موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(109) المكتوب التاسع والمائة إلى حضرة المخدوم زاده الخواجه محمد معصوم سلمه الله سبحانه في بيان أن إيجاد العالم في مرتبة الوهم ولكنه بواسطة الاستقرار وتعلق الإيجاد به صار منسوبا إلى نفس الامر وهذه المرتبة وراء مرتبة العلم والخارج وبيان أن الوحد

 

 


إنّ المعاملة الّتي تتعلّق بأصل الاصل على نوعين: نوع يمكن معرفتها بصورة مثاليّة أو بأمر آخر وهذه المعاملة موقّتة بوقت كون السّير في مقامات لها مناسبة أو مشاكلة بالعالم ولو بالوجه والاسم وذلك إلى نهاية مقام الرّضا فإذا تيسّر السّير لشخص فوق مقام الرّضا لا يكون له شيء معلوما لا بصورة مثاليّة ولا بأمر آخر فحينئذ يكون لذلك العارف علم بمحض حصول مقامات فوقانيّة من غير أن يكون له شيء منها معلوما حتّى إنّ اسم النّبوّة والرّسالة وأمثالهما أيضا مفقودة في هذه المقامات وأظنّ أنّ الحقّ سبحانه سيعطي في دار الخلد علم تلك المقامات ونهاية هذا السّير إلى مرتبة مخصوصة لا تخفى على أربابها والسّلام.

(١٠٩) المكتوب التّاسع والمائة إلى حضرة المخدوم زاده الخواجه محمّد معصوم سلّمه الله سبحانه في بيان أنّ إيجاد العالم في مرتبة الوهم ولكنّه بواسطة الاستقرار وتعلّق الإيجاد به صار منسوبا إلى نفس الامر وهذه المرتبة وراء مرتبة العلم والخارج وبيان أنّ الوحدة والكثرة كلتيهما في نفس الامر وتحقيق أنّ فناء السّالك مع وجود الثابت والاستقرار بأيّ معنى يكون وهذا المكتوب بقي غير تامّ بواسطة حوادث الايّام

اعلم أنّ مرتبة الوهم عبارة عن مرتبة يكون فيها ظهور بلا وجود كما أنّ صورة زيد مثلا إذا كانت متوهّمة في المرآة فهناك ظهور بلا وجود لانّه لا صورة في المرآة أصلا وليس لها ثبوت فيها غير الظّهور الوهميّ وقد لاح بالكشف الصّحيح والشّهود الصّادق أنّ الحقّ سبحانه خلق العالم من كمال اقتداره في تلك المرتبة وأعطاه بصنعه الكامل ظهورا محضا وإن كان في تلك المرتبة ظهورا بلا كون ووجود ولكن لمّا صار العالم مخلوقا في تلك المرتبة كان ظهورا مع وجود فإنّ إيجاده تعالى يكون مثبتا وموجدا ولمّا كان ظهورا مع وجود كان في مرتبة نفس الامر وترتّبت عليه أحكام وآثار صادقة ومرتبة الوهم هذه وراء مرتبة العلم والخارج ومشابهتها ومناسبتها بمرتبة الخارج أزيد من مناسبة مرتبة العلم بها وثبوتها شبيه بثبوت خارجيّ بخلاف الثبوت العلميّ الذي يقال له وجودا ذهنيّا فإنّه في الطّرف المقابل للوجود الخارجيّ والظّهور الذي هو في مرتبة الوهم له أيضا شبه تامّ بالظّهور الخارجيّ بخلاف مرتبة العلم فإنّ هناك بطونا وكمونا وكأنّه وقع في مرتبة الوهم ظلّ من مرتبة الخارج فأوجد العالم فيها بظلّ الخارج فلا يكون في نفس الخارج موجود غير الذّات الاحديّة ويكون العالم مع هذا التّعدّد والتّكثّر موجودا في ظلّ الخارج بإيجاد الله تعالى بوجود ظلّيّ وفي خارج نفس الامر وحدة وفي ظلّ خارج نفس الامر كثرة كما أنّ المطابق لنفس الامر في العلم أيضا كثرة فتكون الوحدة والكثرة كلتاهما في نفس الامر ويكون لكلّ منهما اعتبار على حدة ولا محذور فيه كما أنّ هذا الخارج والوجود للعالم ظلّيّان كذلك سائر صفاته من

الحياة والعلم والقدرة وغيرها أيضا ظلال صفات الواجب جلّ سلطانه بل نفس الامر الذي يثبت في إثبات العالم أيضا ظلّ نفس الامر الكائن في مرتبة الخارج. (شعر)

ما جئت من بيتى بشيء أوّلا ... ومنحتني ما بي وإنّي بعض ذا

قال الله تعالى وتقدّس أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ (١)

(فإن قيل) إنّك كتبت في رسائلك أنّ ما في الظّلّ كلّه من الاصل وليس في يد الظّلّ شيء غير حمل أمانات الاصل فإذا ردّ السّالك المستعدّ جميع ما في يده من الخير والكمال والوجود وتوابع الوجود بحكم الظّلّيّة إلى أصله ووجد نفسه خاليا من جميع الكمالات يصير متحقّقا بالفناء والاضمحلال بالضّرورة ولا يبقى منه اسم ولا رسم فما حاصل هذا الكلام؟ وما معنى ردّ الكمالات إلى الاصل؟ وبأيّ اعتبار يكون فناء السّالك واضمحلاله مع وجود ثباته واستقراره؟ (قلت) إنّ هذا الفناء يشبه حال شخص لبس أثواب العارية ويعلم أنّها ليس له بل لغيره وإنّما لبسها بطريق العارية فإذا غلبت هذه الرّؤية واستولت استيلاء تامّا يمكن أن يعطى تلك الاثواب مع وجود التّلبّس بها لصاحبها ويجد نفسه عريانا حتّى ينفعل ويستحي من جلسائه بسبب عريه من الثياب ويجرّ نفسه إلى زاوية وحيث انّ السّالك صار مخلوقا في مرتبة التّوهّم والتّخيّل يكفيه الفناء التّخيّليّ أيضا فإنّ استيلاء هذا التّخيّل يوصله إلى اليقين القلبيّ ويجعله ذوقيّا وجدانيّا فيوجد ما هو المقصود من الفناء والاضمحلال لانّ المقصود من الفناء زوال التّعلّق بالظّلّ وحصول التّعلّق بالاصل ولمّا صار رجوع الظّلّ إلى الاصل يقينا وذوقيّا ووجدانيّا زال التّعلّق بالظّلّ بالضّرورة وجاء مكانه التّعلّق بالاصل فلو لم يحصل هذا التّخيّل لما تيسّرت دولة زوال التّعلّق بالظّلّ بل مدار سلوك هذا الطّريق على التّوهّم والتّخيّل والأحوال والمواجيد الّتي هي المعاني الجزئيّة في هذا الطّريق إنّما تدرك بالوهم والتّجلّيات والتّلوينات إنّما تشاهد للسّالكين في مرآة الخيال فلو لا الوهم لقصر الفهم ولو لا الخيال لاستتر الحال لم يوجد في هذا الطّريق شيء أنفع من الوهم والخيال وجاء أكثر إدراكهما وانكشافهما مطابقا للواقع والذي يقطع مسافة خمسين الف سنة كائنة بين العبد والرّبّ في مدّة قليلة بكرم الله تعالى ويوصل العبد إلى درجات عالية هو الوهم والذى يجعل دقائق غيب الغيب وأسراره منكشفة في مرآته ويطلع السّالك المستعدّ عليها هو الخيال ومن شرافة الوهم اختار الحقّ سبحانه خلق العالم في تلك المرتبة وجعلها محلّا لظهور كمالاته ومن جلالة الخيال جعله الله أنموذجا لعالم المثال الذي هو أوسع جميع العوالم حتّى قالوا بوجود صورة فيه لمرتبة الوجوب أيضا وحكموا بأنّ الله سبحانه ليس له مثل ولكن له مثال ولله المثل الاعلى والذى يحسّه العارف في مرآة خياله ويترقّى بذوق وجدانه هو صور الاحكام الوجوبيّة (فإن قيل) قد اتّضح من التّحقيق السّابق أنّ الفناء باعتبار التّخيّل وإن كان موصّلا إلى

__________

(١) الآية: ٤٥ من سورة الفرقان.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!