موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(116) المكتوب السادس عشر والمائة إلى مولانا الشيخ غلام محمد في بيان معنى قوله تعالى إن في ذلك لذكرى الآية وبيان اعتراضات أخر

 

 


تربيتهم إليه والسّعيد من يقوم بحمد هذه الدولة والعاقل من يؤدّي شكر هذه النّعمة ويعدّ الخدمة بمال صاحبه سعادة نفسه ويعتقد تربية عبيد مولاه وإمائه شرف رأسه حمدا لله سبحانه على أنّ أهل تلك البقعة رطب اللّسان بذكره الخير والجاري على السنتهم أحاديث كرمه لا غير.

(١١٦) المكتوب السّادس عشر والمائة إلى مولانا الشّيخ غلام محمّد في بيان معنى قوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى (١) الآية وبيان اعتراضات أخر

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى (قال الشّيخ) الاجلّ قدّس سرّه في كتابه العوارف في الباب الثاني منه في بيان معنى قوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وهُوَ شَهِيدٌ (٢) قال الواسطيّ: أي لذكري لقوم مخصوصين لا لسائر النّاس وهم الذين قال الله تعالى فيهم أَومَنْ كانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْناهُ (٣) وقال الواسطيّ أيضا: المشاهدة تذهل والحجبة تفهم لانّ الله تعالى إذا تجلّى لشيء خضع له وخشع قال الشّيخ: وهذا الذي قاله الواسطيّ صحيح في حقّ أقوام وهذه الآية تحكم بخلاف هذا الامر لأقوام آخرين وهم أرباب التّمكين يجمع لهم بين المشاهدة والفهم لا يخفى أنّ ما قاله الواسطيّ أوّلا يدلّ على أنّ الذّكرى لأهل التّمكين خصوصا لأنّهم الذين أحياهم الله بعد الموت أي أبقاهم بعد الفناء وأهل التّلوين لا فناء لهم ولا بقاء فلا حياة لهم موهوبة ثانية لأنّهم في وسط الطّريق والفناء والبقاء من أحوال الانتهاء وقوله الثاني أنّ ذكره في بيان الآية يدلّ على أنّ الذّكرى لأهل التّلوين في حال الاحتجاب والاستتار لا في وقت المشاهدة والمكاشفة لانّه اوان الذّهول فينا في هذا القول قوله الاوّل وأنّ ذكر هذه المعرفة في توسّط حاله في موضع آخر لا في بيان هذه الآية فلا منافاة ولا اعتراض للشّيخ قدّس سرّه بأنّ ما قاله الواسطيّ صحيح في أقوام أي لأهل التّلوين وهذه الآية تحكم بخلاف هذا الامر لقوم آخرين وهم أرباب التّمكين لانّ الواسطيّ بيّن في معنى الآية أنّ الذّكرى مخصوص بأرباب التّمكين لأنّهم هم الاحياء بعد الموت لا أهل التّلوين غاية ما في الباب أنّه ذكر ثانيا معرفة برأسها في بيان أحوال أهل التّلوين لا تعلّق لها ببيان الآية فلا اعتراض عليه بأنّها تخالف حكم الآية لانّ الآية وردت في حقّ قوم وهذه المعرفة بيان لأحوال قوم آخرين ولو أنّ الواسطيّ لم يخصّ الذّكرى بأهل التّمكين أوّلا وأثبت الذّكرى لأهل التّلوين أيضا في حال احتجابهم بقوله الثاني لما حصل المنافاة بين قوليه ولما ورد اعتراض الشّيخ عليه والظّاهر عندي أنّ الآية الكريمة بيان حال الفريقين فمن كان له قلب هم أرباب القلوب

__________

(١) الآية: ٣٧ من سورة ق.

(٢) الآية: ٣٧ من سورة ق.

(٣) الآية: ١٢٢ من سورة الأنعام.

الذين تلوّنت أحوالهم وهم أصحاب التّلوين وقوله تعالى أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وهُوَ شَهِيدٌ (١) بيان حال أهل التّمكين فإنّهم القوا سمعهم للفهم في حال عين الشّهود إلّا أنّ الذّكرى للقوم الاوّل في بعض الاوقات وللثّاني في جميع الأحوال كما ترى ولو قال الشّيخ قدّس سرّه: وهذه الآية تحكم بخلاف هذا الامر لقوم آخرين أيضا لكان أنسب وكلمة “ أو ” لمنع الخلوّ فلا ينافي الجمع بين الفريقين في الذّكرى ثمّ قال الشّيخ بعد ذلك " فموضع الفهم محلّ المحادثة والمكالمة وهو سمع القلب وموضع المشاهدة بصر القلب فمن هو في سكر الحال يغيب سمعه في بصره ومن هو في حال الصّحو والتّمكين لا يغيب سمعه في بصره لتملّكه ناصية الحال ويفهم بالوعاء الوجوديّ المستعدّ لفهم المقال لانّ الفهم مورد الالهام والسّماع والالهام والسّماع يستدعيان وعاء وجوديّا وهذا الوجود يكون موهوبا منشأ إنشاء ثانيا للتّمكّن في مقام الصّحو وهو غير الوجود الذي يتلاشى عند لمعان نور المشاهدة لمن جاوز على ممرّ الفناء إلى مقارّ البقاء» انتهى قوله فموضع الفهم محلّ المحادثة والمكالمة أي مع الله عزّ وجلّ يغيب سمعه في بصره أي لا يفهم وقت المشاهدة وهو حال أهل التّلوين يذهل عند المشاهدة كما قاله الواسطيّ: لا يغيب سمعه في بصره أي يفهم في عين المشاهدة وهو حال أهل التّمكين يجمع لهم بين المشاهدة والفهم كما مرّ لمن جاوز متعلّق بقوله موهوبا أي موهوبا لمن جاوز الفناء ووصل إلى البقاء لا يخفى أنّه ما معنى المشاهدة في أهل التّلوين والمشاهدة إنّما تكون في الذّات كما قالوا وهو غير واصل بعد إلى الذّات فالاولى في حقّه المكاشفة بالصّفات المتخيّلة المتلوّنة وما هو في الذّات لا تلوين له ولا تغيّر وليس في تلك الحضرة المقدّسة تارة الذّهول وأخرى الشّعور بل شعور في عين الذّهول وفهم في نفس الشّهود والظّاهر من كلام الشّيخ قدّس سرّه جواز وقوع المشاهدة في الدنيا ببصر القلب وصاحب التّعرّف قدّس سرّه وهو إمام الطّائفة منع رؤيته تعالى في الدنيا بالبصر والقلب معا وادّعى الإجماع عليه وقال: وأجمعوا على أنّه تعالى لا يرى في الدنيا بالابصار وبالقلوب إلّا من جهة الإيقان وما قاله صاحب التّعرّف قدّس سرّه أقرب إلى الصّواب عندي بل هو الصّواب لانّ ما يتخيّل أنّه سبحانه يرى فإنّما هو رؤية خيال أي كشف صورة في الخيال للإيقان الذي حصل للقلب وللموقن به أيضا صورة كوشفت للقلب فإنّهم جوّزوا المثال للحقّ سبحانه وإن لم يكن له تعالى مثل فلله المثل الاعلى وإنّما ارتسم في الخيال صورة الإيقان وصورة الموقن به وإن لم يكن له تعالى صورة في الواقع لانّ المعاني الحاصلة للقلب ولسائر اللّطائف بل كلّ ما وجد ويوجد لها صورة في الخيال الذي هو تمثال المثال الذي هو أوسع العوالم كلّها فليس ههنا إلّا ايقان للقلب وصورة إيقان وصورة موقن به تمثّل في الخيال بصورة رؤية ومرئيّ ولا رؤية في الحقيقة للقلب له تعالى فضلا عن أن يكون للبصر وإنّما هي رؤية مثاليّة للقلب تمثّل إيقانه بصورة الرّؤية وتمثّل الموقن به بصورة المرئيّ فظنّ منه أنّه رآه حقيقة وما هي إلّا رؤية خياليّة بل نقول: إنّ صورة الموقن ليست صورة مثاليّة للحقّ سبحانه بل صورة كشف تعلّق الإيقان به وظهرت في الخيال وحاشا لله أن يكون له تعالى

__________

(١) الآية: ٣٧ من سورة ق.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!