موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(41) المكتوب الحادي والأربعون إلى الشيخ درويش في التحريض على متابعة السنة السنية المصطفوية على صاحبها الصلاة والسلام والتحية وبيان أن الطريقة والحقيقة متممتان للشريعة وما يناسب ذلك

 

 


لبّا ولا يدرون ما حقيقة المعاملة بل يغترّون بترّهات الصّوفيّة ويفتتنون بالأحوال والمقامات السّفليّة، هداهم الله سبحانه سواء الطّريق والسّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين.

(٤١) المكتوب الحادي والأربعون إلى الشّيخ درويش في التّحريض على متابعة السّنّة السّنيّة المصطفويّة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة وبيان أنّ الطّريقة والحقيقة متمّمتان للشّريعة وما يناسب ذلك

رزقنا الله سبحانه وتعالى التّحلّي والتّزيّن بمتابعة السّنّة السّنيّة المصطفويّة على صاحبها الصّلاة والسّلام والتّحيّة ظاهرا وباطنا بحرمة النّبيّ وآله الأمجاد عليه وعليهم الصّلوات والتّسليمات إنّ محمّدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم محبوب ربّ العالمين وكلّ شيء حسن ومرغوب فهو لأجل المطلوب والمحبوب; ولهذا قال الله تعالى في كلامه المجيد إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (١) وقال تعالى وتقدّس أيضا إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢) وقال أيضا أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ (٣) فسمّى ملّته صلّى الله عليه وسلّم صراطا مستقيما وجعل ما سواها داخلا في السّبل ومنع عن اتّباعها، وقال عليه الصّلاة والسّلام إظهارا للشّكر وإعلاما للخلق وهداية لهم “ خير الهدي هدي محمّد» (٤) وقال عليه الصّلاة والسّلام أيضا ” أدّبني ربّي فأحسن تأديبي» (٥) والباطن متمّم للظّاهر ومكمّل له لا مخالفة بينهما مقدار شعرة. مثلا عدم التّكلّم بالكذب شريعة ونفي الكذب عن الخاطر طريقة وحقيقة. فإنّ ذلك النّفي لو كان بالتّعمّل والتّكلّف فطريقة وإلّا فحقيقة فكان الباطن الّذي هو الطّريقة والحقيقة متمّما ومكمّلا في الحقيقة للظّاهر الّذي هو الشّريعة، فإن ظهر لسالكي سبل الطّريقة والحقيقة في أثناء طريقهم أمور مخالفة لظاهر الشّريعة وأظهروا ذلك فهو مبنيّ على سكر الوقت وغلبة الحال، فإن جاوزوا ذلك المقام وخرجوا من مضيق السّكر إلى فضاء الصّحو، ترتفع تلك المنافاة بالكلّيّة وتكون تلك العلوم المتضادّة هباء منثورا، مثلا قالت طائفة من السّكر بالإحاطة الذّاتيّة ورأوا أنّ الحقّ محيط بالعالم بالذّات تعالى وتقدّس، وهذا الحكم مخالف لآراء علماء أهل الحقّ; فإنّهم قائلون بإحاطة علميّة، وآراء

__________

(١) الآية: ٤ من سورة القلم.

(٢) الآية: ٣ من سورة يس.

(٣) الآية: ١٥٣ من سورة الأنعام.

(٤) قوله: «وخير الهدى هدى محمد» أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه (محمد مراد القزاني رحمة الله عليه) وأخرجه البخاري موقوفا على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في كتاب: الأدب، باب: في الهدي الصالح.

(٥) قوله: «أدبنى ربي فأحسن تأديبى» أخرجه ابن السمعانى في أدب الاملاء والاستملاء عن ابن مسعود رضي الله عنه ورمز السيوطي في الجامع الصغير برمز الصحة قال السخاوى سنده ضعيف ومعناه صحيح وهو كذلك. (القزاني رحمة الله عليه)

العلماء أقرب إلى الصّواب في الحقيقة، وإذا قال هؤلاء الصّوفيّة بنفسهم بأنّ ذات الحقّ سبحانه وتعالى لا يحكم عليها بحكم يكون الحكم عليها بالإحاطة والسّريان مخالفا لهذا القول. والحقّ أنّ ذاته تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (١) لا سبيل لحكم من الأحكام إليها أصلا، بل في ذلك الموطن الحيرة الصّرفة والجهالة المحضة فكيف يتطرّق السّريان والإحاطة إليها ويمكن الإعتذار من جانب الصّوفيّة القائلين بهذه الأحكام بأنّ مرادهم بالذّات هو التّعيّن الأوّل فإنّهم لمّا لم يقولوا بزيادة ذلك التّعيّن على المتعيّن قالوا لذلك التّعيّن عين الذّات وذلك التّعيّن الأوّل المعبّر عنه بالواحديّة سار في جميع الممكنات فحينئذ يصحّ الحكم بالإحاطة الذّاتيّة. (وههنا) دقيقة ينبغي أن يعلم أنّ ذات الحقّ تعالى وتقدّس عند علماء أهل الحقّ منزّهة عن المثل والكيف وكلّ ما سواها زائد عليها حتّى انّ ذلك التّعيّن لو كان ثابتا عندهم لكان زائدا على الذّات وخارجا عن دائرة اللّامثليّة واللّاكيفيّة، فلا يقال لإحاطته إحاطة ذاتيّة. فكان نظر العلماء أعلى من نظر هؤلاء الصّوفيّة; فإنّ الذّات عندهم كانت داخلة فيما سواها عند العلماء. وعلى هذا القياس القرب والمعيّة الذّاتيّان وموافقة المعارف الباطنيّة لعلوم ظاهر الشّريعة بتمامها وكمالها بحيث لا يبقى مجال المخالفة في النّقير والقطمير، إنّما هي في مقام الصّدّيقيّة الّذي هو فوق مقام الولاية وفوق مقام الصّدّيقيّة مقام النّبوّة. والعلوم الحاصلة للنّبيّ بطريق الوحي منكشفة للصّدّيق بطريق الإلهام وليس بين هذين العلمين فرق سوى كون حصول أحدهما بالوحي والآخر بالإلهام، فكيف يكون للمخالفة مجال فيه وفي كلّ مقام دون مقام الصّدّيقيّة نحو من السّكر.

والصّحو التّامّ إنّما هو في مقام الصّدّيقيّة فحسب وفرق آخر بين هذين العلمين أنّ في الوحي قطعا وفي الإلهام ظنّا فإنّ الوحي بتوسّط الملك والملائكة معصومون ليس فيهم احتمال الخطأ، والإلهام وإن كان له المحلّ المعلّى والمنزل الأعلى الّذي هو القلب الّذي هو من عالم الأمر لكن للقلب نحو من التّعلّق بالعقل والنّفس، والنّفس وإن صارت مطمئنّة بالتّزكية لكنّها لا ترجع عن صفاتها أصلا باطمئنانها فكان للخطأ مجال في ذلك الميدان.

وممّا ينبغي أن يعلم: أنّ لبقاء صفات النّفس مع وجود اطمئنانها منافع كثيرة وفوائد عديدة فإنّه لو كانت النّفس ممنوعة عن ظهور صفاتها بالكلّيّة لكان طريق التّرقّي مسدودا ولظهر في الرّوح صفة الملك بحيث تصير محبوسة في مقامها فإنّ ترقّيها إنّما هو بواسطة مخالفتها النّفس، فإن لم تبق في النّفس مخالفة فمن أين يحصل التّرقّي ولمّا رجع سيّد الكائنات عليه أفضل الصّلوات وأكمل التّسليمات من الجهاد مع الكفّار مرّة قال: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» (٢) فقال للجهاد مع النّفس

__________

(١) الآية: ١١ من سورة الشورى.

(٢) قال السيوطي روى الخطيب في تاريخه من حديث جابر قال قدم النبي عليه السلام من غزاة لهم فقال النبي علية السلام قدمتم خير مقدم وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر قالوا وما الجهاد الأكبر قال مجاهدة العبد هواه انتهى من موضوعات على



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!