موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الدرر المكنونات النفيسة في تعريب المكتوبات الشريفة

للشيخ الإمام الرباني أحمد الفاروقي السرهندي

(43) المكتوب الثالث والأربعون إلى السيد النقيب الشيخ فريد البخاري في بيان أن التوحيد على قسمين شهودي ووجودي وأن ما لا بد منه هو الشهودي المربوط به الفناء وأنه في مرتبة عين اليقين وما فوقه فهو حق اليقين وما يناسب ذلك من الأسئلة والأجوب

 

 


الأكابر وحوله من متعلّقاته جمع كثير فهو محلّ التّرحّم فبماذا نصدّع أزيد من ذلك والسّلام عليكم وعلى سائر من اتّبع الهدى (١).

(٤٣) المكتوب الثّالث والأربعون إلى السّيّد النّقيب الشّيخ فريد البخاريّ في بيان أنّ التّوحيد على قسمين شهوديّ ووجوديّ وأنّ ما لا بدّ منه هو الشّهوديّ المربوط به الفناء وأنّه في مرتبة عين اليقين وما فوقه فهو حقّ اليقين وما يناسب ذلك من الأسئلة والأجوبة والتّمثيلات الموضّحة

سلّمكم الله سبحانه وعصمكم عمّا يصمكم وصانكم عمّا شانكم واعلم أنّ التّوحيد الّذي يظهر في أثناء طريق هذه الطّائفة العليّة على قسمين: توحيد شهوديّ، وتوحيد وجوديّ. فالتّوحيد الشّهوديّ هو مشاهدة الواحد يعني لا يكون مشهود السّالك غير واحد. والتّوحيد الوجوديّ هو أن يعلم السّالك ويعتقد الموجود واحدا وأن يعتقد أو يظنّ غيره معدوما وأن يزعم الغير مع اعتقاد عدميّته مجالى ذلك الواحد ومظاهره. فكان التّوحيد الوجوديّ من قبيل علم اليقين والتّوحيد الشّهوديّ من قبيل عين اليقين وهو من ضروريّات هذا الطّريق. فإنّ الفناء لا يتحقّق بدونه ولا يتيسّر عين اليقين بلا تحقّقه، فإنّ مشاهدة الأحديّة باستيلائها مستلزمة لعدم رؤية ما سواه بخلاف التّوحيد الوجوديّ فإنّه ليس كذلك يعني أنّه ليس بضروريّ فإنّ علم اليقين حاصل بدون تلك المعرفة; لأنّ علم اليقين ليس بمستلزم لنفي ما سواه تعالى.

غاية ما في الباب أنّه مستلزم لنفي علم ما سواه وقت غلبة علم ذلك الواحد واستيلائه مثلا إذا حصل لشخص يقين بوجود الشّمس فاستيلاء هذا اليقين غير مستلزم للعلم بأنّ النّجوم منتفية ومعدومة في ذلك الوقت، ولكن حين رؤيته الشّمس لا يرى النّجوم البتّة ولا يكون مشهوده غير الشّمس، وفي هذا الوقت الّذي لا يرى فيه النّجوم يعلم أنّ النّجوم ليست بمعدومة بل يعلم أنّها موجودة ولكنّها مستورة وفي تشعشع نور الشّمس مغلوبة، وهذا الشّخص في مقام الإنكار لجماعة ينفون وجود النّجوم في ذلك الوقت ويرى أنّ تلك المعرفة غير واقعيّة. فالتّوحيد الوجوديّ الّذي هو نفي ما سوى ذات واحدة تعالت وتقدّست مخالف للعقل والشّرع، بخلاف التّوحيد الشّهوديّ فإنّه لا مخالفة في مشاهدة الواحد ونفي النّجوم وقت طلوع الشّمس مثلا، والقول بأنّها معدومة مخالف للواقع، وأمّا عدم رؤية النّجوم في ذلك الوقت فلا مخالفة فيه أصلا بل هذا إنّما هو بواسطة غلبة ظهور نور الشّمس وضعف بصر الرّائي فإن اكتحل بصر الرّائي بنور الشّمس تحصل له قوّة يرى بها أنّ النّجوم ممتازة من الشّمس وهذه الرّؤية يعني رؤية النّجوم ممتازة من الشّمس في مرتبة حقّ اليقين. وأقوال بعض المشائخ الّتي ترى مخالفة لظاهر

__________

(١) الآية: ٤٧ من سورة طه.

الشّريعة الحقّة ونزّلها بعض النّاس إلى التّوحيد الوجوديّ مثل قول الحسين بن منصور الحلّاج (١): أنا الحقّ وقول أبي يزيد البسطاميّ (٢): سبحاني ما أعظم شأني. وأمثال ذلك. فالاولى والأنسب تنزيلها إلى التّوحيد الشّهوديّ وإبعاد المخالفة عنها فإنّهم لمّا اختفى ما سوى الحقّ سبحانه عن نظرهم تكلّموا بهذه الألفاظ في غلبة ذلك الحال ولم يثبتوا غير الحقّ سبحانه. ومعنى: أنا الحقّ. أنّه الحقّ دون أنا فإنّه لمّا لم ير نفسه لم يثبته، لا أنّه رأى نفسه وقال إنّه الحقّ فإنّ هذا كفر.

(لا يقال) إنّ عدم الإثبات مستلزم للنّفي وهو التّوحيد الوجوديّ بعينه لأنّا نقول: لا يلزم من عدم الإثبات النّفي، فإنّ في ذلك الموطن حيرة بحيث قد سقطت الأحكام فيه بالتّمام وفي قول: سبحاني أيضا تنزيه الحقّ لا تنزيه القائل نفسه فإنّ نفسه قد ارتفع عن نظره بالكلّيّة لا يتعلّق به حكم أصلا. وأمثال هذه الأقوال تظهر من البعض في مقام عين اليقين الّذي هو مقام الحيرة، فإذا ترقّوا من ذلك المقام وبلغوا مرتبة حقّ اليقين يتحاشون من أمثال تلك الكلمات ولا يتعدّون عن حدّ الإعتدال. وقد أشاع التّوحيد الوجوديّ في هذا الزّمان كثير من هذه الطّائفة المتزيّين بزيّ الصّوفيّة ولا يدرون أنّ الكمال فيما وراءه ويقنعون من العين بالعلم وينزلون أقوال المشائخ إلى متخيّلاتهم ويجعلونها مقتدى بها لأوقاتهم وسندا لأحوالهم ويروّجون سوقهم الكاسد بهذه التّخيّلات. ولئن وقع في عبارات بعض المشائخ المتقدّمين فرضا ألفاظ صريحة في التّوحيد الوجوديّ كان ينبغي حملها على أنّهم تكلّموا بهذه الكلمات في الإبتداء حين كونهم في مقام علم اليقين، ثمّ ترقّى حالهم من ذلك المقام وجاوزوا من العلم إلى العين أخيرا.

لا يقال هنا إنّ أرباب التّوحيد الوجوديّ كما أنّهم يعلمون الواحد فقط كذلك هم لا يرون إلّا الواحد فقط فكان لهم نصيب من عين اليقين أيضا. (لأنّا نقول) إنّ أرباب هذا التّوحيد إنّما يرون صورة

__________

(١) الحسين بن منصور الحلاج أبو مغيث: الفارسي البغدادي الصوفي، توفي مصلوبا ببغداد سنة ٣٠٩ هـ، له من التصانيف: بستان المعرفة، تفسير سورة الإخلاص، كتاب الأبد، كتاب الأحرف المحدثة والأزلية والأسماء الكلية، كتاب الأمثال، كتاب التوحيد، كتاب الجيم الأصغر، كتاب الجيم الأكبر، كتاب حمل النور والحياة والأرواح، كتاب خزائن الخيرات ويعرف أيضا بالإلف المألوف، كتاب خلق الإنسان والبيان، كتاب خلق خلائق القرآن والاعتبار، كتاب الذاريات ذروا، كتاب سر العالم والمبعوث، كتاب السمري وجوابه، كتاب السياسة إلى حسين بن حمدان، كتاب السياسة والخلفاء والأمراء، كتاب شخص الظلمات، كتاب الصدق والإخلاص، كتاب الصلاة والصلوات، كتاب الصيهون، كتاب طاسين. الأزل والجوهر الأكبر والشجرة الزيتونة النورية، كتاب الظل الممدود والماء المسكوب والحياة الباقية، كتاب العدل والتوحيد، كتاب علم البقاء والفناء، كتاب الغريب والفصيح، كتاب في: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إلى مَعادٍ، كتاب قرآن القرآن والفرقان، كتاب القيامة والقيامات، كتاب الكبر والعظمة، كتاب الكبريت الأحمر، كتاب كيد الشيطان وأمر السلطان، كتاب الكيفية بالمجاز، كتاب الكيفية والحقيقة، كتاب كيف كان وكيف يكون، كتاب لا كيف، كتاب المتجليات، كتاب مدح النبي والمثل الأعلى، كتاب موابيد العارفين، كتاب النجم إذا هوى، كتاب نور النور، كتاب الوجود الأزل، كتاب الوجود الثاني، كتاب هو هو، كتاب الهيا كل والعالّم والعالم، كتاب اليقظة وبدو الخلق، كتاب اليقين.

(٢) أبو يزيد البسطامي: طيفور بن عيسى بن آدم بن عيسى بن علي بن سروشان أبو يزيد البسطامي، الزاهد المشهور، توفغي سنة ٢٦٤ هـ له من التصانيف: معارج التحقيق في التصوف، ورسائل أخر.

التّوحيد الشّهوديّ المثاليّة لا إنّهم تحقّقوا بذلك التّوحيد. ولا مناسبة للتّوحيد الشّهوديّ بهذه الصّورة المثاليّة في الحقيقة لأنّ وقت حصول ذلك التّوحيد وقت حيرة لا حكم بشيء في ذلك الموطن، وصاحب التّوحيد الوجوديّ مع شهوده لصورة التّوحيد الشّهوديّ المثاليّة من أرباب العلم فإنّه ينفي ما سوى الواحد، والنّفي حكم من الأحكام وهو من مقولة العلم، والعلم لا يجتمع مع الحيرة، فثبت أنّ صاحب التّوحيد الوجوديّ لا حظّ له من مقام عين اليقين. نعم إذا وقع لصاحب التّوحيد الشّهوديّ التّرقّي من مقام الحيرة يبلغ مقام المعرفة الّتي هو مقام حقّ اليقين فيجتمع العلم في ذلك الموطن مع الحيرة والعلم الحاصل قبل الحيرة ومع الحيرة هو علم اليقين. (ويتّضح) هذا الجواب بمثال وهو أنّ شخصا رأى نفسه مثلا سلطانا في المنام بواسطة مناسبة تتعلّق بمقام السّلطنة، ووجد في نفسه لوازم السّلطنة، ومعلوم أنّ ذلك الشّخص لم يصر سلطانا بعد بهذه الرّؤية بل رأى نفسه في صورة السّلطنة المثاليّة ولا مناسبة في الحقيقة للسّلطنة بصورتها المثاليّة أصلا، إلّا أنّ هذا الشّهود ولو كان لصورة مثاليّة يؤذن بوجود الإستعداد في ذلك الشّخص للتّحقّق بحقيقة هذه الصّورة، بحيث لو اجتهد بغاية جهده وكانت عناية الحقّ جلّ شأنه شاملا حاله لبلغ مقام السّلطنة. وفرق ما بين القوّة والفعل كثير، وكم من حديد له قابليّة لأن يكون مرآة لا يصل إلى أيدي الملوك حتّى يصير مرآة بالفعل ولا يحصل له نصيب من جمالهم أين وقعت إلّا أنّي أقول: إنّ سبب تحرير هذه العلوم الغامضة هو أنّ أكثر أبناء هذا الزّمان قد تمسّك بذيل التّوحيد الوجوديّ بعضهم بالتّقليد، وبعضهم بمجرّد العلم، وبعضهم بالعلم الممزوح بالذّوق ولو في الجملة، وبعضهم بالإلحاد والزّندقة. وصاروا يرون الكلّ من الحقّ بل يرون الكلّ حقّا، وطفقوا يخرجون رقابهم بهذه الحيلة من ربقة الإسلام وتكاليف الشّريعة ويخترعون أنواع المداهنات في الأحكام الشّرعيّة، ويفرحون بهذه المعاملات الغير المرعيّة. ولئن اعترفوا بإتيان الأوامر الشّرعيّة إنّما يعترفون به بالتّبعيّة ويتخيّلون المقصود الأصليّ وراء الشّريعة العليّة حاشا وكلّا ثمّ حاشا وكلّا نعوذ بالله سبحانه من هذا الإعتقاد السّوء; فإنّ الطّريقة والشّريعة كلّ منهما عين الآخر لا مخالفة بينهما مقدار شعرة، وإنّما الفرق بينهما بالإجمال والتّفصيل والإستدلال والكشف وكلّما هو مخالف للشّريعة فهو مردود. وكلّ حقيقة ردّته الشّريعة فهو زندقة.

وطلب الحقيقة مع الإستقامة في الشّريعة حال أهل الكمال من الرّجال. رزقنا الله سبحانه وإيّاكم الإستقامة والثّبات على متابعة سيّد البشر عليه وعلى آله الصّلوات والتّسليمات والتّحيّات ظاهرا وباطنا.

وكان العارف بالله حضرة شيخنا وقبلتنا قدّس الله سرّه في مشرب التّوحيد الوجوديّ زمانا، وبيّنه في رسائله ومكاتيبه، ثمّ رزقه الله سبحانه التّرقّي من ذلك المقام أخيرا ووجّه نحو الطّريق الأعظم وخلّصه من مضيق هذه المعرفة. نقل الشّيخ ميان عبد الحقّ الّذي هو من جملة مخلصيه عنه أنّه قال قبل مرض موته بجمعة: إنّه قد صار لي معلوما بيقين يقين أنّ التّوحيد الوجوديّ سكّة صغيرة والطّريق الأعظم غيره، وقد كنت علمت هذا سابقا ولكنّ الآن قد حصل لي يقين آخر». وكان هذا الفقير أيضا في مشرب التّوحيد مدّة حين كنت في ملازمة شيخي وحضوره ولاحت لي مقدّمات كشفيّة في تأييد هذا الطّريق



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!