متساويتين ولم يقع بينهما تفاوت بالزّيادة والنّقصان مقدار شعرة.

(فإن قيل) إنّ الصّوفيّة العليّة حكموا بكون تمام أفراد العالم مظاهر الاسماء الإلهيّة ومجاليها ووجدوا حقائق الاشياء عين تلك الاسماء واعتقدوا أنّ الاشياء ظلال الاسماء فجعلوا تمام العالم ظهور الاسماء الإلهيّة فما وجه تخصيص ظهور بعض الاسماء بخلقته صلّى الله عليه وسلّم كما مرّ؟ (قلت) إنّ حقائق الاشياء عند الصّوفيّة هي الاعيان الثابتة الّتي هي عبارة عن الصّور العلميّة للأسماء الإلهيّة لا الاسماء الإلهيّة أنفسها وقالوا: إنّ هذا العالم هو ظهور تلك الصّور العلميّة وإن قالوا إنّه ظهور الاسماء أيضا على سبيل التّجوّز بل الصّورة العلميّة للشّيء عندهم عين ذلك الشّيء لا شبح ذلك الشّيء ومثاله وما قاله هذا الفقير في خلقته صلّى الله عليه وسلّم ظهور نفس الاسم الإلهيّ جلّ شأنه لا ظهور الصّورة العلميّة لذلك الاسم شتّان ما بين نفس الشّيء وبين صورته العلميّة الا ترى أنّ النّار إذا تصوّرت في الاذهان أين لها الاشراق والإضاءة وقد كان كمال النّار وجمالها هو الإشراق والإضاءة وليس في صورتها العلميّة غير شبحها ومثالها قبله أرباب المعقول أو لا بل قالوا إنّها عين النّار ولكنّ كشفنا الصّريح مكذّب لقول من قال بالعينيّة وصورة النّار العلميّة ليست غير شبح النّار الموجودة في الخارج ويكون محسوسا أنّ كلّ ما هو ظهور الصّور العلميّة للأسماء إمكانه ووجوده من قبيل إمكان العالم ووجوده الذي تحقّق له ثبات وتقرّر بصنع الله تعالى في مرتبة الوهم وما هو ظهور الاسم الإلهيّ كما مرّ في خلقته صلّى الله عليه وسلّم

__________

(١) الآية: ٥٦ من سورة المائدة (فإن حزب الله هم الغالبون).

إمكانه من قبيل إمكان الصّفات الإضافيّة ووجوده أيضا مثل وجود تلك الصّفات في نفس الامر ولا يقع النّظر على أحد يكون ظهورا للاسم الإلهيّ جلّ سلطانه غير النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا القرآن المجيد فإنّه أيضا ظهور نفس اسم إلهيّ كما ذكرت شمّة منه فيما سبق (غاية ما في الباب) أنّ منشأ الظّهور القرآنيّ من الصّفات الحقيقيّة ومنشأ الظّهور المحمّديّ من الصّفات الإضافيّة فبالضّرورة قالوا لذلك قديما وغير مخلوق ولهذا حادثا ومخلوقا ومعاملة الكعبة الرّبّانيّة أعجب من هذين الظّهورين الاسميّين فإنّ هناك ظهور معنى تنزيهيّ بلا كسوة الصّور والاشكال فإنّ الكعبة الّتي هي مسجود إليها لجميع الخلائق ليست بعبارة عن الحجر والمدر وليست هي أيضا سقفا وجدرا فإنّه لو لم تكن هذه فرضا تكون الكعبة كعبة باقية على حالها ومسجودا إليها فهناك ظهور ولا صورة أصلا وهذا من أعجب العجائب (اسمع اسمع) انّه وإن لم يكن لأحد شركة في هذه الدولة الخاصّة المحمّديّة ولكن يدرك هذا القدر أنّه قد بقيت بقيّة من تلك الدولة وهي الخاصّة به بعد تخليقه وتكميله عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام فإنّ الزّيادة والفضلة من لوازم خوان ضيافة الكرماء لتكون نصيبا للخدّم وحصّة فأعطيها واحد من أمّته صلّى الله عليه وسلّم وجعلت خمير طينته وجعل بتبعيّته ووراثته شريك دولته الخاصّة به عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام (ع) لا عسر في أمر مع الكرام * وهذه البقيّة كبقيّة طينة آدم عليه السّلام حيث كانت نصيبا لخلقة النّخلة كما قال عليه وعلى آله الصّلاة “ أكرموا عمّتكم النّخلة فإنّها خلقت من بقيّة طينة آدم ” بلى (ع) وللأرض من كأس الكرام نصيب *

(فإن قيل) قد جعل الشّيخ محيي الدين بن عربيّ وأتباعه الحقيقة المحمّديّة عبارة عن حضرة إجمال العلم وقالوا له تعيّنا أوّلا وتجلّيا ذاتيّا واعتقدوا ما فوقه اللّاتعيّن الذي هو حضرة الذّات البحت وأنت جعلته قسما من العلم وأدخلته في الصّفات الإضافيّة الّتي هي دون الصّفات الحقيقيّة فما وجه ذلك؟ (قلت) إنّ الشّيخ محيي الدين بن العربيّ لا يقول بوجود موجود في الخارج غير أحديّة الذّات المجرّدة ولا يثبت الوجود للصّفات ولو كانت حقيقيّة في غير العلم فيكون التّعيّن الاوّل عنده بالضّرورة علما إجماليّا ويتصوّر ثبوت الصّفات بعده فإنّ ثبوتها فرع ثبوت العلم فإنّه لا يقول بثبوتها في غير العلم فيكون العلم أسبق من الكلّ وجامعا لجميع الكمالات والذي صار مكشوفا لدى الفقير هو أنّ الصّفات الحقيقيّة الثمانية كالذّات موجودة في الخارج والتّفاوت إنّما هو باعتبار المركزيّة وعدم المركزيّة كما مرّ وهذا القول موافق لآراء علماء أهل السّنّة والجماعة شكر الله سعيهم حيث قالوا: إنّ وجود الصّفات زائدة على وجود الذّات وعلى هذا التّقدير لا معنى لجعل التّعيّن الاوّل عبارة عن العلم الإجماليّ بل لا مجال لإطلاق التّعيّن أيضا وأسبق جميع الصّفات صفة الحياة وصفة العلم تابعة لها فتقديم العلم عليها غير متصوّر خصوصا إذا انضمّ قيد إلى العلم فإنّه أدون من مطلق العلم وداخل في الإضافيّة كما مرّ نعم إذا قالوا للعلم الإجماليّ إنّه تعيّن أوّل للعلم فله مساغ ويكون تعيّنه الثانيّ علما تفصيليّا (فإن قيل) إنّ الشّيخ محيي الدين

قال للعلم الإجماليّ إنّه حقيقة محمّديّة واعتقد هذه النّشأة العنصريّة ظهوره فله مراده من الظّهور ظهور نفس الاسم كما قلت انت أو ظهور صورة ذلك الاسم كما هو في سائر الممكنات (قلت) مراده ظهور صورة الاسم فإنّ التّعيّن الاوّل عنده قدّس سرّه تعيّن علميّ فإنّه قال للتّعيّنين الاوّلين تعيّنا علميّا وللتّعيّنات الثلاثة الاخيرة تعيّنا خارجيّا والتّعيّن العلميّ هو صورة شأن العلم الذي قال: إنّه عين الذّات في الخارج وأثبت صورته في العلم وتلك الصّورة العلميّة الّتي هي الحقيقة المحمّديّة ظهرت في النّشأة العنصريّة بصورة إنسانيّة محمّديّة (وبالجملة) أنّ كلّ مقام فيه ظهور فهو ظهور الصّورة العلميّة عند الشّيخ وإن كانت صفات الواجب جلّ شأنه فالصّفات لا وجود لها عنده في غير العلم ولا موجود عنده في الخارج غير الذّات البحت (فإن قيل) في تلك المرتبة اتّحاد العلم والعالم والمعلوم وحاصل ذلك هو العلم الحضوريّ فلا يكون لصورة الاسم هناك مجال لانّ حصول الصّورة إنّما هو في العلم الحصوليّ والحاضر في العلم الحضوريّ هو نفس المعلوم لا صورته (قلت) إنّ تلك المرتبة ليست هي مرتبة الذّات البحت ولهذا قال لها تعيّنا وتنزّلا فلا تكون موجودة في الخارج فإذا لم تكن موجودة في الخارج لا بدّ لها من الثبوت العلميّ ولهذا قال لها تعيّنا علميّا ولا بدّ للثّبوت العلميّ من صورة المعلوم فلزم من هذا البيان أنّ في العلم الحضوريّ أيضا صورة للمعلوم مع وجود حضور نفس المعلوم وأنّ الحاضر ليس هو المعلوم الخالص بل تطرّق إليه الاعتبار وأخرجه من النّفس إلى الصّورة ولا يدرك فهم كلّ أحد هذه الدقّة ومن لم يصل إلى الذّات البحت بوصول لا كيفيّ لا يدرك هذه الدقيقة سبحان الله أيّ قدرة واستطاعة لمثلي الفقير العاجز المتأخّر أن يتكلّم بمعارف أكابر الانبياء أولي العزم بعد الف سنة من بعثة خاتم الرّسل عليه وعليهم الصّلاة والسّلام ويبيّن دقائق كمالات المبدأ في شفير المعاد. (شعر)

ولكن سيّدي أعلى مقامي ... فحقّت لي مباهاتي الهلال

كأنّي تربة فيها سحاب ال‍ ... رّبيع ممطر ماء زلالا

فلو لي الف السنة وأثني ... بها ما ازددت إلّا انفعالا

الْحَمْدُ لله الَّذِي هَدانا لِهذا وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا الله لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ (١).

وقد كان في خاطري أن أكتب شمّة من بيان الصّباحة والملاحة الواردتين في الحديث النّبويّ: «أخي يوسف أصبح وأنا أملح " وأن أتكلّم في هذا الباب بالرّمز والإشارة ولكن رأيت أنّ الرّمز والإشارة قاصر في أداء المقصود والمستمعون عاجزون عن فهمه ومقطّعات الحروف القرآنيّة كلّها رموز وإشارات إلى حقائق الأحوال ودقائق الأسرار الكائنة بين المحبّ والمحبوب ولكن من الذي يدركها ويفهمها والعلماء الرّاسخون الذين حكمهم حكم خدّام حبيب ربّ العالمين وغلمانه وإن كان لهم اطّلاع عليها لما أنّه

__________

(١) الآية: ٤٣ من سورة الأعراف.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!